22-02-2022 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | أندرو كوريبكو
شهد الأسبوع الماضي إنجازين هائلين للاستراتيجية الجيو- اقتصادية للإمارات في آسيا. ونجحت الإمارات في ترسيخ ذاتها كعمود فقري جيو -اقتصادي في آسيا في أعقاب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والقمة الافتراضية مع رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي. هذان التطوران يؤديان إلى إنجازات هائلة في سبيل تحقيق الهدف الاستراتيجي الكبير بتعميق الاستفادة من موقعها الجغرافي المميز واقتصادها المتنوع القوي وسياستها الخارجية غير المؤدلجة التي تجمع معًا كافة الأطراف المعنية الهامة في أرجاء القارة. من المهم إذن أن نشرح مغزى أحداث الأسبوع الماضي من أجل أن تحظى بتقدير أفضل من المراقبين.
بادئ ذي بدء، ينبغي على المرء الوصول إلى فهم صلد لما تعنيه الاستراتيجية الكبرى للإمارات. قارة آسيا ككل تعد قوة اقتصادية عالمية بالرغم من أن مناطقها المختلفة تساهم في ذلك بأساليب متباينة. وكان الخليج سابقا قد اشتهر بثروته في قطاع الطاقة، ولكن ولي العهد محمد بن زايد أحدث ثورة طموحة في اقتصاد بلده على مدار العقد الماضي من خلال التنوع بعيدا عن الاعتماد غير المتناسب على مثل هذه الصادرات، وفي اتجاه التحول إلى مركز مالي ولوجستي واستثماري وخدمي وتقني وتجاري ذات طابع عالمي.
وبنفس القدر من الأهمية، حرص محمد بن زايد على التيقن من بقاء السياسة الخارجية للإمارات غير مؤدلجة والتركيز فحسب على السعي البراغماتي لتحقيق المنافع المزدوجة دون أن يكون الترويج لذلك على حساب أي طرف ثالث. ويُفسر ذلك أسباب موافقة بن زايد على اتفاقية أبراهام في أواخر 2020، والتي أدَّت إلى أن تصبح الإمارات واحدة من البلدان القليلة ذاتَّ الأغلبية المسلمة التي ترسمن علاقاتها مع إسرائيل في خطوة تمثل تغييرا لقواعد اللعبة الدبلوماسية، ومن المتوقع أن تجلب المزيد من الاستثمارات للإمارات.
وتستهدف رؤية محمد بن زايد أن تتحول الإمارات إلى مركز رئيسي يربط أفريقيا بآسيا من خلال القدرة على استغلال موقعها بالقرب من مركز التقاء القارات الثلاث في النصف الشرقي من الكرة الأرضية. ومن أجل تحقيق تلك الغاية، ينبغي أن تواصل هذه الدولة التشبث بالاتفاقيات التجارية والعمل مع كافة الشركاء المعنيين بينهم من كانت سابقُا في خضم نزاعات حساسة معينة مثل تركيا. الأكثر أهمية هو أن يتفق الجميع على العمل معا تجاه تحقيق الأهداف المشتركة من الاستقرار والرخاء والأمن. إن هؤلاء الذين يحتضنون هذه الرؤية سوف يرون الإمارات ترد الجميل لجهودهم.
ويستدعي ذلك تحليل المغزى من زيارة الرئيس أردوغان الأخيرة إلى الدولة الخليجية. لقد تدهورت العلاقات بين البلدين على مدار الأعوام الماضية جرَّاء هواجس الإمارات والعديد من الدول غيرها من أن تركيا تدعم عناصر الإخوان المسلمين المصنفة كجماعة "إرهابية" في أرجاء المنطقة. وعلاوة على ذلك، فإن الدعم التركي لقطر أثناء الأعوام العديدة التي شهدت نزاعا بين الدوحة وشركائها في مجلس التعاون الخليجي أدى إلى زيادة الشكوك بشأن نوايا أنقرة. وتجمعت هذه العوامل لتتسبب في برودة العلاقات الإماراتية التركية على نحو مؤسف.
