أحد الصواريخ، التي عرضها الحوثيون في صنعاء، مارس 2021 (إعلام الجماعة)
12-10-2023 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
يبدو أنّ الوقت قد حان فعلياً بالنسبة للجماعة؛ استخدام شعاراتها المعادية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، بعد أن ظلّت تتجنب مهاجمتهم إما لترتيب إقليمي مع (محور المقاومة)، أو خشية من رد فعل إسرائيلي قاسٍ ضدهم
قراءة أولية | مركز سوث24 للدراسات
في صباح يوم السابع من أكتوبر الحالي، وفي يوم سبت يهودي مقدس، شنّت حركة "حماس" الفلسطينية، هجوماً كاسحاً ومفاجئاً بكل المقاييس؛ في عملية عُرفت بـ "طوفان الأقصى". توزّع الهجوم على عدة محاور برية وبحرية وجوية، عندما أطلقت (كتائب القسام) الجناح العسكري للحركة آلاف الصواريخ، وتسللت إلى القرى المجاورة، واعتقلت عشرات الأسرى من الجنود الإسرائيليين. لم يكن عامل الوقت هو المفاجئة وحسب، بل عامل القدرات العسكرية والاستخباراتية التي يمتلكها الجناح العسكري لحماس، وتعمل كتائبه على بثها من قبيل الحرب النفسية على وسائلها الإعلامية ومنصات التواصل. عملياً، مثّل هذا الأمر فشلاً أمنياً واستخباراتياً صادماً للطرف الآخر، إذ لم تشهد إسرائيل مثل هذا الفشل أو التصاعد العسكري ضدها منذ حرب أكتوبر 1973، خاصة وأنّ الهزيمة في ساعاتها الأولى لحقت بجيش يعد ضمن الأقوى في المنطقة، مقابل حركة مقاومة مسلّحة وفصائل أخرى حليفة انضمت لها لاحقا ومحاصرة في مساحة جغرافية محدودة.
بدا الموقف العسكري المتشدد من قبل حركة حماس، مرتبطاً بدرجة رئيسية بمدى ما يحدث من تطورات سياسية متسارعة في المنطقة، لا سيّما وأنّ بعض الدول العربية منها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان قد طبّعت علاقاتها عملياً مع إسرائيل في 2020، وأخرى مازالت تناور على طريق التطبيع مثل السعودية؛ كخطوة ثانية بعد التقارب مع إيران.وهو ما قابله انتقادات وعدم رضا من الجانب الفلسطيني، وبالذات قادة قطاع غزة المنضوين تحت ما يُعرف بـ "محور المقاومة" مع إيران وحلفائها في المنطقة. إذ أنّ هذه الخطوات تدفعهم نحو العزلة ويمكن أن تستثنيهم إذا ما تم أي نوع من اتفاقات السلام في المنطقة، وهو ما قد يؤدي للقضاء عليهم في نهاية المطاف؛ بسبب الضغوط الإسرائيلية المحتملة التي يمكن أن تترتب على ذلك على المدى البعيد. وإن كان التبرير الذي قدمه قادة حماس الناجم عن هذا التطور، هو ما عبّرت عنه قيادة الحركة، بأنّ ذلك جاء نتيجة استمرار "العدوان الصهيوني الإجرامي على المسجد الأقصى المبارك، والذي بلغ ذروته خلال الأيام الماضية."
وفي الوقت الذي عبّرت فيه بعض الدول عن ضرورة التحرّك العاجل من أجل تخفيف حدة التوتر وحماية المدنيين الفلسطيينن في غزة من رد إسرائيل العنيف وإبادة جماعية، عبّرت دول عن تضامنها المطلق مع إسرائيل منها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وسعت واشنطن وحلفائها الغربيون، منذ اليوم الأول على منح إسرائيل الضوء الأخضر للانتقام من حركة حماس والرد على ما تعرضت له صبيحة السبت، لكنها حذرت بالمقابل أية أطراف أخرى في المنطقة من استغلال ما يحصل. ومن أجل ذلك، وجّهت الولايات المتحدة حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد" والسفن الحربية المرافقة لها، إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة لعملها على تعزيز أسراب الطائرات المقاتلة في المنطقة. وهو ما يعكس الدعم الأمريكي القوي لقوات الدفاع الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي، وفقاً لبيان وزير الدفاع الأمريكي "لويد أوستن".
