12-05-2022 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | العقيد وضاح العوبلي
عند الحديث عن توحيد القوى العسكرية في اليمن، عقب تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، من المهم استعراض وتشخيص المرحلة الماضية وما شابها من صراعات وانقسامات وما برز خلالها من أهداف ومشاريع، أحدثت انقسامات وتفككات بينية عميقة ويصعب معالجتها بشكل مباشر أو بالسرعة التي يتوقعها البعض من خلال تشخيص غير دقيق وغير واقعي. لقد خلقت المرحلة الماضية من فترة الحرب والصراع مجموعة متنوعة من المتغيرات المتداخلة، مثل الهويات المحلية والأيديولوجيات المتناقضة، إلى جانب التركة السابقة والدعم الخارجي، تسببت كلها بتعقيد المشهد، وبالتالي تعقيد الذهاب إلى هيكلة فعلية أو توحيد للجيش بالمعنى الذي يذهب الكثيرين إلى الاعتقاد به.
وتعكس العوائق التي أتناولها في هذا التحليل، بأن البلد راهناً ما زال يعيش في خضم تداعيات هذه التصدعات وخطوط الانقسامات، ولهذا فإنه ينبغي الاتجاه في المسار الممكن بوضع الخطط الملائمة لتوحيد قدرات الجيش والمقاومة دون التطرق لتوحيد صفوفها. وبموازاة ذلك، يمكن البدء بتشكيل فريق قيادة عسكرية مشتركة من جميع الأطراف على غرار تشكيلة المجلس الرئاسي، وبما يكفل نزع عوامل التصعيد بين جميع الأطراف، وتحقيق المصالحة الفعلية بين جميع المكونات المنخرطة في مشروع معركة استعادة الدولة.
من غير المنطقي الحديث عن توحيد مؤسسة الجيش دون اعتبار للمرحلة الماضية وما شهدته من تبعات أو نتائج لا تزال تداعياتها قائمة إلى اللحظة. كما لا يمكن المضي في هذا الاتجاه دون الأخذ في الاعتبار المشهد الأمني بعد عام 2011 وتأثيره على الجيش [1]، فالانقسامات الفئوية والتحالفات المؤقتة هي من أسست لهذا الوضع الذي وصلت إليه اليمن في الوقت الحالي. وبدون معالجة لمجمل هذه التناقضات السياسية، فغالب الظن أن تباينات جديدة ستظهر بين القوى والمكونات السياسية، ما يدفع بالوضع مجدداً إلى مزيد من حالات الانقسام والتفكك.
منذ إعلان تشكيل المجلس الرئاسي مطلع شهر إبريل الفائت، يُلاحظ من خلال المتابعة ورصد الاهتمامات أن الحديث الغالب ذو سقف عالٍ، وبعيداً عن أي ارتكاز على الواقع الذي يتطلب التشخيص السليم أو الانطلاق منه لصياغة السيناريوهات والتصورات والمعالجات الممكنة، لا سيّما في وضع كهذا الذي تعيشه البلاد بمختلف قواها وأطرافها. وهو وضع ناجم عن صراعات وانقسامات سببتها الأجندة والمشاريع المختلفة والمتباينة، والتي يمكن تفهّم بعضها على اعتبار أنها صراعات مرتبطة بمطالب سياسية أوحقوقية معروفة الأهداف، ويأتي في طليعتها دفع ورفع المظالم أو نيل حقوق سياسية يؤمن بها الجميع. وهي مطالب أو مشاريع سبقت مرحلة "الانقلاب الحوثي" بسنوات عدة، ونقصد هنا "القضية الجنوبية" التي أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي ممثلها الأبرز. إذ من الصعب التنكر لها أو تجاوزها، باعتبارها قضية تقف ورائها كتلة شعبية عريضة وتنتشر على رقعة جغرافية واسعة ولها امتداد سياسي سابق وموثّق. كما أن لها طموحاتها المشروعة التي ترى أنها لم تتحقق لها في الماضي، وأثبتت أحقيتها بهذه المطالب بعد الفشل الذي مُنيت به كل الأطراف والجهات التي حاولت القفز عليها سياسياً أوعسكرياً.
علاوةً على ذلك، ارتبط جانب آخر من الصراعات ارتباطاً مباشراً بصراع النفوذ الإقليمي في اليمن، والذي كانت أجندة بعض أطرافه تذهب لتوجيه أدواتها المحلية باتجاه السيطرة والاستحواذ على ما تم تحريره بدعم من الأطراف الإقليمية المنافسة لها [2]، وذلك مقابل تأجيل أي معارك مع الحوثيين. مع أنهم-أي الحوثيين- كانوا هم الهدف الأول والأساسي الذي تحركت وحشدت هذه القوى بهدف مقاومة تمدده وتحرير البلاد والشعب من سيطرته. إذ من المهم الإشارة إلى أن هذا-على الأقل- كان الهدف الُمعلن لجميع الأطراف المنضوية في مشروع المعركة التي يقودها التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين.
ومن خلال التفنيد أعلاه، يمكن الخروج بتصورات سليمة تجعل من أي توحيد حقيقي للجيش والقوى العسكرية غير وارد على المدى المنظور، وأنّ المتاح حالياً هو التزام كافة الأطراف بفتح جميع معسكراتها أمام لجنة عسكرية مشتركة تعنى بتصحيح أوضاع جميع الوحدات والقوى الفعلية، كما يتم إلغاء الأسماء الوهمية والرتب الوهمية منها، بحيث يصبح لكل طرف قوته العسكرية الحقيقية الجاهزة لما تقرره الاتفاقات والتسويات المستقبلية الشاملة للوضع في اليمن بشكل عام، وبما يتناسب مع شكل وصيغة الدولة المستقبلية المتوافق عليها.
هيكلة الجيش وفق شكل الدولة
عند الحديث عن توحيد الجهود والقدرات، فهذا لا يعني بالضرورة تصفير الخصومات أو إنكار وجودها. وهذا يقودنا إلى الاعتقاد بأن التوافقات الحالية مرحلية وخلقتها الظروف الاضطرارية لترتيب الأولويات، وسيكون من الخطأ الاعتقاد بغير ذلك. إذ من الواضح أنّ الخصوم ما زالوا يختلفون في الرأي كما كانوا منذ عام 2015 وما قبل ذلك، ولكل منهم وجهة نظره المختلفة بشأن ما إذا كان يجب أن يكون اليمن دولة موحّدة أو دولتين أو فيدرالية متعددة بصيغة اتحادية.
عملياً، من المهم القول أنّ جميع التناقضات والتباينات لن تحل دون قيام جبهة قوية ومتماسكة مناهضة للحوثيين، أو على الأقل متماسكة بالحد المعقول للاستمرار من أجل تحقيق الهدف المطلوب حالياً. ويمكن تحقيق ذلك بتوحيد القيادة والهدف وتحديد مسارح المهام المستقبلية لجميع القوى، وليس بالضرورة الذهاب للحديث عن دمج الفصائل العسكرية التي ما زال أغلبها لفيف من المقاتلين الذين تشكلوا بدافع الظروف والضرورات المرحلية، ولم تشكلهم اللوائح والنظم العسكرية.
النموذج الأنسب للمرحلة
بعيداً عن عاطفة القفز على الواقع، وقبل الحديث عن "مأسسة الجيش" في هذه الفترة الحرجة بتناقضاتها المكثّفة، يمكن القول أنّ هناك نماذج أو فرضيات ممكنة لتوحيد آداء القوات العسكرية وتوجيهها لخدمة هدف واحد، مع تحاشي أي نماذج أخرى متوقع لها أن تخفق وتصطدم بالواقع، الأمر الذي يؤدي لتشتيت القوات وإفراغها من مهامها، خاصة إذا لم يتم مراعاة مقتضيات المرحلة الراهنة وما يصاحبها من ترتيبات على كافة المستويات.
