29-01-2022 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | فرناندو كارفاخال
إنّ الحقائق العسكرية والسياسية الجارية على الأرضتشكل تحديات أكبر لجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانز غروندبرغ. لقد تحولت المعادلة السياسية الآن من مطالب الحوثيين من أجل إجراء محادثات ثنائية مع السعودية والأمم المتحدة وممثلين عن صنعاء وحكومة هادي إلى إدراج أطراف جديدة مثل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي اتسع دوره العسكري على امتداد جبهات جديدة.
وبعد مرور سبعة أعوام تقريبا على بداية الصراع المسلح الحالي في اليمن، يتحول الزخم مجددا على نحو يرفع مساحة الأمل في آفاق جهود السلام المتجددة. العملية التي تجمدت في أعقاب اتفاقية ستوكهولم في ديسمبر 2018 التي سحقت الآمال الشاهقة للتقدم، تشهد الآن فرصًا جديدة حيث تحتشد الحكومات الغربية وراء غروندبرغ وأطراف أخرى ينحتون أدوارهم الخاصة على نحو يجعل الطاولة أكثر اتساعًا. وبينما يكتسب خصوم الحوثيين في الجنوب والساحل الغربي زخما في ميدان المعركة، نجد أن التدخل الخارجي يواجه مجددًا مخاطر خسارة النفوذ في ظل تنامي المخاوف المتعلقة بتأثير ذلك على المدنيين.
لقد أخفقت عملية تجديد محادثات السلام كنتيجة مترتبة عن تحديين رئيسيين: الأول هو النفوذ الذي يتمتع به الحوثيون الذين يتخذون من صنعاء مقرًا لهم مما منح المتمردين اليد العليا في إملاء شروطهم لبدء المحادثات. الثاني هو أن تضارب المصالح داخل حكومة الوحدة أعاق تشكيل جبهة موحدة ضد الحوثيين الذين استفادوا من ذلك بطلب المزيد من الشروط الملائمة لهم. وتستهدف التطورات الأخيرة حدوث توازن جديد لا يقتصر فحسب على إحداث تحول في القوة الدافعة المرتبطة بالخطوط الأمامية ولكن يتعلق أيضا باكتساب نفوذ يسهل العودة إلى إطار الأمم المتحدة لمحادثات السلام. يجب على المجتمع الدولي التعرف على أوجه القصور التي تشوب الدبلوماسية المكوكية، لا سيما في الوقت الذي يواصل فيه الحوثيون رفضهم للاجتماع مع غروندبرغ والسماح لأطراف يمنية بتشكيل التوازن الذي يمهد الطريق نحو محادثات السلام.
أهداف السلام
ويبدو أن تحديد أهداف السلام يماثل درجة التعقيد المرتبطة بتوقع أن يقوم الرئيس بايدن بـ "إنهاء الصراع في اليمن". وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، فشلت العملية التي تقودها الأمم المتحدة جراء نقص التفاهم حول كيفية تعريف كل طرف للسلام، وما يتوقعه كل منهم من وضع نهاية الصراع. وطالما استمر إخفاق هؤلاء الذين يحاولون تسهيل الوساطة في فهم مظالم ومصالح كل طرف، ستظل جهودهم تواجه تحديات تتسبب فقط في إطالة أمد الصراع المسلح.
إن الجهود الرامية إلى توحيد صفوف خصوم الحوثيين، على شاكلة اتفاق الرياضعام 2019، فشلت في تحقيق التوقعات لسبب رئيسي مفاده تردد المملكة السعودية للضغط على الأطراف من أجل تنفيذ بنوده. والآن، بعد أن قامت السعودية بتسهيل استبدال محافظ شبوة،وبعد انتشار القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي لمواجهة قوات الحوثيين، بدأ المد في التحول. ويجب أن يؤدي هذا الزخم إلى دور سياسي أكبر للعناصر الجنوبية باعتبارها جزءا من حكومة الوحدة. وربما لا يرى المجتمع الدولي التصعيد ضد الحوثيين على امتداد الخطوط الأمامية خيارًا مفضلًا ولكن ينبغي أن يدرك في هذه اللحظة أن الاعتماد على الدبلوماسية فحسب لن يسرع وتيرة العودة إلى طاولة المفاوضات.