أما على مستوى الفصائل المعبّرة عن ما يُعرف بـ "محور المقاومة"، منها حزب الله اللبناني، الذي وصف، هجوم حماس، بأنّه "عملية بطولية واسعة النطاق". إذ يبدو أنّه إلى جانب مشاركته بإطلاق بعض الصواريخ والقذائف من الحدود اللبنانية، فهو يشارك بدعم توجيهي واستخباراتي داخل غزة وخارجها، وهو ليس على الحياد، وفقاً لما جاء على لسان أحد قادته. وهو موقف لم يختلف عن موقف حليفته الإقليمية طهران، التي ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، بأنّها تقف وراء طوفان الأقصى، وأن الضوء الأخضر أعطي لتنفيذ هذا الهجوم من بيروت وأن التحضير تم طيلة أشهر بالتنسيق مع حزب الله والحرس الثوري الإيراني. رغم ذلك، نفت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة بأن يكون هناك تدخل لإيران فيما حدث، وأنها "ليست منخرطة في الرد الفلسطيني، ذلك لأن هذه الاجراءات يقررها الفلسطينيون أنفسهم فقط، وللفلسطينيين الحرية في اتخاذ الخيارات التي يعتقدون أنها في مصلحتهم." كما أنّ البيت الأبيض تحدث مرارا خلال الأيام الماضية عن عدم وجود أدلة تشير إلى تورط إيران، لكنه يقول أنها "متواطئة" بشكل عام.
الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل
وفي حين أنّ "محور المقاومة"، يعبّر عن مواقفه بنبرة أكثر هدوءاً في سياق تطورات ما يحدث على المشهد الفلسطيني الإسرائيلي، يتحدث الحوثيون، وهم حركة دينية راديكالية يمنية تبسط سيطرتها العسكرية على شمال اليمن، بنبرة شديدة. فقد هدد زعيم المليشيا المدعومة من إيران، عبد الملك الحوثي، مؤخراً، بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل. وأعرب عن أسفه للعوائق الجغرافية التي تمنع المسلحين اليمنيين من دعم حركة حماس الفلسطينية ضد إسرائيل. كما هدد بوضوح، الولايات المتحدة حال تدخلها بشكل مباشر في العملية العسكرية بغزة، بأنّ الجماعة سترد على ذلك بقصف صاروخي وطائرات مسيّرة. لا يُخفي الحوثيون عدائهم لإسرائيل والولايات المتحدة، وللجماعة (شعار شهير) يهتف بالموت لأمريكا وإسرائيل ولعن اليهود، ظلوا يستخدمونه لعقود منذ تأسيس الجماعة على يد قائدها السابق، حسين الحوثي، الشقيق الأكبر لزعيم الجماعة الحالي. عرّف تقرير في مؤسسة راند الأمريكية الشعار بالنسبة لحسين الحوثي، بأنّه: "نوعاً من أنواع النداء لمعركة، يأمل من خلالها استغلال المشاعر المعادية لأمريكا، وفي الوقت ذاته يمنح مؤيديه وسيلة للتعارف مع بعضهم البعض حتى في حال غيابه".