بيد أن هذه الديناميكية الضارة بدأت في التغير بعد تراجع تأثير الإخوان المسلمين بشكل كبير في أرجاء الخليج والشام وشمال أفريقيا على مدار الأعوام الأخيرة. وبدأت تركيا أيضا تعاني من تحديات اقتصادية ومالية خطيرة جدا تثير تساؤلات بشأن استمرارية هدفها الإستراتيجي الكبير المشكوك فيه المتمثل في دعم الإخوان المسلمين بالمنطقة ضد رغبات شعوبها وحكوماتها. كما بات واضحا أنَّ الرئيس أردوغان أدرك بأنَّ إعادة النظر في إستراتيجية تركيا الكبرى هو شيء تأخر كثيرًا.
وبدأت حكومة أردوغان لاحقا الحديث مع الإمارات وشركائها المقربين في المملكة السعودية مما ساعد في إعادة الثقة بين تركيا ودول التعاون الخليجي. وكان نتاج هذه التفاعلات الدبلوماسية هي زيارة أردوغان للإمارات التي أبرم خلالها الجانبان 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم غطت الجوانب الثقافية وشؤون الدفاع والاقتصاد واللوجستيات والتكنولوجيا والعلاقات التجارية. وعلاوة على ذلك، اتفقوا أيضًا على العمل نحو إبرام اتفاق شراكة اقتصادي شامل في وقت ما بالمستقبل.
ليس من قبيل المبالغة وصف زيارة الزعيم التركي باعتبارها علامة فارقة ليس فقط في العلاقات الثنائية ولكن أيضا فيما يتعلق بالتاريخ المعاصر لغرب آسيا ككل. إن العلاقات الفاترة بين البلدين بسبب دعم تركيا للإخوان المسلمين هددت بكبح جماح التقدم في المنطقة وساهمت في توترات خطيرة. بيد أن التقارب السريع بين تركيا والإمارات، وبين تركيا ومجلس التعاون الخليجي من شأنه أن يبطل تلك الديناميكيات الضارة ويساهم في توحد الجميع سعيا وراء المصالح المشتركة.
ولا تقل أهمية عن ذلك تلك القمة الافتراضية بين محمد بن زايد ورئيس وزراء الهند التي عُقدت مباشرة بعد زيارة أردوغان. لقد استطاعت الإمارات للمرة الأولى الوصول إلى اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع الهند التي تمثل واحدة من أكبر شركائها التجاريين والتي تمتلك العديد من المغتربين في الدولة الخليجية يعملون في البناء وغيره من القطاعات. لقد كانا محقين حينما جعلا بيانهما المشترك بعنوان "الترويج لشراكة هندية إماراتية شاملة: حدود جديدة وعلامات فارقة جديدة". لقد ضمت أوجه التعاون الوثيق بين البلدين قطاعات الدفاع والتكنولوجيات الناشئة والطاقة والأمن الغذائي والتعاون الدولي الذي ظهر بوضوح في بيانهم المشترك.
إنّ اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات والهند تمثل أهمية خاصة للطرفين بسبب الممر العربي المتوسطي المأمول الذي يأملان أن يساعدان في إنشائه بشكل مشترك في الأعوام المقبلة. من جانبه، قام البروفيسور مايكل تانشوم زميل المعهد النمساوي للسياسة الأوروبية والأمنية والزميل غير المقيم في معهد الشرق الأوسط بنشر تقرير مفصل عن هذا الأمر أواخر أغسطس الماضي تحت عنوان "ممر الهند العربي المتوسطي.. تحول نموذجي في الاتصال الاستراتيجي لأوروبا". حيث أوضح بشكل متزايد كيف تستطيع هذه الدول الجنوب آسيوية خلق هذا الطريق التجاري الجديد جنبًا إلى جنب مع مجلس التعاون الخليجي وشركاء إسرائيليين.
وفيما يتعلق بإسرائيل، فإنَّها حليف مقرب لكل من الإمارات والهند، مما يزيد احتمالات تأسيس الممر العربي المتوسطي يومًا ما. وترتبط الدول الثلاث جميعها بعلاقات قوية جداً مع المملكة السعودية بما في ذلك إسرائيل، بالرغم من أن الأخيرة لا تجمعها بعد علاقات رسمية مع الرياض بيد أنهما وفقا لتقارير على علاقة وثيقة مع بعضهما البعض وراء الكواليس. وكان الدافع المبدئي وراء ذلك هي الاهتمامات المشتركة بينهما، لكن كلاهما تملكته الرغبة في التنسيق مع الآخر في السياسات الإقليمية بشأن أكثر قربًا بسبب مخاوفهما الجديدة بشأن الانسحاب الأمريكي المتدرج من المنطقة.
