AFP
27-12-2023 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
"إنّ وجه الخطورة في سياسة النأي بالنفس التي تمارسها دول التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، والدول المشاطئة للبحر الأحمر، من هجمات الحوثيين، وفق حساباتهم الآنية، يتمثل في تشجيع إيران على إبراز تأثيرها في الممر البحري باب المندب – قناة السويس.."
سوث24 | فريدة أحمد
مع ارتفاع وتيرة الحرب الإسرائيلية العنيفة على غزة والممتدة لأكثر من 80 يوماً، صعّدت ميليشيا الحوثي، المدعومة من إيران، هجماتها في البحر الأحمر من خلال استهداف السفن، التي تزعم الجماعة أنها تتجه نحو إسرائيل، عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، مما دفع كثيراً من شركات النقل البحري العالمية لإيقاف عملياتها فيه، وتغيير مسار سفنها عبر رأس الرجاء الصالح. قابل التصعيد الحوثي تحركٌ دولي سياسي وعسكري من أجل إطلاق مبادرة دولية باسم عملية «حارس الازدهار»، ينصبّ تركيزها على التحديات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. في بادئ الأمر، قللّت الولايات المتحدة من خطورة الهجمات الحوثية على السفن الأجنبية في البحر الأحمر، لكنّ تكرار الهجمات على مدى أسابيع عقّد المشهد في المنطقة على أكثر من مستوى سياسي وعسكري واقتصادي، مما قاد لخطوة إنشاء التحالف الجديد لردع الهجمات الحوثية والاستجابة لنداءات السفن، الأمر الذي يُظهر أنّ الغرض من التحالف هو دفاعي أكثر من كونه أنشئ للقضاء على التهديد الحوثي بشكل نهائي، مع ذلك من غير المستبعد أن يتحوّل إلى قوة هجومية إذا ازدادت وتيرة المخاطر.
المثير للاهتمام، هو غياب اسم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر عن قائمة الدول التي أعلنتها الولايات المتحدة كجزء من التحالف البحري الجديد، رغم أنّ السعودية ومصر بالذات من الدول المشاطئة للبحر الأحمر. قد تبدو حالة الغموض التي تكتنف عمل الحلف والأدوار الموكلة للمشاركين فيه، أحد دوافع إحجام بعض الدول عن المشاركة فيه. فضلاً عن ذلك، إنّ عدم انضمام إسرائيل إلى الحلف رغم التهديدات الحوثية الموجهّة إليها بدرجة رئيسية، يشجّع الدول التي لا تعترف بالكيان الإسرائيلي على الانضمام، وهو مبرر أمريكي وإسرائيلي قد يكون مقنعاً لدول الإقليم المترددة.
كَسَر حالة عدم الاكتراث، تصريح من وزارة الخارجية المصرية، التي أكدت أنّ «الدول المطلة على البحر الأحمر هي من تتحمل مسؤولية حمايته». وهو ما يُفهم منه، بأنّ ليس لدى مصر اهتمام بالانضمام لتحالفات بحرية جديدة، فهي مشاركة بالفعل في قيادة القوة 153 التي تم إنشاؤها في إبريل 2022، ولا يبدو أنّها ترغب بخوض مغامرات عسكرية أمريكية في المنطقة أو تزيد من تعقيدات الحرب في غزة أكثر مما وصلت إليه.
وربما تُبنى المواقف المتحفظة أو الرافضة للمشاركة في هذا التحالف، من تفسير بعض المراقبين له على أنه بمثابة حشد دعم عسكري لحماية إسرائيل في ظل العزلة الدولية التي تعاني منها بسبب انتهاكاتها الفظيعة في غزة، وكذا لمواجهة أي تبعات اقتصادية، خصوصا عقب الانخفاض الحاد بأكثر من 80% من إيرادات ميناء إيلات. تفسير نوايا واشنطن بشأن هذا الحلف، قد يختلف من جهة لأخرى، وفقا لحسابات متعددة ذات صلة بالصراع الحاصل اليوم في المنطقة. لكنّ من المهم الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة تغاضت باستمرار عن هجمات الحوثيين في الأعوام السابقة على سفن بحرية سعودية وإماراتية في منطقة البحر الأحمر. كما أنها لم تتخذ أي إجراء بعد قصف المليشيا لموانئ جنوب اليمن، وتهديد حركة النقل البحري فيها، والحصار الاقتصادي الذي تسببت به للسكان هناك.
بالنسبة للرياض وأبوظبي، لا يبدو أنّ مشروع التحالف البحري ضمن اهتماماتهما في الوقت الراهن، على الأقل ظاهريا، رغم اعتماد السعودية على موانئ البحر الأحمر في 36% من الواردات. غير أنّ حالة التهدئة طويلة المدى مع مليشيا الحوثيين، المدعومين إيرانياً، أهم بالنسبة لمصالحها الاستراتيجية بعد ما يقرب تسع سنوات من الصراع في اليمن، ولا ترغب السعودية أن تُدخل نفسها في حرب استنزاف جديدة مع الجماعة، خاصة وأنّ لديها مشاريعها الخاصة وفق رؤيتها 2030، وفوزها بتنظيم إكسبو 2030، وكذلك تنظيمها لكأس العالم 2034. وهي فيما يبدو نفس الرغبة الإماراتية التي تتجنب تصعيداً محتملاً ضد منشآتها الحيوية حال مشاركتها في تحالف عسكري جديد ضد الحوثيين. خصوصا وأنّ الإمارات كانت قد علقت في يونيو الماضي مشاركتها في القوة البحرية الدولية المشتركة.
وقد هدد الحوثيون بأنّه في حال شاركت السعودية والإمارات في تحالف حرب على اليمن، فإنهم لن يبقوا على حقول النفط والغاز، وسيستهدفون كل ناقلات النفط في المنطقة.
إنهاء الحرب
في 23 ديسمبر، أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانز غروندبرغ، عن خارطة طريق ترعاها الأمم المتحدة، لإنهاء الحرب في اليمن. اكتفى بيان توقيع الخارطة المرتقبة على (إنهاء) الحرب، وهو ما يعني الخروج أولاً من الحرب بصورة نهائية، ثم الانخراط في استعدادات العملية السياسية. هذه الصفقة تبدو مناسبة ومرضية بشكل كبير للسعودية، فهي ستضمن خروجاً نهائياً من حرب اليمن بصفتها من يقود تحالف عسكري منذ تسع سنوات بدعوة من الحكومة اليمنية في 2015. حتى أنّها باتت تستعد لهذا الخروج بصفتها تلعب دور الوسيط وليس الشريك في الحرب ضد الحوثيين، ويبدو أنّها في نهاية المطاف سترعى اتفاق التوقيع بين الأطراف اليمنية بالصفة التي اختارتها لنفسها.
لذا، يمكن ربط عدم مشاركة الرياض في تحالف «حارس الازدهار»، بعدم رغبتها بإفساد صفقة التوقيع المرتقبة على خارطة الطريق اليمنية. خاصة وأنّ إعلان مشاركتها في تحالف من هذا النوع لن يكون مؤثراً تجاه التهديد الحوثي، بعد أن خاضت معه حرباً عنيفة لسنوات. كما إنّ المشاركة بحد ذاتها ستكون سبباً كافياً للحوثيين لرفض التوقيع على أي اتفاق من شأنه إنهاء الحرب، والسعودية بالمحصّلة، لا تريد الوصول لهذه النتيجة بعد أشهر من المحادثات الثنائية معهم إلى جانب جهود المساعي العمانية لإنجاح العملية.
ينبغي القول، إنّ خروج السعودية من الحرب نهائياً بتوقيع هذه الخارطة، سيغيّر من حجتها السياسية والقانونية، حتى وإن انهارت الاتفاقية بين الأطراف اليمنية. فالرياض في حال قام الحوثيون بالهجوم عليها لأي سببٍ فيما بعد، فسيكون ردها العسكري كدولة معتدى عليها، وليست طرفاً في الحرب أو بصفتها قائداً لتحالف عسكري في اليمن، وهو ما سيخفف عليها بالمثل؛ ضغوط استخدام خصومها السياسيين خاصة في الكونغرس الأمريكي الحرب في اليمن للمطالبة بإيقاف تصدير الأسلحة الهجومية إليها. في الوقت الحالي، ستستفيد الرياض من بدء تخفيف قيود الولايات المتحدة المفروضة على بيع الأسلحة الهجومية لها، وقد عبّر مسؤولون أمريكيون أن واشنطن فعلياً تستعد لرفع هذه القيود، نظير التزام السعودية بالهدنة التي توسطت فيها واشنطن والأمم المتحدة منذ ما يقرب عامين.
