الصورة - وسائل إعلام
21-02-2024 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
"يجب أن تفكر الولايات المتحدة بجدية، بمدى أهمية تعزيز القدرات العسكرية للقوات في جنوب اليمن، بمنظومات دفاعية متطورة، قد تحد بصورة كبيرة من التهديدات، التي تشكلها صواريخ الحوثيين على الشحن الدولي.."
سوث24 | فريدة أحمد
في 16 فبراير، دخل تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين في اليمن كـ"جماعة إرهابية عالمية"، حيّز التنفيذ، بسبب هجماتهم المستمرة على السفن في البحر الأحمر، بعد أن منحت واشنطن الجماعة المتحالفة مع إيران فرصة 30 يوما لتقليص هجماتها.
رد الحوثيون على سريان التصنيف، بهجوم صاروخي على سفينة النفط البريطانية (بولوكس) ، ووسعوا هجماتهم بصورة غير مسبوقة، شملت لأول مرة، استهداف السفن الأمريكية العسكرية في البحر الأحمر بصواريخ باليستية.
لا يُنظر للتصنيف الأمريكي للحوثيين كجماعة إرهابية مصنّفة بشكل خاص (SDGT)، على أنّ له تأثير ملموس. خاصة وإنّ الضربات الأمريكية لم تحقق فاعلية حاسمة حتى اللحظة في قدرات الحوثيين أو تقلل من التوتر في البحر الأحمر وخليج عدن. بل إنّ أهدافها العسكرية المعلومة مسبقاً، ساهمت بتشجيع الجماعة الدينية على استمرار التصعيد.
آفاق السلام
مؤخرا احتفت وسائل إعلام سعودية كبرى بوصف مسؤول حوثي للسعوديين بـ "الإخوة" بعد أن وصفتهم الجماعة لنحو تسع سنوات بـ "العدوان". لكن على الرغم من هذه التصريحات الودودة التي صدرت مؤخرا عن الحوثيين والسعوديين بشأن جهود السلام الثنائية، إلا أنّ حديث رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بدا أكثر تحفّزاً لمحاربة الحوثيين من الدخول معهم في عملية سلام. يتطلع الرجل للشراكة مع حلف شمال الأطلسي "الناتو" لمواجهة التهديدات البحرية للحوثيين. كما انتهز رشاد العليمي مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن، بدعوة المجتمع الدولي إلى التوسع في تصنيف الحوثيين جماعة "إرهابية"، ودعم الحكومة الشرعية لبسط سيطرتها على كامل الأرض اليمنية، من أجل وضع حد لتهديد الحوثيين للملاحة البحرية والأمن الإقليمي والدولي. وكان عضو المجلس الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي قد دعا مبكرا إلى وجود "نهج شامل عسكري وسياسي واقتصادي ضد الحوثيين".
وتفهم دعوات الرجلين إلى أنّ الحكومة اليمنية من الممكن أن تستأنف القتال ضد الحوثيين إذا ما تلقت دعماً وأعطيت ضوءاً أخضراً دولياً قبل كل ذلك، لأن خوضها قتالاً بدون غطاء سياسي دولي، سيعرضها للاتهام بعرقلة جهود السلام.
وعلى وقع تفاقم حدّة الأزمة، لا يبدو أنّ التصنيف الأمريكي لوحده سيؤثر على المسار التفاوضي بشأن إنهاء الحرب في اليمن، فيما إذا مضت الأطراف الإقليمية وفي مقدمتها الرياض ومسقط؛ بالاتفاق مع الحكومة اليمنية لاستئناف العملية السياسية. فقد صنّفت الحكومة اليمنية في أكتوبر 2022، الحوثيين، كمنظمة "إرهابية"، بعد قصف المليشيا للموانئ النفطية في حضرموت وشبوة، بيد أنّ ذلك لم يمنع الحكومة لاحقاً، من التفاوض مع الحوثيين بصورة غير مباشرة.
