24-01-2022 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | ريم الفضلي
كان لقطاع الرياضة النسوية في جنوب اليمن نصيبه الأكبر من الإقصاء المتعمد كغيره من القطاعات التي تعرّضت للتدمير بشكل كلي، عقب اتفاقية الوحدة في تسعينيات القرن المنصرم. على الرغم من أنّ هذا القطاع شهدا ازدهاراً غير مسبوق إبان دولة جنوب اليمن، وحصدت النساء فيه الكثير من البطولات من خلال مشاركتهن في العديد من المنافسات الدولية.
واليوم، يشهد هذا القطاع عودة متواضعة في عدن، لا سيما في مدارس الفتيات، مع تفاؤل بمزيد من الاهتمام خلال الفترة القادمة، لاستعادة الإرث الرياضي النسوي الجنوبي الكبير الذي تفردت به عدن والجنوب فيما مضى.
جليلة عبد الحميد، الفائزة في بطولة كرة الطاولة في عدن 10 يناير 2022 (نهى الحيدري، سوث24)
تاريخ حافل
بدأت ملامح الاهتمام بالرياضة النسوية في عدن مطلع أربعينيات القرن المنصرم، إبان الاستعمار البريطاني؛ فقد اهتمت المدارس في المدينة بالرياضة وساهمت في تشجيع الفتيات على ممارستها بشكل كبير.
كان الدعم المجتمعي للرياضة النسوية أبرز العوامل لتزايد الاهتمام بها والإقبال عليها من الأسر العدنية والجنوبية. واستمرت وتيرة ازدهار الرياضة النسوية بعد استقلال جنوب اليمن عن بريطانيا في 1967، واهتمت حكومة الجنوب آنذاك بهذا القطاع. [1]
وفي بداية الستينيات، استطاعت الشخصية العدنية البارزة، فوزية غانم، تحقيق إنجاز مهم بتاريخ الرياضة النسوية الجنوبية؛ حين أدخلت رياضة كرة السلة إلى إعدادية "كريتر" للبنات.
وفي 1975، كُلفت العدنية، نوال قاسم سيف، الشخصية الرياضية المعروفة عربياً، بتأسيس اتحاد كرة الطائرة في عدن، الذي تضمن أيضاً النساء، لتتولى رئاسته بعد التأسيس.
ومارست المرأة الجنوبية العديد من الرياضات مثل التنس، كرة الطاولة، كرة القدم، السلة، الفنون القتالية مثل التايكواندو، وكذلك الرياضات العقلية مثل الشطرنج.
كما شاركت الفتيات والنساء الجنوبيات في مسابقات رياضية عربية ودولية. ففي العام 1973 على سبيل المثال، شاركت نساء جنوبيات في بطولة القارات الثلاث لكرة الطاولة في جمهورية الصين. [2]
كما شاركت متسابقات جنوبيات في البطولة الدولية للشطرنج، عام 1975، التي أقيمت في ليبيا. وحصدت إحدى المتسابقات المشاركات الميدالية البرونزية. [3]
ووفقاً لرئيس اتحاد كرة الطاولة في عدن، محمد السقاف، لم يقتصر تاريخ الرياضة النسوية في جنوب اليمن على المشاركة الخارجية فقط، بل حصدت النساء الجنوبيات ألقاب وميداليات عدَّة.
وعدَّد السقاف، في حديث لـ "سوث24"، بعض هؤلاء النسوة، "لقد حققت فتيات الطاولة العدنيات إنجازات كبيرة، أمثال مجيدة عبد المجيد، بطلة العرب فردي، التي حصدت ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية في محافل رياضية خارجية. اللاعبة نائلة عباس التي وصلت إلى نهائيات البطولات العربية والدولية".
وأضاف، "كذلك لينا ولؤي صبري، الأخوات المتفردات بكاسات وميداليات ذهبية في البطولات العربية لفئة الزوجي. وكذلك أماني عبدالله وايمان سرور وسميرة عبدالله والقافلة تطول لذكر بطلات كُتبت أسمائهن بماء الذهب".