بالمقابل، كان مركز سوث24، قد حذّر في ورقة سابقة، من التبعات الخطيرة جرّاء منح الحوثيين جزءً من موارد النفط والغاز في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً - وفقا لبنود مسودة خارطة الطريق المسرّبة - من حيث الخسائر الاقتصادية الفادحة التي يمكن أن تنعكس على مناطق جنوب اليمن بصورة رئيسية، وهو ما يمنح الحوثيين مصدر مالي جديد يعزز من قدراتهم العسكرية ويوسّع دائرة نفوذهم وتهديداتهم محليا وإقليميا. وهذا الأمر يرفضه المجلس الانتقالي بوضوح.
ماذا بعد؟
ستنطوي الأولوية القصوى بعد توقيع اتفاق إنهاء الحرب بالنسبة للسعودية، أن لا يتمكن الحوثيون من اجتياح مناطق جغرافية أخرى في اليمن، ذلك لضمان تقليص النفوذ الحوثي في حال استئناف أي عمليات عسكرية في المستقبل. وعلى رغم الغياب المباشر المتوقع للسعودية والإمارات عسكرياً في اليمن بعد إيقاف عمليات التحالف بالتوقيع النهائي، غير أنّهما ستظلان تدعمان حلفائهما على الأرض بصورة غير رسمية، كما تفعل إيران مع الحوثيين، ولن يتجاوز دعمهما المعلن سوى بيانات للتنديد في مجلس الأمن الدولي ضد أي انتهاكات أو خروقات حوثية محتملة بعد الاتفاق. في مقابل ذلك، سيشعر حلفاء الرياض وأبوظبي بانّه تمّ التخلي عنهم من أجل إنجاح صفقة الخروج الآمن من الحرب بأي ثمن، وهو ما قد يؤدي لكلفة عالية على المستوى الداخلي، لا سيّما وأنّ الحوثيين لا ينفذون أياً من التزاماتهم.
في المحصّلة، وإن أدى انهيار الاتفاق إلى تبعات سلبية بمختلف المستويات، سيعطي ذلك مبرراً للقوى العسكرية المناهضة للميليشيا الحوثية باستئناف العمليات العسكرية على الأرض، والاتجاه نحو تحرير مناطق أوسع في اليمن، بما في ذلك تحرير الحديدة الذي توقف باتفاق استوكهولم لعام 2018. وسيحق للأطراف العسكرية الداخلية أن تحارب الحوثيين وتؤمّن السواحل المحاذية للبحر الأحمر ومضيق باب المندب، دون أن يُملى عليهم الالتزام بأي اتفاقيات سابقة.
لذلك، يتعين على القوى السياسية والعسكرية في الحكومة المعترف بها دولياً البحث في خياراتها الطارئة حال فشل الاتفاق، وبالذات الأطراف الجنوبية، من خلال فرض خياراتها السياسية، وكذا العسكرية عبر الانتشار وتأمين مناطقها برياً وبحرياً. يمكن التنسيق مبدئياً مع القوى الدولية والإقليمية المهتمة بتأمين ممرات الملاحة البحرية، ووضع خططاً للتعاون الدفاعي لكبح الجماح الحوثي وتهديداته في المنطقة ككل.
إنّ وجه الخطورة في سياسة النأي بالنفس التي تمارسها دول التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، والدول المشاطئة للبحر الأحمر، من هجمات الحوثيين، وفق حساباتهم الآنية، يتمثل في تشجبع إيران على إبراز تأثيرها في الممر البحري باب المندب – قناة السويس. ليس فقط من خلال تزويد إحدى سفنها في البحر الأحمر للحوثيين بالمعلومات الاستخبارية، لمهاجمة السفن، وفقا لما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال، ولكن أكثر من ذلك، من خلال اعتبار قادة الجيش الإيراني، بتصريحات علنية، منطقة البحر الأحمر، منطقة تخضع لسيطرة إيران، وتهديداتها المتكررة بإغلاق المضائق البحرية في وجه الملاحة الدولية.
إنه لمن المهم الإشارة، في النهاية، إلى أنّ تصريح متحدث الحرس الثوري الإيراني، رمضان شريف، اليوم الأربعاء، بأنّ «عملية طوفان الأقصى كانت إحدى عمليات الانتقام لاغتيال سليماني، وهذه الانتقامات ستبقى مستمرة»، تشي بكثير من الحقائق عن الصراع الدائر اليوم في المنطقة ودوافعه الإقليمية. وهذا الأمر في نهاية المطاف لا يمكن قراءته فقط من منظور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وحسب، ولكن، وهو الأهم، من منظور طبيعة الصراع الإقليمي الحالي على الممرات البحرية الدولية وسياسات النفوذ والتوسّع التي تقودها إيران أو الولايات المتحدة في المنطقة.