03-08-2021 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
تندرج منطقة خليج عدن-البحر الأحمر (GARS) بين أهم مناطق العالم الإستراتيجية، مما يجعل جنوب اليمن بالتالي واحدًا من أبرز الكيانات السياسية الإستراتيجية على مستوى العالم.
وبالرغم من أنّ المجتمع الدولي ما يزال يعتبر الجنوب جزءا من جمهورية اليمن، لكن المجلس الانتقالي الجنوبي، صاحب النفوذ الأكبر على الأرض هناك بلا شك، يطمح لإعادة استقلالها السابق، في خطة سلمية جدا تتماشى مع الميثاق الأممي لحق تقرير المصير. بيد أن المشكلة تتمثل في استمرار اشتعال الحرب الأهلية دون أي نهاية لها تلوح في الأفق مما يعرقل تلك الجهود.
من الصعب التنبؤ بالمسار الدقيق الذي سوف تسلكه حملة المجلس الانتقالي الجنوبي من أجل الاستقلال، ولكنها بالتأكيد سوف تلقى العون حال التوصل إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب الأهلية اليمنية. مثل هذا الاتفاق من شأنه أن يحترم واقعية الهوية المنفصلة لجنوب اليمن، والإدارة السياسية على أرض الواقع المستعادة حديثا، وربما يتأتى ذلك من خلال نموذج كونفدرالي مؤقت مستلهم من نظيره البوسني قبل إجراء استفتاء على الوضع السياسي النهائي. ينبغي أيضا أن يوفر استقلالية كبيرة للمنطقة على المستويين الدبلوماسي والعسكري. لكن التحدي الأكبر أمام تحقيق هذه الرؤية يتمثل في حركة أنصار الله (الحوثيين)، وكذلك إدارة هادي المعترف بها دوليا.
ما يثير الفضول هو اشتراك كلا الغريمين في هدف واحد مفاده الإبقاء على الوحدة التي تم فرضها قسرا على الجنوب بعد نهاية الحرب الأهلية عام 1994. وقبل ذلك، كان الجنوب قد وافق على الوحدة مع الشمال لكنه سرعان ما أدرك أنه بدون قصد أخضع شعبه إلى هيمنة نظيره الشمالي. لقد استحوذ الشماليون على شركات الجنوب، بل فرضوا ثقافتهم المختلفة إلى حد ما على السكان المحليين هناك، وأصبحت انتهاكات حقوق الإنسان أمر شائع. وتسبب ذلك في تأجيج الاستياء الذي انفجر في محاولة انفصال فاشلة عام 1994. ومنذ ذلك الحين، يعيش الجنوبيين كمواطنين درجة ثانية داخل وطنهم الأم.
الحرب الخاطفة للحوثيين منذ أواخر 2014 إلى أوائل 2015 سعت إلى استكمال غزوهم للدولة بأكملها، والذي تصوره حركة أنصار الله باعتباره "ثورة". وقوبل ذلك بنفور شعبي عميق من سكان الجنوب الذين اعتراهم الخوف من خضوع أسوأ من ذي قبل. وتدخّل التحالف العربي بقيادة السعودية بشكل حاسم في ذلك الوقت بهدف دحر الشماليين وإعادة تنصيب إدارة هادي في عدن. ولكن بالرغم من ذلك، وبعد تذوقهم الطعم الأقرب للحرية منذ وحدتهم الكارثية مع الشمال قبل عقود، اتحد الجنوبيون معا للمضي قدما نحو تحقيق حلم الاستقلال طويل الأمد.
في حال نجاحهم في حماية استقلاليتهم الواقعية الراهنة، وحتى إذا تطور الأمر نحو نموذج كونفدرالي مؤقت قبل إقامة استفتاء تدعمه الأمم المتحدة يتوافق مع ميثاق المنظمة الدولية، سوف يتعين على سائر العالم الاعتراف بحقيقة عودة جنوب اليمن إلى الخريطة. وتشكل تلك السياسة، التي عادت إلى الحياة، دورًا جوهريًا للتيقن من أمن منطقة خليج عدن-البحر الأحمر. وحتى بدون اعتراف رسمي باستقلال جنوب اليمن، يستطيع الآخرون التعاون المستقبلي معه لتعزيز إمكانيات مكافحة القرصنة والإرهاب بما يصب في مصلحة السلام الإقليمي.
بيد أن الشيطان سوف يكمن بالتأكيد في تفاصيل أي اتفاق سياسي بين "اليَمَنَيْن"، والذي بدوره سوف يُعقّد دعم المجتمع الدولي لجنوب اليمن قبل استعادة استقلاله. بدون اعتراف أممي رسمي بحق جنوب اليمن في إدارة شؤونه الدبلوماسية والعسكرية، ستكون الخيارات أمام البلدان الأخرى محدودة تماما خشية المخاطرة بإثارة الغضب العام لإدارة هادي أو اتهامهم بانتهاك الأعراف الدولية بالسير عكس الحكومة المركزية لإبرام اتفاقيات رسمية ذات طبيعة حساسة مع تلك المنطقة.
ولذلك ليس من المتوقع تحقيق أي تقدم ملموس قبل الكشف عن تفاصيل أي اتفاق مقترح وإبرامه في نهاية المطاف من خلال الأطراف المعنية. وبالرغم من ذلك، لا يوجد أي إطار زمني لتوقع تلك النتيجة مما يعني أن الاعتبارات الأمنية وثيقة الصلة بجنوب اليمن سوف تبقى مسؤولية التحالف الذي تقوده السعودية، ولا سيما الإمارات، التي تمثل شريكا مميزا لتلك المنطقة. ليس ذلك بالضرورة بالشيء السيئ، ولكن من المفهوم أنّ جنوب اليمن قد يكون راغبا في تنويع شراكاته الأجنبية على امتداد تحركاته صوب الاستقلال بهدف تفادي الاعتماد غير المتكافئ على طرف وحيد مثل الإمارات العربية المتحدة.
