09-02-2021 الساعة 10 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24| قسم الترجمات
تشكّل المجلس الانتقالي الجنوبي تحت رعاية إماراتية في عام 2017، وهو الجماعة الانفصالية الجنوبية المهيمنة في اليمن. وفي مناسبتين - آب/أغسطس 2019 ونيسان/أبريل 2020 - أعلنت الجماعة الانفصالية "الحكم الذاتي" في اليمن، مما أثار الاحتمال الجدي لعودة اليمن الجنوبي كدولة قومية مستقلة. ولدرء ذلك، عمل السعوديون بجد طوال العامين 2019 و2020 للتوسط في اتفاق الرياض بدعم قوي من واشنطن. وقد أدى هذا الاتفاق الهش بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة عبد ربه منصور هادي المعترف بها من قبل الأمم المتحدة إلى ترتيب لتقاسم السلطة ضمن"حكومة موحّدة" تم تشكيلها حديثاً - على الأقل في الوقت الراهن.
وقد توجه ممثلو المجلس الانتقالي الانتقالي من أبوظبي إلى موسكو في 30 كانون الثاني/يناير بدعوة من حكومة الرئيس فلاديمير بوتين. التقى وفد المجلس الانتقالي، بقيادة، عيدروس الزبيدي، بمسؤولين حكوميين روس وأعضاء في مجلس الدوما لإجراء محادثات تركزت على اتفاق الرياض. توضّح تصرفات موسكو أنه حتى لو لم تكن تفضّل رسمياً أو علناً انقسام اليمن على طول الخطوط الشمالية الجنوبية، فإنّ لها مصالحها الخاصة في تعزيز علاقاتها مع "المجلس الانتقالي" وسط فترة من عدم اليقين الشديد في اليمن مع استمرار الحرب.
"سيعتمد نجاح اتفاق الرياض على المدى الطويل على مدى معالجة الاتفاق بفعالية لمظالم اليمنيين الجنوبيين"
وقد تمت هذه الزيارة الأخيرة إلى موسكو في ظل التوترات المستمرة بين المنظمة التي تدعمها دولة الإمارات العربية المتحدة وحكومة هادي. وعلى الرغم من أنّ الانهيار الوشيك لاتفاق الرياض ليس حتمياً، إلا أنّه بالتأكيد احتمال وارد. ويمكن أن تؤدي عوامل عديدة في نهاية المطاف إلى انهيار اتفاق تقاسم السلطة هذا.
ووفقاً لـ أبوبكر الفقية، وهو صحفي يمني مستقل، فإنّ هذه العوامل تشمل "استمرار [المجلس] الانفصالي والطموحات التوسعية [لدولة الإمارات]... محاولة فرض سلطة الأمر الواقع في عدن، وهشاشة حكومة هادي، بالإضافة إلى غياب ضغوط سعودية إماراتية حقيقية على "المجلس الانتقالي الجنوبي" لتنفيذ الجزء العسكري من الصفقة".[1]
لا يمكن لأحد أن يجادل بأنّ المجلس الانتقالي قد تخلّى تماماً عن حلمه (إعادة) إقامة دولة مستقلة في جنوب اليمن. وفي الواقع، في وقت وصول الزبيدي إلى موسكو، أصدر الموقع الرسمي للمجلس بياناً قال فيه إنه "جدد مسار الاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية بسيادة كاملة". وهذه الصياغة تثير التساؤل حول الرغبة الفعلية للمجلس الانتقالي للالتزام باتفاقية تقاسم السلطة.
وسيعتمد نجاح اتفاق الرياض على المدى الطويل على مدى معالجة الاتفاق بفعالية لمظالم اليمنيين الجنوبيين التي تراكمت منذ إعادة توحيد البلاد قبل 31 عاماً. وتشمل هذه المظالم تاريخاً من سوء المعاملة على يد الحكومة المركزية الاستبدادية في اليمن، التي قلّصت حريات اليمنيين الجنوبيين، وانتزعت موارد الأراضي الجنوبية، وأزالت الفرص التعليمية التي كانت متاحة في عهد ماركسي اليمن الجنوبي. وبما أنّ هذه الظروف جعلت الكثيرين في جنوب اليمن (بمن فيهم أولئك الذين لا يؤيدون المجلس الانتقالي الجنوبي) يرغبون في الاستقلال، فمن غير الواضح ما إذا كانت "حكومة الوحدة" قادرة على إقناع اليمنيين في الجنوب بأن مستقبلهم سيكون أفضل في بلدٍ موحّد.
