01-08-2021 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| عدن
وصلت حكومة المناصفة بين جنوب وشمال اليمن، والتي تمخضت عن اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية، إلى عدن مطلع العام الجاري، لتغادر منها في مارس/ آذار بصورة مفاجئة عقب احتجاجات شعبية غاضبة، نتيجة فشلها في حل ومعالجة الأزمات طيلة فترة وجودها، وهو ما كان متوقع منها، والذي شُكلت لأجله بدرجة أساسية.
تسببت مغادرة الحكومة ورئيسها من عدن - عدا الكتلة الوزارية التابعة للانتقالي الجنوبي - في تعثر اتفاق الرياض الموقع بين الطرفين في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019. عاد معين عبد الملك، رئيس الوزراء، إلى الرياض السعودية برفقة عدد من الوزراء، فيما اتجه آخرون إلى القاهرة بمصر، ومحافظة حضرموت الجنوبية.
بشكل أساسي، ينص اتفاق الرياض على عودة حكومة المناصفة إلى عدن لممارسة مهامها منها، ووضع معالجات للأزمات المتتالية التي تشهدها محافظات الجنوب واجزاء من المحافظات الشمالية (المناطق المُحررة من سيطرة الحوثيين)؛ من انهيار العملة والاقتصاد إلى انقطاع مرتبات القطاع المسلح، وتدني رواتب القطاع المدني، وغيرها من الأزمات التي اثقلت كاهل المواطنين.
ورغم محاولات الطرف الحكومي في الرياض لوضع انسحابه من عدن في سياق "عدم توفر الأمن والحماية"، إلا أنَّه من الواضح أنَّ أسباب الانسحاب تتعدى هذه الحجج الضعيفة بحسب مراقبين، فالحكومة كانت مُؤمّنَة بشكل كبير، ومحصّنة في "قصر معاشيق"، وهو ما يضع تساؤلات لماذا غادرت ولم تعد؟
تعطيل اتفاق الرياض
يرى مراقبون أنَّ انسحاب الحكومة اليمنية ومغادرتها يندرج ضمن إطار محاولات تعطيل اتفاق الرياض، وعرقلته، وضرب الجهود السعودية الحثيثة التي تكللت بتوقيع هذا الاتفاق. يؤكّد المجلس الانتقالي الجنوبي هذا الأمر، مُتهماً "أطرافا متضررة من الاتفاق" في "الشرعية اليمنية" بالضغط لسحب أفراد حكومة المناصفة من عدن.
وحول هذا يقول نائب رئيس الدائرة الإعلامية بالمجلس الانتقالي، منصور صالح، في حديثه لـ "سوث24" إنًّ "منع عودة الحكومة يرجع إلى إصرار أطراف متنفذة في الشرعية على تعطيل المضي في تنفيذ الاتفاق والعمل على اختلاق مشكلات جانبية لا مُبرر لها".
ويعتبر صالح أنًّ الهدف هو "رفع حالة الاحتقان في الشارع الجنوبي وزيادة معاناة شعبه"، مُشيراً إلى أنَّه "في البدء كانت المبررات هي تأمين الحكومة، فأكدنا في المجلس الانتقالي عبر وفدنا التفاوضي بأنَّه مع أي خطة أمنية يتم الاتفاق عليها مع قيادة العمليات المشتركة، وبعيداً عن ربطها بسير اتفاق الرياض، ثم تمَّ اختلاق مُبررات أخرى".
تكررت دعوة الانتقالي الجنوبي الحكومة للعودة إلى عدن في معظم اجتماعاته، مُعتبراً إنَّ مغادرتها "غير المُبررة" تمثّل "خرقاً واضحاً وصريحاً لاتفاق الرياض" [1]. وأبدى المجلس نوعاً من "ضبط النفس" رغم الضغط الهائل الذي يتعرض له من الشارع الجنوبي للتحرك من أجل إنهاء ما يعتبره الجنوبيون "حرب خدمات ومعيشة" تُمارس ضدهم.
وكانت السعودية قد أعلنت عن اتفاق "وقف كافة أشكال تصعيد" بين طرفي اتفاق الرياض، في بيان لوزارة الخارجية حمل اتهامات للانتقالي الجنوبي، بعد قرارات تعيين سياسية وعسكرية داخلية أصدرها رئيس المجلس.
البيان السعودي شدّد على أنًّ "عودة الحكومة ضرورة قصوى" بالنسبة للرياض، داعياً الجميع للالتزام به والعمل وفقه، لكنَّ لم يتغير شيء والحكومة لم تُعد بعد ، فيما يبدو – وفقاً لمحللين – "موقفاً ضعيفاً" من الرياض "التي يُفترض أن تضغط بشكل أكبر لعودة الحكومة وتنفيذ بقية بنود الاتفاق".
خلاف مع السعودية
بحسب مصادر مطلعة لـ "سوث24"، فإنًّ هناك "اشتراطات حكومية" على السعودية بتوفير ميزانية للعودة إلى عدن، فيما تتخوّف المملكة من منح أموالها لبنوك "متورطة بالفساد"، خصوصاً بعد "فضيحة نهب الوديعة السعودية المُقدرة بملياري دولار من قبل أطراف مُتنفذة في حكومة هادي"، والتي تحدثت عنها تقارير أممية.
المخاوف السعودية دلّت عليها بوضوح "آلية الحوكمة لتعزيز الشفافية" التي اعتمدتها الرياض في منحة المشتقات النفطية الأخيرة بقيمة 422 مليون دولار لقطاع الكهرباء باليمن [2]، والتي جاءت لضمان "عدم التلاعب والفساد بالمنحة"، وفقاً لخبراء.
