picture alliance / ASSOCIATED PRESS | Hani Mohammed
04-12-2023 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | فريدة أحمد
كان من المتوقع بعد مرور 9 سنوات على اندلاع الصراع في اليمن وانقلاب جماعة الحوثيين المدعومة من إيران على الدولة في صنعاء في 2014، أنّ تصل الأطراف اليمنية إلى حلول سلمية تنهي الحرب وتدخل في عملية تسوية سياسية شاملة. غير أن الجماعة الدينية اليمنية ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث فرضت اشتراطات تعجيزية تماهت معها فيها الأطراف الدولية والإقليمية، مما شجّعها على الانخراط في حرب خارج حدودها بعمليات عسكرية غير محسوبة. فمنذ أكثر من شهر، توجّه ميليشيا الحوثيين هجمات بالصواريخ البالستية والطائرات غير المأهولة عبر البحر الأحمر نحو أهداف قالت أنها إسرائيلية. ورغم أنّ جميع هجمات الحوثيين باتجاه جنوب إسرائيل أخفقت، فقد استطاعت بالمقابل احتجاز السفينة (جالاكسي ليدر) المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في 19 نوفمبر واقتادتها إلى سواحل الحديدة، فضلا عن هجمات طالت ثلاث سفن تجارية أخرى مملوكة لشركات دولية متعددة، يوم 3 ديسمبر، بالقرب من مضيق باب المندب جنوبي غرب السواحل اليمنية.
تهدف الجماعة فيما يبدو من استغلالها للحرب الدموية التي تشنها إسرائيل على غزة إلى كسب تعاطف شعبي عربي لتبييض انتهاكات مليشياتها في اليمن، فضلا عن تحقيق أهداف إيرانية استراتيجية ضمن صراع المضائق البحرية في المنطقة، خصوصا وأنّ الولايات المتحدة تتهم إيران صراحة بدعم هذه الأحداث.
إنّ المغامرات غير المحسوبة من قبل الحوثيين، في الوقت الذي يتطلب فيه تظافر الجهود لانتشال اليمن من حرب أنهكته واستنزفت طاقاته وشعبه، تستوجب الوقوف بحذر من قبل المجتمع الإقليمي بالذات، وما قد تجلبه مثل هذه العمليات ذات المنحى الخطير على اليمن والمنطقة.
وهو ما يقودنا إلى أهمية التركيز على الجهات التي تسيطر على سواحل البحر الأحمر الجنوبية ومضيق باب المندب وخليج عدن. خاصة وأن الحوثيين أثبتوا خلال الأيام القليلة الماضية قدرتهم على إحداث فوضى في المنطقة، وهو الاتجاه الذي بات أكثر قلقاً بالنسبة للمجتمع الدولي وبالذات للولايات المتحدة التي باتت تفكر بإعادة تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية"، وفقا للمسؤول في البيت الأبيض جون كيربي.
فإلى جانب القلق الأمني والتهديدات المصاحبة له؛ فهناك قلق اقتصادي من أنّ يؤدي توسع النطاق العسكري في البحر الأحمر، إلى ارتفاع أسعار النفط وازدياد كلفة التأمين على الشحن البحري في منطقة حيوية للتجارة العالمية، فضلاً عن توقعات بتوقف جزء كبير من سلاسل التوريد للسلع والمنتجات إذا ازداد تأثير التهديدات. وقد دعت مجموعة دول السبع، الحوثيين، لوقف الهجمات على المدنيين وتهديد ممرات الملاحة الدولية.
