23-06-2021 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم الترجمات
أدلى المبعوث الأممي مارتن غريفيث بإحاطته الأخيرة لمجلس الأمن بتاريخ ١٥ يونيو راسماً بذلك ما وصفه بـ "الصورة الكئيبة" للجهود المتوقفة للوصول الى اتفاق وقف اطلاق النار، والبدء في محادثات لإنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ ست سنوات في البلاد. ضجت دوائر النخب اليمنية والدبلوماسية بالتكهنات حول خليفة غريفيث الذي قامت الأمم المتحدة بتعيينه في منصب مسؤول إنساني رفيع. ويبقى السؤال ليس من سيكون المبعوث الجديد وإنما ماهي المتطلبات العملية التي سيحظى بها المبعوث الجديد. تغيرت الظروف في اليمن بشكل هائل منذ انطلاقة الحرب، والآن هو الوقت لجهود التهدئة لتلحق بهذا التغيير.
في عام 2011، قام الأمين العام آنذاك بان كي مون بإرسال أول الممثلين الأمميين، الوسيط المغربي البريطاني جمال بن عمر إلى العاصمة اليمنية صنعاء بصلاحيات واسعة لإعادة تشكيل استجابة الأمم المتحدة للاحتجاجات الشعبية والاقتتال على السلطة، منذ أن خاضت البلاد تغيرات دامية مؤسفة. بعد أن أشرف على عملية الانتقال السياسية الفاشلة ما بين 2012 و 2014، قام المسؤول الأممي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ بخلافة بن عمر مطلع 2015 وبفترة قصيرة عقب انطلاق الحرب الأهلية، وتبعه بدوره غريفيث، وهو دبلوماسي ووسيط بريطاني وكان ذلك في عام 2018. تولى غريفيث مهامه بعد سنة ونصف من أول جولة محادثات سلام يمنية كبرى وجهاً لوجه حتى الآن والتي قادتها الأمم المتحدة وتم انعقادها في الكويت والتي باءت بالفشل والانهيار.
تفتت اليمن الى العديد من المناطق العسكرية والسياسية والتي تحكّمت في مجريات الصراع. جماعة الحوثي المسيطرة على مناطق الشمال الغربي المكتظة بالسكان اصطفت ضد مجموعة واسعة من القوات المحلية من قبائل الشمال والوحدات العسكرية السابقة للقوات الجنوبية "والمليشيات السلفية" في عدة جبهات. مع تكاثر تلك المكونات السياسية والمسلحة، كانوا قد تحوّلوا إلى لاعبين إقليميين بالسلاح والأموال والدعم السياسي، وقاموا بتحويل غالبية طاقاتهم نحو صراعاتهم كما فعل الحوثي. لم تلحق الأمم المتحدة بوتيرة التغيير بالرغم من أنَّ لديها القدرة لفعل ذلك.
محور الأزمة هو الفهم السائد لقرار مجلس الأمن الصادر في أبريل 2015، رقم 2216 والذي قام بتحديد جماعة الحوثي التي قادت "الانقلاب" والسيطرة على صنعاء في سبتمبر، إلى جانب حكومة عبدربه منصور هادي المدعومة سعودياً، التي تم الإطاحة بها، كطرفي الصراع الرئيسيَين. طالب القرار الأممي الحوثي وحلفاءه بالاستسلام لهادي، الذي أكّد القرار بأنَّه الرئيس الشرعي لليمن. هادي وداعموه في الرياض والحوثي يجادلون أنَّ القرار يكبّل الأمم المتحدة بإطار ثنائي للمفاوضات وجميعهم يؤيدون هذا المبدأ. الرئيس وحلفاؤه يؤكدون أيضاً أنّ الحرب يمكن أن تنتهي فقط بعودتهم الى السلطة في صنعاء ولكن هناك حفنة قليلة من المسؤولين الأجانب الذين يعتقدون أن ذلك هدف واقعي.
تفسير الطرفان للقرار الأممي 2216 انتشر داخل دوائر الأمم المتحدة والدبلوماسيين. وتزايد النظر الى القرار 2216 كعائق للتقدم. نادى بعض السياسيين والمعلقين في الولايات المتحدة الى استبدال صريح للقرار من دون توضيح مكونات القرار الجديد. قد لا يكون هناك حاجة لنصوص جديدة كون القرار 2216 يقوم بتوفير المرونة المطلوبة للتحرك بالإضافة الى المناداة الى حل "شامل" و "تشاوري" لحل مشكلات اليمن السياسية العديدة. ولم تقم الأمم المتحدة باختبار تفسير أشمل لهذه اللغة عدا هذا الذي نشهده اليوم. قام ولد الشيخ أحمد وغريفيث بحساب محاولات تغيير توجه الأمم المتحدة لا سيما بإدراج أطراف إضافية بدلاً من الاكتفاء بمحور هادي والرياض والحوثيين، ووجدا أنها أتعاب أكبر مما تستحق. كلا المبعوثين قررا بالالتزام الى النموذج الثنائي بدلاً من أن يقضيا وقتاً أطول للنظر نحو المزيد من الأطراف.
"محور الأزمة هو الفهم السائد لقرار مجلس الأمن الصادر في أبريل 2015 الذي قام بتحديد جماعة الحوثي وحكومة هادي كطرفي الصراع الرئيسيَين"
هذا التوجه لم ينجح فمنذ بدايات 2020 سعى غريفيث الى أن يكون وسيطاً لاتفاق وقف اطلاق النار على مستوى البلاد بين الحوثي وهادي، اتفاق مبني على خطوات إنسانية واقتصادية مسبقة لبناء الثقة، مثل إنهاء القيود المفروضة على حركة التجارة في ميناء الحديدة وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي، وعودة المحادثات السياسية على الصعيد الوطني مع إعطاء الرياض حق نقض تلك المفاوضات.
في مطلع 2021 قامت إدارة بايدن الحديثة بمراوغة وسلخ خطة الأمم المتحدة وعلى حد قول غريفيث أنَّها قامت بالمحاولة لصدها. الحوثي والذي لديه التقدم العسكري على الأرض علم أنَّه لن يحصل على أي مكاسب بالمماطلة وبالتالي سعى من أجل اتفاق فعّال يسري لصالحهم. ترى الحكومة أنَّ التسوية بشأن ميناء الحديدة ومطار صنعاء- والتي يقول الحوثيون إنها يجب أن تأتي قبل بدء مفاوضات وقف إطلاق النار- هي بداية النهاية من جانبها. ولأنَّ كل طرف يمكنه إسقاط مقترحات الأمم المتحدة وكل طرف يرى انَّ الحرب يجب أن تولد منتصر ومهزوم، فلا يوجد لدى أي منهما حافز قوي لتعديل موقفه أو حتى التفاوض. وفي خضم ذلك، أعلنت فصائل مسلحة وسياسية قوية أخرى على الأرض مراراً وتكراراً أنَّها سترفض أي تسوية لم تعطها الأمم المتحدة كلمة فيها.
بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة يتوقعون أنَّ المبعوث القادم سيستمر على نفس النهج الحالي وينجح به، ولكن يقولون أنَّهم منفتحون على تغيير العملية المحتضرة متى ما سمح الظرف والزمان وعندما تقدم الفرصة نفسها. ولكن مع التعلق بها في إطار أثبت فشله، وهو أمر خاطئ كما هو الحال في انتظار التغيير أن يأتي من تلقاء نفسه. على النظير، يجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن يروا التغيير على أنَّه فرصة لدفع المبعوث الجديد الى صياغة رؤية واقعية لإنهاء الصراع وخلق مساحة لتنفيذه. هذه ليست وجهة نظر "مجموعة الأزمات" وحدها. في خطاب وداعه، غريفيث بنفسه أشار إلى أنَّ اليمن بحاجة إلى عملية سياسية شاملة وتسوية تعكس مصالح أطراف النزاع المحلية ودعاة السلام على حد سواء.
لطالما دعت مجموعة الأزمات الى توسيع محادثات الأمم المتحدة خارج إطار الطرفين. يجب أنّ تشمل قادة القوات والسياسيين الذين يستطيعون الالتزام بوقف إطلاق النار بالإضافة الى المنظمات والمجموعات - بالأخص التي تقودها النساء - التي ساهمت في مفاوضات محلية من أجل هدنات والمساهمة في استقرار المناطق التي يقيمون بها. يُمكن للأمم المتحدة إضافة بعض هذه المجموعات إلى المفاوضات الرئيسية أو إنشاء مسار مواز لتزويدهم بمساحة للوصول إلى تسوية سياسية أولية.
سيؤدي القيام بذلك إلى إشارة للحوثيين وهادي بأنهم لم يعودوا قادرين على التعامل مع المفاوضات على أنَّها مسابقة يحصل الفائز بها على كل شيء. من أجل تحقيق بعض أهدافهم على الأقل في عملية متعددة الأحزاب، سيتعين على الحكومة والحوثيين بناء تحالفات مع الجماعات اليمنية الأخرى، وبالتالي تقديم تنازلات. بعبارة أخرى، من شأن العملية الموّسعة أن تشجّع على إبرام الصفقات. كما أنَّه سيساعد في منع محاولات أي من الطرفين الرئيسيين لإفساد المفاوضات أو التشويش على أحكام ضارة بالطرف الآخر، والتي من شأنها أن تضمن العودة إلى الصراع.
لإجراء مثل هذا التحول، ستحتاج الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن على وجه الخصوص، إلى العمل بشكل منسق، كما فعلوا قبل اندلاع الحرب. منذ عام 2015، كان التنسيق الدولي مُتقطعاً في أحسن الأحوال، مما أدّى إلى اجتماعات غير مستمرة يناقش فيها الدبلوماسيون التكتيكات أكثر بكثير من الاستراتيجية. ولتحقيق النجاح، سيحتاج المبعوث التالي إلى دعم دولي متسق بالكلام ولكن أيضاً، بشكل حاسم، في الفعل. من الطرق الجيدة للمضي قدماً أن تقوم البلدان الرئيسية، بدءاً من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، بتشكيل مجموعة اتصال تعمل مع المبعوث لضمان أنّ قضايا مثل الاقتصاد، على سبيل المثال، أو إشراك المرأة والمجتمع المدني، الحصول على الاهتمام المناسب.
سيحتاج المجلس إلى تجميع مثل هذه المجموعة بينما يشارك المبعوث الجديد في مشاورات واسعة النطاق مع الأطراف اليمنية. سيتطلب الأمر بعد ذلك الاجتماع مع المبعوث لمناقشة تصحيح المسار الدبلوماسي إذا كان المبعوث قد قرر نهجاً أفضل. من شأن بيان من مجموعة الاتصال بهذا المعنى أن يساعد في مواجهة أي مقاومة من أي من أطراف النزاع.
إلى جانب إصلاح إطار العمل، ستحتاج الأمم المتحدة أيضًا إلى تغيير طريقة عملها في الوساطة. قضى ولد الشيخ أحمد وجريفيث الكثير من وقتهم في السفر حول الشرق الأوسط، ولم يتوقفوا إلا لفترة وجيزة في عدن وصنعاء. لقد فعلوا ذلك جزئياً لأن حكومة هادي وداعميها الإقليميين كانوا مترددين في السماح للأمم المتحدة بحرية مقابلة من يشاءون؛ ولأنَّ الحوثيين رفضوا في كثير من الأحيان مقابلة مبعوث الأمم المتحدة في صنعاء. ومع ذلك، فإنَّ التقدم في اليمن لا يتم في الاجتماعات الرسمية ولكن من خلال بناء علاقات ثابتة في غرف مجالس القادة المؤثرين. يجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الضغط على المبعوث الجديد لقضاء أكبر وقت ممكن في اليمن، والتشاور على نطاق واسع بين المجموعات وحتى تفعيل الوساطة بينها. (قد ينتهي ذلك بفائدة إضافية تتمثل في منح المبعوث نفوذًا تمس الحاجة إليه مع الأطراف التي اعتادت على السيطرة على مسار الصراع).
أكثر موارد المبعوث ندرة ستكون الزمان والمكان. بغض النظر عمّن سيتولى المهمة فإنَّه سيحتاج إلى وقت لتطوير نهج جديد، ولكن مع قيام الحوثيين بقصف مأرب، آخر معقل لحكومة هادي في اليمن الشمالي، قد يحتاج الممثل الجديد للأمم المتحدة إلى بذل الكثير من الجهد في محاولة لمنع معركة من أجل السيطرة على المحافظة وعاصمتها التي تحمل اسمها. في غضون ذلك، من المرجّح أن تحاول الحكومة والحوثيين والرياض إلى إبقاء المبعوث الجديد في نفس نهج الطرفين الضيق.
باختصار، سيتعيّن على المبعوث التالي إيجاد طرق جديدة للتوسط ليس فقط بين الأطراف المتناحرة في اليمن، ولكن ضمن صفوفهم، قبل صياغة رؤية للسلام تشمل نطاقاً أوسع بكثير من اللاعبين مما يسمح به إطار عمل الأمم المتحدة الحالي. وبنفس القدر من الأهمية، ستحتاج الدول الأعضاء الرئيسية في الأمم المتحدة إلى منح المبعوث مساحة ووقتاً لصقل نهج جديد، ثم الوقوف وراء رؤية أوسع للسلام- وإظهار الإرادة لتنفيذها في وئام.
- بيتر ساليسبوري : محلل أول في شؤون اليمن لدى مجموعة الأزمات الدولية
- المصدر الأصلي بالإنجليزية: مجموعة الأزمات الدولية (التقرير الأصلي)
- ترجمه ونقّحه للعربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- مصدر الصورة: الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى جانب كبار المسؤولين السويديين والسويسريين والأمم المتحدة، يلقي كلمة في مؤتمر صحفي بعد الحدث الرفيع المستوى لإعلان التبرعات للأزمة الإنسانية في اليمن، في جنيف، سويسرا، 3 أبريل 2018. (رويترز)