وبعد هذا التفسير للقوة الدافعة وراء الإنجازات الإماراتية الجيو-اقتصادية مع تركيا والهند خلال الأسبوع الفائت، حان الوقت الآن لتحليل هذه التطورات بشكل أكثر اتساعًا قليلا. السمعة العالمية التي تملكها الإمارات كمركز جيو-اقتصادي وكدولة شديدة التسامح تعني أنَّ هؤلاء الأكثر ارتباطا بها سوف تتحسن نظرة المجتمع الدولي إليهم. ويمثل ذلك الأمر أهمية لتركيا لأنها تكشف إخلاصها الحقيقي في النأي بنفسها عن جماعة الإخوان المسلمين، وإلا لم تكن الإمارات قد تواصلت معها لا سيما وأنَّ أبوظبي ليس لديها ذرة تسامح تجاه الإرهاب.
وعلاوة على ذلك، استفادت الهند أيضًا بارتباطها مع الإمارات المتسامحة في ظل المخاوف التي شهدتها الأعوام الأخيرة بشأن تعامل نيودلهي مع الأقلية المسلمة، والتي تحدثت عنها أيضا منظمة التعاون الإسلامي. وبشكل واضح، لا تعتبر الإمارات هذه المخاوف عائقا أمام توسيع العلاقات الثنائية مع نيودلهي لا سيما فيما يتعلق بالبعد الاقتصادي الذي يشهد عدم انتهاج الإمارات سياسة خارجية مؤدلجة. وقد يثير ذلك غضب شركائها الباكستانيين لكن لا تملك إسلام آباد الكثير مما تستطيع أن تفعله حيال ذلك.
إن الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الإمارات والهند لا تحدث على حساب أي طرف ثالث بما في ذلك باكستان، حيث لم تتضرر العلاقات الثنائية بين أبو ظبي وإسلام آباد جراء ذلك. وكذلك لذات الشيء، لا يستطيع المرء أن يصف التقارب الأخير بين الإمارات وتركيا باعتباره يأتي على حساب أي طرف آخر بما في ذلك اليونان شركاء أبو ظبي الجدد والذين يملكون نزاعات تاريخية مع أنقرة. ينبغي على الأطراف الثالثة قبول إستراتيجية الإمارات الكبرى الخالية من الأيديولوجيات والبرجماتية، التي تتحرك بدافع الفوائد الجيو-اقتصادية المشتركة حتى لو أنهم لا يتفقون دائما.
الاتجاه الجديد الذي عرضه هذان التطوران الجيو-اقتصاديان الأسبوع الماضي مفاده أن بلدان آسيا تتقارب مع بعضها البعض بخطوات واثقة رغم بطئها، وتلعب دول معينة مثل الإمارات أدوارا بارزة لتحقيق ذلك. وتبقى العلاقات الهندية التركية متوترة على خلفية تبني مواقف مختلفة تجاه كشمير. لكن كلتا الدولتين لديهما مصلحة مشتركة في توسيع نطاق علاقاتهما مع الإمارات. ويضع ذلك أبو ظبي في موقع يمنحها السبق الاستراتيجي وتستفيد منه بلدان قليلة أخرى باستثناء روسيا ربما. إن المحاذاة الإماراتية النشطة المتعددة بين مراكز تأثير مختلفة يساعد على استقرار آسيا.
ويتوافق ذلك تماما مع استراتيجية محمد بن زايد الكبرى للتعاون مع الشركاء المهتمين الذين يتشاركون أهداف الاستقرار والرخاء والأمن. وتعد تركيا والهند من بين أحدث النماذج في التعبير العلني عن مثل هذه الإرادة وتحقيق أرباح ملموسة نتيجة لذلك. لقد تعززت سمعتها الدولية من خلال ارتباطهما الوثيق مع الإمارات المتسامحة، وما تزال الروابط التجارية بينهما وبين هذه الدولة واعدة جدا. النموذج الذي أسسته الإمارات مبشر جدا ويضعها كقائد عالمي في الاتجاهات الجيو-اقتصادية.
محلل سياسي أمريكي مقره موسكو، زميل غير مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
الصورة: إعلام إماراتي
الآراء الواردة في هذا التحليل تعكس رأي مؤلفها