أدوية مُهربة مضبوطة في مطار عدن الدولي (مركز سوث24)
21-11-2022 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | رعد الريمي
يُمثَّل تهريب الأدوية – بأصنافها المُختلفة – جزءاً كبيراً من أعمال التهريب غير القانوني في اليمن، لا سيَّما الأعوام الأخيرة منذ اندلاع الحرب وانهيار الرقابة المركزية.
وفي العاصمة عدن، جنوب اليمن، تنتشر عشرات الأصناف من الأدوية المُهربة والمزورة على رفوف الصيدليات، كما تم رصده في نزول ميداني لمركز "سوث24".
وتشير الأرقام التي تحصَّل "سوث24" عليها من مسؤولين وتجار دوائيين إلى نسب كبيرة من الأدوية المُهربة، والأدوية المنتهية، ضمن السوق الدوائية في عدن.
ضحايا
فقدت المواطنة مريم صالح* جنينها في شهره السابع، وكادت أن تفقد نفسها أيضاً بسبب مرض السكر رغم جرعات الأنسولين التي واظبت على استخدامها.
وفقاً لها، استغرق الأمر وقتًا طويًلا ومكلفًا حتى أدركت أنَّ دواء الأنسولين المجاني، الذي تحصل عليه من الحكومة دون مفعول.
وقالت لـ "سوث24": "كنت استعمل دواء الأنسولين لكوني مُصابة بالسكر؛ وكنت أحصل على هذا الدواء من الحكومة بشكل مجاني."
وأضافت: "رغم المواظبة الدقيقة على استخدامه، بدأت مؤخراً أشعر بأعراض ارتفاع السكر من زغللة بالعيون، وخفقان للقلب، وتعرق بالأطراف. عقب كل عملية فحص للسكر بالدم بالمنزل، أجد أنَّ السكر لا ينخفض إلا بشكل بسيط."
حقن دوائية مهربة تم ضبطها في مطار عدن الدولي (مركز سوث24)
وأردفت: "كنت أرجع ذلك إلى أسباب أخرى مثل تلف جهاز قياس نسبة السكر بالدم. بعد أيام من تلك الحالة، ارتفع السكر في الدم ودخلت بغيبوبة سُكر. على إثر ذلك، تم نقلي إلى مستشفى بمديرية المنصورة لتكشف الفحوصات المخبرية والتحاليل أن نسبة السكر في دمي مُرتفعة جداً."
ولفتت المواطنة إلى أنَّ الأطباء أخبروها أنَّ دواء "أنسولين ماكس الدنماركي" الذي كانت تستخدمه فقد مفعوله نتيجة لسوء التخزين.
حال المواطن عادل سعيد* لم تكن أفضل.
قال الرجل الخمسيني لـ "سوث24" إنَّه كاد يفقد حياته بسبب "مُنشطات جنسية مجهولة المصدر."
وأضاف: "أخذت منشطات جنسية من إحدى الصيدليات. قال لي العامل هناك إنَّها آمنة ودون أي أضرار جانبية. لم يكن مُدَّون عليها الشركة المُصنَّعة أو مصدر الإنتاج. في ذات اليوم، أصبت بجلطة نُقلت على إثرها إلى أحد المستشفيات هنا في عدن."
وأردف: "تدهورت صحتي لدرجة مريعة ودخلت العناية المركزية. لاحقاً، قال لي الأطباء إنَّ المنشطات الجنسية التي تناولتها هي السبب."
تهريب
الصيدلاني نبيل الشعيبي، مالك إحدى الصيدليات في عدن، شرح لـ "سوث24" حجم الأدوية المُهربة والمزوَّرة في الأسواق الدوائية.
وقال الشعيبي: "كثير من الصيدليات تعتمد بشكل أساسي على الأدوية المُهربة أو المزورة. هناك أصناف كثيرة من الأدوية التي حذَّرت منها الهيئة العليا للأدوية تباع في الصيدليات."
وأضاف: "أكثر من 100 شركة دوائية عُرفت بعد الحرب تقدم منتجات دوائية رديئة غالبا ما تسبب شكاوى من المستهلكين. كثير من الأدوية تأتي من الهند، وأخرى دون بلد منشأ."
ويقّر المدير العام التنفيذي للهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية في عدن، الدكتور عبد القادر أحمد الباكري، بوجود الأدوية المُهربة في الأسواق.
وقال الباكري لـ "سوث24": "عمليات تهريب الأدوية منتشرة في كل دول العالم وليست بلدنا فحسب. إنَّها قضية عالمية فقد أشارت منظمة الصحة العالمية مؤخراً أن ما نسبته 10% من الأدوية في العالم مُهربة ومُقلدَّة."
وأردف: "اليمن جزء من العالم وتتعرض لهذه القضية."
وذكر الباكري واقعة وفاة عدد من الأطفال مؤخراً في مدينة صنعاء الخاضعة للحوثيين بسبب أدوية مُهربة منتهية خاصة بسرطان الدم.
وأضاف: "ذلك العلاج كان مُقلداً ومُهرباً. هذه بعض من مشاكل الأدوية المهربة غير المطابقة للمواصفات."
ولفت المسؤول الصحي إلى أنَّ هذه الأدوية "مُزورة وتم إدخال مادة أخرى فيها تختلف تمامًا عن المادة المُعلن عنها على غلاف الدواء."
موفد مركز سوث24 مع المدير العام التنفيذي للهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية في عدن، الدكتور عبد القادر أحمد الباكري
وأشار الباكري إلى أنَّ الهيئة العليا للأدوية "لديها مندوبون في جميع منافذ الدولة يقومون بتحديد وفرز الأدوية الرسمية وغير الرسمية."
وأضاف: "لدينا قانون يُلزم إتلاف أي دواء مُهرب، كما يُسجن من يقوم بأعمال التهريب =".
أرقام
وفقاً للصيدلاني نبيل الشعيبي، وآخرين يعملون في المجال الدوائي، تصل نسبة الأدوية المهربة والمزورة في عدن إلى 25% من إجمالي السوق الدوائية في المحافظة.
لكن مدير هيئة الأدوية عبد القادر الباكري يُشكك في مصداقية هذه النسبة.
وأضاف: "هذه النسب مبالغ فيها وعبارة عن مغالطة وتضليل. قمنا بإجراء دراسات واقعية أظهرت أنَّ نسبة هذه الأدوية لا تتجاوز 3%."
وفي نسبة صادمة، كشفت مديرة الجمارك بمطار عدن الدولي، أحلام عبد الله عبد الكريم، أنَّ "90% من مضبوطات أعمال التهريب في المطار خلال الأعوام الأخيرة هي أدوية مُهربة."
وأضافت لـ "سوث24": "يأتي بهذه الأدوية مواطنون وخصوصاً من يقدمون أنفسهم على أنَّهم تُجار شنطة [حقائب]. في حالات كثيرة، تكون هناك إغراءات كبيرة لتمرير كميات من هذه الأدوية نرفضها بشكل قاطع."
ولفتت المسؤولة إلى أنَّ محاولات التهريب هذه "تتم بشكل شبه يومي منذ اندلاع الحرب." وأضافت: "قبل الحرب كان التهريب موجوداً لكن ليس بهذه الصورة."
وشرحت الموظفة طريقة عملهم في أهم مطارات البلاد فيما يخص الأدوية التي تأتي مع المسافرين.
وقالت: "يشترط في الأدوية أن توافق عليها الهيئة العامة للأدوية. عندما ينزل المسافر إلى مطار عدن الدولي يوجد طبيب مناوب هو من يُقيَّم حاجة المريض للأدوية."
وأضافت: "يقوم الطبيب بتحديد ما إذا كانت هذه الأدوية للاستخدام الشخصي أو للمتاجرة."
وأشارت المسؤولة إلى أنَّ "كثير من الحقائب التي يوجد فيها أدوية مهربة باتت مؤخراً تُقيَّد باسم مجهول حيث يتركها المُهرب خوفا من الإجراءات الأمنية في مطار عدن الدولي ويغادر المطار."
