الزعيم السياسي لحماس إسماعيل هنية يلقي خطابا أمام صور مؤسس الثورة الإيرانية الراحل آية الله الخميني (يسار)، والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي (يمين)، في تجمع حاشد في طهران، 11 فبراير، 2012. (ا ف ب/وحيد سالمي)
14-02-2024 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
"تؤكد مصادر مقربة من جماعة الحوثيين لـ"سوث24" أنّ قيادات في الجماعة كانت تتحدث منذ نحو سنتين عن مواجهة عسكرية قريبة مع إسرائيل، دون أن تعطي تفاصيل حول طبيعية هذه المواجهة.."
سوث24 | إبراهيم علي*
بالرغم من أنّ عملية "طوفان الأقصى" أعادت القضية الفلسطينية إلى معادلة الأمن الإقليمي كقضية محورية لا يمكن تجاوزها، إلا أنّ هناك مستفيدين آخرين منها، كجمهورية إيران التي تسعى لتعزيز موقعها كلاعب رئيس في النظام الإقليمي ووكلاءها في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان، وجماعة الحوثيين في اليمن، وتشكيلات مسلحة أخرى موالية لها في العراق.
إنّ الرأي الذي يقدّم إيران كمستفيد من "طوفان الأقصى" وليس كلاعب رئيسي، يستند إلى الروايات الرسمية لكل من طهران وحركة حماس فيما يتعلق بعملية السابع من أكتوبر. حيث نفت إيران في البدء علمها المسبق بالعملية، وهو ما أكدته حماس أيضا.
ومع إنّ إسرائيل سارعت إلى اتهام إيران بالوقوف وراء العملية، إلا أنّ الولايات المتحدة الأمريكية أدلت بتصريحات متحفظة في هذا الجانب. على سبيل المثال، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين بأنّ الإدارة الأميركية جمعت معلومات استخبارية متعدّدة تدلّ على أنّ القيادات الإيرانية الأساسية تفاجأت بالهجوم الفلسطيني.
إلى جانب ذلك، نقلت الصحيفة نفسها عن مسؤول أميركي، ومسؤول آخر في الشرق الأوسط، تأكيدهما أنّ الولايات المتحدة والحلفاء الإقليميين الأساسين لم يجدوا دليلًا على أنّ إيران ساعدت بشكل مباشرٍ في التخطيط للهجوم. وكتأكيد رسمي، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينيكن، إنّ الإدارة الأميركية "لم ترَ بعد أيّ دليل على أنّ إيران وجّهت الهجوم، أو كانت تقف خلفه".
غير أنَّ هناك رأيًا آخر حول العملية، يستند على قرائن ومعطيات أخرى في تقديمه لإيران كلاعب محوري في هجوم حماس.
إفشال التطبيع
في هذا السياق، يذهب البعض إلى أنّ عملية "طوفان الأقصى" هي جزء من عملية تصعيد إيرانية هدفها الرئيس إفشال اتفاق التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. كان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قد أكد قبل العملية بأسابيع أنّ المملكة تتجه نحو التطبيع مع إسرائيل، كونها دولة مهمة في الشرق الأوسط. من هنا، قال جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وكبير مستشاريه، إنّ "السعوديين غاضبون مما قامت به حماس، لذلك هم يرغبون في أن تُنجز “إسرائيل” مهمتها لضمان القضاء على حماس". حديث كوشنر لـ"فوكس نيوز" جاء عقب عودته من المملكة العربية السعودية ولقائه عددا من المسئولين السعوديين.
بشكل مباشر، اتهم الرئيس الأمريكي حركة حماس بالسعي إلى إفشال التطبيع بين الرياض وتل أبيب. وقال بايدن إنّ الهجوم الذي شنته حركة حماس ضد إسرائيل، "كان هدفه عرقلة مساعي التطبيع بين المملكة وتل أبيب"، دون إشارة إلى إيران. التهمة ذاتها وجهها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن لحماس، عندما زعم أنّه "لن يكون مفاجئا أن يكون أحد الدوافع (لهجوم حماس) هو تعطيل الجهود الرامية إلى الجمع بين السعودية وإسرائيل". ومثل بايدن، لم يشر الوزير بلينكن إلى إيران.
