الصورة: أسوشيتدبرس
22-07-2022 الساعة 6 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24 | إبراهيم علي*
خلال الأيام الماضية صعَّد تنظيم القاعدة من نشاطه العملياتي في عدد من المحافظات جنوب اليمن، حيث نفذ أكثر من عملية في محافظات شبوة وأبين والضالع وترجيحات بوقوفه وراء هجوم استهدف مسؤول أمني بارز في عدن.
التصعيد المفاجئ جاء بعد توقف طويل عن تنفيذ عمليات بهذا الشكل المتسارع والجريء. منذ العام 2019، جمَّد التنظيم نشاطه العملياتي بشكل كبير، واكتفى بالمشاركة العسكرية ضمن القوات المناهضة للمجلس الانتقالي الجنوبي في أبين وشبوة. كان التنظيم قبل ذلك قد شارك هذه القوات في القتال ضد الحوثيين في أكثر من محافظة شمالية، وفق اعتراف عدد من قادته.
على رغم أنّ عمليات التنظيم الأخيرة بدت، في ظاهرها، غير منسجمة مع التحليلات التي ظلت تؤكد أنه يمر بمرحلة غير مسبوقة من الضعف والتراجع، إلا أن ما تلا تلك العمليات يؤكد بالفعل ضعفه وتراجعه.
ففي البداية قدَّم تنظيم القاعدة اعتذاراً غير مباشراً لشرطة أبين أو "حكومة شقرة" كما يسميها[1]، بعدما أعلنت الأخيرة استعدادها لشن عملية واسعة في المحافظة بغرض تطهيرها من التنظيم[2].
قد تكون هذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها تنظيم القاعدة اعتذاراً عن استهداف جنود موالين للحكومة و "حزب الإصلاح". يُمكن قراءة الاعتذار في سياق خشية التنظيم من ردة فعل لا قدرة له على مجابهتها، خصوصاً وأن قوات الشرطة ستكون جزءًا من تشكيلات عدة مكلفة بخوض المعركة في المحافظة، ما يعني أن فرص تلاعبها بالحرب ضد شريك سابق، قد تكون ضئيلة أو غير واردة.
يشير اعتذار التنظيم إلى أن تراجعه لم يكن في قوته المادية والبشرية فقط، وإنما في قدرته على توقع نتائج عملياته، مقارنة بما كان عليه حاله في السابق. فمثلما اقترف خطأ في تنفيذ عمليات ضد شريك سابق، وعاد لتبريره بـ "التصرف الفردي"، أخطأ في تقديم اعتذار علني له، على اعتبار أن ذلك سيدفع هذا الشريك إلى تبرئة ساحته من العلاقة بتنظيم مدرج على لائحة الإرهاب من خلال مشاركة فاعلة في عملية عسكرية وأمنية ضده.
لكنَّ ما يؤكد هذا التراجع أكثر هو أن التنظيم لجأ إلى خطة أخرى لصرف الأنظار عن تواجده في أبين، تمثّلت في تنفيذ عمليات خارج المحافظة، كالعملية التي استهدفت مدير أمن لحج بعدن[3]، مع أن التنظيم لم يعلن مسئوليته عنها حتى اللحظة، ككثير من العمليات التي نفّذها في الآونة الأخيرة، إلا أن القرائن تشير إلى وقوفه خلفها، حيث جاءت ضمن موجة العمليات التي نفذها وحاول تنفيذها في أبين وشبوة وحضرموت.
عمليتا التنظيم الأخيرتان لم تصرفا الأنظار عن مركزه الأخير وإنما أكدتا على أهمية خوض معركة فاصلة ضده، وفق ما تشير إليه الاستعدادات العسكرية والأمنية في المحافظة.
تجميد للنشاط
رغم أن هجمات تنظيم القاعدة الأخيرة، نفّذت خلال فترة زمنية قصيرة، وذهبت بعيداً بالتوقعات حول طبيعة التصعيد القادم، إلا أنه لم ينفّذ عمليات بعدها. هذا التوقف، إن استمر، ربما يشير إلى أن التنظيم قد يحاول صرف الأنظار من خلال تجميد النشاط، ولو بشكل مؤقت، بعد فشل خططه السابقة في ذلك، بل إنها أتت بنتائج عكسية.