يبدو أنّ الوقت قد حان فعلياً بالنسبة للجماعة؛ استخدام شعاراتها المعادية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، بعد أن ظلّت تتجنب مهاجمتهم إما لترتيب إقليمي مع (محور المقاومة)، أو خشية من رد فعل إسرائيلي قاسٍ ضدهم. غير أنّه في حسابات الربح والخسارة، يقيس الحوثيون تأجيل اتخاذهم مثل هذه الخطوة، لاحتمالية أن تعيق توسعهم العسكري في الداخل اليمني، وتقويض حربهم مع التحالف بقيادة السعودية. الأمر الذي يعني بالمحصّلة، بأنّ فتح جبهة بعيدة بآلاف الكيلومترات عن ساحتهم، سيفتح عليهم باب الجحيم، وقد ينهيهم كجماعة في وقت أسرع مما يتوقعون. يتحجج الحوثيون بالعوائق الجغرافية التي تمنع مسلحيهم من دعم حركة حماس ضد إسرائيل. وقد طالبت قياداتهم البارزة من السعودية بفتح المسار لـ"المجاهدين من أبناء الشعب اليمني مع المجاهدين في غزة" لنجدة فلسطين، وفقاً لتغريدة على إكس للقيادي البارز في الجماعة “محمد علي الحوثي". مع أنه بإمكان الحوثيين تحقيق ذلك إن أرادوا بأكثر من وسيلة، على سبيل المثال المرور عبر البحر، الذي يتلقون من خلاله دعمهم العسكري من إيران لأكثر من 9 سنوات.
لكن ليس من المستبعد أن يهاجم الحوثيون السفن والناقلات البحرية التابعة لإسرائيل، وبالذات القادمة من الشرق إلى ميناء إيلات عبر مضيق باب المندب، سواء عبرها بصورة مباشرة أو عبر جماعات متطرّفة أخرى متحالفة معها في اليمن. ولا يبدو أنّ القيادة الإسرائيلية تقلل من أهمية الأنشطة العسكرية الحوثية سواء على مستوى الصواريخ البالستية أو المسيرات، أو على مستوى الهجمات التي تهدد أمن الملاحة في المنطقة. فقد نفذّت الميليشيا الحوثية فعلياً هجمات على ناقلات بحرية عديدة، وستعيد الكرّة مرة أخرى إن لزم الأمر. ربما لا تفصل إسرائيل موقف الحوثيين المعادي تجاهها عن موقف (محور المقاومة) الكلي برعاية إيران، وربما أنها تقلق وتستعد لأي احتمالات مرتقبة سواء ضمن نطاقها الحيوي أو خارجه. وبعد يوم من خطاب زعيم جماعة الحوثيين، أعلنت القوات المشتركة اليمنية، وهي قوات تضم أيضا قوات العمالقة الجنوبية، أمس الأربعاء، أنّها استهدفت تحرّكات للميليشيا الحوثية جنوب الحديدة المطلّة على البحر الأحمر، تشكّل تهديداً للملاحة الدولية.
الحوثيون والجماعات المتطرّفة
من المهم القول، إنّ دعم الجماعة الحوثية الدؤوب للجماعات الدينية المتطرّفة في اليمن؛ سيساعد نوعاً ما على تحقيق جزء من أهدافهم الاستراتيجية. جيث ثبُت تورطهم بدعم "تنظيم القاعدة"، الفرع الأقوى في المنطقة، بطائرات مسيّرة في عملياتهم التي نفذوها ضد القوات المحلية بأكثر من منطقة في جنوب اليمن. وقد أكد مسؤولون يمنيون بارزون، بأنّ الحوثيين نسقوا مع تنظيم القاعدة في تنفيذ الهجمات الإرهابية بعدد من المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، وأنّه يتمّ إيواؤهم وتدريبهم لاستخدامهم في زعزعة الأمن في المناطق الجنوبية منها عدن وأبين وشبوة. ويوم الثلاثاء الماضي، 12 أكتوبر، وتزامنا مع تحذير زعيم جماعة الحوثيين للولايات المتحدة، أعلن تنظيم القاعدة في اليمن استهداف معسكر مرة الاستراتيجي التابع للقوات الجنوبية في محافظة شبوة، في جنوب اليمن. وزعم التنظيم أنّ هجومه على المعسكر جاء تزامنا مع وصول "قوات أمريكية" إلى المكان. وقد أكّد مصدر عسكري لـ "سوث24" سقوط مقذوفات على بعد كيلومترات من مقر المعسكر.