وفي حديثها لـ "سوث24"، قالت لؤي صبري، إحدى الرياضيات المذكورات والحائزة على الميدالية الذهبية في رياضة تنس الطاولة، " فترة السبعينات كانت حافلة بالإنجازات الرياضية الاستثنائية."
وأضافت صبري، التي تشغل حالياً منصب نائب دائرة المرأة للشباب والرياضة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، "لقد وصل الاهتمام بالقطاع النسوي الرياضي إلى مرحلة كبيرة وملفتة ما جعل ذلك يعود بنتائج كبيرة يشهد التاريخ لها."
تهميش
طال القطاع الرياضي الجنوبي، عامة والنسوي على وجه الخصوص، الكثير من التهميش والانحياز عقب الوحدة اليمنية وحرب 1994.
ووفقاً لمسؤولين وصحفيين رياضيين في عدن، اتجه النظام اليمني السابق إلى تشجيع الرياضة النسوية في صنعاء على حساب عدن، على مدى الأعوام اللاحقة للوحدة.
وحول هذا، قال مدير عام تنمية الشباب بمكتب وزارة الشباب والرياضة في عدن، عبدالله البكري لـ"سوث24" أنَّه "ومنذ التسعينيات، جابه نظام صنعاء الأندية الجنوبية بالإقصاء والتهميش، وعمل على عدم تفعيل دورها".
مضيفاً، "وذلك هو العكس تماماً بالنسبة للأندية النسوية في صنعاء التي حصلت على اهتمام كبير وملفت ما بعد الوحدة."
وتابع البكري" الجنوبيون في قطاع الرياضة، خصوصاً الرياضة النسوية، نالوا من التهميش أشده، للدرجة التي تجعل من لا يعرفون التاريخ يظنون لوهلة أنَّ عدن والجنوب لم تحتضن هذا القطاع على الإطلاق."
واتفق رئيس اتحاد كرة الطاولة في عدن، محمد السقاف، مع ما طرحه البكري.
وقال السقاف، لـ "سوث24"، إنَّ "الرياضة في الجنوب بشكل عام عانت من التهميش والإقصاء، بعد تحقيق الوحدة اليمنية؛ التي كان من المفترض أن تكون ميلاد جديد لشتى مناحي الحياة بشكل عام، والرياضة بشكل خاص." حدَّ تعبيره.
وأشار السقاف إلى أنَّه "في جميع الألعاب كانت العاصمة الجنوبية عدن سباقة على مستوى الجزيرة العربية. كذلك كانت سباقة في ولادة ألعاب رياضية أخرى". مضيفاً، "كنا نتفاخر ونتباهى بها أمام الأمم حينما كنا نشارك في بطولات إقليمية ودولية وكنا نحرز نتائج متقدمة على دول لها صولات وجولات رياضية يشار لها بالبنان."
وعن دور "الفكر الدخيل"، الذي رافق الوحدة اليمنية، على الحياة المدنية في الجنوب، قال السقاف "من سمح بإباحة دماءنا في فتوى تكفيرية واعتبروا أننا شيوعيون وملحدين، كيف نتوقع منهم أن يهتموا في السيدات الرياضيات في عدن؟"
بدورها أكَّدت الصحفية المهتمة في الشؤون الرياضية، دنيا حسين فرحان إنَّ الرياضيات الجنوبيات تعرّضن للإقصاء.
وقالت فرحان لـ "سوث24" إنَّ "وزارة الشباب والرياضة التابعة لنظام صنعاء بعد الوحدة ساهمت بصورة كبيرة في إقصاء النساء الجنوبيات من المشاركة بالمحافل الرياضية واختيار لاعبات ينتمين إلى محافظات شمالية لتمثيل اليمن الموحد خارجياً."
وأضافت" كانت الوزارة قد أغلقت كافة الصالات الرياضية النسوية في عدن ونقلت كافة الاتحادات الرياضية إلى صنعاء، و احتكرت الرياضة في مدارس الفتيات وأصبحت حتى تلك الفعاليات المدرسية بعدها لا تُقام إلا ما ندر."
واعتبرت فرحان أنَّ هذا الإقصاء "كان نتاج نوايا وأعمال ممنهجة لتغيير واقع عدن الذي كان يشهد حينها أفضلية في كافة الجوانب الحياتية وخصوصاً في الجانب الرياضي".