"تبدو اهتمامات مكافحة القرصنة والإرهاب عاملا مشتركا بين جنوب اليمن والإمارات وروسيا، وجميعهم لاعبون أمنيون مسؤولون في منطقة خليج عدن -البحر الأحمر"
بيد أنه بالأخذ في الاعتبار الطبيعة الخاصة للعلاقات بين جنوب اليمن والإمارات، قد تكون عدن أيضا إلى حد ما محدودة الاختيارات في قائمة شركائها المحتملين -لا سيما الشركاء الأمنيين- من أجل تجنب تعقيد غير مقصود للعلاقات مع أبو ظبي. بوضع ذلك في الأذهان، فإن روسيا تمثل الطرف الأكثر منطقية الذي قد تتواصل معه عندما تكون الأوضاع الداخلية مواتية (مثل اتفاق كونفدرالية مؤقتة بين اليمنَين) لا سيما وأنها استضافت سابقا المجلس الانتقالي الجنوبي لإجراء مشاورات مثلما حدث مؤخرا في فبراير. وعلاوة على ذلك، فإن الاتحاد السوفيتي السابق كان يرتبط بروابط وطيدة مع جنوب اليمن المستقل، وما تزال موسكو تظهر الكثير من حسن النوايا تجاه هذه المنطقة.
الأكثر أهمية، فإن روسيا حاليا لديها علاقات ممتازة مع الإمارات العربية المتحدة، كما تخطط أيضا لإنشاء قاعدة بحرية في السودان المجاورة. السيناريو الأفضل في هذه الحالة يتجسد في موافقة إماراتية خفية على تعاون موسكو عسكريا مع عدن على امتداد رحلة الأخيرة نحو الاستقلال (ريثما يحدث الاتفاق الكونفدرالي المقترح مع إدارة هادي) من أجل تحسين قدرات مكافحة القرصنة والإرهاب. وقد يحدث ذلك من خلال إعادة تأسيس القاعدة التي أنشئت في العهد السوفيتي، أو مجرد الحصول على امتياز الدخول على مرافق عدن لأغراض لوجستية قد تخدم ذات الغرض.
وتبدو اهتمامات مكافحة القرصنة والإرهاب عاملا مشتركا بين جنوب اليمن والإمارات وروسيا، حيث إنهم جميعا لاعبون أمنيون مسؤولون في منطقة خليج عدن -البحر الأحمر، ويرتبطون بعلاقات وثيقة تجاه بعضهم البعض. ولذلك من الطبيعي بالنسبة لهم توسيع تعاونهم، بل ودراسة وضعها في شكل مؤسسي من خلال صيغة ثلاثية بمجرد أن تكون الظروف السياسية الداخلية مواتية لذلك. كما تملك الأطراف الثلاثة خبرات واسعة في مجال مكافحة الإرهاب، وهو ما تجلى مؤخرا في قوات الحزام الأمني، والتدخل العسكري الإماراتي الحازم في الحرب الأهلية اليمنية، وتدخل روسيا المشابه في الصراع السوري.
"من المهم أيضا الإشارة إلى أنّ الكرملين يحتفظ بعلاقات براغماتية مع الحوثيين، ولذلك قد يستطيع حثهم على تسوية الاتفاق الكونفدرالي المقترح"
هذان الزوجان من الشركاء (جنوب اليمن-الإمارات وروسيا) من شأنهما أن يبليا بلاء حسنا في تبادل الخبرات مع بعضهما البعض والانضمام إلى القوات الساعية لتأمين منطقة خليج عدن-البحر الأحمر. ما يزال تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يشكّل تهديدا لبعض المناطق الساحلية والنائية بجنوب اليمن، كما أنّ القرصنة تمثّل تهديدا دائم الحضور ربما لن ينقشع أبدا. وبالطبع، يتطلب تنفيذ هذه الرؤية الكثير من الوقت، لكن ينبغي البدء في ذلك مباشرة، بداية من استخدام المجلس الانتقالي الجنوبي قنواته لمشاركة هذه الأفكار مع روسيا. وبعد ذلك، يجب أن يأخذ في اعتباره إبراز فكرة اتفاق بشأن كونفدرالية مؤقتة، وإطلاع موسكو بشأن أي تقدم في هذا الصدد.
تستطيع الإمارات أيضا إبلاغ روسيا مباشرة بأي تطورات على صعيد مسؤوليتها الأمنية في جنوب اليمن. كلما توطدت وتيرة التنسيق بين المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات وروسيا، كلما ازدادت احتمالات نجاح هذه الرؤية في نهاية المطاف. من المهم أيضا الإشارة إلى أنّ الكرملين يحتفظ بعلاقات براغماتية مع الحوثيين، ولذلك قد يستطيع حثهم على تسوية الاتفاق الكونفدرالي المقترح إذا طلبت الأطراف المعنية الاستعانة بخدماتها الدبلوماسية لتحقيق هذه الغاية. إذا نجحت روسيا في استعادة شراكتها الشاملة مع جنوب اليمن، سوف يصب ذلك في مصلحة الجميع بمنطقة خليج عدن-البحر الأحمر.
أندرو كوريبكو
محلل سياسي أمريكي مقيم بموسكو، مُتخصص في العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة في الأفرو-أوراسيا، ومبادرة الحزام والطريق الصينية، والحرب الهجينة.
- الصورة: خريطة مجتزأة من تقرير لقناة الجزيرة.