14-12-2021 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| محضار علوي
يواجه المجتمع الدولي تحدياً حقيقياً في الوقت الحاضر، وهو اعتبار اليمن منطقة يمنية وليس دولة يمنية. إذا نجح في هذا التحدي، فسيؤدي ذلك إلى سلام حقيقي في هذا الجزء من الشرق الأوسط. عندما أخذ القادة في ذلك الوقت المنطقة اليمنية قبل 30 عامًا إلى وحدة تكاملية دون المرور بعملية ديمقراطية حقيقية، تشكَّل ما يُعرف بالجمهورية اليمنية. هذا التشكيل فقد هوية الدولة بعد الغزو الشمالي للجنوب عام 1994. لكن بعد ذلك استمر المجتمع الدولي في اعتبار هذا الجزء من الشرق الأوسط دولة يمنية، وهذا الاعتبار الآن عقبة أمام السلام الشامل في هذه المنطقة.
اختتم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بيانه في 20 أكتوبر 2021 بالإشارة إلى أنَّه من أجل تحقيق الاستقرار في جنوب اليمن، يجب تنفيذ اتفاقية الرياض وتمكين الحكومة من أداء عملها. هذا في الواقع وصف لوجود الفرصة الأقل تعقيدًا لتحقيق السلام والاستقرار في جنوب اليمن مقارنة بالفرصة الأكثر تعقيدًا في شمال اليمن. وهذا هو ما ينبغي البناء عليه، وحفظ ما يمكن إنقاذه بأسرع ما يمكن.
وأدان البيان هجمات الحوثيين عبر الحدود التي تستهدف السعودية، والهجمات التي تستهدف منشآت مدنية، وهجمات الطائرات بدون طيار، والحوادث قبالة الساحل اليمني، وتهديد الأمن البحري، وتصعيد الحوثيين في مأرب، وتجنيد واستخدام الأطفال في الصراع، والعنف الجنسي في اليمن. وكل هذا هو وصف لحجم الصراع في شمال اليمن.
بينما تحدث البيان عن تحقيق الاستقرار في جنوب اليمن فقط من خلال تنفيذ اتفاقية الرياض الموقعة منذ عامين بين المجلس الانتقالي الجنوبي، الهيئة السياسية التي خرج أهل الجنوب لتفويضها عام 2017 لإعادة دولة جنوب اليمن (الجنوب العربي). ويعتبر الانتقالي الكيان الأكثر تنظيماً وانسجاماً مع محيطه الإقليمي والعالم، ويحمل رؤية وطنية حديثة غير توسعية أو عابرة للحدود، حيث أبرم اتفاقية مع الرئيس هادي لتشكيل حكومة تعرف بـ "حكومة المناصفة" بين الشمال والجنوب لتسهيل الخدمات وتنظيم الأمن.
كما أعربت المملكة المتحدة من جانبها عن قناعتها من خلال وزيرة الخارجية، ليز تروس، بأنَّ هناك فرصة حقيقية لتهدئة التوترات في جنوب اليمن وتنفيذ اتفاق الرياض. (تصريح لصحيفة الشرق الأوسط 21 أكتوبر 2021)
السؤال الأكثر إلحاحًا الذي يجب على المجتمع الدولي الاعتماد عليه للتغلب على العقبة هو: منذ متى يتمتع سكان جنوب اليمن بفرصة كبيرة للسلام والاستقرار؟ وكم عدد الأرواح التي يمكن للمجتمع الدولي حمايتها من خلال الاهتمام بهذا الاختلاف. عندما يتم ذكر مصطلح جنوب اليمن في أي منتدى دولي، ينبغي اعتباره دولة مستقلة وذات سيادة ومقرها الأمم المتحدة قبل 30 عامًا فقط. لقد بدأ أبناء هذا البلد النضال ورفض ما قرره القادة في ذلك الوقت، بعد ثلاث سنوات من قرار الوحدة، أي أن فترة رفض الشعب لهذه الوحدة هي 27 عاما.
تشير الحقائق إلى وعي المجتمع الدولي بتحقيق السلام في هذا الجزء من المنطقة حيث الفرصة هي الأكبر والأقرب، ولا داعي لمواصلة ربط مصير الجنوب بشمال اليمن، حيث يواصل الحوثيون والجماعات الأخرى معاركهم ضد الشعبين الاثنين للاستيلاء على موارد البلدين، والجشع للسيطرة على آبار النفط في الجنوب التي تتميز بثروتها النفطية الهائلة. إذا كان المجتمع الدولي قادرًا على كسب التحدي الحالي، فسيكون قادرًا على تدمير ما يسعى الحوثيون و "الإرهابيون" للوصول إليه في جنوب اليمن.
تعتقد بعض دول المجتمع الدولي أنَّ حل قضية عودة دولة اليمن الجنوبي يمكن أن يكون من خلال المناقشة في قاعات البرلمان اليمني. هذا ما شعر به أهل الجنوب في تصريح السفير البريطاني في اليمن، ريتشارد أوبنهايم، عندما قال لصحيفة الشرق الأوسط في 22 أكتوبر 2021 أنَّ على الجنوبيين مناقشة أجندتهم السياسية لاحقًا، موضِحًا أن هناك مطالب في اسكتلندا للانفصال، وهم يعملون مع الحكومة الآن.
لكن من المعروف أيضا أنَّ أعلى ما يمكن مناقشته في البرلمان في معظم دول العالم الثالث التي تعيش حالة استقرار هي قضايا تتعلق بالخدمة العامة فقط، ولم تصل هذه الدول إلى مرحلة مناقشة موضوع الاستقلال لجزء منها، وهذا يعني أنَّ تأجيل التحرك نحو حل قضية عودة دولة جنوب اليمن يعني البعد عن السلام الشامل الذي يطمح إليه اليمنيون في الشمال والجنوب.
إن عودة دولة جنوب اليمن بمثابة مساحة حقيقية وجديدة لتشكيل مستقبل آمن ومستقر للمنطقة اليمنية وجميع المناطق المحيطة بها.
خلال الثلاثين عاما الماضية، وبعد السيطرة على ثروة الجنوب - ليس فقط من قبل الحزب الحاكم السابق، ولكن أيضا من قبل من يقف ورائه من قوى الشر والفساد - تشكَّلت سلسلة من المصالح والتوجهات تربط بين مفاصل خفية في الدولة. إنَّ الدولة العميقة التي شُكلت بالمنطقة اليمنية لن تنتهي إلا بكبح طموحاتها وآمالها من خلال عودة استقلال دولة اليمن الجنوبي، وتشكيل نظام وطني غير توسعي يحفظ مصالح الشعوب والمنطقة والعالم.
إذا كان المجتمع الدولي قادرًا على كسب التحدي باعتبار اليمن منطقة يمنية وليست دولة يمنية، وعمل على الدفع نحو استعادة النظام الإداري المستقل لجنوب اليمن من خلال عملية ديمقراطية تشرف عليها الأمم المتحدة، فسيكون أيضًا قادراً على مساعدة شعوب الشمال والجنوب على إنهاء هذا الفساد، وتحقيق السلام.
محضار علوي
ناشط في السياسة الدولية والوسائل الدبلوماسية لتحقيق السلام
صورة: الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض خلال قمة بمقر الأمم المتحدة (أرشيف العمري)