روسيا ومسألة وحدة اليمن
إن افتقار المجتمع الدولي إلى دعم الانقسام بين الشمال والجنوب في اليمن هو عامل مهم يعيق احتمالات حدوث إعادة ظهور اليمن الجنوبي. ومع ذلك، فإن روسيا هي القوة العالمية الكبرى التي تتعاطف مع المجلس الانتقالي الجنوبي وكفاحه.
بعد زيارته الأولى إلى موسكو في مارس 2019، كانت هذه الزيارة في يناير/كانون الثاني ثاني زيارة رسمية من قبل المجلس الانتقالي إلى موسكو. وبالنسبة إلى المجلس الانتقالي، الذي يسعى إلى اكتساب شرعية أكبر على الصعيد الدولي، ولا يُنظر إليه على أنه مجرد"وكيل"لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإنّ العلاقات المثمرة مع روسيا أمر بالغ الأهمية. وعلاوة على ذلك، يعمل المجلس من خلال تعزيز علاقات أعمق مع موسكو، على جعل "القضية الجنوبية" لليمن ذات صلة بحل الحرب الأهلية في البلاد في نظر القوى العالمية المؤثرة. وربما من الناحية العملية، فإنّ وجود شراكة متينة مع عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمكن أن يحمي المجلس من التهديد المحتمل بفرض عقوبات في المستقبل عليه.
والواقع أنّ روسيا حليف فريد من نوعه للمجلس الانتقالي الجنوبي. وعلى الرغم من أنّ هذه المنظمة التي ترعاها الإمارات العربية المتحدة تريد بناء علاقات مع القوى العالمية المؤثرة الأخرى، كما يتضح من وجودها في جماعات الضغط في الولايات المتحدة وألمانيا، والزيارات الرسمية إلى لندن، إلا أنّ روسيا تبرز باعتبارها القوة العالمية الوحيدة التي أبدت تعاطفها الشديد مع الجماعة الانفصالية.
"يعمل المجلس من خلال تعزيز علاقات أعمق مع موسكو، على جعل "القضية الجنوبية" ذات صلة للحل في نظر القوى العالمية المؤثرة"
ومع ذلك، تفضّل الحكومة الروسية رسمياً اتفاق الرياض. تقيم موسكو توازناً دقيقاً في كيفية إشراكها مع "المجلس الانتقالي الجنوبي" وحكومة هادي والمتمردين الحوثيين. خلال شهر آب/أغسطس 2019، عندما تصاعدت الأعمال العدائية بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي وتحولت إلى حرب أهلية في حرب أهلية، كانت ردة فعل روسيا دقيقة. وقال صموئيل راماني، باحث الدكتوراه في جامعة أكسفورد: "انتقدت [موسكو] بحذر الإمارات لتصعيدها الوضع في اليمن، لكنها رفضت إدانة سلوك المجلس الانتقالي في اليمن". وبما أن هذا التوازن كان مربكاً، فقد شعرت روسيا بالارتياح لرؤية ورقة اتفاقية الرياض حول الشقوق بين المجلس الانتقالي وحكومة هادي".
ما كان الروس يسعون إلى تحقيقه في تلك المرحلة هو ما لا يزالون يسعون جاهدين من أجله اليوم في اليمن: "الحياد الاستراتيجي". إنّ موسكو عازمة على الحفاظ على علاقات صحية مع مراكز القوى الثلاثة الرئيسية في اليمن: المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران، و"المجلس الانتقالي" وحكومة هادي. إنّ الأساس المنطقي لروسيا هو أنه عندما يستقر الغبار في نهاية المطاف في اليمن وتكون لهذه الجماعات المختلفة حصصها الخاصة من السلطة في فترة ما بعد الصراع، ستتمكن موسكو من الاستفادة من علاقاتها المتعددة لتأكيد نفوذ أكبر في اليمن والفضل في جهودها الدبلوماسية لجلب هذه الجهات الفاعلة المختلفة نحو تسوية سياسية لهذه الحرب الأهلية الكابوسية. ويقيناً، تتناقض هذه الاستراتيجية مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة في اليمن، التي وقفت بقوة إلى جانب السعوديين ضد المتمردين الحوثيين.
