سفينة وقود في ميناء الحديدة، مارس 2021 (رويترز)
14-02-2023 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عدن
أعلنت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران ووسائل إعلام سعودية، بدء دخول السفن التجارية إلى ميناء الحديدة "دون احتجاز أو تأخير"، ضمن اتفاق هدنة مع التحالف بقيادة الرياض.
وقال نائب وزير الخارجية الحوثي حسين العزي، الأحد، في تغريده على تويتر: "العبور المباشر لكل السفن التجارية إلى موانئ الحديدة - دون احتجاز أو تأخير- خطوة أولية في الاتجاه الصحيح."
وطالب القيادي الحوثي بتعزيز وتوسيع هذه الخطوة عبر "إلغاء آلية التفتيش الأممية" للسفن التي تعبر إلى الميناء الهام الواقع على البحر الأحمر. وكان العزي قد اتهم، في 6 فبراير الجاري، الأمم المتحدة بعرقلة ترخيص إحدى السفن "دون مبرر".
وقالت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، الثلاثاء، إنَّ التحالف "خفف إلى أدنى المستويات إجراءات التفتيش على السفن الواصلة إلى موانئ الحديدة، وقدم تسهيلات إضافية خلال الشهر الحالي، تم من خلالها تخفيف عملية التفتيش الإضافية التي كانت تتم عقب إجراءات التفتيش التي تقوم بها آلية الأمم المتحدة في ميناء جيبوتي."
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين يمنيين أنَّ هذا يأتي "في إطار إجراءات تعزيز الثقة التي يتخذها تحالف دعم الشرعية لإنجاح جهود الأمم المتحدة لتحقيق السلام في اليمن، والتوصل إلى اتفاق لتجديد الهدنة وتوسيع المكاسب الاقتصادية والإنسانية للمدنيين في مناطق سيطرة الميليشيات."
بالتزامن مع هذا، أفادت مصادر محلية لـ "سوث24" أنَّ الحوثيين بدأوا بإلزام التجار بالاستيراد عبر ميناء الحديدة بدلاً من ميناء عدن في جنوب اليمن.
وقالت المصادر إنَّ الجماعة احتجزت شحنات من مواد تجارية تم استيرادها عبر ميناء عدن في منافد برية جمركية بين شمال اليمن وجنوب اليمن. ووزع الحوثيون "استمارات" تعهد بالاستيراد عبر ميناء الحديدة، وفقاً للمصادر.
وكان رئيس المجلس الرئاسي اليمني رشاد العليمي قد حذَّر، في 7 فبراير الجاري، من "تداعيات إجراءات الحوثيين ضد القطاع الخاص وحرية انتقال الأفراد والسلع بين المحافظات"، خلال لقاء مع المبعوث الأممي هانس غروندبرغ في عدن.
تداعيات
في تصريحات خاصة لـ "سوث24"، قال رئيس الغرفة التجارية في عدن أبو بكر عبيد إنَّ التجار بدأوا باستيراد البضائع عبر ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين بسبب منع الجماعة عملية الاستيراد عبر ميناء عدن.
وأضاف: "منع الحوثيون دخول أي بضائع تتم جمركتها في ميناء عدن إلى شمال اليمن وأوقفوها في نقاطهم؛ واشترطوا استيراد أي بضائع عبر ميناء الحديدة. ميناء عدن أمام أزمة كبيرة لأنَّ ما يقرب 80% من البضائع التي تستورد لليمن تذهب للشمال نظرا للكثافة السكنية."
ومطلع يناير المنصرم، أقر مجلس الوزراء اليمني في عدن رفع سعر الدولار الجمركي بنسبة 50%، وسط اعتراض من الوزراء الجنوبيين والمجلس الانتقالي الجنوبي وتحذيرات من انعكاس الخطوة على ميناء عدن لصالح ميناء الحديدة الخاضع للحوثيين.
وصادق مجلس الوزراء على قرارات للمجلس الاقتصادي الأعلى برئاسة رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك، تضمنت رفع سعر الدولار الجمركي من 500 ريال يمني إلى 750 ريالاً يمنياً. كما شملت القرارات جرعة في أسعار الوقود والكهرباء والمياه.
وفي 6 فبراير الماضي، قالت مصادر صحفية إنَّ المحكمة الإدارية في عدن علَّقت العمل بقرار رفع سعر الدولار الجمركي بعد دعوى قضائية رفعها حقوقيون وإعلاميون ضد رئيس الوزراء معين عبد الملك والمجلس الاقتصادي الأعلى.
وباركت اللجنة القانونية العليا للمجلس الانتقالي الجنوبي هذا القرار. وأضاف بيان: "وفيما أشادت اللجنة بقرار المحكمة الإدارية بوقف ذلك القرار، رأت في الوقت ذاته ضرورة أن يتبع قرار المحكمة إجراءات قضائية لتنفيذه على الواقع."
ويعتقد الخبير الاقتصادي ماجد الداعري أنَّ هذه التطورات سيكون لها تداعيات خطيرة على ميناء عدن والموانئ الأخرى في جنوب اليمن. وأضاف لـ "سوث24": "سعر الدولار الجمركي في مناطق الحوثيين لازال 250 ريالاً فقط. هذا سيشكل ضربة اقتصادية قاصمة للحكومة الشرعية."
ويتفق رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي الخبير مصطفى نصر على أنَّ قرار فتح ميناء الحديدة ستكون له "تداعيات سلبية على ميناء عدن والموانئ الحكومية الأخرى."
