18-09-2021 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم الترجمات
يبلغ عمر العلاقات الهندية مع اليمن ما يناهز ألفي عام، كما تلعب الدولة الشرق أوسطية دورًا استراتيجيًا يتعلَق بروابط نيودلهي بالمنطقة.
مقدمة
دأبت البحوث المتعلقة بالسياسة الخارجية الهندية بالشرق الأوسط على وضع بؤرة تركيزها على القوى الكبيرة بالمنطقة مثل بلدان الخليج، بالإضافة إلى إسرائيل وإيران وتركيا ودول أخرى. واستنادًا على هذا النطاق، فإنَّ التجاهل هو المصير الغالب للعلاقات الثنائية بين نيودلهي وأقطار أصغر.
ويحاول هذا المقال سدَّ هذه الفجوة من خلال عرض مقدمة موجزة للعلاقات بين الهند واليمن، تلك الدولة المتورطة في غمار حرب أهلية منذ عام 2014 بين حكومة الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، المدعومة من الإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية، وبين قبائل شيعية زيدية يعرفون باسم "الحوثيين" ويحظون بدعم إيراني.
اعتمادًا على أرشيف وزارة الشؤون الخارجية الهندية، وتجربة المؤلف الشخصية في التعامل مع اليمنيين بالهند، وكذلك مقالات وتقارير أكاديمية، يقدم المقال نظرة موجزة للعلاقات الهندية اليمنية من خلال تعقب تاريخها وتوضيح أهدافها والتنويه إلى مساحات التعاون المستقبلي.
لمحة تاريخية
يتسم تاريخ العلاقات الهندية مع اليمن بالعمق والبساطة في نفس الوقت حيث تمتد جذور الروابط التجارية إلى ما يربو عن 2000 عام بين السواحل الجنوبية لكلا البلدين. ودأب عرب اليمن على استيراد التوابل مثل الفلفل، بالإضافة إلى جوز الهند واللؤلؤ ومنتجات أخرى من الهند. ومع ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، كان العديد من التجار العرب المسافرين إلى الهند من نقاط حدودية كعدن والمكلا يجلبون معهم الدين الإسلامي، وأنشأوا مساجد في أرجاء كيرالا وجنوب كارناتاكا.
ومنذ ذلك الحين، بدأ أناس ينتمون لمناطق هندية أخرى مثل حيدر آباد وغوجارات ومهاراشترا في إقامة علاقات قوية مع اليمن. وعلى سبيل المثال، ارتبط العديد من رجال الأعمال "البارسييين" بروابط متينة مع الدولة. وكذلك، كان الجنود اليمنيون، المعروفون بخبرتهم العسكرية، يخدمون ملوك الماراثا أمثال نانا فادنافيس، ولاحقاً في حقبة ما يسمى "نظام حيدر آباد" في القرن السادس عشر. واكتسبت أطباق يمنية مميزة الصبغة الهندية مثل " مثل "الهريس" الذي تحول في وقت لاحق إلى ما يعرف الآن باسم "الحليم"، مما يوضح نقل الغذاء والثقافة بين المنطقتين.
وأضفى الغزو البريطاني لميناء عدن في أواخر الثلاثينيات من القرن التاسع عشر طبقات جديدة على العلاقات بين الهند واليمن حيث انتقل رجال أعمال بارسيون إلى المنطقة لإقامة مشروعات. وفي أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، بدأ رجل الأعمال البارز ظهير أمباني، الذي أسس شركة "ريليانس اندستريز" في إنشاء امبراطوريته بعد فترة زمنية قضاها في اليمن. بمرور الوقت، استقر أكثر من 300 ألف هندي في اليمن، بينما استقر ما يناهز 100 ألف يمني في مناطق متعددة بالهند.
وعلاوة على ذلك، أججت حركة الحرية الهندية ضد الإمبراطورية البريطانية حماس الشعب اليمني، وخاطب العديد من زعماء الهند أمثال المهاتما غاندي وساروجيني نايدو وآخرين اليمنيين في الطريق إلى بريطانيا. كما أنَّ الهند من أوائل البلدان التي اعترفت بكل من جنوب اليمن وشمال اليمن عامي 1962 و1967 على التوالي قبل أن تتحد الدولتان في تسعينيات القرن المنصرم. وفي الفترات الأخيرة، ضخت الهند استثمارات في قطاعات الأدوية والنفط والغاز في اليمن، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في منتصف العقد الماضي نحو 3 مليارات دولار أمريكي لكنه تراجع بشكل ملحوظ بسبب الحرب.
المصالح الهندية في اليمن
بالرغم من عدم وجودها في مركز السياسة الهندية بالشرق الأوسط وغرب آسيا، تحتل اليمن بعض الأهمية بالنسبة للهند في المنطقة. فمن ناحية، وعلى المستوى التاريخي، فإن اليمن (الجنوب والشمال) من البلدان التي عبرت الهند عن تضامنها معها على مدار آخر نصف قرن كجزء من تواصلها مع دول كانت تقبع سابقا تحت وطأة استعمار قوى إمبريالية. وبناء على ذلك، قدّمت الهند العديد من ِأشكال المساعدات لجنوب وشمال اليمن، وكذلك وفرت لمواطني اليمن العديد من المنح الدراسية في مجالات تكنولوجيا المعلومات والزراعة والعلوم واللغة الإنجليزية وغيرها، مما أدّى إلى وجود عدد كبير من الطلاب اليمنيين في مناطق متعددة من بنجالور وأورانج آباد. بالمقابل، دائما ما تحظى الهند بدعم اليمن في منصات مثل الأمم المتحدة مثل تأييد طلب نيودلهي بالحصول على عضوية دائمة بالمنظمة العالمية.
ثانيا، مد جسور التواصل الهندي مع اليمن لعب دورًا أيضا في الاضطلاع بدور عربي وإسلامي أكبر. بالرغم من أنَّ العلاقات الهندية مع العالم العربي والإسلامي كانت مهتزة في حقبة ما قبل الحرب الباردة، بيد أن تواصل نيودلهي مع اليمن أدَّى إلى دعم الأخيرة للأولى في منظمة دول العالم الإسلامي التي كانت دائما متحفزة ضد الهند في قضية كشمير. وفي الأوقات الأخيرة، أثمر التطلع الهندي للتواصل مع العالم العربي إلى استقبال الهند لأكثر من 700 جندي مصاب يقاتلون لصالح نظام عبد ربه ضد الحوثيين لتلقي الرعاية الطبية بالنيابة عن الإمارات العربية المتحدة.
ومن منظور جيو استراتيجي، تقع اليمن بالقرب من ممرين بحريين استراتيجيين، مضيق باب المندب الذي يفصل بين منطقة القرن الإفريقي والطرف الجنوبي لليمن، ومضيق هرمز الذي تطل عليه جزيرة سقطرى، اللذين يرتبطان بنحو 30% من حركة تجارة النفط العالمية ومنتجات أخرى. وبالتالي، فإنَّ تأمينهما مهم جدا بالنسبة للهند، مما أدى إلى عضوية كلا البلدين في رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي (IORA) لتعزيز الأمن البحري.
وعلى المستوى الاقتصادي، وبالرغم من أنَّ اليمن ليست لاعبًا كبيرًا كالسعودية أو إيران، لكنها تملك احتياطيًا من النفط والغاز جذب استثمارات كبيرة من شركات هندية أمثال "ريليانس" منذ عام 2006. وبالرغم من توقف هذه الشركات عن نشاطها في اليمن بسبب الوضع السياسي، بيد أن حقبة ما بعد الصراع تمنح للهند فرصا اقتصادية هائلة.
تقييم الإمكانات المستقبلية للعلاقات بين اليمن والهند
مع اشتعال الحرب الأهلية اليمنية منذ عام 2015،اتخذت نيودلهي نهجا طويلا للتواصل مع اليمن. ورغم التلميح الهندي بسعيها نحو إبرام السلام في اليمن على المستوى الرسمي والحفاظ الظاهري على مواقف محايدة في صراعات متعددة بالشرق الأوسط، لكنها على الأرجح أكثر انحيازًا لموقف حليفتيها الإمارات والمملكة السعودية، وبالتالي انحيازها للحكومة الحالية في اليمن بدليل علاجها لجرحي الجنود برعاية إماراتية.
التعاون الهندي مع الإمارات والمملكة السعودية يمنح نيودلهي المجال للتواصل/التشاور مع اليمن والدولتين الخليجيتين في قضايا مكافحة الإرهاب، لاسيما وأن اليمن موطن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذراع الأقوى لتنظيم القاعدة، وكذلك يتواجد بها الفرع اليمني من تنظيم داعش. وفي وقت سابق، حرض تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مسلمي الهند على الثورة ضد الحكومة الهندية. وبالرغم من أن تلك الدعوات لم تجد لها آذانا صاغية إلى حد كبير، لكن التنظيم يجب أن يظل مصدر قلق للحكومة الهندية إذا استطاع توسيع نطاق تواجده في اليمن مستقبلًا.
وبمرور الوقت، تأمل الهند في انحسار الصراع باليمن إذ أن خلو هذا البلد من الصراعات سوف يصب في صالح نيودلهي التي تستطيع آنذاك توسيع نطاق حضورها الاقتصادي هناك. وبشكل محدد، سوف تسعى الهند إلى زيادة أنشطتها في مجال النفط والغاز والزراعة، بالإضافة إلى المساعدة في إعادة تعمير هذه الدولة في مرحلة ما بعد الحرب لتكريس حسن نيتها في أوساط الشعب اليمني والإمارات والسعودية.
ثمة بعض المجال أمام الهند لتوفير السياحة الطبية والتعليمية للمواطنين اليمنيين العائدين من الحرب. ونظراً للجودة والتكلفة المعقولة لنظام الرعاية الصحية الخاص بالهند، باتت الدولة الآسيوية بالفعل مقصدًا طبيا للكثيرين، وبالتالي فإن الارتباط المتزايد بالمهنيين الناطقين باللغة العربية سوف يساعد على تعضيد صورة الهند في عيون اليمنيين كبلد مضيف يتحلى بالمسؤولية. ووفقا لما لاحظه كاتب هذا المقال، فإن السينما الهندية تحظى بشعبية كبيرة بين المواطنين اليمنيين، مما يجعل نيودلهي مقصدا مغريا للسياح اليمنيين. ويخلق ذلك المزيد من الإمكانات في قطاع السياحة في حقبة ما بعد كورونا. وعلى هذا النحو، فإن هناك العديد من المجالات التي تستطيع الهند من خلالها تنمية وتيرة علاقاتها مع اليمن.
خاتمة
ترتبط الهند واليمن بعلاقات عميقة الجذور، وتتسم بثبات غير مرئي على مدار العقود الخمسة الأخيرة بدافع المشاعر المناوئة للاستعمار، والأمن البحري، والتطلعات المرتبطة بالأمم المتحدة، والاعتبارات الاقتصادية، والأهمية الجيوسياسية لاسيما فيما يتعلق بالإمارات والمملكة السعودية.
وتمثل اليمن مفتاحًا رئيسيًا لإطلاق العنان لقوة الهند بمنطقة الشرق المتوسط، وإثبات أن حسابات السياسة الخارجية للهند تستند إلى الاعتبارات الاستراتيجية وليست الدينية كما هو الحال في علاقات نيودلهي مع دول أخرى في الخليج. بالرغم من أن القوة العسكرية ليست على أجندة السياسة الخارجية الهندية، لكن المساعدات والمعونات التي يمكن أن تقدمها الهند إلى اليمن بعد الحرب يمكنها حقا المساعدة في ترسيخ صورة ذهنية أقوى للهند بالشرق الأوسط. ينبغي إذن على نيودلهي الاستفادة من علاقاتها الممتدة لعقود مع اليمن وشبكة التواصل بين الشعبين لتحويل ذلك إلى حقيقة.
محمد سنان سياش، مؤسسة أبحاث المراقب الهندية (ORF)، النص الأصلي
- ترجمة إلى العربية: مركز سوث للأخبار والدراسات