وفي هذا السياق، رأت روسيا أنّ إقامة علاقة صحية مع المجلس الانتقالي الجنوبي أمر أساسي. وقد استثمرت حكومة بوتين في هذه العلاقة من خلال الزيارات الدبلوماسية ومن خلال تزويد المجلس الانتقالي بالأوراق النقدية. في أوائل عام 2018، عرضت موسكو المساعدة في تهدئة الوضع في عدن من خلال المساعدة الدبلوماسية. بل إن بعض التقارير زعمت أن الروس أرسلوا مقاولين عسكريين خاصين إلى جنوب اليمن للمساعدة في تعزيز موقف "المجلس الانتقالي" ، إلا أن هذه التقارير مشكوك في مصداقيتها ومتناقضة معها. وعلى حد تعبير راماني، "تعمل روسيا كميسّر للحوار بين المجلس الانتقالي الجنوبي والأصوات المتنافسة في جنوب اليمن، لكنها ليست من جماعات الضغط من أجل قضية المجلس الانتقالي".[4]
البناء على إرث سوفييتي
من الصعب تحليل علاقة موسكو مع المجلس الانتقالي الجنوبي دون النظر إلى الإرث السوفيتي القوي في جنوب اليمن. عندما كان اليمن الجنوبي دولة مستقلة (1967-1990)، كانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية النظام الماركسي الوحيد المتحالف مع الاتحاد السوفيتي في شبه الجزيرة العربية. جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السوفييت بصمة في عدن، و سقطرى، وأجزاء أخرى من جنوب اليمن في شكل منشآت عسكرية ورحلات بحثية. ولا يزال اليمنيون الجنوبيون من الجيل الأكبر سناً الذين درسوا في الاتحاد السوفياتي يلعبون دوراً في العلاقات الحالية بين روسيا وجنوب اليمن. والمسؤولون في المجلس الانتقالي هم من بين اليمنيين الذين لديهم تجارب تعليمية في الاتحاد السوفياتي في خضم الحرب الباردة، مما يشكل عاملاً في علاقة الجماعة الانفصالية مع موسكو. وكما قال راماني، "إنّ الإرث السوفييتي لدعم الحزب الديمقراطي الوطني يجعل روسيا أيضاً شريكاً رناناً للجمهور المحلي".
"إذا انهار اتفاق الرياض في المستقبل، فمن المؤكد أن روسيا ستكون مرتاحة مع دولة مستقلة في جنوب اليمن تحت حكم المجلس الانتقالي"
وفي الواقع، في الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى ترسيخ نفسها كلاعب رئيسي في البحر الأحمر، فإنّ الماضي السوفياتي في جنوب اليمن يجعل هذا الجزء من شبه الجزيرة العربية منطقة، حيث، من وجهة نظر الحكومة الروسية، أمام موسكو فرصة طبيعية لاستعادة النفوذ الذي كانت تتمتع به في الحقبة السوفيتية. يرى الكرملين نفسه يلعب دوراً في تحقيق الاستقرار في اليمن من خلال تعزيز العلاقات بين المجلس الانتقالي والجهات الفاعلة الأخرى في الحرب الأهلية. ومع نفوذها المتنامي، تهدف روسيا إلى تعزيز مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية ومصالح الطاقة في جنوب اليمن، مع تعزيز العلامة التجارية الروسية في المناطق العربية/الأفريقية الأوسع كقوة بارعة في التوسط في التوصل إلى حلول للصراعات المتعددة الأوجه.
واستشرافاً للمستقبل، من المرجّح أن يسير المسؤولون في موسكو بحذر تجاه "القضية الجنوبية" لليمن نظراً لكيفية بقاء بيئة البلاد التي مزقتها الحرب متقلبة للغاية. ولكن إذا انهار اتفاق الرياض في المستقبل، فمن المؤكد أن روسيا ستكون مرتاحة مع دولة مستقلة في جنوب اليمن تحت حكم المجلس الانتقالي.
إن استثمار موسكو في إقامة علاقة جيدة مع الجماعة الانفصالية من شأنه أن يبشّر بالخير لمثل هذا السيناريو من وجهة نظر الكرملين. ومع أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة أصبحت واحدة من أهم الشركاء العرب لروسيا، ستكون موسكو قادرة على الاستفادة من شراكتها مع أبوظبي بطرق عديدة من شأنها أن تساعد على ضمان علاقات عميقة بين روسيا والمجلس الانتقالي الجنوبي على المدى الطويل.
ولكن حتى تلك اللحظة، على افتراض أنّ ذلك سيحدث، ستظل روسيا من مؤيدي اتفاق الرياض. وسيكفل هذا الموقف ألاّ تخلّ موسكو بحيادها المتصوّر الذي يتطلّب تجنّب التحركات الجريئة في اليمن التي قد تؤجّج التوترات في علاقات روسيا مع المملكة العربية السعودية وحكومة هادي. في الوقت الراهن، "عدم الانحياز الاستراتيجي" والمشاركة مع جميع الجهات الفاعلة الرئيسية هو اسم اللعبة بالنسبة لبوتين في اليمن.
جورجيو كافييرو
الرئيس التنفيذي لتحليلات دول الخليج. وهو مساهم متكرر في معهد الشرق الأوسط، والمجلس الأطلسي، و مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
- المصدر الأصلي بالإنجليزية: منتدى الخليج الدولي
- عالجه ونقّحه للعربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات