16-01-2022 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | ريم الفضلي
لعب الخطاب الديني على مر العصور دورا رئيسيا وأساسيا في الصراعات السياسية والمصيرية في كثير من الدول والحكومات حول العالم. كما اُستخدم في غالب الأمر كمحرك فعّال للاستقطاب الشعبي لتعزيز نفوذ طرف أو جماعة أو دولة.
ومثلما كان للخطاب الديني دور بارز في تأجيج الصراعات والنزاعات، كان له دور في أحايين أخرى في الدعوة للسلام الداخلي والخارجي في المجتمعات. كدعوات الفاتيكان والأزهر الشريف "لنشر ثقافة السلام واحترام الغير وتحقيق الرفاهية بديلا عن ثقافة الكراهية والظلم والعنف. [1]
وكغيرها من البلدان الإسلامية والعربية، حيث تتعدد المذاهب والملل والطوائف الدينية الإسلامية وغير الإسلامية، كان دور الخطاب الديني في اليمن حاضراً بشكل كبير في السياسة والحرب وقضايا الإرهاب. ووجدت، على وجه الخصوص، جماعات الإسلام السياسي - السنية والشيعية منها – في هذا البلد تربة خصبة لتحقيق غاياتها، في حين كان للخطاب الديني المتطرف حاضرة قوية ومؤثرة، في كل المسارات التي طرأت في البلاد. بينما ظلّ الخطاب الديني المعتدل، خصوصا ذلك الذي تتبناه طوائف الصوفية المتركزة في الجنوب، مغيبا عن المشهد.
ويرى محللون أنّ التهديدات الناتجة عن تصاعد هذه الخطابات أتت لكون اليمن بقعة حساسة وسريعة التأثر بالخطاب الطائفي، بسبب التركيبة المجتمعية التي يسود فيها الطابع القبلي، وقابلية انتشار الإسلام السياسي بشقيه السنّي الشيعي. [2]
الخطاب الديني وصناعة الأزمات
يشكَّل العامان 1994 و2015 أبرز المحطات الواضحة على دور الخطاب الديني في صنع الحرب وتقويض السلام في اليمن. وتم توجيه هذا الخطاب بشكل أساسي نحو النخب والأطراف السياسية في جنوب اليمن، بمبررات مختلفة.
في عام 1994 لجأ نظام صنعاء لتوظيف الخطاب الديني عبر “الفتوى التكفيرية” [3] الصادرة عن وزير العدل اليمني آنذاك عبد الوهاب الديلمي، أحد رموز حزب الإصلاح اليمني. تم تسخير هذه الفتوى كذريعة دينية لتبرير غزو جنوب اليمن (اليمن الجنوبي) وحشد المقاتلين الشماليين والجهاديين العائدين من أفغانستان لصالحها. على الرغم من الانتقادات التي تلقتها الفتوى من شيوخ دين سعوديين ومصريين، حينها. [4]
وبعد انتصار الطرف الشمالي في حرب 1994 ودخوله عدن، استمر الخطاب الديني الذي تصدره حزب الإصلاح [الإخوان] وبعض الجماعات الجهادية القريبة منه في دعم النظام الحاكم، ومهاجمة خصومه. واستمرت فتوى الديلمي في مطاردة الشخصيات السياسية الجنوبية التي هرب كثير منها إلى الخارج.
تكرر الأمر في حرب 2015، عندما جعلت الجماعات اليمنية المتصارعة من الخطاب الديني، وسيلة تحشيدية لاستقطاب المقاتلين في صفوفها الأمر الذي فاقم من الأزمة اليمنية، وأوجد جراحات كبيرة في نفوس المواطنين، تتضاعف معه المخاوف من بقاء تبعاته لفترات طويلة داخل المجتمع اليمني.
تربعت جماعة الحوثيين المدعومة من إيران على عرش هذا الخطاب منذ العام 2015. يُقدَّم الحوثيون أنفسهم، بوضوح، على أنَّهم حركة إسلامية سياسية مرتكزة على المذهب الزيدي القريب من الشيعة، مع اتهامات بتبني الجماعة للمذهب الاثنا عشري الشيعي.
هاجم الخطاب الديني الحوثي خصومهم، وحشد لهم المقاتلين والأتباع في مناطق شمال اليمن، الحاضنة المذهبية التي تنتمي لها جماعتهم. لقد فتح هذا الخطاب باب الطائفية التي لم تكن منتشرة كما هي عليه اليوم، وتسبب في تنامي الخطاب الديني المضاد في المناطق السنية، وبالذات في جنوب اليمن، استغلتها الجماعات المتطرفة، المتهمة بـ "الإرهاب".
وكان اليمن حتى وقت قريب مركز الخطاب الديني الجهادي العالمي، مع انتشار الجماعات الجهادية السنية التي يغُذيها هذا الخطاب، مثل تنظيمي القاعدة وداعش. شنّ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عدد من الهجمات الخارجية التي انطلقت من اليمن، أو تم تدريب أفرادها هناك. تراجع نشاط هذه التنظيمات مؤخرا، وفقا لتقرير الخارجية الأمريكية لعام 2022 عن الإرهاب [5]، مع بروز دور القوات الجنوبية المحلية التي دعمتها الإمارات والتابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
الحد من الخطاب الديني السياسي
ولأنّ الجهات الدينية الأكثر مشاركة في تأجيج الصراع اليوم، وتقويض أي جهود للسلام، هي جماعات ذات طبيعة سياسية في الغالب وتخرجت من مدارس فقهية تعتمد على تصدير النفوذ السياسي، يرى خبراء بضرورة أن تلعب المؤسسات الدينية الوسطية دورا في هذه المرحلة، في إشارة على الأرجح، للمدرسة الصوفية المسالمة، المنتشرة في جنوب اليمن.
