29-01-2022 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | أمين اليافعي
نظرا لموقع شبوة المحوري على خارطة
الصراعات المحلية والإقليمية منذ العام 2015، كان من
الطبيعي أن تؤدي التغيّرات الجذرية في سلطتها المحلية إلى تغيّرات واسعة وسريعة في
موازين القوى على الأرض، فيكون لذلك تداعياته الإقليمية الكبيرة والسريعة أيضاً،
بلغت ذروتها في محاولات متكررة للحوثيين لاستهداف دولة الإمارات العربية المتحدة.
لقد تحولت اليمن، منذ العام 2011 تحديداً،
إلى أحد أبرز الساحات في المنطقة التي يتركز فيها بشدّة أكثر من مستوى من الصراعات
الإقليمية. ومن وجهة النظر الإقليمية فإنّ الصراع في / على اليمن ينطلق من رهانين
أو بُعدين: إيجاد حليف قوي على الأرض لاستخدام البلد أو منع استخدامه كمنصة للاستهداف وتصدير
الفوضى، والاستفادة من الملف اليمني على طاولات المفاوضات ضمن المفاوضات العسيرة
حول ملفات إقليمية أخرى، لعل أبرزها الملف النووي الإيراني.
التطورات في شبوة وتداعياتها الإقليمية
يحاول هذا التحليل استعراض أبرز التداعيات
الإقليمية والنتائج المُحتملة على ضوء التطورات الأخيرة في شبوة والتي يبدو أنها
ستنقل مسار الصراع في اليمن إلى مراحل جديدة ومختلفة.
بعد يوم واحد من إعلان ألوية العمالقة
الجنوبية استكمال تحرير مديريات شبوة من قبضة الحوثيين، كان الناطق الرسمي باسم
التحالف، العميد ركن تركي المالكي يُعلن من عاصمة محافظة شبوة عن استراتيجية
التحالف للفترة القادمة من خلال مؤتمر صحفي مشترك مع المحافظ
الجديد عوض الوزير العولقي. بدت التحولات في شبوة وكأنها انطلاقة جديدة لعمليات
التحالف في اليمن. سمّى المالكي هذه الاستراتيجية بـ"حرية اليمن السعيد"
التي أعلن عن انطلاقها من شبوة من خلال تحريك كل الجبهات والمحاور لـ"تطهير
تُراب اليمن" من أجل الوصول إلى نمائه وازدهاره. ومن خلال اللغة المنمقة،
والوعود الكبيرة، يبدو أن التحالف الذي تقوده السعودية مصمم على مواصلة قيادة
المعارك ضد الحوثيين، متهماً إياهم برفض طريق السلام والبناء، ومتهماً إيران
بتهريب الأسلحة للحوثيين عبر ميناء الحديدة.
تبدو هذه الاستراتيجية أقرب إلى وجهة
النظر السعودية الثابتة من الأزمة اليمنية، وهي الاستراتيجية التي تدخّل على ضوئها
التحالف في اليمن تحت عاصفة اسماها "الحزم والأمل"، لإعادة نخبة الشرعية
- وهي خليط من القوى التقليدية التي توالي السعودية - إلى صنعاء والحيلولة دون أن
يكون لإيران موطئ قدم في اليمن، وكما تأمل السعودية.
تبدو الاستراتيجية الإماراتية مختلفة بعض
الشيء، إذ تشاركت مع السعودية هدف تحرير شبوة عن طريق تحريك قوات العمالقة التي
تدعمها وتشرف عليها، بعد أن تم إزاحة المحافظ الموالي للإصلاح (محمد صالح بن عديو)،
الذي حول شبوة إلى منصة لمهاجمة دور الإمارات وحلفائها. وبهذه المشاركة استطاعت أن
تستعيد علاقتها بالسعودية بعد مرحلة من الفتور والتباينات تحت الطاولة حول طريقة
إدارة الملف اليمني[1]،
كما ضمنت لحلفائها استعادة نفوذهم على المحافظة. لكن فيما يتعلق بفتح جميع الجبهات
ومنها الذهاب إلى عمق مناطق الشمال، بدت الإمارات غير متحمسة لذلك، ويبدو أنها قد أعادت
مراجعة استراتيجية تدخلها في اليمن على ضوء حصاد سبع سنوات مريرة[2]، على الرغم من مشاركة نخبها
للاعتقاد السائد بأن "الانتصار على الحوثي هو في النهاية انتصار على
إيران"، وكما يُعبّر مقربون من
السلطات الحاكمة.