في حال عاود التنظيم شن هجمات جديدة، فستكون، على الأرجح، خارج محافظة أبين. يعيش التنظيم منذ سنوات أزمة انحسار لمناطق النفوذ الجغرافي والتي تعني عدم القدرة على التعامل بمرونة مع العمليات ضده، وبالتالي قد يكون الحفاظ على مناطق النفوذ أو مناطق التواجد أهم من مكاسب تنفيذ عمليات في ظل ظروف كهذه.
ربما تكون هذه الخطة هي الأخطر، كونها تستهدف حماس ودافع خصومه لشن عمليات ضده، وتمنحه الفرصة لإعادة ترتيب وضعه بعيداً عن أي ضغط أمني أو عسكري. إلى جانب ذلك، ستخفف هذه الخطة من الضغط الإعلامي على شركائه السابقين الذين أربكتهم عملياته الأخيرة.
تشير المعلومات التي تحصل عليها كاتب التحليل، إلى أنّ خط التواصل بين تنظيم القاعدة والقوات الموالية للحكومة في أبين لم ينقطع، بشكل مباشر أو غير مباشر عبر وسطاء قبليين.
قد يكون الدافع للتواصل بين الطرفين أكثر إلحاحاً في ظل أزمة الهجمات الأخيرة، إذ يدرك الطرفان أنهما سيحتاجان لبعضهما مستقبلاً كما احتاجا لبعضهما في الماضي، ولا بد من معالجة ما قد يؤدي إلى قطيعة، مع العلم أن أيَّة قطيعة بينهما لن تكون إلا مؤقتة، فإلى جانب أن هناك رابطاً أيديولوجياً، هناك مخاوف مشتركة تجمعهما.
عملية أبين المرتقبة: معركة مختلفة ضد القاعدة في معقله الأخير
ردة فعل
سواء كانت هذه هي خطة تنظيم القاعدة الحالية أم لا، يمكن القول إن كل شيء سوف يصب في صالحه إن تحوّلت الحرب ضده إلى مجرد ردة فعل على ما ينفذه من عمليات، أيًا كان ما ستحققه العمليات العسكرية والأمنية التي تُنفذ في هذا الإطار.
كما أنّ هذا النوع من العمليات يكشف عن شحّة في المعلومات الاستخباراتية التي تعتبر العمود الفقري لأي نجاح في الحرب على التنظيمات "الإرهابية" والمتطرفة داخل اليمن وخارجها.
حتى اللحظة، لازال تنظيم القاعدة هو الذي يحدد مناطق تواجده وتحركاته من خلال العمليات التي ينفّذها، ومن خلال هذه العمليات أيضاً يمكن تقدير حجم قوته وإمكاناته، بينما يبقى وضع التنظيم من دونها غامضا؛ لعدم توفر المعلومة. بالتأكيد، لم يكن هذا الاستنفار الأمني والعسكري سيحدث لو بقي التنظيم يبني قوته وقدراته بصمت ولم يكشف عن نفسه من خلال نشاطه.
في ظل ظروف ومعطيات كهذه، يُفترض أن يكون صمت تنظيم القاعدة مقلقاً أكثر من نشاطه. من المهم الإشارة هنا إلى أن عمليات التنظيم الأخيرة في جنوب اليمن جاءت بعد صمت طويل كان خلق انطباعاً مغايراً للحقيقة عن التنظيم ووضعه.
ربما كانت المبادرة والمباغتة أهم ما ميّز العمليات العسكرية التي نُفذّت ضد التنظيم بدعم من قوات التحالف العربي بين العامين 2016-2017، في أهم معاقله بمحافظات أبين وشبوة وحضرموت. وبالطبع، فقد كانت المعلومة حاضرة بقوة حينها. لهذا كان أثر تلك العمليات واضحاً خلال العامين 2018- 2019 قبل أن تبدأ الحرب ضد قوات النخبة الشبوانية التي غادرت المحافظة حتى ديسمبر 2021.
*إبراهيم علي
هو اسم مستعار لباحث متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب إخفاء هويته لأسباب شخصية