إنّ توحيد القوات العسكرية تحت غرفة عمليات مشتركة واحدة يتم فيها توزيع الأدوار والإمكانات بين القوى، من أجل تحقيق الأهداف المشتركة لاستعادة الدولة من الجماعة الحوثية، خاصة إذا ما تعنتت الأخيرة بعدم الذهاب لسلام، هو النموذج الأنسب. على غرار نموذج "القوات المشتركة" في الساحل الغربي المكوّنة من "قوات العمالقة الجنوبية، والمقاومة التهامية، والمقاومة الوطنية". إذ يبدو أن اتباع هذا النموذج هو أكثر منطقية للتنفيذ خلال هذه المرحلة مع الحفاظ على مكانة كل قوة عسكرية، حيث من الممكن البدء بتشكيل فريق قيادة عسكري مهني وكفؤ ومشترك، يستوعب القوات العسكرية التابعة لجميع الأطراف التي تشكل منها المجلس الرئاسي، ويلي ذلك التوجه إجراء عملية تقييم عسكري شامل وسريع لجميع القوات. والقصد هنا؛ تقييماً يقود إلى تنفيذ إصلاحات في الهيكل القيادي للوحدات التي يتطلب تفعيلها ضرورة إجراء تغييرات قيادية فيها، مع بقاء هذه القوات في مسارحها وجبهاتها التي ارتبطت بها طوال الأعوام الماضية.
إدارة معركة موحدة لا دمج أفراد
بطبيعة الحال، يتفق الجميع على أن "التشخيص الحقيقي" لجميع الإخفاقات التي شهدتها المراحل الماضية ارتبط ارتباطاً مباشراً بفريق "إدارة المعركة"، ولم يكن قط بسبب القوة البشرية المتواجدة في الجبهات، فجميع هذه القوات بمختلف تشكيلاتها وتوجهاتها قاتلت وخاضت معارك مشهودة، وقدمت تضحيات كبيرة، وتحمل منتسبوها ظروفاً صعبة وبالغة. إذ من الواضح أنّ هؤلاء المقاتلين لم يكونوا هم من تسبب بإيقاف المعركة أو تراجعوا عنها، وإنما كانت حسابات بعض الأطراف وردود أفعال وتوجسات الأطراف الأخرى، هي من تسبب بكل تلك الخسائر والانحرافات عن سير المعارك طوال الأعوام الماضية.
وطالما أن الخلل قد تم تشخيصه وحصره في "إدارة المعركة"، فيُعتقد أن المعالجات المنطقية والمهنية تبدأ بإصلاح فريق قيادة وإدارة المعركة بجميع تدرجاته القيادية العليا، وضباط وعناصر مراكز العمليات والسيطرة، يليهم القيادات الميدانية المباشرة للمناطق والمحاور والجبهات والألوية. ومن هنا؛ يمكن إجراء عملية الربط القيادي التسلسلي المباشر لجميع هذه التدرجات القيادية ببعضها، وبهذا يمكن تحقيق إنجاز كبير، بضمان توفير وتهيئة القنوات السلسة لتمرير القرار العسكري.
بخطوات سريعة ومهنية كهذه، يمكن القول أنّ جميع القوات ستخضع لقرار واحد، وأن معاركها تدار من غرفة عمليات موحدة، وكذلك يسودها جميعاً نفس النظام المالي والمعيشي والفني، وتتساوى مع بعضها في جوانب اللوجستيات والتسليح، وهذه المعطيات جميعها تقود بالمحصّلة إلى توحيد وتنسيق الأداء العسكري بإدارة موحدة تخدم نفس الهدف وتوجه جميع القوات والجبهات نحو تحقيقه.
وفقاً لهذه الخلفية، يعتبر هذا النموذج هو الأمثل والممكن تطبيقه على الواقع في مرحلة حساسة كهذه، بعيداً عن أي تفسيرات أو حلول أخرى تتجاهل الوضع الراهن أو تغرّد خارج السياق.
*العقيد وضاح العوبلي: خبير ومحلل عسكري
* الآراء الواردة في هذا التحليل لا تعكس بالضرورة سياسة مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: جنود من القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي (ا ف ب)