جندي فرنسي ضمن قوة المهام البحرية المشتركة 150 (ويكيميديا)
12-06-2023 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | د. إيمان زهران
ثمّة عدد من المتغيرات الإقليمية والدولية قد تدفع بإعادة ترسيم حالة التحالفات بإقليم البحر الأحمر، أبرزها: ما أعلنته وزارة الخارجية الإماراتية من الانسحاب من مشاركتها في القوة البحرية المشتركة في مايو الماضي، بالتوازي مع استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية، وإعلان طهران عن تحالف أمني مشترك في الخليج العربي، بالإضافة إلى عمق التنافس بين القوى الدولية خاصة "واشنطن وموسكو وبكين" على التموضع في بيئة البحر الأحمر، دون إغفال محدد "التخارج الأمريكي" بالمنطقة؛ على نحو ما قد يدفع بأولوية إعادة النظر في الأوراق الأمنية بالمنطقة، وذلك قياساً على قراءة وتقييم أسباب ومحددات تحركات أبوظبي الأخيرة بالترتيبات الأمنية بالبحر الأحمر وتداعياتها على خريطة التحالفات بالمنطقة، وذلك على النحو التالي:
ماهية القوة البحرية المشتركة
تأسست القوات البحرية المشتركة CMF عام 2001، كشراكة بحرية عالمية دائمة، تضم ما يقرب من 38 دولة من كافة أنحاء العالم، تستهدف إنجاز عمليات الأمن البحري MSO لدعم أطر الأمن والاستقرار في بيئة البحر الأحمر، في ظل تنامي العديد من التعقيدات الأمنية والتهديدات المتباينة للملاحة الدولية نتيجة لفشل خطط التسوية السياسية بالدول المأزومة والمطلة على البحر الأحمر وفي مقدمتها اليمن ودول القرن الإفريقي، وتداعيات تلك النقطة على قضايا الإرهاب وتهديدات الفواعل من دون الدول مثل تنظيم القاعدة وجماعة الحوثيين، بالإضافة إلى دور تلك القوة البحرية المشتركة في مكافحة تهريب المخدرات، وكافة التهديدات الناشئة، وذلك من خلال [1]:
- حماية التدفق الحر للتجارة المشروعة في إقليم البحر الأحمر.
- تطويق الإرهاب والحركات المتطرفة وغيرها من التنظيمات من دون الدول (مثل تنظيم داعش، تنظيم القاعدة، جماعة الحوثي، الحرس الثوري الإيراني، إلى آخره).
- الاضطلاع بمشاركة استراتيجية مع الشركاء الإقليميين، وأصحاب المصالح الرئيسيين بالمنطقة.
وبالنظر إلى كم المهام المنوط بها القوة البحرية المشتركة، فقد توالى تدشين خمس قوات فرعية تحت مظلة الـ CMF، لتطويق ومجابهة مختلف السياقات الأمنية القائمة والمُحتملة، والتي تجمع بين التهديدات التقليدية وغير التقليدية، ولمواكبة زخم التطورات السياسية والأزمات الإقليمية والدولية، وذلك على النحو التالي [2]:
- قوة المهام المشتركة CTF150: أنشئت عام 2002، وتستهدف في المقام الأول تطويق عمل المنظمات الإرهابية ومحاصرة أنشطتها غير القانونية. فضلاً عن مشاركتها في العمليات الاستخباراتية البحرية التي يتم التخطيط لها لتأمين الملاحة البحرية وتعطيل كافة العمليات غير المشروعة للتنظيمات الإرهابية بتلك المنطقة.
- قوة المهام المشتركةCTF151: أنشئت عام 2009، حيث تستهدف تكثيف التعاون مع الشركاء الإقليميين حول تطويق أعمال القرصنة والأعمال غير المشروعة بالبيئة البحرية، بالإضافة إلى تحركاتها الداعمة لـ "بناء القدرات" بين مختلف الشركاء مثل القوات البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي EU-NAVFOR، لضمان حرية الملاحة وحماية ممرات التجارة البحرية الدولية.
- قوة المهام المشتركة CTF152: أنشئت عام 2004، حيث يعتبر نطاق عملها من أهم المناطق على الصعيدين الإقليمي والدولي، إذ ترتكز تلك القوة في منطقة الخليج العربي والتي تعج بكثير من الاضطرابات السياسية والأمنية، ويتكوّن طاقم العمل لتلك القوة من دول مجلس التعاون الخليجي مدعومة بأصول من القوات البحرية المشتركة CMF.
- قوة المهام المشتركة CTF153: أنشئت عام 2022، حيث تستهدف حماية الأمن البحري الدولي، وتعزيز جهود بناء القدرات في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن. [3]
- قوة المهام المشتركة CTF154: أنشئت في 22 مايو الماضي، وتهتم بتدريب قوات الأمن البحري في مواقع مختلفة في الشرق الأوسط، حيث تقوم بتنظيم تدريباً دورياً يتركز على 5 مجالات، هي: "الوعي البحري، وقوانين الملاحة، وعمليات الاعتراض، وعمليات الإنقاذ، والدعم، والتنمية القيادية" [4].
تأسيساً على ما سبق، يعكس تشكيل "القوة البحرية المشتركة CMF"، وقوات المهام الخمس الفرعية واقع ضاغط بالإقليم البحري يستلزم معه التحرك لإنجاز هدفين، أولاً: حماية مصالح القوى الدولية ودعم أجندة حلفاءها الإقليمين، وثانياً: تأمين حركة الملاحة بالممرات الدولية في منطقة البحر الأحمر والمسطحات المائية المجاورة مثل خليج عدن وممر باب المندب، وذلك استناداً لحجم التهديدات القائمة والمُحتملة بتلك المنطقة وفقاً للمتغيرات الأخيرة على المستويين الإقليمي والدولي:
- تصاعد الأنشطة غير الشرعية بالوكالة: إذ تشهد المنطقة تنامي نشاط الفاعلين من دون الدول في العديد من المجالات الحيوية والتي تُشكل تهديداً لأمن الإقليم البحري، مثل: نشاط التنظيمات الإرهابية (القاعدة – داعش) وأفرع تلك التنظيمات بدول القرن الإفريقي عقب انحسارها في المشرق العربي واليمن، مثل حركة شباب المجاهدين.
- فشل التسوية السياسية في اليمن: حيث تؤسس تلك الإشكالية لاستمرار التهديدات المتباينة لإقليم البحر الأحمر في ظل الانتهاكات الأمنية لجماعة الحوثي، فعلى سبيل المثال، التحركات الحوثية في محافظة الحديدة وتهديدها لموانئها الثلاثة: "ميناء الحديدة، وميناء الصليف، وميناء رأس عيسى".
- تنامي أعمال القرصنة في خليج عدن والقرن الإفريقي: فقد تزامن مع موجات الحراك العربي في 2011، تصاعد مجموعة من التنظيمات "الإرهابية" والحركات المتطرفة بالعديد من الدول المضطربة أمنياً – خاصة بالصومال – وتباينت تأثيراتهم على إرباك / واضطراب حركة الملاحة الدولية سواء بالبحر الأحمر، أو بشرق وجنوب إفريقيا، فضلاً عن انعكاس تلك التهديدات على ارتفاع تكلفة التأمين البحري ضد المخاطر [5].
- تطويق التواجد التركي في السودان: حيث منحت السودان لتركيا في عام 2017 حق إدارة جزر سواكن، وهو ما يُشكل حزام استراتيجي للنفوذ التركي بالمنطقة وذلك بالنظر إلى التواجد التركي في كل من شمال العراق وسوريا والانفتاح المرن على قطر، والقاعدة العسكرية في الصومال عام 2016، ومؤخراً التموضع بالسودان.
- محاصرة التهديدات الإيرانية: وذلك عبر وأد المخططات الإيرانية للتمدد والسيطرة على مضيقي هرمز وباب المندب، إما بشكل مباشر عبر تحركات الحرس الثوري الإيراني بالبحر الأحمر، أو بشكل غير مباشر عبر تمويل ودعم أذرعها بالمنطقة وفي مقدمتهم جماعة الحوثيين، بما يشكل تهديداً للملاحة البحرية بالمنطقة.
