17-02-2022 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | نادية علي
تنتشر جرائم الابتزاز الإلكتروني ضد النساء والفتيات في كل دول العالم، إلا أنَّها في اليمن، على غرار الدول العربية، أكثر ضرراً ودماراً بالنسبة للضحايا؛ حيث يقف المجتمع - المحكوم بالتقاليد والعار – والسلطات أحياناً، إلى جانب الجاني والمبتز، ضدَّ الضحية.
من النادر أن يُصدَّق المجتمع اليمني فتاة تتعرض للابتزاز الإلكتروني بصورها الخاصة أو أي بيانات شخصية أخرى، وبالذات أهل وأقارب الضحية، فالأحكام غالباً ما تكون مُسبقة، والفتاة هي من جلبت لنفسها كل هذا.
بالنسبة للمجتمع، انتشار بعض الصور الخاصة لفتاة على شبكة الإنترنت قد يعني عملياً إعدامها معنوياً إلى الأبد، وربما جسدياً في حالات كثيرة من قِبل الأهل، وهو ما يُعقد كثيراً من أوضاع الفتيات عند تعرضَّهن للابتزاز الإلكتروني، ويجعلهن فرائس سهلة ضعيفة للمبتزين.
وفي عدن، جنوب اليمن، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في الأشهر القريبة الماضية، على وقع قصص ابتزاز لعدد من الفتيات والنساء.
بعض هؤلاء الضحايا واجهن هذه الجرائم من خلال الإفصاح وتوجيه الاتهامات لأشخاص بعينهم، بينما وقعت أخريات ضحية للابتزاز بالخضوع للمبتز وإعطاءه كل ما يطلب.
لقد وصل الأمر ببعض الحالات الى الانتحار، أو الموت على يد أهلهن، كما كشفت مصادر خاصة لـ "سوث24"، وبعض ضحايا هذا النوع من الجرائم.
من ضحية الى جانية
"بدأ الأمر في يوم عرفة [اليوم الذي يسبق عيد الأضحى]، في اللحظة التي طلب مني فيها تطبيق فيسبوك إدخال كلمة السر المخصصة لحسابي من جديد. بعدها تفاجأت بأحدهم يراسلني ويخبرني أن حسابي قد أصبح بما فيه ملك له."
هكذا بدأت سحر*، إحدى ضحايا الابتزاز الإلكتروني في عدن، حديثها مع "سوث24". لقد استمر المبتز باستغلال سحر والتهديد بنشر الصور الخاصة بها – التي كانت محفوظة في محادثات بينها وبين صديقاتها. وحين لا يلقى المبتز منها أي تجاوب لمطالبها، يقوم بنشر الصور على حسابها في فيسبوك، ثم يعاود مسحهم بمجرد أن تبدأ سحر بالحديث معه.
تتابع سحر رواية قصتها بحسرة "عشت تحت رحمة المبتز. لا أتمنى أن تشعر أي فتاة بما شعرت به، كان يخبرني بأنَّه إذا لم أكن مقتنعة بالحديث معه لن يغصبني وسيقوم بنشر الصور، بدوري كنت أمثل عليه اقتناعي بالحديث معه؛ وفي الوقت ذاته لم أكن أكف عن البكاء."
وتضيف، "وصلت إلى مرحلة قمت فيها بإيذاء نفسي وجرح يداي، وقمت بتصوير ذلك وإرساله إليه وتهديده أنَّني سأقتل نفسي بسببه علَّه يشعر بالرحمة؛ ولكنَّه لم يكن يبالي أو يحس بمدى الألم والخوف الذي كنت أعيشه."
لم يكن المبتز يكتفي بكل ذلك، فوفقاً للضحية، كان يختار الساعة الواحدة بعد منتصف الليل للاتصال بها وتهديدها بنشر صورها إذا لم تُسمعه صوتها. "لقد أدخلني ذلك بدوامة كبيرة"، لفتت سحر.
لم تستطع سحر في بداية الأمر أن تخبر أي أحد من أفراد عائلتها، لكن وبعد أن بدأت القصة بالانتشار ووصلت الى أحد أقاربها، قررت أخيراً أن تتشجع وتخبر أمها بما حصل؛ إلا أنَّها لم تتمكن من سرد كل التفاصيل حتى لا تثير فجيعة والدتها.