قبل العملية
سبقت عملية "طوفان الأقصى" عمليات تصعيد كثيرة مرتبطة بإيران، يمكن الإشارة إلى أبرزها:
على مستوى التصريحات، حذر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي - على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر / أيلول، من أنّ أي اتفاق تطبيع للسعودية ودول الخليج الأخرى مع إسرائيل مآله الفشل.
أمّا على صعيد التحركات خارج حدود إيران، فقد أجرى قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قآاني، زيارة استثنائية إلى دمشق في 21 سبتمبر/ أيلول، لإجراء ما وُصفت بمناورات عسكرية مشتركة.
وفي فلسطين، أعلنت حركة الجهاد الإسلامي بغزة عن مناورات عسكرية نوعية قبل خمسة أيام فقط من تنفيذ عملية “طوفان الأقصى”، وهو ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى إعلان تأهبه ومراقبته للوضع عن كثب. مع الإشارة هنا إلى أنّ حركة الجهاد أقرب إلى إيران من الفصائل الفلسطينية الأخرى.
وفيما يتعلق باليمن، استأنف الحوثيون عملياتهم النوعية على الحدود مع السعودية، ما أدى إلى مقتل عدد من الضباط السعوديين والبحرينيين في عمليتين منفصلتين.
إلى جانب ذلك، نظم الحوثيون استعراضًا عسكريًا، في 21 سبتمبر/أيلول، هو الأضخم منذ سيطرتهم على صنعاء، وكشفوا خلاله عن جيل جديد من الأسلحة الصاروخية والطيران المسيّر بعيد المدى، من بينها صاروخ "طوفان". قبلها في 31 يوليو، كان الحوثيون قد عقدوا في الحديدة اجتماعا عسكريا لقيادة القوات البحرية شارك فيه وزير الدفاع محمد العاطفي وهدد ما أسماه "وجود الاحتلال الأجنبي في المياه اليمنية".
دلالة التسمية
تؤكد مصادر مقربة من جماعة الحوثيين لـ"سوث24" أنّ قيادات في الجماعة كانت تتحدث منذ نحو سنتين عن مواجهة عسكرية قريبة مع إسرائيل، دون أن تعطي تفاصيل حول طبيعية هذه المواجهة. لكن اللافت في الأمر، هو أنّ الجماعة التي تنسق مع إيران في كل شيء تقريبا، أطلقت على أحد صواريخها اسم "طوفان"، وهو الاسم الذي اختارته حماس لعمليتها العسكرية الكبيرة في غلاف غزة يوم السابع من أكتوبر 2023.
يعتبر صاروخ "طوفان" أخطر صاروخ في منظومة الحوثي الصاروخية، وهو باليستي، أرض أرض، بعيد المدى، يعمل بالوقود السائل. من المهم الإشارة إلى أنّ طهران سبق وأن أطلقت اسم "طوفان" على سلسلة من صواريخها محلية الصنع. غير أنَّ معهد IISS يعتقد أنّ "طوفان" هو الصاروخ الإيراني "قدر" وقد تم تغيير علامته التجارية. ويمكن أن يصل مدى صاروخ "طوفان" من 1350 إلى 1950 كيلومتر، وهو ما يكفي لوضع إسرائيل على مسافة قريبة، وفقا للمعهد.
إنّ التسمية التي أطلقتها جماعة الحوثي على صاروخ "طوفان" ليست مجرد مصادفة، ويرجّح تدخل إيران في مثل هذه التفاصيل الدقيقة، خصوصا وأنّ العشرات من خبراء الحرس الثوري يتواجدون في اليمن.
يمكن ملاحظة أنّ الصاروخ الذي حصل على هذه التسمية هو أبعد الصواريخ التي تم عرضها من حيث المدى، وفي هذا دلالة إضافية على ارتباط تسميته بالحرب مع إسرائيل.
بعد العملية
حرصت إيران، وبشكل مبالغ فيه، على نفي صلتها بعملية طوفان الأقصى، وهو الأمر الذي ركز عليه الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، في أول خطاب له بعد العملية، إلى درجة أن النفي بدا وكأنه الهدف الرئيسي من الخطاب. كانت حينها أصابع الاتهام الإسرائيلية والغربية تشير إلى إيران، وعلى ما يبدو، فقد جاء النفي لتجنيب إيران ضربة عسكرية انتقامية إسرائيلية.