وقال لـ "سوث24": "فتح ميناء الحديدة بالتأكيد ستكون له تداعيات سلبية على ميناء عدن والموانئ الأخرى التابعة للحكومة لاسيما إذ تم فتح الميناء لدخول الحاويات. هذا سيجعل ميناء عدن والكثير من الموانئ في إطار مناطق الحكومة المعترف بها دوليا تخسر كثيراً من الموارد."
وأضاف: "نحن نعرف أنَّه خلال الفترة الماضية تراجعت الإيرادات الجمركية والضريبية بما مقداره 280 مليار ريال حسب التقديرات جرَّاء فتح المجال لاستيراد المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة."
وأردف: "فتح ميناء الحديدة سيجعل الموانئ الحكومية تشهد تراجعا كبيرا للغاية في عائداتها وسينعكس مباشرة على العائدات الجمركية والضريبة التي تتحصل عليها الحكومة الشرعية. هذا سيكون مفيدا للتجار الذين يستوردون للمناطق الشمالية وسوف يزيد من إيرادات الحوثيين."
موارد للحرب
يعتبر ميناء الحديدة من المصادر الرئيسية الهامة للموارد المالية للحوثيين في شمال اليمن. وفي ديسمبر 2018، أوقف اتفاق "ستوكهولم" بين الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا والحوثيين تقدم ألوية العمالقة الجنوبية باتجاه هذا الميناء.
ونص الاتفاق الأممي على تسخير إيرادات الميناء لدفع رواتب الموظفين المدنيين في المناطق الخاضعة للحوثيين، وهو ما لم تلتزم به الجماعة التي تطالب بدفع مرتبات الجنود والمدنيين من عائدات بيع النفط الخام في جنوب اليمن.
وفي مايو 2020، اتهمت وزارة الخارجية اليمنية الحوثيين بـ "نهب الإيرادات من رسوم استيراد المشتقات النفطية من الحساب الخاص في البنك المركزي في الحديدة التي تصل لأكثر من 35 مليار ريال يمني (نحو 60 مليون دولار) مخصصة لصرف مرتبات موظفي الخدمة المدنية."
وقالت الوزارة في بيان لها إن ذلك يمثَّل "مخالفة صارخة لتفاهمات الإجراءات المؤقتة لاستيراد المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة التي تم الاتفاق عليها مع مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن."
واتهم قيادي بارز في المجلس الانتقالي الجنوبي الحكومة اليمنية بالتخلي عن شرط استخدام عائدات ميناء الحديدة لدفع رواتب الموظفين، لصالح جماعة الحوثي.
وقال نائب خارجية الانتقالي أنيس الشرفي على تويتر: "نص اتفاق ستوكهولم على إيداع إيرادات ميناء الحديدة في حساب بنكي خاص تشرف عليه الأمم المتحدة وتنفق تلك الأموال لتغطية رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين، ثم جاء اتفاق الهدنة 2 أبريل فتجاوزت الحكومة ذلك الشرط، وتخلت عن إيراد ميناء الحديدة لصالح الحوثي، ما دفعه للمطالبة بالمزيد."
وأضاف: "منذ 2015 والجنوبيون يطالبون بنقل آلية تفتيش السفن الداخلة لموانئ البلاد إلى ميناء عدن، بما في ذلك مخاطبات عدة وجهود بذلتها قيادة الانتقالي ووزير النقل، ولكن شيئًا من ذلك لم يحدث. ثم نتفاجأ اليوم بتوجه لفتح ميناء الحديدة بدون تفتيش."
وانتقد الشرفي قرار رفع سعر الدولار الجمركي متهماً الحكومة برئاسة معين عبد الملك بمضاعفة السعر "على النحو الذي يضمن كساد مينائي عدن والمكلا نهائيا وريادة ميناء الحديدة ومن ثم دعم خزينة الحوثيين."
وتعليقا على الأبعاد السياسية لقرار فتح ميناء الحديدة، قال الخبير مصطفى نصر: "من حيث المبدأ أي جهود نحو السلام، واستعادة السلام للبلد، وإعادة التنمية والإعمار في تصوري أنَّها خطوة إيجابية تخدم المواطنين؛ بغض النظر مكانة تواجدهم."
وأضاف: "لكن لابد أن تكون هذه الجهود في إطار سلام مستدام يُبنى على العدالة، وأيضًا يجب أن يكون هناك إجراءات واضحة لاستعادة الدولة وبنائها وفقا لما تم الاتفاق عليه سابقا من مبادئ؛ مما يُعزَّز مكانة الدولة ويلغي أي كيانات خارجها."
ووصف الخبير ماجد الداعري قرار التحالف بما يخص ميناء الحديدة بـ "القرار الخطير"، لافتاً إلى أنه يمثل "إنقاذا اقتصاديا للحوثيين" ويمكن الجماعة من "أكبر مصدر إيرادي في شمال اليمن."
ويرى الداعري أنَّ القرار لن يسهم في عملية السلام، مشيراً إلى أن الحوثيين "كانوا يعانون من مشكلة اقتصادية ومالية ضخمة مما حد من نشاط آلة الحرب لدى الجماعة." ولفت إلى أنَّ هذه العراقيل الاقتصادية قد تنتهي بعد قرار فتح ميناء الحديدة.
وأشار الداعري إلى عمليات تهريب السلاح الإيراني إلى الحوثيين التي توقع أن تتضاعف بعد فتح ميناء الحديدة. وأضاف: "الحوثيون سوف يستأنفون الحرب وعملية السلام ستكون مستحيلة."
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات