30-05-2021 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | قسم التحليلات
يُجمع المجتمع الدولي والمبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث على ضرورة حل الأزمة اليمنية حلاً سياسياً. [1] التأكيد على إيقاف هجوم الحوثيين على مأرب والانتقال إلى تسوية سياسية شاملة تضم كل الأطراف الفاعلة في الصراع، بدى هدفا لا يختلف عنه أو يعارضه عضو من أعضاء المجتمع الدولي خصوصاً أعضاء الدول الخمس دائمة العضوية. [2]
مرة أخرى، يبدو تأكيد المجتمع الدولي على إيقاف الهجوم الحوثي على مأرب معنياً بوقف السلوك الحوثي "العدائي"، الذي استمر منذ لحظة إزاحة شرعية الرئيس هادي عسكرياً وإسقاط العاصمة صنعاء.
ويرى مراقبون أنَّ موقف المجتمع الدولي الأخير ليس دليلاً كافياً على اقتراب حل الأزمة اليمنية، فثمة سيناريوهات عديدة من الصراع اليمني المتقطع، فما إن تصمت أصوات القتال في مكان حتى تدوي في مكان آخر.
سيناريوهات الصراع اليمني
يعمل المجتمع الدولي حالياً على نقل الأزمة اليمنية، من مربع إيقاف هجوم الحوثيين على مأرب شمالاً، إلى مربع تنفيذ اتفاق الرياض جنوباً. هذا الأخير يعني بالضرورة الصراع العسكري الذي احتدم أواخر العام 2019 بين القوات الحكومية الموالية لحزب الإصلاح الإسلامي من جهة مأرب في الشمال، والقوات الجنوبية التي تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة عدن في الجنوب. أي أنَّ الحرب في محافظتي شبوة وأبين الجنوبيتين، قبل أن تطلق المملكة العربية السعودية مبادرة سياسية توجت بتوقيع الطرفين على اتفاق الرياض في 5 نوفمبر 2019.
العودة لتنفيذ اتفاق الرياض، أتت في وقت بدت فيه مساعي مارتن غريفيث مع الجانب الحوثي قد نجحت نوعاً ما في منح مأرب هدنة إنسانية مقابل إغاثة إنسانية لصنعاء. [3]
ومن المرتقب في الأيام القليلة المقبلة استئناف جولات جديدة من مفاوضات تنفيذ اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية [4]، حيث تتواجد الأخيرة في الرياض، وستُعنى المحادثات بتنفيذ ما تبقى من الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض والتركيز بصورة خاصة على تشكيل وفد المفاوضات المشترك لمحادثات السلام.
اقرأ المزيد: العودة إلى الرياض: هل حان الوقت لتشكيل وفد مفاوضات مشترك؟
خلاف طرفي اتفاق الرياض الذي يتمحور حول تنفيذ ما تبقى من الشق الأمني والعسكري، قد يشعل الحرب مرة أخرى في ظل تأثير حزب الإصلاح على قرار الحكومة اليمنية. فمنذ بدء أزمة الأخيرة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، تقّدمت الحكومة اليمنية بمشروع إدانة إلى الأمم المتحدة يتهم دولة الإمارات بالضلوع في القتال ضدها. [5]
حالياً مع قُرب العودة إلى تنفيذ اتفاق الرياض عاد الحديث عن الإمارات مجدداً، فمنذ نحو أربعة أيام مضت تقدّم رئيس البرلمان اليمني سلطان البركاني، بطلب يُسائل رئيس الحكومة اليمنية، عن حقيقة إنشاء الإمارات قاعدة عسكرية في جزيرة ميون. [6]
ونفى مصدر مسؤول في تحالف دعم الشرعية تواجد أية قوات لأبوظبي في جزيرتي سقطرى وميون [7]. وأوضح أنَّ ما يوجد من تجهيزات في جزيرة ميون تجري تحت سيطرة قيادة التحالف لصالح عمليات القوات المشتركة، وبما يخدم تمكين قوات الشرعية وقوات التحالف من تأمين الملاحة البحرية وإسناد قوات الساحل الغربي.
مراقبون اعتبروا عودة الحديث عن الإمارات مرة أخرى، مؤشراً على "النوايا السيئة" من بعض أطراف الحكومة اليمنية في مساعي إلى إعادة الصراع العسكري مرة أخرى جنوباً في نفس وقت الدعوة لإيقاف معركة مأرب.
هذه النقلة الأخيرة في مسار الأزمة اليمنية، ليست الأولى التي تتوقف فيها المعارك في الشمال وتستعر في الجنوب، لطالما شهدت الأزمة اليمنية فصولاً من القتال المتقطع، زماناً ومكاناً.
على صعيد القتال في الساحل الغربي، في يونيو 2018، كادت القوات الجنوبية "ألوية العمالقة" وقوات حراس الجمهورية، بدعم وإسناد من التحالف العربي، أن تلحق الهزيمة بالقوات الحوثية وتنجح في تحرير مدينة الحديدة الواقعة على ساحل البحر الأحمر من قبضة الحوثيين، غير أنّ الحكومة اليمنية وقّعت اتفاقاً أممياً مع الحوثي في ديسمبر 2018، يمنح الأخير حق السيطرة على مدينة الحديدة. [8]
في مطلع العام 2020، كشف القيادي في الجماعة الحوثية، محمد البخيتي، عن وجود هدنة غير مُعلنة مع قيادات حزب الإصلاح على صعيد جبهات مأرب والجوف شمالاً [9]. في تلك الأثناء كانت القوات الحكومية التابعة لحزب الإصلاح تخوض معركة في الجنوب ضد القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي شبوة وأبين.
معركة مأرب.. العقدة والحل
بالمُقابل، مستجدات الصراع في مأرب بالتوازي مع مستجدات الموقف الدولي، تؤكدان على أنّ عملية إسقاط مأرب لم تعد خياراً ممكناً. وبالقدر ذاته عودة الصراع جنوباً.
كل فصول الصراع المتقطع في اليمن، جاءت في صورة تفاهمات بينية غير مُعلنة بين حزب الإصلاح والحوثيين، تُجمع على نقل صراع الحكومة اليمنية إلى الجنوب ضد الانتقالي الجنوبي، بذريعة الحفاظ على الوحدة اليمنية أمام مساعي الانتقالي الجنوبي في إعادة دولته الجنوبية المستقلة ما قبل وحدة العام 1990، هذا هو الفصل الأخير الذي يطلب فيه المجتمع الدولي إيقاف الحرب في مأرب، بالتوازي مع انتقال أطراف الصراع في الجنوب نحو تنفيذ اتفاق الرياض.
الجديد هنا، هو طلب المجتمع الدولي بصورة معلنة، إيقاف الحرب على مأرب، لأسباب إنسانية وأخرى تتعلق ببروز مقاومة عنيفة من قبائل مأرب وسكانها المحليين، تجعل كلفة إسقاط مأرب كبيرة على كافة المستويات، إضافة إلى أهمية مأرب آخر محافظة نفطية شمالية، تحاذي محافظتي شبوة وحضرموت النفطيتين جنوبا حيث تتركز المصالح الدولية.
هنا تبرز جدية مجتمع مأرب، جنباً إلى جنب مع جدية المجتمع الدولي، هذا البروز القوي يُسقط أي تفاهمات بينية على إسقاط مأرب، من شأنها أن تتم بين الحوثيين وحزب الإصلاح، على غرار ما مضى من تفاهمات نقل الصراع إلى الجنوب، نتج عنها سقوط كل الشمال بيد الحوثيين عدا مأرب.
لقد ضيّقت مستجدات الصراع في مأرب، دائرة الخيارات لدى الحوثيين وحزب الإصلاح على حد سواء. الوضع الحالي يؤول لأول مرة إلى خروج مأرب عن سيطرة اليمن الأعلى بذراعيه المتمثل في الجماعتين الإسلاميتين، الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، وحزب الإصلاح ذراع الإخوان المسلمين في اليمن المدعوم من قطر وتركيا.
مُتعلّق: معركة مأرب: ميزان النهاية لحرب اليمن.. لمن تُرجّح الكفّة؟
الجدير الإشارة له، أنَّ انصهار الذراعين الإسلاميين في المنطقة العربية ككل، في محور إسلامي واحد ضد دول المحور العربي يحدث في اليمن بصورة مبطنة.
بالعودة للحديث عن تفاصيل الشق الأمني والعسكري من اتفاق الرياض، تنحدر القوات الشمالية التي ترابط في المحافظات الجنوبية في شبوة وحضرموت وأبين، إلى الحاضنة الشعبية لليمن الأعلى. من هنا تمتلك عملية استكمال تنفيذ اتفاق الرياض أهميتها، التي تنص على سحب هذه القوات من الجنوب والاتجاه بها نحو مأرب.
مما سبق الإشارة إليه، تكون القوات الشمالية هي المعنية بتحرير أراضيها من سيطرة الحوثيين، بينما مأرب معنية بالدفاع عن نفسها. في حال اتجهت هذه القوات إلى مأرب، فذلك سيعيد، على الأرجح، مأرب لسيطرة اليمن الأعلى، بينما سيترك الجنوب بيد أبنائه.
وبصرف النظر، نحن الآن أمام سيناريو جديد في مسار الأزمة اليمنية، يختلف كلياً عن السيناريوهات السابقة، يجعل جدية المجتمع الدولي في حل الأزمة اليمنية علامة على الاقتراب من النهاية.
بدر قاسم محمد
زميل في مركز سوث24، باحث في الشؤون السياسية اليمنية
- الصورة: من لقاء المبعوث الأممي إلى اليمن مع وفد الحوثيين في مسقط، في 27 مايو 2021 (رسمي)