- تنامى التنافس الدولي في البحر الأحمر: تُبنى تلك الإشكالية على تموضع القوى الدولية بإقليم البحر الأحمر عسكرياً، وذلك بالنظر إلى تنامي القواعد العسكرية الدولية، فعلى سبيل المثال: تعج دولة جيبوتي بالكثير من القواعد العسكرية الدولية مثل القواعد الأمريكية والفرنسية والصينية.. إلخ. وهو ما قد يدفع بمزيد من التوتر والاضطراب بالمنطقة على نحو إعادة استنساخ ديناميكيات الحرب الباردة.
أسباب الانسحاب
في خطوة تؤسس لبدء فصل جديد بمنهاجية العلاقات الإماراتية – الأمريكية، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة على إثر المحادثات الأخيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الأمن البحري "إن دولة الإمارات تلتزم بالحوار السلمي والسبل الدبلوماسية كوسائل لتعزيز الأهداف المشتركة والمتمثلة في الأمن والاستقرار الإقليميين، ونتيجة للتقييم المستمر للتعاون الأمني الفعال مع جميع الشركاء، انسحبت دولة الإمارات منذ شهرين من مشاركتها في القوة البحرية الموحدة مع الاستمرار في التزامها بضمان سلامة الملاحة في بحارها بشكلٍ مسؤول، وفقاً للقانون الدولي" [6]. وهي الخطوة التي يُمكن أن يُنظر إليها في إطار عدد من المحددات، أبرزها:
- الانكشاف الأمريكي: إذ سجلت التوترات الأخيرة بإقليم البحر الأحمر تراجع فرضية "الشرطي الأمريكي"، وانكشاف سيناريو "الحمائية الأمريكية" بما يدفع بأبو ظبى لفك الارتباط التدريجي مع واشنطن، وذلك بالنظر إلى عدد من المحددات أبرزها، أولاً: ما أعلنه الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في العديد من الخطابات الرسمية بالخروج من الشرق الأوسط وإدارة الدفعة نحو شرق أسيا، وثانياً: الانخراط الأمريكي في المسارات المتباينة للحرب الروسية – الأوكرانية ومحاولة محاصرة سيناريو حرب عالمية ثالثة تُبنى على فرضية الأقطاب المتعددة بالنسق الدولي وغض الطرف عن الأولويات الأمنية للمنطقة، وثالثاً: الفشل الأمريكي في حماية مصالح الحلفاء الإقليمين بالمنطقة - وفي مقدمتهم دولة الإمارات العربية المتحدة – من التحرشات الإيرانية المتزايدة للسفن في مياه المنطقة والتي تعد من أهم الممرات المائية عالمياً وتحظى بأهمية كبرى لإمدادات النفط.
- التحركات الإيرانية: وذلك قياساً على التغير الذي شهدته المنطقة عقب استئناف العلاقات الدبلوماسية الإيرانية السعودية، حيث أصبح هناك توطئة نحو إعادة الحديث حول تأمين كافة الملفات ذات التداخل المشترك، وفي مقدمتها "أمن مياه الخليج"، إذ من المُرجح إعادة تفعيل الاتفاقية الأمنية بين السعودية وإيران، والموقعة عام 2001 [7]، ومراجعتها بما يتفق مع استيعاب حجم التحديات الأمنية الجديدة بمختلف ملفات المنطقة ويحفظ الاستقرار وسلامة وأمن الملاحة البحرية.
- إعادة تقييم الأولويات: حيث تسعى الإمارات العربية المتحدة إلى تنويع الشركاء بما يضمن لها ديمومة "هامش الأمن"، وهو ما انعكس على عدد من المشاهد، أبرزها: التطبيع مع إسرائيل، التقارب المرن مع تركيا، وتوسيع نطاق علاقاتها مع الدول ذات الثقل في الجنوب مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا. فضلاً عن احتمالية سعي أبوظبي لمقايضة عملية الانسحاب من القوة البحرية المشتركة بالحصول على المزيد من الأسلحة والضمانات الأمنية الأمريكية [8].
تداعيات مُحتملة
على الرغم من أنه لازال من المُبكر حسم التداعيات المُحتملة للقرار الإماراتي بالانسحاب من القوات البحرية المشتركة، وانعكاسه على كافة الترتيبات الأمنية البحرية، إلا أنه بالمقابل، هناك عدد من التخوّفات المُحتملة بالنظر إلى حجم الثقل الإماراتي وتنسيقاته الأمنية المباشرة وغير المباشرة مع فواعل المنطقة، وذلك على النحو التالي:
- إعادة ترسيم خريطة التحالفات البحرية في المنطقة: تُبنى تلك الفرضية على تنوع التحالفات الأمنية في بيئة البحر الأحمر، وأجندتهم المتشابكة والمتقاطعة مع بعضهم البعض؛ وفقا لأجندات أعضائهم والقوى الدولية المؤثرة بقوة التحالف وحجم هيكله التنظيمي، مثل: القوة البحرية المشتركة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، دون إغفال تحالف الأفرابيا [9]، والذي يربط بين الدول المتقاسمة للبحر الأحمر من كل من: " القرن الأفريقي وشرق أفريقيا وشبه الجزيرة العربية" لتشكيل معادلة إقليمية "عربية – أفريقية" لأمن البحر الأحمر.
- تراجع التنسيق الأمني بالإقليم البحري: وهو ما يرتبط بالفرضية السابقة وذلك بالنظر إلى تنوع التحالفات الأمنية بالمنطقة وتقاطع أجنداتهم، فضلاً عن تموضع القوى الدولية المتنافسة بالإقليم البحري- حيث تتمركز كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين، والعديد من الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا، دون إغفال تطلعات القوى الإقليمية "إسرائيل وإيران"، حيث يحمل كل منهم أجندات مغايرة نظراً لاختلاف المفاهيم الأمنية لدى كل منهم وفقاً لما فرضته المتغيرات الإقليمية والدولية القائمة عقب جائحة كورونا، بالإضافة إلى اختبارات الارتدادات المتباينة للحرب الروسية الأوكرانية على كافة الأقاليم الفرعية.
- فك الارتباط التدريجي لدول الخليج العربي مع الولايات المتحدة الأمريكية: تنصرف تلك الفرضية على "تحليل الخطاب السياسي "لثلاث إدارات أمريكية متتالية فشلت جميعها في توفير الحماية الكاملة لحلفاء الولايات المتحدة وشركائها في الخليج العربي، فعلى سبيل المثال: تضمّنت الخطابات السياسية لكل من "باراك أوباما - دونالد ترامب – جو بايدن" فرضية "التخارج الأمريكي" من الشرق الأوسط والتحلل التدريجي من التزامات واشنطن الأمنية والمادية بالمنطقة.
تأسيساً على ما سبق.. يثير الانسحاب الإماراتي من القوة البحرية المشتركة العديد من التساؤلات حول مستقبل تلك القوة وهيكلها التنظيمي بالمنطقة، فضلاً عن مدى نجاعة تلك المنطلقات الرئيسية لذلك الانسحاب في ظل تشابك الأسباب الداعمة لذلك القرار ما بين رغبة من أبو ظبي في مقايضة الانسحاب القائم بمزيد من الحزم الأمنية الأمريكية، ومحاصرة التحركات الإيرانية بالمجال الحيوي الإماراتي عقب الانفتاح على الجانب السعودي واستئناف العلاقات الدبلوماسية والترتيبات الأمنية فيما بينهم. ليبقى التساؤل حول ما إذ ستتبع دول الشرق الأوسط ذلك المسار الإماراتي؟ أم سيتم تكييف الأمر بما يتفق مع الأجندات الوطنية الفرعية، وهي تلك الفرضية التي سيتم اختبارها خلال الفترات المُقبلة.
قبل 15 يوم