إن الدور الجديد لعناصر سياسية وعسكرية جنوبية يبعث رسالة مُقْنعة إلى كل من التحالفوقوى الغرب مفادها أن معالجة مظالم الجنوب يُسّهل استهداف الحوثيين في أكثر نقاط ضعفهم للبدء في تعطيل قوتهم الدافعة. قبل عملية "إعصار الجنوب" التي انطلقت أواخر ديسمبر 2021، فقدت القوات العسكرية تحت قيادة الحكومة المعترف بها دوليا مساحات كبيرة من الأرض أمام الحوثيين، بعد أن قامت القوات الحكومية بترك مواقعها أو الانسحابلتجنب المواجهات مع الحوثيين في جنوب البيضاء وغرب شبوة. بيد أن استقرار المحافظات الجنوبية بما يتوافق مع تنفيذ اتفاق الرياض يجعل القوات الجنوبية الآن قادرة على مواجهة الحوثيين الذين لن يستطيعوا بعد الآن استغلال الصراع بين فصائل الحكومة.
وربما تكون أهداف الأمم المتحدة من إبرام اتفاق شامل بعيدة المنال، لا سيما في أعقاب انهيار خطة ستوكهولم حيث اتضح أن الدبلوماسية فحسب لا تستطيع بناء جسور الثقة بين الأطراف اليمنية. من الواضح أن الحوثيين يؤمنون بأن الانتصارات العسكرية هي السبيل لكسب النفوذ في المفاوضات، ولذلك فإن عدم الاعتداد بالانتصارات العسكرية التي حققها خصوم الحوثيين سيمثل خطأ جسيمًا سوف يتسبب في نتائج عكسية لجهود المبعوث الأممي الخاص. وربما لا يلوح في الأفق انتصار عسكري نهائي، ولكن لا شك أن موازنة الحوثيين لخياراتهم سوف تختلف باختلاف الزخم على الأرض.
الخيارات الراهنة
وعلاوة على ذلك، ما يزال المجتمع الدولي منقسمًا بشأن نهج عملية السلام. من ناحية، تطلب وكالات الإغاثة الإنسانية وضع أولية لعملياتها لمعالجة الأزمة الاقتصادية العميقة. وعلى مدار الأعوام السبعة الماضية، أثرت تلك المقاربة بشكل غير مباشر على اقتصاد الحرب وإطالة الصراع وتفاقم الأزمة الإنسانية ذاتها. وعلى الجانب الآخر، أدت الدبلوماسية المكوكية فحسب إلى منح المزيد من الوقت للحوثيين وحزب الإصلاح للمناورة وانتظار أوضاع أكثر ملاءمة للترويج لمصالحهم الفردية. إن انهيار خطة ستوكهولم، لا سيما فيما يتعلق بتسليم ميناء الحديدة والحصار المفروض على تعز، منح الحوثيين انتصارًا ملموسًا في عيون أنصارهم وحافظ على أرباحهم من خلال احتكار تسليم المساعدات الإنسانية في المناطق القابعة تحت نطاق سيطرتهم.
الاستيلاء على سفينة تجارية تحمل علم الإمارات قبالة ساحل الحديدة، وهجمات الطائرات المسيرة التي شنها الحوثيون على أبوظبي يرتبط بالمعارك المستمرة جنوب مأرب وغرب شبوة. انتقام الحوثيين، الذي جاء في أعقاب الهزائم التي تكبدوها على أيدي القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي، يستهدف تحويل الانتباه العام والضغط على أعضاء التحالف لسحب الدعم العسكري والسياسي للقوات المنافسة. بيد أنه ليس من المرجح أن يقوم أعضاء التحالف مجددًا بسحب الدعم المادي للقوات الجنوبية. ستواصل السعودية والإمارات، قطعيا، التعامل مع إيران من أجل تقليص تهديد الحوثيين لمناطقهم. يبقى أن نرى إذا ما كانت إيران مستعدة للتضحية بالتقدم في محادثاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة السعودية والإمارات من أجل دعم علاقاتها مع الحوثيين في صنعاء.
وبينما يعتمد الطريق إلى محادثات السلام على وجود جبهة موحدة بين الأطراف اليمنية، فإنه يعتمد كذلك على توحيد جبهة الأطراف الإقليمية والغربية. ينبغي على المبعوث الأممي الخاص هانز غروندبرغ استغلال الفرص الراهنة وتوحيد الدعم المقدم من الولايات المتحدة وحكومات الاتحاد الأوروبي إذا أراد تحقيق تقدم ملحوظ مبكرًا في فترة ولايته. ويجب على المنظمات الدولية كذلك إدراك أنه كلما بدأت محادثات السلام مبكرًا، كلما اقتربت إمكانية رفع القيود المفروضة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2216، وبالتالي تسهيل توصيل المساعدات والبضائع التجارية.
فرناندو كارفاخال
مدير قسم الدراسات في مركز سوث24، متخصص في السياسة اليمنية والعلاقات القبلية
- هذه المادة جزء من ملف تحليلي شامل للمركز حول "قراءة في التداعيات المحلية والإقليمية والدولية للتطورات الأخيرة في شبوة"
- الصورة: هانز غروندبرغ خلال كلمة له في الأمم المتحدة (UN)