تسرد سحر ما جرى والعبرات تخنقها، "بعد أن عرفنا أنا وعدد من الفتيات اللواتي تم تهكير واختراق حساباتهن في نفس الفترة أنَّ المخترقين متواجدون في عدن، تشجعنا بالذهاب إلى إدارة الأمن."
تتابع، "بالبداية استقبلونا وأخذوا أقوالنا وتابعوا معنا وأبدوا اهتماماً ملحوظاً بقضيتنا، لكن بعد مدة قصيرة - وبعد أن علمنا أنّ هناك عناصر من الأمن قاموا بتسريب بعض المعلومات إلى المتهمين وبدأت الرشاوي تدخل – بدأت المماطلة من قبل الأمن."
وزعمت سحر أنّ عناصر في الأمن يتعاونون مع المبتزين، من خلال محاولة تشويه سمعتها والفتيات الأخريات عبر تحوير القضية والترويج أنَّ ما حصل بالأساس لم يكن عملية اختراق وابتزاز، بل أنَّ الضحايا هن من نشرن صورهن الخاصة.
وتحصّل "سوث24" من الضحية على أسماء بعض العناصر الأمنية - يحتفظ سوث24 بها - التي اتهمتهم سحر "بالتواطؤ والتعاون مع المبتزين".
وقد تواصل فريق التحرير بمركز "سوث24" لأيام متتالية، مع شخصيات مسؤولة في إدارة أمن عدن للرد على الاتهامات، إلا أنّنا لم نتلق أي رد حتَّى اللحظة، رغم إيضاح الفريق للمسؤولين بالاتهامات التي وردت على لسان "الضحية سحر".
الابتزاز والقانون اليمني
بحسب القاضية والأستاذة السابقة في كلية الحقوق بجامعة عدن، ضياء محيرز، فإنَّه "لا يوجد نص قانوني صريح ينص على عقوبة محددة للابتزاز الإلكتروني، ولكنَّ المُشرع يجرم الابتزاز بشكل عام."
وقالت القاضية لـ "سوث24"، "نص القانون اليمني في المادة (313) من قانون الجرائم والعقوبات على أنَّه (يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات، أو بالغرامة، كل من يبعث قصداً في نفس شخص الخوف من الإضرار به، أو بأي شخص آخر يهمه أمره، ويحمله بذلك وبسوء قصد على أن يسلمه أو يسلم أي شخص آخر أي مال أو سند قانوني أو أي شيء يوقع عليه بإمضاء أو ختم يمكن تحويله إلى سند قانوني)".
ووفقاً لها، "يمكن أن ينطبق هذا النص العام على عقوبة الابتزاز الإلكتروني."
وتضيف، "كما نصت المادة (254) من نفس القانون على أنَّه (يُعاقب بالحبس مده لا تزيد عن سنة، أو بالغرامة، كل من هدَّد غيره بأي وسيلة بارتكاب جريمة أو بعمل ضار أو بعمل يقع عليه أو على زوجه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة، إذا كان من شأن التهديد أن يحدث فزعا لدى من وقع عليه."
وأشارت القاضية إلى أنَّ "القانون اليمني منح للقاضي السلطة التقديرية في اختيار أي من العقوبتين (العقوبة بالحبس خمس سنوات لجريمة الابتزاز، أو الغرامة). وكذلك بينَّت المادة 254 أنًّ التهديد جريمة معاقب عليها بالسجن سنة أو الغرامة، وأعطت القاضي أيضاً ذات السلطة التقديرية السابقة."
ضرورة تطوير التشريعات والقوانين
يُنظر للقوانين اليمنية على أنَّها متأخرة وغير مواكبة تجاه عديد من القضايا والجرائم، ومن بينها جرائم الابتزاز الإلكتروني، التي ظهرت مع الثورة التكنولوجية التي شهدها العالم. لقد فتح هذا باب الدعوات والمطالبات بتحديث وتطوير هذه التشريعات والقوانين، أسوة بدول عربية أخرى.