في المقابل، راهنت إيران على إحراز
الحوثيين لانتصارات كبيرة في اليمن لتعزيز موقفها المتعنّت في مفاوضات فيينا حول
ملفها النووي، خصوصاً بعد وصول رئيس متشدد إلى رأس السلطة (إبراهيم رئيسي)، يسعى
إلى تعزيز استراتيجية الحرس الثوري الإيراني في المنطقة، وهو ما تزامن مع تعنت
حوثي أمام كل مبادرات السلام، وتصميمه على إسقاط مأرب على الرغم من المناشدات
الدولية الداعية إلى وقف هجماته على المدينة[3]. كذلك مثّل موت حسن إيرلو
العضو السابق في الحرس الثوري وسفير إيران لدى الحوثيين في نهاية شهر ديسمبر [4]2021، ثم فقدان الحوثيين
للسيطرة على أجزاء واسعة من شبوة، ضربة استراتيجية لطموحات إيران والحوثيين
الساعية إلى إسقاط مأرب والسيطرة على مناطق الموارد ثم التحرك صوب بقية محافظات
الجنوب. كما ساهمت عملية الحسم السريع في هز صورة المليشيات الحوثية نفسياً
ومعنوياً بعد الانتصارات السريعة التي حققوها خلال العامين الماضيين.
بعد إعلانها الانسحاب من اليمن في العام 2019، حاولت الإمارات أن تُقلل من تداعيات ومخاطر الصراعات الإقليمية المفتوحة، فعملت على إيجاد منصة لإدارة التوازنات بين الدول الإقليمية المؤثرة والمتصارعة من خلال التركيز على التعاون في المجالات الاقتصادية، مستفيدة من الإنهاك الاقتصادي الذي طال جميع الدول بعد أزمة كورونا، ومستبقة وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض، الذي أعلن عن أجندة تتعارض تماماً مع سياسات التحالف العربي. على أن الاتفاقات الأخيرة التي عقدتها الإمارات مع السعودية بعد تأزم موقف الأخيرة في مأرب وشبوة خلال الأشهر الماضية، وقادت إلى تحريك قوات العمالقة الجنوبية – التي تشرف عليها الإمارات لتدارك الهزائم المتوالية، أثارت حفيظة الحوثيين والإيرانيين، فبدأ الرد من خلال خطف السفينة الإماراتية "روابي" في البحر الأحمر. وفي يوم 17 يناير 2022 استهدف الحوثيون عدد من المواقع الإماراتية بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة سقط على إثرها عدد من المدنيين بين قتيلٍ وجريح، وهو اليوم الذي اجتمع فيه وفد من الحوثيين مع الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني في طهران[5]. مع إن البعض يُشير إلى أن مصدر الإطلاق كان من إيران وليس من اليمن[6]. إن صح ذلك، يبدو تبني الحوثيون للعمليات يأتي ضمن الخدمات التي يقدمونها لإغراء إيران في استمرار التحالف معهم. رد التحالف على هذه الهجمات بقصف جوي مكثّف لصنعاء ومدن أخرى تقع تحت سيطرة الحوثيين، وسقط على إثرها عدد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.
مسارات دائرية
تبدو الإمارات في مركز التداعيات
الإقليمية بعد التطورات الأخيرة في شبوة. يسعى الإيرانيون والحوثيون إلى تحييدها
عن الانخراط في النزاع اليمني لدورها الفاعل والحاسم، ويراهنون على ضربات خاطفة،
بتكلفة منخفضة، وذات تأثيرات واسعة. على أن الإمارات قد تمتص مثل ردات الفعل هذه،
وتستطيع تطوير آلية لحماية مجالها الجوي؛ وكما فعلت إسرائيل مع هجمات حزب الله
اللبناني والفصائل الفلسطينية، فضلاً عن أن الاستهداف يمنحها فرصة تعميق علاقاتها
مع المجتمع الدولي الأوسع، اتضح من خلال بيانات التضامن معها، واستثمار كل ذلك في
صالح المضي قدماً في إنجاز صفقات مهمة أبرزها صفقة طائرات F-35 الأمريكية.
في الوقت ذاته، تسعى أبوظبي إلى حشد
الرأي الدولي والإقليمي لتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، خطوة قد لا يرى فيها البعض
مردود ذات أهمية في مجرى الصراع الشامل. لكن إبعاد الحوثي عن مناطق الثروة، كما
يحدث حالياً في مأرب، وتموضع حلفاء الإمارات كالفصائل المختلفة التي تتبع المجلس
الانتقالي، وقوات طارق صالح، في معظم الجبهات التي تواجه الحوثي، وكل ذلك يأتي في
سياق رفض الحوثي المطلق لكل مبادرات السلام المعروضة، قد يضعه تحت ضغوط وتحديات
هائلة تؤدي في الأخير إلى إضعافه وتقليم أضافره، فلا يُشكِّل بالتالي قيمة كبيرة
في حسابات إيران الإقليمية خصوصاً إذا ما قارناها بحجم المصالح التجارية التي
تجمعها مع دولة كالإمارات، وسعت الأخيرة - من خلال سياستها البرغماتية - إلى
مساعدتها على إيجاد صفقة مناسبة تتعلق بالمفاوضات حول برنامجها النووي.
