عند ما يدان الضحية ويبرأ الجلاد

كتابات رأي

الجمعة, 19-03-2021 الساعة 09:42 مساءً بتوقيت عدن

كشفت مسيرات الأسبوع الماضي الاحتجاجية في عدن وابين وحضرموت ومحافظات جنوبية أخرى، عن حالة مرضية مستفحلة في الخطاب السياسي والإعلامي لبعض النخب والشخصيات السياسية والمراكز الإعلامية اليمنية.

أهم ما تمظهر في هذا الخطاب من العدوى المرضية هو إدانة الضحية وتبرئة الجلاد أو التغاضي عن أفعاله المشينة والمهينة له قبل غيره.
تركزت الإدانات على ثلاث نقاط:

١. الأولى ما اسماه هؤلاء بــ "اقتحام قصر المعاشيق" وقال البعض أنّ هذه أعمال فوضوية ولا تعبر عن أي روح حضارية أو مدنية، وأضاف البعض أنها تنفيذ لـ"مخطط انتقالي-إماراتي".

٢. والثانية القول بأنَّ التظاهرات تستهدف إعاقة ما أسموه بـ"انتصارات الجيش الوطني في مأرب وتعز وحجة" وطبعاً لم يقل احد، والضالع، فهذه لا تعنيهم ولا تدخل انتصاراتها في حساباتهم.

٣. الإدعاء بأن الفعاليات الاحتجاجية تمثل تخادماً مع الانقلابيين الحوثيين.

يُمكن تلخيص الأعراض المرضية لهذا الخطاب في المظاهر التالية:

أ. التعرض للنتيجة وإهمال السبب والتعامي عنه، رغم أنّه واضح كالشمس في ظهر نهار صيفي.
ب. البحث عن متآمر خارج المشكلة ولا علاقة له بها، بل ربما هو مساهم في التخفيف من آثار المشكلة وامتصاص تداعياتها.

ج. تبرير الجريمة بأدوات هي من تسببت بالجريمة تفسها.

ولتجنب الإطالة في الحديث نشير إلى الحقائق الناصعة التي تجاهلها كل من حاول إدانة الضحايا والدفاع عن الجناة وسياساتهم الخرقاء من خلال التجاهل أو التبرير.

• إنَّ المتظاهرين الذين خرجوا للمطالبة بحقوقهم، استخدموا الوسائل السلمية التي كان الكثيرون ممن يدينونها اليوم هم من استخدموها وقت حاجتهم، هؤلاء المتظاهرون خرجوا يطالبون بحقوق وخدمات واستحقاقات عرفها أهل عدن قبل قرن، وظلوا يحصلون عليها شهريا ويوميا وعلى مدار الساعة حتى صبيحة ٢٢ مايو 1990، والمتظاهرون في فعاليتهم هذه لم يستخدموا أية وسيلة غير قانونية.

• إنّ المتظاهرين لم يذهبوا لاقتحام قصر المعاشيق بل لعرض طلباتهم على الحكومة ولم يلاقوا من يرد عليهم، بل إنّ قوات الحرس الرئاسي هي من قتحت لهم ابواب منطقة حقات وعموماً هم لم يفعلوا شيئا يمكن تسميته اقتحام، وبالتالي فحكاية الاقتحام نفسها مدحوضة.

• وعلى ذكر اقتحام قصر المعاشيق، نشير إلى إنّ هذا القصر الذي تحول إلى ثكنة عسكرية والبعض قال سجن، هذا القصر ليس مركزاً مقدساً وليس فيه أسرار نووية أو أسرار غزو الفضاء، ولا هو بقعة محرمة على الناس ومباحة لعينة مُصطفاة من الخلق فوق مستوى البشر، فلا تصدعوا رؤوسنا بهذا الموال المقرف.

" لماذا لم يحافظ المتباكون على انتصارات الشمال اليوم- التي حدّ قولهم تعرقلها مظاهرات الجنوب- على ميدي وحجور وصرواح ونهم والحزم وقانية عندما كان الجنوب هادئاً؟ " 

• إنّ البحث عن متآمر خارجي أو حتى محلي هو دليل إفلاس وغباء مركبين، وللأسف هو متلازمة لخطاب كل السلطات اليمنية على مر التاريخ، لكن دحضها أسهل من جرة القلم، لأن الجائع والمريض ومن لا يجد الماء والكهرباء ومن يتعرض مرتبه الشهري (على تفاهة هذا الراتب) للسرقة لا يحتاج إلى دولة بحجم الإمارات أو كيان سياسي بحجم الانتقالي ليُذكره بجوعه ومرضه وحرمانه ونهب حقوقه، ثم لماذا لا تفشلون مؤامرة الإمارات والانتقالي وتعطوا الناس حقوقهم وتريحون وترتاحون.

• أما التباكي على انتصارات مأرب وحجة وتعز، فمع أجلالنا لتضحيات وبطولات أبناء هذه المناطق الأبطال ومن يناصرهم من الوحدات المسلحة ومنها بعض وحدات العمالقة الجنوبية والمتطوعين الجنوبيين، مع كل ذلك نقول لهؤلاء المصابين بالمرض، لقد كنتم في نهم والحزم ومفرق برط وقانية والعبدية وميدي وصرواح وعتمة وحجور، وانسحبتم من كل هذه المواقع وسلمتموها للحوثيين مجاناً، فلماذا لم تحافظوا عليها حينما لم تكن هناك احتجاجات ومطالبة بالحقوق في الجنوب؟... إنني أنصحكم بالبحث عن ذريعة أقل غباءً من هذه الذريعة الخائبة التي يسخر منها الأطفال قبل الكبار.

من المؤسف أنَّ جميع هؤلاء المتحاذقون ما يزالون يعيشون خطاب ولغة وقاموس ما بعد ٧/٧ / ١٩٩٤، ويعتقدون أنّه هناك من المغفلين الجاهزين لتصديقهم في حين أصبح طفل الابتدائية اكثر فطنة وذكاءً من أولئك الذين أكل الزهايمر عقولهم، وتوقفت بهم عجلة المعرفة عند زمن الجريدة الواحدة والتليفزيون الواحد والمحطة الإذاعية الواحدة.

وأخيراً لقد تعلم الجنوبيون من ضحايا السياسات الجائرة المُمتدة منذ ربع قرنٍ ونيف أنّه عندما (يتهنجم) المفلسون ويتطاول الخائبون، فليس هذا سوى علامة من علامات الإفلاس والفشل والخوف من استمرار التمسك بالحق، ولذلك فإن حق الضحايا في التصعيد لبلوغ مطالبهم، وتحقيق أهداف احتجاجاتهم سيستمر وكل ما ندعو إليه هو أن يتنبه إخواننا المحتجين، لمحاولات زرع العابثين والمخربين، والمسيئين بين صفوفهم ممن تكلفهم مراكز القوى بتخريب فعالياتهم السلمية وتشويه مقاصدها المشروعة والعادلة

- صفحة الكاتب على فيسبوك 

كلمات مفتاحية: الجنوب عدن جنوب اليمن شمال اليمن صرواح نهم مأرب الجوف الحوثيين