من المهم القول، إنّ تأمين منطقة حيوية مثل البحر الأحمر وباب المندب أمنياً وعسكرياً واقتصادياً، يستوجب إزالة التهديد الرئيسي لاستقرار المنطقة، واستقرار الدول المشاطئة للبحر الأحمر بدرجة رئيسية وعلى رأسها مصر والسعودية، وكذا المنافذ الدولية (باب المندب، وقناة السويس) التي تعد الشريان الأساس للتجارة العالمية. فإضافة للتهديدات على البحر الأحمر، شنّت الميليشيا الحوثية 4 هجمات جوية بالمسيّرات في شهري أكتوبر ونوفمبر 2022، ضد موانئ نفطية بحضرموت وشبوة [جنوب اليمن]، مما تسبب بتوقف الصادرات النفطية الحكومية حتى اليوم. كما هددت الميليشيا آنذاك رسمياً كل شركات الملاحة الدولية بقصف أي سفن نفطية تتجه نحو موانئ الجنوب. ما يعني أنّ التهديد الحوثي لازال قائماً، وقد يجذب المزيد من اللاعبين الدوليين إن لم يتوقف.
اتفاقات تقوّي الحوثيين
وعلى الصعيد السياسي، لا تزال الأطراف الإقليمية والدولية تنتهج سياسة "تقديم التنازلات" تجاه الحوثيين، وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية، التي وضعت في إبريل 2023، مسودة لخارطة طريق عقب محادثات مباشرة أجراها وفد سعودي مع الحوثيين في صنعاء وبوساطة سلطنة عمان. وشملت الخارطة مقترحاً يقسّم مسار المفاوضات إلى ثلاث مراحل يتم تنفيذها خلال عامين. وتتضمن الستة الأشهر الأولى منها الانخراط في إجراءات بناء الثقة، مثل دفع رواتب الموظفين الواقعين تحت سيطرة الحوثيين وفقاً لكشوفات 2014 من موارد النفط والغاز، ورفع القيود على المنافذ البرية والبحرية والجوية، ودمج البنك المركزي، وخروج قوات التحالف من اليمن. بعض هذه النقاط لاقت معارضة شديدة من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي على وجه التحديد، الذي يرفض باستمرار منح الحوثيين وصولا لموارد النفط والغاز في الجنوب. يجادل المجلس الانتقالي الجنوبي أنّ من شأن قبول هذه الخطوة تعزيز نفوذ إيران في مناطقه الجنوبية وعلى السواحل المطلة على باب المندب وخليج عدن.
وعلى الرغم أنّ السعودية لم تقدّم خارطة الطريق لمجلس القيادة الرئاسي بصورة مكتوبة، وفقا لمعلومات حصل عليها مركز سوث24، إلا أنّ أعضاء المجلس الرئاسي الثمانية وافقوا على بنود الخارطة الرئيسية دون الخوض في التفاصيل. حدث ذلك في اللقاء الأخير الذي جمع أعضاء المجلس اليمني بوزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان في مدينة الرياض. بالمقابل صعّد الحوثيون من اشتراطاتهم وعرقلوا اتفاقا كان من المرجح أن يتم وفقا لبعض الدبلوماسيين اليمنيين.
لتحقيق الخروج الآمن من مستنقع اليمن، سعت الرياض إلى تيسير العقبات للحوثيين والتماهي مع اشتراطاتهم، ولعبت دور الوسيط خلال فترة المحادثات، حتى أنّها همشت المجلس الرئاسي الذي يمثّل الحكومة المعترف بها دوليا من العملية برمّتها. وقد ولّد ذلك، بطبيعة الحال، شعوراً غير مريحاً بالنسبة للأطراف اليمنية المعارضة للحوثيين، رغم مجاراة بعض قياداتهم لكثير من المقترحات السعودية، التي تموّلهم في نهاية المطاف بالمال.
ومن شأنّ الرضوخ لمطالب الحوثيين في قضية الموارد النفطية، جنبا إلى جنب مع تجاهل قضية الجنوب في جميع مراحل العملية السياسية، أن يهدد بنسف الجهود السعودية.