على الجانب الآخر، ستحاول السعودية
استثمار الانتصارات الأخيرة للتقدم صوب مناطق في عمق الشمال، وإعادة الشرعية
الحالية إلى صنعاء. على إن عدم وضع استراتيجية شاملة ومتكاملة للتعامل مع الأزمة
اليمنية تمتد إلى السياسي؛ كإجراء تغييرات جذرية في هيكل الشرعية، ورفع الأزمة
اقتصادية، سيؤدي بالضرورة إلى عودة خلافات العاصفة داخل الصف الذي يواجه الحوثي،
الأمر الذي يستغله الأخير في ترتيب صفوفه وإعادة الكرة مرة أخرى للسيطرة على مناطق
جديدة، وكما حدث طيلة السنوات الماضية. على الأرض، ستكون المحصلة أشبه بصفر لو
استمرت إدارة الأمور على طريقة السبع سنوات الماضية، ومن قِبل شخصيات هزيلة وفاسدة
في الشرعية وقوى تقليدية. لكن كل ذلك سيعمل على إطالة أمد الحرب، وتناسل الأزمة
اليمنية في أزمات متعددة: إنسانية، واقتصادية، واجتماعية، وتعميق الأزمة الإنسانية
المأساوية بصورة أكثر فداحة. ومثل هذه الشروط تجعل الإمارات تتردد كثيراً في
الانخراط مرة أخرى في الملف اليمني بشكلٍ مكثّف، وعلى غرار التدخل في العام 2015، حتى
مع استمرار الاستهدافات التي قد تتعرض لها من قبِل الحوثيين.
على مستوى الدول الإقليمية الأخرى، تبدو مصر أكثر ترشيحاً للدخول على خط الأزمة اليمنية خلال الفترة القادمة، خصوصاً مع قلقها المتزايد من تنامي التهديدات في البحر الأحمر، وتخففها من أثقال ملفات عديدة، وقد حملت زيارة الرئيس السيسي إلى الإمارات في الأيام الأخيرة دلالات كثيرة. وبالنسبة لتركيا التي كانت منخرطة في الملف اليمن يبدو أن دورها حالياً يتم "تصفيره" على الأقل حتى تخرج من الأزمة الاقتصادية الخانقة، ومعه سيتركز دور قطر في الجوانب الإعلامية ومحاولات إسناد جناح حزب الإصلاح داخل الشرعية اليمنية، مع التنسيق مع جماعة الحوثيين وإيران لتنفيذ أهداف مشتركة في المنطقة. أما عُمان التي لمع نجمها في موسم مبادرات السلام، ولم تُفلِح في إقناع الحوثيين بالقبول بالعروض المطروحة، ستكتفي في توفير منصة لعقد اللقاءات بين أطراف الصراع المحلية والإقليمية، ومراقبة التطورات في محافظة المهرة اليمنية، وهي تطورات في حال حدثت قد تدفعها إلى تبني مواقف مختلفة.
توصيات
- تتطلب
العملية الشاملة لإحلال السلام فهم أعمق للديناميكيات الإقليمية المحركة، والعناصر
الأكثر فاعلية التي قد تُساهم في إحداث انفراجات كبيرة ومفاجئة في مسار جهود حل
الأزمة اليمنية.
- ضرورة
فهم أنّ استمرار الصراع بلا نهاية، مع استمرار المعاناة الإنسانية في كل مناطق
اليمن سيكون له تداعيات كبيرة إقليمياً، وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية
والعسكرية.
- الالتزام بعدم استهداف المدنيين، وضرورة تجريم أي استهدافات من هذا النوع.
- هذه المادة جزء من ملف تحليلي شامل للمركز حول "قراءة في التداعيات المحلية والإقليمية والدولية للتطورات الأخيرة في شبوة"
- الصورة: طائرة هيلوكبتر إماراتية تحلّق فوق مدينة أبوظبي (رويترز)
المراجع:
[1] Noel Brehony (2020). The UAE’s Role in the Yemen Crisisin Day, S.W. and Brehony, N. (Ed.), Global Regional and Local Dynamics in the Yemen Crisis, Springer Nature Switzerland AG, Cham, Switzerland, pp. 142-143.
[2] @Abdulkhaleq_UAE | Twitter
[3] Jeremy M. Sharp (November 23, 2021). Yemen: Civil War and Regional Intervention, Congressional Research Service.
[4] حسن إيرلو: وفاة سفير إيران لدى حكومة الحوثيين بعد إصابته بفيروس كورونا - BBC News عربي
[5] المسيرة - عاجل auf Twitter: "#المسيرة_عاجل | رئيس الوفد الوطني محمد عبدالسلام يعقد لقاء في طهران مع الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني
[6] Houthi Strikes on UAE Open Another Front in Yemen War | The Washington Institute