ونظرا للآثار المجتمعية الخطيرة التي تسببها جريمة الابتزاز الإلكتروني، ترى القاضية ضياء محيرز أنَّه "كان يتوجب على المشرع اليمني إفراد نص قانوني يختص بهذه الجريمة، وتشديد العقوبة أسوة بالمشرع السعودي [1] والإماراتي. [2]
وبحسب الناشط الحقوقي ورئيس منظمة سياج لحماية الطفولة، أحمد القرشي فإنَّ "الأصل أنَّ الدساتير والقوانين الوطنية ضامنة لحماية حياة وحرية وسلامة وسمعة جميع المواطنين".
وقال القرشي لـ "سوث24"، "يجب أن تكون هذه القوانين متضمنة لمواد تُجرَّم أي ممارسات خارجة عن القانون؛ وتحدَّد عقوبات رادعة وزاجرة".
ولفت، "رغم انتشار وكثرة جرائم الابتزاز الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وما يترتب عليها من مخاطر وأضرار بحياة وشرف وسلامة الكثير من فئات المجتمع، وخاصة النساء والفتيات، فإنَّ غالبية التشريعات الوطنية قديمة ولم تكن مواكبة".
وأكَّد القرشي على أهمية "وجود قانون ينظم الجرائم الإلكترونية"، معتبراً أنَّ "الحاجة باتت ملحة لإعادة النظر في التشريعات الوطنية، وتحديد نصوص تجرم وتعاقب على ذلك. يتوجب على الحكومة إيجاد آليات حديثة للتحري والتحقيق وجمع الأدلة بشأن الجرائم الإلكترونية."
وأضاف القرشي، "كما ويتوجب إيجاد آليات ضامنة لتلقي البلاغات والشكاوى بسرية تامة، بما يشجع الضحايا على الشكوى، وأيضاً ملاحقة المتهمين قانونيا لنيل العدالة، بما في ذلك جرائم الابتزاز الإلكتروني العابرة للحدود، عبر التنسيق مع الإنتربول الدولي."
الوقاية خير من العلاج
بحسب إحصاءات، بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في اليمن حتى يناير 2021، 8.06 مليون مستخدم، فيما بلغ عدد المستخدمين النشطين على مواقع التواصل الاجتماعي 3.20 مليون مستخدم. [3]
وعلى الرغم من رقم الوصول الكبير هذا من قبل اليمنيين إلى الشبكة العنكبوتية، إلا أنَّ كثير منهم، خصوصاً النساء والفتيات، يجهلون الطرق الوقائية التي من شأنها أن تجنبهم عقبات ومخاطر هذا العالم الافتراضي.
المختص التقني ومدربة أساسيات الأمن الرقمي لدى منظمة YODET، نور خالد قالت لـ "سوث24"، إنه "لا يمكن الحماية بشكل كلي عند استخدام الشبكة العنكبوتية، لكن يجب أخذ الحيطة والحذر أثناء الاستخدام. وبالمقام الأول يجب التأكد من وضع كلمة مرور فعالة وصعبة الاختراق."
وشددت خالد على أهمية "عدم الاعتماد على أي كلمات أو أرقام خاصة بالشخص واستخدامها في إعداد كلمة مرور الخاصة بالحسابات الشخصية." ونصحت باللجوء إلى البرامج المساعدة على إعداد كلمات مرور صعبة مثل برنامج "key pass"، "والذي بإمكانه الاحتفاظ بجميع كلمات المرور الخاص بشكل خاص وآمن."
وعن مواقع التواصل الاجتماعي قالت خالد أنَّه من الأفضل عدم مشاركة جميع الأمور الخاصة عليها، وحصر العملية على مجموعة مُقربة من الأصدقاء والأقارب، "حتَّى لا نخلق مجال للمبتز بالتعمق بتفاصيل حياتنا الخاصة الذي قد تسهل بدورها من عملية الاختراقات"، وفقاً للمختصة.