وقد تكرر الأمر مجددا بعد عمليات البحر الأحمر، وأيضا بعد الهجوم على قاعدة أمريكية في شمال الأردن أدت لمقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة العشرات. فبعد اتهام أمريكا لطهران بالوقوف وراء العملية، وإعلان واشنطن عزمها تنفيذ ضربات عسكرية انتقامية، أصدرت كتائب حزب الله العراقي بيانا نفت من خلاله صلة إيران بالعملية. أبعد من ذلك، أكد البيان أن إيران طلبت من الحزب عدم التصعيد، وهو ما لا ينسجم مع تحركات طهران العسكرية في المنطقة بعد عملية السابع من أكتوبر.
في الأسبوع ذاته، نفى القيادي الحوثي البارز، فضل أبو طالب، علاقة جمهورية إيران بعملياتهم ضد سفن الشحن التجارية بالبحر الأحمر. جاء ذلك في حديث لقناة "الميادين" الموالية لإيران. وقد نشرت وسائل إعلام حوثية أخبارا عن اللقاء، وأبرزت نقطة نفي علاقة العمليات بإيران. بدا واضحا أنّ الهدف من هذا النفي المنسّق هو تجنيب إيران ضربة أمريكية وشيكة. وما يؤكد وجود علاقة بين النفي وتوقيته، هو أن الناطق باسم جماعة الحوثي، محمد عبدالسلام، كان قد أقرّ في وقت سابق لرويترز وجود تواصل وتنسيق بينهم وبين إيران.
ومع ذلك، فإن صدور أكثر من بيان لوكلاء إيران في اليمن والعراق ولبنان وفلسطين، بهدف تبرئة إيران من دعم عملياتها، أمرٌ يثير الريبة. كما أن هذا يتناقض مع تصريحات إيرانية رسمية سابقة، من بينها تصريح لوزير الخارجية عبداللهيان، أكد من خلاله أنه "في ظل استمرار العدوان وجرائم الحرب والحصار على غزة، فإنّ فتح جبهات أخرى من قبل سائر تيارات المقاومة ضد الكيان الصهيوني هو احتمال وارد". مضيفا: "لقد سألني بعض المسؤولين الغربيين عما إذا كان من الممكن فتح جبهات جديدة ضد الكيان الصهيوني، فقلت إنه في ظل استمرار جرائم الحرب من قبل الصهاينة، فإنّ أي احتمال من تيارات المقاومة الأخرى وارد".
تأكيد ونفي الحرس الثوري
من أقوى القرائن على وجود علاقة كبيرة لإيران بعملية "طوفان الأقصى"، ما صرح به المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني العميد رمضان شريف، عندما قال أنّ العملية جاءت انتقاما لمقتل قاسم سليماني. صحيح أنّ الحرس عاد ونفى صحة ما تضمنه التصريح، إلا أنّ هذا النفي كان متوقعا، ويأتي في سياق سياسة إيران الحريصة على نفي صلتها بالعملية منذ اليوم الأول، لتفادي عمل عسكري ضدها. ورغم ذلك، لا يمكن إغفال رفع جماعة الحوثيين لصورة الجنرال السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، على السفينة الإسرائيلية "جلاكسي ليدر" التي اختطفتها الجماعة في البحر الأحمر في نوفمبر 2023.
ردة فعل منسقة
على رغم أنّ تصعيد إيران عبر أذرعها في اليمن والعراق ولبنان اتخذ أكثر من شكل، إلا أنه بدا منسقا بصورة تشير إلى أن هذا التصعيد لم يكن مجرد ردة فعل آنية، وإنما تم التحضير والإعداد له سلفا. حيث بدأ حزب الله عمليات تناسب وضعه كفصيل على حدود مع إسرائيل، في حين دشنت الفصائل العراقية عمليات لاستهداف قواعد أمريكية في سوريا والعراق والأردن، قبل أن يتجه الحوثيون إلى البحر الأحمر لاستهداف سفن إسرائيل والسفن المتجهة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بعمليات أكبر من قدراتهم ربما تشير إلى تنسيق استخباراتي كبير مع إيران، وهو أمر تدعمه شواهد ومعلومات. فعلى سبيل المثال، تواجدت سفن استخباراتية لإيران في البحر الأحمر قبل عمليات الحوثيين بزمن. فسفينة "بهشاد" كانت تتمركز منذ فترة في البحر الأحمر، وغادرت موقعها إلى خليج عدن قبل ساعات من شن أمريكا وبريطانيا ضربة ضد الحوثيين في 12 يناير الماضي.