وكشاهدة على هذا التهميش والاقصاء ومتأثرة به، ذكرت الرياضية لؤي صبري أنَّ "فترة ما بعد الوحدة شهدت انتهاكات كبيرة في حق الرياضة بعدن، خصوصاً عندما قام المستثمرون بتحويل القاعات والصالات الرياضية إلى أماكن لإقامة الأفراح، وكذلك عندما تم خصخصة الرياضة في جنوب اليمن. من هنا بدأ التدهور الفعلي للرياضة في عدن."
عودة الرياضة النسوية
في عام 2017، عادت النشاطات الرياضية للفتيات بشكل ملحوظ في مدارس عدن، بعد غياب طويل. وفي أكتوبر 2020، وجهت وزارة الشباب والرياضة مكتب الوزارة بعدن لإعادة وتفعيل الرياضة النسوية؛ فقام المكتب بتشكيل لجنة اطلق عليها لجنة رياضة المرأة - عدن برئاسة "نوال وارس شمو". [4]
ونظمت هذه اللجنة عدد من البطولات للفتيات في إطار المدارس لاكتشاف الموهوبات بمختلف مديريات عدن، والتنسيق مع الأندية الرياضية العدنية لاستقطابهن في بعض الألعاب داخل هذه الأندية. [5]
كما كان لدائرة الشباب والرياضة في المجلس الانتقالي الجنوبي دور رئيسي في إحياء الرياضة بشكل عام في عدن ومحافظات جنوب اليمن، ومن ضمنها الرياضة النسوية. ولعل أهم ما قامت به الدائرة في هذا الشأن هو تنظيم بطولة مهرجان عدن الرياضي بنسختيه 1و2.
واشتملت بطولة مهرجان عدن على برنامج إشراك الفتيات في رياضة ألعاب القوى.
وعن البطولة الأخيرة للفتيات والسيدات في لعبة تنس الطاولة، التي نظمها اتحاد فرع اللعبة بعدن، وبإشراف مكتب الرياضة في 10 – 12 يناير الجاري، قال عبد الله البكري أنَّها "نتاج تحركات فعلية من قبل الاتحاد وقطاع المرأة وبتعاون مع وزارة الشباب والرياضة".
بطولة كرة الطاولة في عدن 10 يناير 2022 (نهى الحيدري، سوث24)
وأضاف المسؤول في مكتب وزارة الشباب والرياضة بعدن "وهناك حراك فعال من قبل الاتحادات بتعاون مع مكتب الرياضة في إعادة تفعيل الرياضة النسوية وارجاع أمجادها المنسية."
ومن جهته قال محمد السقاف أنَّه "يجب أن نستبشر خيراً بأنَّ في قادم الأيام والأشهر ستنال الرياضة النسوية حقها من الاهتمام والرعاية لإعادتها إلى مجدها التليد كعنصر رياضي فعال. لافتاً إلى وجود "محاولات لإخراجها من أزمتها التي ألمت بها ماضياً، لممارسة دورها الرياضي وإخراج مواهبها إلى حيز الوجود."
ولفت رئيس اتحاد كرة الطاولة إلى أنَّ هذه البطولة "من ضمن خطط اللعبة للعام 2022"، مؤكداً أنَّ البناء "لا يقوم إلا بوجود خطط عملية مدروسة؛ ولهذا فإنَّ عامنا الحالي سيكون حافلا ببطولات عدة تتيح للفتاة والسيدة في اللعبة الأنيقة، كرة الطاولة، بأن تبرز وتظهر مواهبها وإبداعاتها دون رقيب وإقصاء كما كان سائداً ما قبل 2015."
صحفية ومحررة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
الصورة: لاعبة مشاركة في بطولة كرة الطاولة في عدن 10 يناير 2022 (نهى الحيدري، سوث24)
المراجع:
[1]. كتاب: أندية عدن الرياضية.. نشأتها وتاريخها، أحمد محسن أحمد
[2]. نفس المصدر
[3]. نفس المصدر
[4]. صحيفة عدن تايم
[5]. صحيفة عدن تايم