كما إنّ تقييد وصول الحوثيين إلى الأسواق المالية، لن يؤثّر بشكل كبير على شبكاتهم التمويلية التي هي بعيدة في الأساس عن المعاملات المالية الدولية. فقد كشفت تحقيقات لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن في فبراير 2023، عن عدة مصادر يتحصّل من خلالها الحوثيون على الأموال بشكل غير قانوني وغير مشروع لتمويل جهود الحرب في اليمن. كالرسوم الجمركية والضرائب، والإيرادات غير الضريبية والزكاة، وغيرها.
من المرجّح أيضا أن يتأثر بعض اليمنيين المقيمين في الولايات المتحدة ممن لهم صلات بالحوثيين، إذ قد يلجأون لاتخاذ إجراءات وقائية بتقليص أنشطتهم تجنباً لأي عقوبات. كما سيجمّد الإجراء الأمريكي أي أصول للحوثيين ويمنع التعاملات الأمريكية معهم بكافة الأشكال، باستثناء ما يتصل بالجانب الإنساني، عبر استمرار منح المساعدات والتراخيص العامة لدعم استمرار الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية في اليمن.
هل فقد الإقليم ثقته بالولايات المتحدة؟
لا تبدو علاقة السعودية بواشنطن راهناً في أفضل حالاتها. فالرياض لم تشارك في تحالف "حارس الازدهار" بالبحر الأحمر، ولا في الضربات الأمريكية البريطانية ضد الحوثيين، ويبدو أنها لا تود التورّط في حرب جديدة في اليمن. تخشى المملكة الخليجية، التي تسابق الزمن لإنجاز رؤيتها الاقتصادية 2030، من تهديدات الطائرات المسيرة والصواريخ الحوثية العابرة للحدود. لذا يبدو أنّ الذهاب نحو مسار تفاوضي لإنهاء الحرب، صفقة مربحة في الوقت الراهن للسعوديين.
في حقيقة الأمر، خذلت إدارة بايدن منذ مجيئها، الرياض وأبوظبي في مواقف عديدة. فمنذ حملته الانتخابية تعهّد بايدن بجعل السعودية دولة "منبوذة"، بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، فضلاً عن إيقاف بيع الأسلحة الهجومية لها في حرب اليمن. كما توقعت أبوظبي بعد الهجوم الحوثي على منشآتها في مطلع 2022، أن تكون ردة الفعل الأمريكية أكثر من مجرد الإدانة. طالبت الإمارات حينها واشنطن بإعادة إدراج الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية، لكنّها تجاهلت هذا الطلب. وفي خضم التطورات الراهنة، تعمل دولة الإمارات، وفقاً لموقع بوليتيكو الأمريكي، على تقييد الولايات المتحدة من استخدام المنشئات العسكرية على أراضيها لشن غارات جوية انتقامية على وكلاء إيران. وهي رسالة واضحة لواشنطن بأن تضرب في مساحات بعيدة عنها. لذا، يبدو أنّ الانخراط السعودي الإماراتي في مساندة واشنطن بعملية أمنية وعسكرية ضد الحوثيين في البحر الأحمر، ليس وارد الحدوث، نظراً لرغبة الدولتين بحماية مصالحهما الحيوية، وربما لإنجاح مسارات التقارب مع إيران، فضلا عن التحديات التي تفرضها الحرب الإسرائيلية العنيفة على قطاع غزة.
من غير المستبعد، أن تدفع تطوّرت الأحداث العسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن، الولايات المتحدة أو بريطانيا إلى تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي، يجرّم الجماعة الحوثية ويفرض عليها قائمة عقوبات دولية، منها الحظر الجوي وتجميد الأصول، كباقي التنظيمات الإرهابية المعروفة كـ "القاعدة وداعش". خاصة وأنّ التصنيف الأمريكي الحالي، مازال يعتبر إجراءً مؤقتاً، ويرتبط بطبيعة التطورات التصعيدية المباشرة في غزة. كما سيعتمد بقاء القرار أو توسيعه إلى تصنيف (منظمة إرهابية أجنبية FTO) أو حتى إلغاؤه على إمكانية تغيير الحوثيين لسلوكهم، ومدى توسّع حجم الصراع وإلى أين سيصل.