ووفق مصدر في قوات خفر السواحل اليمنية، فإنّ السفينة الايرانية تعد بمثابة غرفة عمليات لدعم الحوثيين في تنفيذ هجماتهم العسكرية بالبحر الأحمر، وباب المندب، ومؤخرا في خليج عدن.
أكبر من حماس
مثّلت عملية "طوفان الأقصى" فشلا عسكريا لإسرائيل لم تشهده منذ أكثر من نصف قرن، كما كشفت عن إخفاق جهاز الأمن العام (شين بيت) والمخابرات العسكريّة الإسرائيليّة والموساد عن رصد عمليات التخطيط والتدريب والإمداد الممهّدة لهذا الهجوم المعقّد براً وبحراً وجوّاً. وهو ما دفع تل أبيب إلى اتهام إيران بالوقوف وراءه، على اعتبار أن إخفاقا عسكريا واستخباريا كهذا لا يمكن أن تتسبب فيه فصائل فلسطينية محدودة القدرات بمفردها.
الرواية الإسرائيلية جاءت منسجمة وبشكل مكثف مع ما ورد في تقرير نشرته "وول ستريت جورنال" الأمريكية، زعم أنّ مسؤولين أمنيين إيرانيين ساعدوا في التخطيط لعملية حماس المفاجئة على إسرائيل، وأعطوا الضوء الأخضر للعملية خلال اجتماع عُقد في بيروت يوم 2 أكتوبر 2023.
نتائج
على ما يبدو، فإن إيران ربما تكون قد حققت جزءً من هدفها، إذ ما كان إفشال تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل هو الهدف الرئيسي من عمليات التصعيد. حيث كشفت وكالة "رويترز" نقلا عن مصدرين مطلعين أنّ المملكة العربية السعودية أوقفت المفاوضات التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ووفق الوكالة، فإنّ هذا الإجراء يشير إلى إعادة تفكير سريعة في أولويات سياستها الخارجية مع تصاعد الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" الفلسطينية. ومن هنا، عبّرت الولايات المتحدة عن شكوكها من أنّ عرقلة مسار التطبيع المحتمل للعلاقات بين إسرائيل والسعودية كان أحد دوافع الهجوم الذي شنته حركة حماس الفلسطينية على إسرائيل. لكنَّ السعودية ربطت مؤخرا أمر مُضيّها في اتفاق التطبيع بضمان حقوق الشعب الفلسطيني. وقالت الخارجية السعودية ردا على تصريحات متفائلة أطلقها المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، عقب زيارة بلينكن إلى الرياض، أنها "أبلغت موقفها الثابت للإدارة الأمريكية أنه لن يكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
بناء على تصريحات حركة حماس وجمهورية إيران الرسمية، يمكن القول إنّ عملية "طوفان الأقصى" هي عملية فلسطينية بحتة، وأنّ إيران استغلت هذه العملية بعد وقوعها لتحقيق مكاسب لها ولوكلائها في المنطقة. لكن أيضا، يمكن استنتاج العكس من مزاعم الإسرائيليين. ومع ذلك من الصعب الوصول إلى إجابة منطقية على التساؤلات حول مدى انخراط إيران بالعملية من خلال التصريحات الرسمية للأطراف ذات الصلة بها. لهذا السبب، اتجه هذا التحليل إلى القرائن والمعطيات على الأرض، قبل وبعد العملية، والتي ترجّح الحضور الإيراني القوي في عملية السابع من أكتوبر 2023. على أن هذه النتيجة لا تعزز الرواية الإسرائيلية التي تعُطي إيران دوراً رئيسيا كاملا، كما لا تدعم رواية الطرف الآخر التي تنفي أي صلة لطهران بها.