وعدَّدت المسؤولة بعض طرق تهريب الأدوية في مطار عدن الدولي، مثل "إدخال الأدوية تحت تصريح مواد أخرى مثل الملابس."
أدوية مهربة مضبوطة في مطار عدن الدولي كانت مخبأة داخل منتج غذائي (مركز سوث24)
ووفقا لها، "تُتَّبع هذه الطريقة للتهرب من الضرائب في أوقات كثيرة."
وتشتمل أعمال تهريب الأدوية في مطار عدن على تزوير قيمة شحنات دوائية لأسباب متعلقة بالضرائب، وفقا لمديرة الجمارك.
وأضافت: "يحدث تزوير للمستندات. بدلاً من أن يحضر صاحب شحنة الأدوية المستندات الأصلية الصادرة عن بلد المنشأ يقوم بتزوير مستندات للتلاعب في سعر الشحنة كأن تكون قيمتها الأصلية 50 ألف دولارا لكنًّ قيمتها المزورة 25 ألف دولارًا فقط."
وأردفت: "إنَّهم يقومون بهذا للتهرب من دفع القيمة الحقيقية للضريبة الجمركية. قمنا بإتلاف 20 طناً من الأدوية مُجمعة منذ سنتين ولم يسمح بخروجها لكونها مخالفة."
أصناف
بعد رصد استمر لأكثر من أسبوعين، تمكَّن "سوث24" من تحديد أسماء بعض أكثر أصناف الأدوية المُهربة شيوعا في عدن، التي تمت ملاحظتها في معظم الصيدليات خلال النزول الميداني.
اسم الدواء |
الوظيفة/الاستخدام |
إنسولين مكس - Insolin Mix |
خفض نسبة السكر
بالدم |
ميكارديس - Micardis |
خفض ارتفاع ضغط الدم |
ألبومين - Albpumin |
حفظ السوائل في الدم |
ألفنيترن - Alphintern |
حالات التورم
والالتهابات |
ميكروسيبت - Microcept |
منع الحمل |
نوفارابيد - Novorapid |
أحد أنواع الأنسولين
المخفض للسكر |
وإلى جانب هذه الأصناف، تنتشر المنشطات الجنسية ومستحضرات التجميل المهربة.
ووفقاً للصيدلاني نبيل الشعيبي، فمعظم ما يتوفر في السوق الدوائية من منتج ألبومين - Albpumin الدوائي المستخدم لحفظ السوائل في الدم مُهرب، حيث لا يوجد له مستورد رسمي في البلاد.
وأضاف: "جزء كبير من منتجات الأنسولين الخاصة بمرضى السكر، مثل الأقلام والحقن، مُهربة ولا تطابق المواصفات، وبالأخص الأنسولين الدنماركي."
أدوية مهربة مضبوطة في مطار عدن الدولي، من بينها ألفنيترن - Alphintern المستخدم لعلاج التورم والالتهابات (مركز سوث24)
وأشار الصيدلاني إلى أن بعض الأدوية التي تصلهم عبر موزعين تكون قد تعرضت للتلف خلال عملية تهريبها في المنافذ البرية والبحرية، لا سيما تلك الحساسة لدرجات الحرارة والرطوبة مثل الأنسولين.
ولفت الشعيبي إلى أنَّ بعض الصيدليات تعمد إلى بيع منتجات دوائية "دون غلاف أو كأشرطة من أجل إخفاء المعلومات المدونة على الغلاف كتاريخ الانتهاء، أو البيانات التي قد تكشف تهريب الدواء لا سيَّما الأصناف التي تصدر بها تعميمات حكومية."
وتؤكد مديرة الجمارك بمطار عدن الدولي، أحلام عبد الله، أنَّ أدوية منع الحمل، والضغط، والسكر، والقلب، والصرع، هي أغلب ما يتم ضبطه من عمليات تهريب من قبل المسافرين.
المصدر
طبقا لمصادر مسؤولة وعاملين في مجال الأدوية، التقاهم "سوث24"، تُعتبر دولتا مصر والهند المصدر الرئيسي للأدوية المُهربة التي تدخل اليمن.
وتدخل هذه الأدوية المُهربة عبر المنافذ الجمركية الرسمية للدولة، أو المنافذ غير الجمركية ومسارات التهريب عبر البحار.
ووفقاً لمصادر خاصة، تعتبر منطقة "رأس العارة" البحرية في لحج من أبرز نقاط التهريب. وكان تقرير سابق لـ "سوث24" قد ذكر هذه المنطقة كمسار رئيسي لتهريب العديد من السلع الغذائية.
مُتعلق: كيف تغزو السلع الغذائية المخالفة أسواق عدن؟
وفي هذا الصدد، قال مدير الهيئة العليا للأدوية بعدن: "بالنسبة لنا لا نتعامل مع الشركات أو الدول باعتبارها جيدة وغير جيدة، وإنما المعيار هو الدواء."
وأضاف: "لقد حذّرنا من انتشار بعض الأدوية في الأسواق تصنَّعها شركات عالمية دولية. نستقبل عشرات التقارير كل عام عن الأدوية المخالفة ونتلقى بلاغات المواطنين."
ولفت المسؤول الصحي إلى أنَّ هيئة الأدوية قامت بسحب بعض المنتجات الدوائية المخالفة في السوق. وأضاف: "9700 صنف دوائي مطابق للمعايير تم منحها ترخيص من قبلنا هذا العام."
وأضاف: "نجتهد إعلاميا على تشجيع بلاغات المواطنين عن الأدوية. هذا يساعدنا على ضبط الجودة والقيام بمهامنا كهيئة مسؤولة عن الدواء الرسمي وليس الدواء المهرب."
أدوية منتهية
لا تتوقف اختلالات المنتجات الدوائية عند التهريب أو التقليد فقط، حيث تُباع بعض الأدوية المرخصة والرسمية منتهية الصلاحية في الصيدليات.
يجرَّم مدير هيئة الأدوية الأمر. ويضيف: "لا يجوز استخدام أي دواء انتهى مفعوله بناءً على ما هو مُسجل على غلاف العلاج."
ووفقا للمسؤول، فإنَّ انتهاء الدواء غالباً "لا يعني أنَّه تحول إلى مادة ضارة أو سامة تقتل الناس، حيث تحرص الشركات على نسبة الأمان بعد انتهاء تاريخ الصلاحية، ولكنَّه يفقد فعاليته بشكل رئيسي."
وينفي الباكري استقبال الهيئة العليا للأدوية بلاغات حول تزوير تواريخ الأدوية.
وأضاف: "نحن لم يحصل أن منحنا موافقة لتغيير تاريخ صلاحية أي علاج، ولم تصلنا شكاوى من هذا النوع. تغيير تاريخ الأدوية جريمة جنائية تختص بها الجهات القانونية والضبطية بعد إبلاغها."
أدوية مهربة مضبوطة في مطار عدن الدولي (مركز سوث24)
ولفت الباكري إلى أنَّ آلاف الأصناف الدوائية التي تم ترخيصها من قبل الهيئة العليا للأدوية كفيلة بتغطية احتياجات المستهلكين، مؤكداً أنَّه "لا توجد اختناقات تموينية."
فحص الأدوية
تخضع المنتجات الدوائية الرسمية للفحص من قبل الهيئة العليا للأدوية للتأكد من مطابقتها للمعايير، وفقا لرئيس الهيئة عبد القادر الباكري.
وأضاف الباكري: "تتم عملية الفحص في المختبر الموجود بمقر الهيئة الذي تم تجهيزه بمبلغ مليوني دولار خلال عامين. نقوم بمطابقة كافة المواصفات في هذا المختبر."
ولفت الباكري إلى اتباع الهيئة سياسة التوازن فيما يخص سوق الأدوية. وقال: "نحرص على توفير البدائل لبعض الأدوية التي قد تنعدم لأي من الأسباب من دول متنوعة، مع مطابقة المعايير."