قالت الباحثة في الشؤون السياسية، في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، فريدة أحمد أنَّ "المؤسسات الدينية الوسطية يمكن أن تلعب دور مهم " في الحد من خطاب الاستقطاب السياسي الديني، "من خلال فتح حوار مع شريحة الشباب، لأنَّها أكثر حماسة وأقل خبرة، ورصد أهم احتياجاتها، والتعاون معها لإيجاد حلول تعالج ما تواجهه من مخاطر في مجتمعاتها".
ورأت أحمد أنّ الإعلام يجب أن يلعب دورا في ذلك، من "خلال تركيزه على استضافة شخصيات دينية معتدلة تنشر ثقافة القبول بالآخر ونبذ العنف والكراهية."
واعتبرت ذلك "عملية تكاملية، خاصة لو كانت هناك برامج إعلامية وأعمال تلفزيونية تصحّح بعض المفاهيم الخاطئة التي ظلت أجيال عديدة في اليمن تتغذى منها."
وانتقدت أحمد دور المؤسسات الدينية الحكومية، كوزارة الأوقاف والإرشاد، وقالت إنها ساهمت في خلق حالة من التمييز الوظيفي من خلال تعيين "شخصيات دينية متشددة، بعضها ينتمي لأحزاب دينية كحزب الإصلاح أو حزب الرشاد السلفي في الشمال، وفضلاً عن تعيينات لشخصيات هامشية من المذهب الزيدي".
وزعمت الباحثة إلى أنَّ هذا الأمر تسبب في "تراجع دور رجال دين جنوبيين كُثر خاصة ممن ينتمون للتيار السلفي أو الصوفي المعتدل، وتصدّر رجال دين أكثر تشدداً وأحياناً تطرفاً في مواقع صنع القرار".
وبالتالي تقول أحمد: "هذا هو ما ساهم بتقوية بعض الجماعات الدينية المتطرفة، التي تتخذ من رجال الدين في هذه المواقع الحساسة غطاءً لها. وكانت حرب صيف 1994 في الجنوب، إحدى الشواهد على استغلال رجال الدين لمواقع صنع القرار وتوجيهها في الحروب."
وأقر المحلل السياسي علي الأحمدي، الذي ينتمي لحركة النهضة الدينية في جنوب اليمن، بأنّ "للخطاب الديني المتبادل [في اليمن] دور في تأجيج الحرب بعد أن لجأت إليه الأطراف المتحاربة".
المساهمة في صناعة السلام
ومع دخول الحرب سنتها السابعة في اليمن، وسط تصاعد حالة العنف والاقتتال، وغياب أي بوادر لوقف الحرب الأهلية وبدء عملية سلام، حتى اللحظة، يعتقد خبراء أنّه يمكن أيضا للخطاب الديني المعتدل أن يسهم في تعزيز مفاهيم السلام على الصعيد الاجتماعي والشعبي.
وتعتقد فريدة أحمد أنّ بعض الجهات الدينية تستطيع أنّ تلعب دورا في إرساء قيم المواطنة وتحقيق التعايش المجتمعي ونشر ثقافة التسامح والحوار بدلاً من العنف والكراهية، و "إصلاح الخطاب الديني القائم، أو ترشيده على الأقل".
وقال الأحمدي لـ "سوث24" أنّ "الخطاب الديني المعتدل من أهم عوامل الاستقرار". ويعتقد أنه "لا بد من وجود خطاب جامع معتدل ومتعايش بعيداً عن التعصب والعداء؛ مؤمن بالاختلاف والتعايش". وهذا – طبقاً للأحمدي – "لابد له من وجود علماء راسخين وهيئات علمية فقهية لديها الأهلية الكافية لتقدير نوعية الخطاب الديني الموجه خاصة في زمن الحروب والاضطرابات."
وفي حديث لـ "سوث24"، قال أستاذ العلوم الشرعية بجامعة حضرموت، د. فائز السومحي إنَّ "الخطاب الديني المتزن يمكنه مواجهة الخطاب الديني المتطرف من خلال النقاش الفكري الجاد المتين للشبهات التي يبثها أرباب الأفكار المتطرفة"، حدَّ تعبيره.
واعتبر السومحي أنَّ هذا "من أهم ما يُمكن أن تُجابه به هذه الأفكار، لأنَّ الفكر المعوج لا يقضي عليه إلا الفكر المعتدل السليم."
وضمن الحلول لتجاوز خطاب التطرف والكراهية، رأى الأكاديمي الحضرمي أنّ "تلّقي العلم الشرعي عن طريق أهله وحملته من أخيار أهل العلم الذين جمعوا بين الرسوخ العلمي والتقوى والبصيرة والفضل وإبرازهم للمجتمعات كقدوة يجب التلقي عنهم دون من سواهم من أنصاف المتعلمين".
ويعتقد السومحي أنَّ هذه الخطوات "قد تساهم في خلق خطاب ديني متزن، تُظهر جمال الإسلام وعدله وتوافقه مع الفطرة". ورأى أنّ "التطرف ليس له دين، فهو يتعلق بالمعتقدات والأفكار والتصرفات أياً كان مصدرها.
صحفية ومحررة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
الصورة: حملة "أشداء على الكفار" الحوثية لتحشيد المقاتلين في محافظات شمال اليمن يناير 2017 (إعلام الحماعة)