لا يبدو أنّ دعم إيران لتنظيم القاعدة في اليمن عبر حلفائها المحليين بات سراً، خاصة بعد انتقال مركز القيادة الجهادية من أفغانستان إلى إيران بقيادة، سيف العدل، بعد مقتل زعيم التنظيم السابق، أيمن الظواهري. فقد تغيّرت استراتيجية التنظيم وخطاباته منذ منتصف 2022، وباتت خطاباته السياسية موجهة بدرجة رئيسية ضد قيادة المجلس الرئاسي في اليمن، وتستثني من ذلك الحوثيين. كما باتت تنفذ عملياتها القتالية ضد القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وتستثني منها قوات الجيش اليمني التي تخضع لإدارة حزب الإصلاح اليمني، فرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، في مأرب.
يؤثر تواجد الزعيم المحتمل لتنظيم القاعدة، سيف العدل، في إيران، على المسار العملياتي لأنشطة التنظيم، وبالذات في ظل سيطرة حلفاء محليين لطهران على مساحات جغرافية واسعة في شمال اليمن. ذلك تجلّى واضحاً عبر الخطط والتكتيكات القتالية المستحدثة ضد القوات المحلية في جنوب اليمن، والتي تقدّمت بشكل كبير عن سابقاتها. وبالذات من خلال استخدام القاعدة للطائرات المسيّرة في بعض عملياتها الهجومية مؤخراً. يؤكد ذلك، أنّ إيران تدعم الجماعة الإرهابية باستفاضة، خاصة وأنّه معروف عنها بأنّها المصنّعة الأولى للطائرات المسيّرة في العالم، حتى أنّها زوّدت روسيا في حربها على أوكرانيا بطائرات مسيّرة لاستهداف البنية التحتية ومحطات الوقود والسدود. وقد استخدمت حركة حماس، أيضا، مسيّرات من طراز “الزواري”، ونشرت ذلك في أكثر من مقطع فيديو عبر إعلامها العسكري.
في واقع الأمر، وعلى الرغم من الأدوار المتباينة التي تلعبها الجماعات الدينية المتطرّفة في اليمن (الحوثيون، القاعدة، الإخوان المسلمون)، وسياقاتها العقدية المنفصلة كجماعات، فإنّ دعمها السياسي والعسكري لبعضها البعض سيظل ثابتاً، طالما أنّ الهدف هو تأمين وحماية نفسها والاستمرار في غاياتها الاستراتيجية التوسّعية، حتى لو شمل ذلك توحّدها لبرهة من الوقت، قبل انقضاضها على بعضها البعض بعد تحييد الخصوم.
إن تحريض الجماعات "الإرهابية" وتحفيزها ودعمها بأي شكل من الأشكال من قبل حلفاء إيران المحليين، من شأنه تهديد استقرار المنطقة، وستحاول هذه الجماعات استغلال الأحداث الملتهبة لإعادة ترتيب صفوفها وارتكاب عمليات عدائية على نطاقات أوسع باسم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، خاصة في ظل انكشاف المجال الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي الهش الذي ظلّت تفخر به وتعظمّه لعقود.
في المحصّلة، إنّ أي ترتيب عالمي للمشهد الراهن في منطقة الشرق الأوسط بناءً على تطورات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لابد أن يشمل هذا اليمن في نهاية المطاف، لتجنيب المنطقة مزيد من التهديدات المدمّرة على الداخل، وعلى أمن المنطقة الإقليمي، والملاحة الدولية بشكل عام. خاصة وأنّ ارتباط الجماعة الحوثية بالتنظيمات المتطرّفة بدا أكثر وضوحاً، لأنّه بدون تحقيق ذلك، سيكون الاستقرار حلماً بعيد المنال.
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات