21-09-2021 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحيلات
على الرغم من أنّ حرب صيف 1994 التي شنها نظام علي عبد الله صالح، وحلفاؤه من تنظيم الإخوان والأفغان العرب على جنوب اليمن، قضت على المشروعية القانونية لمحددات الدولة الجديدة "الجمهورية اليمنية" التي تشكّلت من دولتي اليمن الجنوبي والشمالي، إلا أنّ سيطرة الجماعة الحوثية الدينية، المدعومة من إيران، على العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر 2014، قضت فعليا على المشروعية السياسية والموضوعية لـ "الجمهورية اليمنية"، بعد السقوط الدراماتيكي لعاصمة البلاد، وعززت من التقسيم الجغرافي السابق بين دولتي الجنوب والشمال.
سيطر الحوثيون قبل سبع سنوات من اليوم، خلال ساعات، على مرافق وألوية الدولة العسكرية والمدنية، قيادة الفرقة السادسة والفرقة الأولى مدرع، وقيادة اللواء الرابع للحرس الرئاسي، والقيادة العليا للقوات المسلحة، والبنك المركزي والبرلمان والهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد ومقر وزارة الدفاع، وسط تماهٍ كبير بين سلطات الجماعة وسلطات أجهزة الدولة، كما وصفت ذلك قناة بي بي سي، في نفس العام. (1)
وكان لافتا انهيار مقاومة الجيش اليمني بصورة شبه درامية كما وصفه البعض، وتمكن الحوثيون أيضا من السيطرة على جامعة الإيمان التي يرعاها الشيخ عبد المجيد الزنداني، أحد كبار مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في اليمن. (2)
تراشق الإخوان المسلمون (حزب الإصلاح) وأنصار علي عبد الله صالح لاحقا، الاتهامات بشأن المتسبب في سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء. وعلى الرغم من أنّ الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، فضّل التحالف لاحقا مع الجماعة لمواجهة التدخل الذي تقوده السعودية في البلاد ومكنّهم من مؤسسات عسكرية تابعة لنجله أحمد، قبل أن ينقلبوا عليه، إلا أنّ الإخوان المسلمين عقدوا صفقة صلح مع الحوثيين في صعدة، تكللت عن لقاء شهير جمع أمين عام الحزب عبد الوهاب الآنسي وزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي في نوفمبر 2014، لـ "طي صفحة الماضي" (3). امتنع الإصلاح والقبائل الموالية له كقبيلة حاشد التي ينحدر منها أولاد عبد الله بن حسين الأحمر، عن مواجهة الحشود الحوثية المسلّحة التي اقتحمت صنعاء، رغم الترسانة العسكرية القبلية التي يملكونها، ورغم سيطرة علي محسن الأحمر على ألوية الفرقة الأولى مدرع وامتداد نفوذهم السياسي والقبلي والعسكري داخل أروقة الدولة. (4)
الطرفان متواطئان بتسليم صنعاء للحوثيين بسلام، وفقا لبعض الأطراف المستقلة. وكان هدفهما تمكين الحوثيين من غزو جنوب اليمن لمواجهة "الحراك الجنوبي" المتصاعد هناك. إلا أنّ تلك المساعي فشلت، رغم حجم الضحايا والدمار الكبير الذي سببته الحرب في المدن الجنوبية، خصوصا عدن، التي تحوّلت بسبب ذلك، إلى منطلق استراتيجي للمقاومة العسكرية، بدعم التحالف العربي الذي تقوده السعودية وبمشاركة فاعلة من قوات الإمارات العربية المتحدة، أنقذت حينها ما تبقى من "شرعية" لمنظومة الرئيس هادي، الذي فرّ لاحقا إلى الرياض.
على الرغم من أنّ ذات الإدارة السياسية والعسكرية التي سلمّت صنعاء للحوثيين، هي من أدارت لاحقا الحرب المفترضة في شمال اليمن، ضد الحوثيين بدعم سعودي، إلا أنّها وبعد سبع سنوات، أثبتت أنها تنتهج سيناريو سبتمبر 2014 مرة أخرى، مع فارق استنزاف كبير للتحالف الذي تقوده السعودية، واستثمار الحرب في تفجير مزيد من الصراعات في جنوب اليمن، وتدخل جديد لأطراف إقليمية ودولية وتنامي نشاط المجموعات الإرهابية، وتقوية نفوذ الحوثيين عسكريا وجغرافيا، حتى باتوا يهددون الأراضي والمنشآت داخل العمق السعودي ودول الجوار وأمن البحر الأحمر.
قادت الحرب إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم، وفقا للأمم المتحدة، وقُتل أكثر من 18 ألف مدني، فضلا عن نزوح الملايين، وانهيار الاقتصاد والخدمات واقتراب قطاع كبير من السكان من خطوط المجاعة المبكرة.
عمل الحوثيون على تغيير الخطاب الديني والتعليمي والإعلامي والسياسي داخل المجتمعات التي سيطروا عليها. بات من الملاحظ رؤية شعارات الشيعة منتشرة داخل العاصمة "العربية" صنعاء. زادت الانتهاكات القاسية بحق المرأة والمعارضين، وانتشرت أعمال القمع والاعتقال والتعذيب للصحفيين والناشطين، بلغت حد تنفيذ أحكام إعدام اعتبرتها الأمم المتحدة "غير قانونية" ووصفتها الولايات المتحدة بـ "الوحشية". (5)
باتت الجماعة الدينية تسيطر على غالبية جغرافيا اليمن الشمالي التاريخية، وسط فشل صارخ للتحالف الذي تقوده السعودية في الحد من نفوذ الجماعة، وانعدام وجود رؤية استراتيجية تتعاطى مع الأحداث وفقا لتراكمات النجاح والفشل. حيث اعتمدت الحرب على الإدارة التقليدية للشخصيات والجهات والأحزاب التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الرياض كحركة الإخوان المسلمين وبعض مشائخ القبائل الشمالية ونائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر. لم تحقق دول التحالف نجاح فعلي على المستوى العسكري الميداني، سوى ذلك ما تحقق على يد القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم أبوظبي.
عكست طبيعة الإدارة اليمنية للأزمة فشلها على الإدارة السعودية المسؤولة عن الملف اليمني، على وجه الخصوص، اللجنة الخاصة السعودية، وقادت السعوديين إلى زوايا خانقة، ومنعطفات جانبية أشعلت شهوة الجماعة المدعومة من إيران، وقوّت من شوكتها، ودفعت إلى إضعاف أو محاربة الأطراف التي حققت انتصارات عملية ضد الحوثيين.
مقابل ذلك، وفي ذكرى سقوط شمال اليمن السابع بيد الحوثيين، تحشد الجماعة قواتها داخل أراضي محافظة شبوة الجنوبية الغنية بالنفط. يحذّر بعض المراقبين من تكرار سيناريو إسقاط صنعاء في شبوة.
أبلغت مصادر محلية سوث24 فجر الثلاثاء 21 سبتمبر، عن انسحاب القوات الحكومية الموالية لحزب الإصلاح الإسلامي من عدة مناطق شمال المحافظة. تقدّم الحوثيون في مديرية عين واقتربوا من مفرق يقود إلى مدينة بيحان. في هذ الوقت تنشغل السلطات الرسمية بالمحافظة في قتال قبائل بلحارث الشبوانية، التي ترفض تهريب وبيع النفط الواقع داخل أراضيها لصالح شخصيات نافذة، وفقا لمصادر قبلية.
يسعى الحوثيون، على الأرجح، للسيطرة على حقول النفط الواقعة شمال المحافظة، وبذات الوقت الالتفاف على مدينة مأرب من الجهة الجنوبية، حيث يقاتل مسلحو الحوثي منذ فبراير شباط 2021 لإسقاطها، ومأرب هي آخر معقل للحكومة المعترف بها دوليا في شمال اليمن.
في هذا التوقيت تتعزز المخاوف بشأن صمت السعودية والتحالف العربي غير المسبوق تجاه هذه التطورات. في حين تتعاظم التحديات العسكرية والسياسية تجاه المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسيطر على أجزاء كبيرة من جنوب اليمن، رغم إعلانه لحالة طوارئ وتعبئة عامة في 15 سبتمبر الماضي، لمواجهة "خطر الميليشيات الحوثية". خصوصا وأنّ المجلس يتمسك باستعادة الجنوب، كدولة مستقلة عن الشمال.
وبالمقابل، فشلت الأمم المتحدة والجهود الدولية للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق للنار في اليمن، وتحقيق تسوية شاملة للأزمة طيلة السنوات الماضية. وترتفع وتيرة هذه التحديات مع تعيين المبعوث الأممي الجديد، هانز بروندبيرغ وبدء زياراته الأولى للرياض ومسقط، خصوصا وأن بروندبيرغ أبدى استعدادا لإشراك أطراف جديدة في التسوية التي تقودها الأمم المتحدة، وشدد على أهمية مشاركة "الأصوات الجنوبية" لإيجاد سلام مستدام.
حتى هذا التوقيت لا يزال أفق الحرب قائما وباتساع، مع تآكل منظومة "هادي" المعترف بها دوليا، وانكفاء الرياض على ما يبدو لمواجهات التحديات التي تسببها الهجمات الحوثية الصاروخية، وسحب واشنطن لمنظومات الدفاع من أراضيها والانشغال بالمنافسة مع حليفتها الإمارات.
رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: فرانس برس