وحسب مصادر لمركز سوث24، ضغطت السعودية بشكل حاد على المجلس الرئاسي، للقبول بشرط الحوثيين المتعلق بدفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم من إيرادات النفط في مناطق الحكومة المعترف بها. لم تحدد خارطة الطريق السعودية هوية المناطق النفطية التي ستغطي معضلة رواتب الحوثيين، إلا أنه من المعروف أنّ ما نسبته 80% من النفط والغاز يتم ضخه من مناطق (حضرموت، وشبوة) في جنوب اليمن.
مؤخراً، تم الإعلان عن "هيئة رئاسية" لمجلس حضرموت الوطني، الذي دعمت تشكيله المملكة العربية السعودية في يونيو الفائت. تسعى الرياض، بصورة رئيسية، من خلال هذا المكون الجديد لمواجهة موقف المجلس الانتقالي الجنوبي من بعض بنود خارطة الطريق. ستستغل السعودية وجود الحضارم وبالذات من يحملون الجنسية السعودية، في مجلس حضرموت الوطني، لتلبية شروط الحوثيين، على اعتبار أنّ حضرموت تضخ النسبة الأعلى من النفط في البلاد. ومن أجل ذلك، سوف تسعى السعودية على المدى القريب لإشراك المجلس الحضرمي في عملية المفاوضات التي تقودها مع الحوثيين.
تبعات خطيرة
يجب التحذير من أنّ منح الحوثيين جزءا من موارد النفط والغاز في مناطق الحكومة المعترف بها دوليا، سواء في جنوب اليمن أو في مأرب، سيتسبب في عجز مالي للحكومة الحالية لا يقل سوءًا عن تداعيات وقف تصدير النفط نتيجة استهداف الحوثيين للموانئ الجنوبية بالمسيّرات. إذ أن حجم الإيرادات النفطية وفقاً لمصادر اقتصادية لسوث24، قد يغطي بالكاد ميزانية صرف تلك المرتبات، خاصة مع فارق سعر الريال بين صنعاء وعدن، وهذا يعني أن حجم الرواتب التي سترسل إلى صنعاء تفوق 1000 بالمائة من قيمة الرواتب في الجنوب؛ نظراً لزيادة عدد الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين 4 مرات عن المناطق تحت سيطرة الحكومة المعترف بها، إضافة إلى أن فارق سعر صرف الريال بين صنعاء وعدن يقترب من 3 أضعاف.
لا شك من أن عجز الحكومة المعترف بها دوليا عن تقديم نموذج جذب في المناطق التي تديرها مقارنة بمناطق الحوثيين، سيؤدي حال تحمّلها صرف مرتبات الموظفين تحت سيطرة الحوثيين، إلى تفاقم عجزها وفشلها ما سيتسبب بسخط شعبي، خاصة في مناطق جنوب اليمن. إضافة إلى أنّ الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين سيتقاضون مرتبات أعلى من نظرائهم في مناطق سيطرة الشرعية بنسبة تتجاوز 280% نظراً لفارق صرف الريال، كما قد تتجاوز 300%إلى 350%. ومن المرجّح أن يتسبب هذا الإجراء بخفض قيمة الريال في البنك المركزي بعدن. كما أنّ التزام الحكومة الشرعية بالدفع للحوثيين من أجل صرف المرتبات، قد يتسبب في عجزها عن تغطية المرتبات في الجنوب. والمحصّلة ستكون أن الشمال يتقاضى مرتبات منتظمة من إيرادات الجنوب، بينما سيتأخر استلام الموظفين في الجنوب لمرتباتهم وستقل القيمة الشرائية للريال في الجنوب، وهذا يعني انكماش الدخل واحتمالية كبيرة بعدم انتظام صرف رواتبهم.
