تم رفع علم جمهورية اليمن الجنوبيه الشعبية في مقر الأمم المتحدة الصوره من اليسار إلى اليمين: سيف أحمد الضالعي، وزير الشؤن الخارجية في جنوب اليمن، وأحمد علي مساعد، ممثل جنوب اليمن، 12 ديسبمر 1967 (العمري نت- تحسين وتلوين South24 Center)
22-05-2023 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
"بدا الجنوبيون أقرب من أي وقت مضى لاستعادة دولتهم. لكنَّ الخيار القانوني الأمثل والذي ينطبق على وضع الجنوب ظل سؤالًا ملحًا بشكل كبير."
سوث24| عبدالله الشادلي
في 22 مايو 1990، تم الإعلان عن اتفاقية "وحدة" بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية. تم تقويض الاتفاقية التي تم توقيعها في 30 نوفمبر 1989 إلى حد كبير بسبب انقلاب الطرف الشمالي ضد الشريك الجنوبي والغزو المسلح لجنوب اليمن في عام 1994.
آنذاك، أعلن الرئيس الجنوبي علي سالم البيض فك ارتباط الجنوب باليمن الشمالي في 21 مايو 1994 وقيام "جمهورية اليمن الديمقراطية"، بعد أسابيع من خطاب الرئيس الشمالي علي عبد الله صالح بإعلان الحرب في 27 أبريل من ذات العام، لكن خطوة البيض لم تنجح.
نتيجة لهذه الحرب وما تلاها من إقصاء متكامل على كافة المستويات، بدأ الجنوبيون نشاطهم المدني، والعسكري بمستوى أقل لرفض نتائج الحرب. وتشكلت عقب الحرب بعامين حركة حتم المسلحة، ثم برزت عدد من الاحتجاجات السياسية المتقطعة، التي تطالب بإصلاح مسار الوحدة، لكنها لم تتلق استجابة. وصل هذا النشاط إلى ذروته في 2007 بانطلاق الحراك الجنوبي السلمي في مختلف المدن والقرى الجنوبية الذي رفع مطالب استعادة الدولة في الجنوب.
وبعد عقدين ونيف من الزمان، بدأ نظام الوحدة المنتصر بالتفكك والانقسام داخليًا نتيجة امتداد ما عُرف بـ "ثورات الربيع العربي" في 2011 التي تصدرها الإخوان المسلمون [طرف رئيسي في نظام الوحدة] في البلدان العربية ومن بينها اليمن.
وفي سلسلة متوالية من الأحداث، أطيح بعلي عبد الله صالح من منصبه كرئيس لليمن ودخل الحوثيون على خط "الثورة والمعارضة" حتَّى استولوا على صنعاء في أواخر 2014، وبدأوا حربهم بالتحالف مع صالح على الجنوب.
واستطاع الجنوبيون بدعم خليجي طرد القوات الشمالية في 2015، وتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي في 2017 الذي انضوى تحته معظم الحراك الجنوبي ومكوناته بالإضافة للمقاومة الجنوبية وشرائح متنوعة من المجتمع الجنوبي.
مع هذه التطورات، بدا الجنوبيون أقرب من أي وقت مضى لاستعادة دولتهم. لكنَّ الخيار القانوني الأمثل والذي ينطبق على وضع الجنوب ظل سؤالًا ملحًا بشكل كبير على الرغم من إعلان فك الارتباط الذي تعذر تطبيقه نتيجة الانتصار العسكري الشمالي في 1994.
وإلى جانب "فك الارتباط" يحضر "الاستفتاء" كأحد الخيارات التي يتم الحديث عنها، وهو ما يعتقد خبراء أنَّه لا ينطبق على وضع الجنوب القانوني كدولة كانت إلى ما قبل 1990 ذات سيادة واستقلال كاملين.
استعادة الدولة
يتفق رئيس المؤسسة الجنوبية للدراسات والبحوث الاستراتيجية، د. عيدروس النقيب، في أن عودة دولة الجنوب باتت وشيكة.
وقال لمركز سوث24: "عند الحديث عن استعادة الدولة الجنوبية، علينا ملاحظة أنَّ الدولة أصبحت اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى أبناء الجنوب، وأنَّ هناك حالة من الازدواج يعيشها شعبنا الجنوبي بين تحرير الأرض من ناحية وبقاء الارتباط بتحالف 1994، بفعل استمرار حالة الحرب مع الحوثيين".
وأضاف: "اليوم تقوم مجموعة من العناصر أو المقومات التي لا أقول أنّها تمثل مؤيدات لفرضية قيام الدولة الجنوبية، ولكنها تؤكد حتمية انتصار نهج تبني استعادة الدولة الجنوبية، وإعلانها قريبًا في الظرف والوقت الممكنين".
وأكَّد النقيب أنَّ الدولة القادمة "ستكون مختلفة من حيث الشكل والمضمون عمَّا سبقها من التجارب التاريخية"، لافتًا إلى وجود "مؤشرات باقتناع شخصيات سياسية ووطنية شمالية نافذة بحق الجنوبيين".
ويرى الخبير أنَّ "الوضع المزدوج ربما يشكل إعاقة على طريق إعلان الدولة الجنوبية"، ومع ذلك "هناك بعد قانوني لاستعادة الدولة الجنوبية تضمنته وثائق الأمم المتحدة، وقرارا مجلس الأمن رقم 924 و931 للعام 1994"، وفقًا له.
وينص القراران على "رفض فرض الوحدة بالقوة، والدعوة للحوار بين الدولتين؛ من أجل حسم موضوع النزاع". وبشأن ذلك، قال النقيب: "كان يجري الحوار حينها حول الدولة الواحدة أو فكّ الارتباط".
وأضاف: "اتفاقية «فينّا» للعام 1961 المتعلقة بالاتفاقيات الدولية ما بين الدول، تنصُّ على إنه إذا تنصلت إحدى الدولتين أو خرقت بنود الاتفاقية الثنائية، فإنه يحق للدولة الأخرى أن تُعلن أنها في حلّ من هذه الاتفاقية".
وأشار النقيب إلى أنّ هذا "يدعم أيضًا حق الجنوبيين في استعادة دولتهم، وإن كانوا قد تأخروا 30 عاماً عن إنجاز هذا الحق".
التوصيف القانوني الدقيق
وفقاً للخبير عيدروس النقيب، فإنَّه عند الحديث عن التوصيف القانوني الدقيق لوضع الجنوب "يجب الانتباه إلى أن الحديث هنا عن استعادة الدولة الجنوبية بحدود 21 مايو 1990". مضيفًا: "نحن لم ننفصل؛ لأنَّنا لسنا إقليم أو أقلية من دولة ظلت مستقرة تاريخياً، ولكن دخلنا في شراكة ثنائية بين دولتين ذاتي سيادة".
وأردف: "لقد فشلت هذه الشراكة وانتهت بالحرب التي أطاحت باتفاقية 30 نوفمبر لعام 1989 التي سبقت إعلان الوحدة في 22 مايو، لهذا فالتوصيف القانوني لهذه الحالة هو استعادة الدولة الجنوبية، وفك الارتباط عن الدولة الشمالية".
ويلفت النقيب إلى أنَّ "القانونيين يميزون بين معنى الانفصال وتقرير المصير وفك الارتباط، حيثُ إنّ فك الارتباط يكون دائمًا مبني على أساس أن هناك اتفاق بين طرفين، أحدهما يريد أن يخرج منه بسبب فشل هذا الاتفاق وهو بالضبط ما حصل مع اتفاقية 30 نوفمبر 1989 وإعلان 22 مايو 1990".
الاستفتاء
من ناحية أخرى، يأخذ الحديث عن الاستفتاء بين الجنوبيين بشأن تحديد مستقبلهم واستعادة دولتهم حيزًا من الطرح حول حل قضية الجنوب، لكنَّ هذا الخيار لا ينطبق قانونيًا على وضع الجنوب كما يؤكد الخبير عيدروس النقيب.
وخلال الفترة الماضية، ورد الاستفتاء رسميًا كآلية لتنظيم كثير من الملفات ضمن دولة الجنوب نفسها لا ضمن آلية استعادة هذه الدولة. ومن ذلك ما نص عليه الميثاق الوطني الجنوبي الذي أعلن في 8 مايو الجاري، بشأن اسم الدولة المنشودة.
اقرأ المزيد: إعلان الميثاق الوطني الجنوبي وشكل الدولة القادمة
ويرى رئيس مركز المعرفة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، د. عمر باجردانة: أنَّ "الاستفتاء ليس خياراً قانونياً صائباً، في ظل التحديات والمتغيرات والتراكمات التي جرت خلال فترة الوحدة اليمنية".
وقال باجردانة لمركز «سوث24»: "أعتقد أنَّ فك الارتباط هو الخيار القانوني الأفضل للحالة التي جرت بعد اجتياح الجنوب عسكريًا بعد العام 1994، خاصة وأنّه تم هذا الإجراء من قبل الرئيس الجنوبي السابق، علي سالم البيض في 21 مايو 1994".
ويعتقد د. عيدروس النقيب أنَّ "خيار الاستفتاء لم يعد اليوم ممكنًا، كما أنّه ليس من متطلبات المرحلة الراهنة حتّى يتم إعلان الدولة الجنوبية".
وأضاف: "الجنوب يعيش وضع دولتين، ولا ينقصه سوى الاعتراف به رسميًا. لذلك نحن نقول إنّ أفضل الخيارات لنا وللأشقاء في الشمال هو الجلوس على طاولة تفاوض ثنائية حتّى يتم إقرار آليات الانتقال إلى الدولتين رسميًا، والاعتراف بالدولتين، وتحديد خيارات الشراكات المستقبلية بين الدولتين".
وتعزز مخاوف التغيير الديمغرافي في الجنوب منذ 1990 وحتَّى اليوم من حالة الرفض لإجراء الاستفتاء لحل قضية الجنوب. وفي هذا السياق، أكَّد الخبير الاجتماعي د. فضل الربيعي أنَّ "ملف النازحين في الجنوب قنبلة ديمغرافية سياسية موقوتة".
وأضاف لمركز سوث24: "قضية شعب الجنوب التي برزت بشكل واضح مع فشل مشروع الوحدة، جعلت الشريك الآخر يفكر منذ الوهلة الأولى بموضوع الغلبة السكانية. وبالتالي تم تجنيد وتحشيد المجتمع بالشمال ضد الجنوب".
ولفت الربيعي إلى أنَ حالة "النزوح السياسي" من الشمال إلى الجنوب بلغت أوجها خلال الثمانية الأعوام الأخيرة مع حرب 2015. مضيفًا: "لا ننكر أنَّ هناك حالات للنزوح الإنساني، لكن تم توظيف هذا الجانب في بُعد آخر".
وذكر الربيعي مؤشرات على هذا المخطط: "لقد لاحظنا أنّه تمّ في وقت مبكر استخراج بطائق الهوية الشخصية للشماليين في الجنوب والتلاعب بالسجل المدني". مضيفا: "مع الأسف الشديد، أنشأت لهم الدولة مؤخرًا وحدة خاصة تتبع رئاسة الوزراء، وأعدوا لها ميزانية ضخمة جدًا".
ومن الناحية القانونية، قال الربيعي: "لا يمكن احتساب هؤلاء ضمن قوام الساكنين المقيمين في الجنوب"، لافتًا إلى أنّ "سكان الجنوب يستطيعون تمييز المتواجدين منذ قبل العام 1990 ومن هم بعده".
ويعتقد الربيعي أن من شأن ذلك أن يشوش عند حدوث أي استفتاء. ويرى بأهمية وضع ملف النازحين الشماليين في الجنوب بيد مسؤولين جنوبيين. ويقترح أن يتم حصر النازحين في الجنوب ووضع إجراءات إدارية تحدد وجودهم.
تطبيق فك الارتباط
يجمع الخبراء الذين تحدثوا لمركز سوث24 على أنَّ الخيار القانوني الأمثل لاستعادة دولة الجنوب هو "فك الارتباط". ولتحقيق هذا، يرى د. عيدروس النقيب أنَّ هناك خطوات يجب القيام بها.
وقال: " في حال الوصول إلى اتفاق أولي على التفاوض الثنائي الشمالي الجنوبي، وهذا ما ينبغي أن يكون وعدم ربط القضية الجنوبية بثنائية الشرعية والانقلاب، أعتقد أنّ هذا التفاوض لا بُدَّ من أن يشمل العناصر التالية:
1. تحديد الآلية التي بموجبها يتم الاتفاق على الانتقال من وضع اللا دولة إلى وضع الدولتين، واختيار الآلية التي تساعد على الوصول الآمن إلى هذا الوضع.
2. تحديد المبادئ الأساسية للعلاقة بين الدولتين الشقيقتين.
3. تحديد مدى زمني يضمن تهيئة الملعب السياسي للانتقال إلى وضع الدولتين، وتحديد التزامات الطرفين تجاه بعضهما البعض، بما في ذلك تحديد الضمانات الأساسية، المتعلقة بالمصالح المشتركة بين الدولتين، ومصالح المواطنين الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب.
4. تحديد الشراكات المستقبلية بين الدولتين. حيث إن الجنوب ليس مخيراً بين إما الاندماج الكلي أو الحرب والقطيعة، في ظل وجود خيار وسط".
وأشار النقيب إلى أن الجنوبيين والشماليين في دولتين مستقلتين "يستطيعون بناء عشرات الشراكات في الاقتصاد، والاستثمار، ولأمن، والعلاقات الدولية الدبلوماسية، والسياحة والنقل البري والبحري والجوي، والاستفادة من التجارب المتبادلة بين الدولتين".
ودعا د. عمر باجردانة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى "تكثيف دوره الدبلوماسي والقانوني، وإيجاد أرضية مناسبة وإجماع الدول والمنظمات المعنية بصناعة القرار السياسي حول ضرورة فك الارتباط والاعتراف بدولة الجنوب".
وأضاف: "هذا الخيار هو الخيار الأنجح والأفضل للحالة المركبة والمحددة التي تسببت بها حرب 1994. الواقع الجغرافي والعسكري لقيام الدولتين موجود ولم يبقَ سوى التطبيق السياسي والقانوني لفرض هذا الواقع".
وفي المقابل، يشكك خبراء ومسؤولون شماليون بالخطوات التي توصف الوضع القانوني في جنوب اليمن. ومع ذلك، يبدو أن الواقع في الجنوب يصب نحو الذهاب إلى حل الدولتين.