كما أكَّدت على ضرورة "عدم الانجرار والتسرع في فتح الروابط المرسلة سواء عبر تطبيقات المراسلة أو عبر الإيميل - وإن كانت من أشخاص تربطهم مع المستخدم علاقة وطيدة - والعودة إلى استخدام البرامج والمواقع الكاشفة للروابط الملغومة، أو المحتوية على فيروسات ضارة، كموقع "virus total".
ولتفادي الوقوع في هذه المعضلة، نصحت المختصة التقنية مستخدمي الشبكة العنكبوتية بأن "يكون الشك هو القاعدة الرئيسة خلال استخدامهم لهذه الشبكة."
قاعدة [الهاك = 0]
وحول الكيفية التي يجب على الفتيات والنساء التعامل من خلالها مع المبتزين، قالت خالد "يجب على أي شخص يتعرض للابتزاز ألا يخاف نهائيا؛ وبعدها يجب قطع التواصل تماماً مع المبتزين، وهو ما نُسميه بقاعدة "الهاك = 0"، أي قطع طريق التواصل بين المستخدم والمبتز."
وأضافت، "كما يجب تغيير الإيميل الخاص بالمستخدم وتعطيل جميع حسابات التواصل والخروج بعدها من جميع الأجهزة التي يتم استخدامها كذلك."
وتابعت، "في حالة تمكن المبتز الوصول إلى الضحية عبر رقم الهاتف الشخصي، يشير هذا إلى أنَّ ذلك المبتز تربطه علاقة بالضحية بشكل ما، وهنا يجب الاستعانة بالأمن حتى يتم كتابة مُذكرة لشركة الاتصال التي استخدمها المبتز، وسيتم حينها الكشف عن هويته."
وشدَّدت المختصة الرقمية على "وجوب الانقطاع تماماً عن التواصل مع المبتز، والابتعاد عن استخدام الإنترنت لمدة شهر كامل على أقل تقدير. ولفتت إلى أن ضحية المبتز "الهكر" هي واحدة من بين العديد، وبمجرد أن تقوم الضحية بإعطاء الفرصة للمبتز والعطاء معه، فأنَّها هنا تقوم بتسهيل خطته وجعلها تسير وفق ما خطط له من البداية."
وعي مجتمعي
وعن أهمية التوعية المجتمعية بخطورة الابتزاز الإلكتروني للفتيات والنساء، والوقوف لجانبهن لا ضدَّهن، قال الدكتور في علم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة عدن، مبارك سالمين إن "المجتمع وخصوصاً الأهل يجب أن يعوا أن الفتيات هن الضحايا والمجرم هو المبتز."
وشدد سالمين، في حديث مع سوث24، على "أهمية النهوض بوسائل الإعلام لإثارة هذه الملفات حتى يتم رفع وعي المجتمع بأهمية وخطورة هذه المشكلة التي تعتبر دخيلة على مجتمعنا".
ورأى بوجوب "وضع برامج توعوية تخص النساء لتوعيتهن بخطورة الابتزاز الإلكتروني، وكذلك أهمية خلق وعي كافي لديهن لتفادي الوقوع في مصائد المبتزين."
ونوه سالمين إلى أنَّه "يجب على الفتيات والنساء من اللاتي تعرضن لمثل هكذا جرم، بأن يكنّ صادقات مع ذويهن؛ واطلاعهم بالمشكلة بمجرد حصولها، كما يجب الرجوع إلى القضاء في حالة حصول الابتزاز."
وحتَّى الآن، لا يبدو أنَّ الكثير سيتغير حيال جرائم الابتزاز الإلكتروني، في ظل غياب جهود مجتمعية وأمنية وقانونية متكاملة. فالبلد التي تعيش حرب مستعرة سوف تستكمل عامها الثامن الشهر القادم، لا تزال أطرافها الفاعلة منشغلة عن الالتفات نحو الضحايا من النساء والفتيات، وتشريع قوانين تحميهن وتصونهن من الاستغلال.
نادية علي (اسم مستعار لكاتب التقرير لأسباب شخصية)
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: صُممت بواسطة سوث24
* لأسباب شخصية، تم استخدام اسم "سحر" في التقرير بديلا عن الاسم الحقيقي للضحية.