تهدئة أم استئناف للحرب
حتى الآن، من غير الواضح إلى أين ستمضي الأطراف اليمنية في خياراتها، فمؤشرات الأحداث الراهنة تقود إلى سيناريوين اثنين:
الأول: استئناف المسار التفاوضي بين الأطراف اليمنية برعاية إقليمية ودولية تقودها السعودية وعمّان والأمم المتحدة، وتذهب في نهاية المطاف إلى توقيع رسمي بإنهاء الحرب. لكنّ ذلك، وفي ضوء التهديدات التي يشكلها الحوثيون للشحن والاقتصاد الدولي، سيكون بمثابة جائزة كبرى، ستقود في نهاية المطاف إلى تعزيز نفوذهم بشكل واسع النطاق. ويرفض الجنوبيون الحديث عن أي سلام في ضوء هجمات الحوثيين المستمرة.
الثاني: الاستعداد لاستئناف حرب داخلية برية بدعم لوجستي أمريكي وبريطاني للقوات العسكرية اليمنية بمختلف فصائلها، من الممكن أن يفضي إلى تقييد حركة الحوثيين ومحاصرتهم من كل الاتجاهات والمحاور القتالية براً وبحراً وجواً. في هذا السيناريو لا يرجّح أن تتدخل إيران بشكل مباشر في الحرب، كما لم تفعل في غزة. بل أنها، حاولت من خلال دعم وتشجيع الحوثيين باستهداف السفن، دفع الصراع إلى البحر الأحمر نحو حيّز بعيد عن حدودها. في الوقت نفسه، لا يمكن القول إنّ طهران ستضحّي بالحوثيين، لكنها على الأرجح وفي حال بدأت عملية عسكرية شاملة، لن تستطيع حمايتهم أو تقديم العون العسكري المباشر لهم في ظل القيود المفروضة راهناً. كما لن يتجاوز دعمها الدور الاستشاري والاستخباراتي وتهريب الأسلحة المتنوعة، الذي ظلّت تقدمه للجماعة منذ سنوات.
ستكون خطة تقليص أو القضاء على نفوذ الحوثيين ذات جدوى وتأثير، إذا ما ذهبت العمليات العسكرية مباشرة نحو صنعاء، مركز القرار السياسي والعسكري للجماعة. إذ أنّ من شأن حسم الأمر في صنعاء، أن يقود تلقائية لمحاصرة الجماعة في باقي المحافظات اليمنية التي يسيطرون عليها، بما في ذلك الساحل الغربي المطل على البحر الأحمر. على سبيل المثال، قبل 4 ديسمبر 2017، عندما بدأت قوات الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح بمواجهة الحوثيين في بعض شوارع صنعاء، وتواترت أنباء عن تحقيق انتصارات، تهاوت السيطرة الحوثية السياسية والعسكرية على محافظات مثل حجة والمحويت وإب. لكنّها سرعان ما عادت إلى فرض سيطرتها بعد وصول نبأ مقتل صالح. وهذا دليل على مدى الأهمية التي تشكّلها السيطرة على صنعاء قبل أي منطقة أخرى.
وفي كلا السيناريوين أو بدونهما، يجب أن تفكر الولايات المتحدة بجدية، بمدى أهمية تعزيز القدرات العسكرية للقوات في جنوب اليمن، بمنظومات دفاعية متطورة، قد تحد بصورة كبيرة من التهديدات، التي تشكلها صواريخ الحوثيين على الشحن الدولي، في خليج عدن ومنطقة باب المندب. لا يمكن تحقيق تقدم عملي ضد الحوثيين دون تعزيز القدرات الدفاعية أو القتالية للقوات الموالية للحكومة المعترف بها على السواحل الغربية الجنوبية للبلاد.
ومع ذلك لا يمكن إغفال أنّ أي عودة للحرب مع الحوثيين، لن تكن ممكنة في ظل غياب موقف سعودي وإماراتي داعم لمثل هذه التحركات. لا تزال السعودية وأبوظبي تملكان نفوذا على مواقف الحكومة الرسمية والمجلس الرئاسي اليمني. وحتى الآن تبدو الرياض وأبوظبي، بما في ذلك واشنطن وبروكسل، تتحاشى إثارة حرب واسعة من شأنها أن تقضي على الهدوء النسبي الذي شهدته اليمن لعامين، وتُشعل توترا إقليميا أوسع لا يمكن تصور نهايته.