يؤكّد رئيس تحرير موقع يمن نيوز الإخباري، نبيل الصوفي، لـ "سوث24"، أنَّ مشكلة الحكومة الحقيقية هي الميزانية المالية. ويقول الصوفي "الحكومة منذ تشكلت اصطدمت بنقطتين، توقف الدعم السعودي وعدم توريد مأرب وشبوة لأي إيرادات مالية للبنك المركزي، وبالطبع مبالغ النفط هي عهدة ترتيب معقدة، والحوثي يستلم معظم إيرادات الدولة".
يتابع، "السعودية قالت أنَّها ستعيد النقاش حول الدعم إن تمَّ توحيد الإيرادات، وما تقدّمه السعودية الآن يتم تنفيذه عبر صندوقها الذي أصبح جهازاً تنفيذياً وليس طرفاً مانحاً". مشيراً إلى أنَّ "هذا كله كشف الحكومة أمام نفسها، وأصبحت قدرتها في النفقات محصورة جداً، وعطّل هذا قدرتها تماماً، وهي اليوم تتهرب من هذه التفاصيل، فلا هي قادرة على إعلان إفلاسها مثلاً، ولا الاعتراض أو المبادرة".
ووفقاً للمصادر، عدم عودة الحكومة إلى عدن حتّى الآن يتعدى "الخلاف" مع المجلس الانتقالي الجنوبي إلى "خلاف" مع الرياض أيضاً. ومهما كانت الأسباب الفعلية، يبدو أنَّ مغادرة عدن قرار اتخذته الحكومة وشرعت في البحث عن مبررات وحجج له بعيداً عن المسؤولية المُلقاة على عاتقها، بحسب مراقبين.
ضرورة العودة
يقول مراقبون أنّ عدم عودة الحكومة إلى عدن لأداء مهامها التي شُكلت لأجلها قد يدفع إلى تعقيد استكمال اتفاق الرياض، وهو ما يعني عودة الأوضاع في جنوب اليمن إلى مربع الصفر".
وفي حديث سابق مع "سوث24"، أشار ممثل رئيس الانتقالي للشؤون الخارجية، عمرو البيض، إلى أنَّ عودة الحكومة إلى عدن "ليست كافية"، وليست المطلب الأساسي، بل يجب أن تكون عودتها مع استعدادات لأداء المهام المناطة بها، فسبق وكانت هذه الحكومة في عدن على مدار أشهر، ولم يشكل وجودها فارقاً.
اقرأ المزيد: العودة إلى الرياض: هل حان الوقت لتشكيل وفد مفاوضات مشترك؟
ويؤكّد منصور صالح أنَّ "عودة الحكومة واضطلاعها بمهامها شرط أساسي للمضي بتنفيذ اتفاق الرياض، ومنعها هو تعطيل له"، لافتاً إلى أنًّ المجلس الانتقالي "سيكون داعماً لها في النهوض بمهامها".
ومن أجل ذلك، ترى الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً بضرورة عودة الحكومة إلى عدن، لانتشال الملف الخدمي والاقتصادي.
ووفقا لبيان نشرته الخارجية الأمريكية الجمعة، فقد دعا المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، خلال اجتماعاته [الأخيرة] الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي للعمل معا لتحسين الخدمات واستقرار الاقتصاد في البلاد.
ومن أجل ذلك، قالت الخارجية الأمريكية أنّ الخطوة الأولى الحاسمة تتمثل في ضمان توافر الظروف اللازمة لعودة مجلس الوزراء إلى عدن.
وناقش ليندركينغ أيضا الإجراءات الفورية التي يجب اتخاذها لتخفيف الأزمة الإنسانية والاقتصادية، بما في ذلك زيادة واردات الوقود وإنهاء التلاعب بالوقود والأسعار وتخصيص مساعدات اقتصادية وإنسانية إضافية للبلاد.
ومع التوجه الدولي المتزايد لوضع أطراف الأزمة اليمنية على طاولة مفاوضات واحدة تمهيداً لحل سياسي شامل، يبدو أنَّ العرقلة التي يسببها غياب الحكومة عن عدن في استكمال تنفيذ اتفاق الرياض - الذي ينص على تشكيل وفد تفاوضي مشترك مع المجلس الانتقالي الجنوبي - تمثل عائقاً حقيقياً أمام هذه الجهود، بحسب محللين وخبراء.
وبحسب هؤلاء المراقبين، فإنَّ الضغط والدفع نحو استكمال تنفيذ اتفاق الرياض، وإلزام الحكومة بالعودة إلى عدن ودعمها لأداء واجباتها من شأنه أن يحرك المياه الراكدة ويزيد من فرص الحل السياسي للأزمة، بينما قد ينتج عن فشل الاتفاق أزمة كبرى متجددة في جنوب اليمن، تزيد الطين بلة.
ويشير آخرون إلى أنَّه قبل كل هذه الاعتبارات، فإنَّ عودة حكومة المناصفة وعملها من عدن ضرورة إنسانية بالمقام الأول، نظراً للانهيار الخدمي والاقتصادي المتسارع الذي تشهده عدن وبقية المحافظات، والذي انعكس بشكل مأساوي على حياة الملايين، وألقى بظلاله الثقيلة عليهم.
محرر وصحفي بمركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مع وزراء حكومة المناصفة الجديدة بعد تشكيلها وأدائها القسم الدستوري 26 ديسمبر كانون الأول 2020 (رسمي)