عملياً، ستكون هناك تبعات لحصول الحوثيين على تنازل جديد من الحكومة اليمنية على العملية السياسية. إذ سيدفع هذا التنازل الحوثيين لاستخدامه كذريعة للحرب حتى مع عدم التزامهم بالهدنة أو المضي في السلام. سيؤدي هذا الإجراء بالمحصّلة إلى أن يرفع الحوثيون سقف مطالبهم أكثر؛ ومن ضمنها مطالب قد تكون صعبة التحقيق وفقاً لسلوكهم السابق في وضع شروط للسلام يحصلون عليها ومن ثم يرفعون سقف مطالبهم دون تنفيذ التزاماتهم. ومنها على سبيل المثال، اتفاق ستوكهولم الذي هندس موضوع صرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين من إيرادات ميناء الحديدة، وهو ما لم ينفذه الحوثيون في نهاية المطاف.
ينبغي القول، إنّ صرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين سيؤدي إلى إضعاف الجبهة الشعبية في مناطق جنوب اليمن المقاومة للحوثيين، بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي قد تنتج عن اتفاق كهذا، كما سيساهم في دعم الجبهة الداخلية للحوثيين شعبياً من خلال ما سيصورونه على أنه انتصار بانتزاع "الثروات السيادية"، وسيخفّف عليهم الضغط الناشئ عن أزمة الرواتب. كما سيعزز ذلك من قدرة الحوثيين العسكرية مالياً من خلال الإيرادات الكبيرة التي يحصلون عليها أيضا من ميناء الحديدة والاتصالات وصناعة التبغ والأوعية الجبائية المتعددة كالضرائب والجمارك وغيرها، والتي لن تخضع للتقاسم مع الحكومة المعترف بها دوليا بطبيعة الحال. الأمر الذي سيرفع من رغبة الحوثيين بمغامرة عسكرية ضد الجنوب وسيشكل تهديداً عليه؛ وإن كان على المدى البعيد. سيعزز حصول الحوثيين على موارد مالية جديدة مساعي المليشيا لتعزيز ترسانتها العسكرية وتطوير صناعة السلاح لديها. وهو ما يجعلها في نهاية المطاف تهديد لا يستهان به في عمق الجغرافيا المجاورة للسعودية وطرق الملاحة البحرية.
ما يثير الدهشة أكثر، هو سياسة الضغط القصوى التي تقودها المملكة العربية السعودية لصالح إبرام صفقة مع الحوثيين، في الوقت الذي يشكل سلوك الجماعة العسكري مصدر تهديد للإقليم والمجتمع الدولي في المنطقة وبالذات في نطاق البحر الأحمر. فبدلاً من تقويض قدرة الميليشيا المالية والعسكرية وإزالة التهديد، هناك من يلعب دوراً غامضاً لتقويتها ومنحها سبل النجاة والبقاء.
المحصّلة
إنّ تأمين المنطقة عامل مهم لاستقرارها وحماية ممراتها الدولية، ويبدو أنّه حان الوقت للتفكير جدياً من قبل المجتمع الدولي بدعم جهات سياسية وعسكرية ذات موثوقية، وبالذات القوات الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي، الذين قدموا نموذجاً ناجحا في محاربة التنظيمات "الإرهابية" وأنشطة الميليشيا في أكثر من عملية، وقضوا على منابعها نسبياً خلال السنوات الفائتة.
أكثر من ذلك، إن التهديدات اليوم تحتم جدية التفكير في دعم بناء دولة مستقلة في جنوب اليمن، والمناقشة حول طبيعة ونطاق هذا الدعم. إذ أن ذلك سيكون أحد عوامل الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو ما شجّع عليه نائب رئيس مجلس القيادة ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى استقلال الجنوب الـ 56 في الثلاثين من نوفمبر.
يتعيّن على القادة الجنوبيين أن يتمسكوا بمواقفهم الحازمة تجاه أي اتفاقات مراوغة قد تضعف من مكاسبهم السياسية والعسكرية. إنّ المخاطر المحدقة بجنوب اليمن وممراته المائية السيادية يجب أن تشكّل هاجسا عمليا لضمان تأمين قوة ردع عسكرية بحرية وجوية جنوبية إلى جانب القوات البرية المنتشرة، لمواجهة هذه المخاطر المحتملة في خليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر.