23-04-2022 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | فريدة أحمد
بعد عشرة أيام فقط من إعلان "هادي" تسليم السلطة لمجلس القيادة الرئاسي بكامل الصلاحيات، وصل رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي إلى العاصمة عدن لتأدية اليمين الدستوري أمام مجلس النواب [1]، بحضور رؤساء وأعضاء مجالس الوزراء والشورى والقضاء الأعلى، واللجنة العليا للانتخابات، ولجنة الشؤون العسكرية. الحضور الكبير لأداء اليمين الدستوري شمل عدداً من سفراء الدول العربية، وسفراء الاتحاد الأوروبي والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، والمبعوث الأممي إلى اليمن "هانز غروندبرغ"، ومبعوث الولايات المتحدة الأميركية إلى اليمن "ليندر كينغ"، وممثلي القوى والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وعدداً من الشخصيات الاجتماعية والوجهاء.
حتى الآن، لم تحدد ملامح المرحلة المقبلة، فهناك مجلس قيادة رئاسي تشكّل في لحظة زمنية فارقة سعياُ لتنفيذ مخرجات المشاورات اليمنية في الرياض، التي أقرت ستة محاور تمثل شكل الشرعية الجديدة في اليمن بعد طي صفحة "هادي". وقد تكون أولى أولوياته راهناً؛ هو التخفيف من حدة الأضرار الاقتصادية التي تلحق بالسكان، وتحسين مستوى معيشة المواطنين ورفع المعاناة عن كاهلهم، وإصلاح منظومة أسعار السلع والعملة الوطنية وصرف المرتبات، وهو ما أكده رئيس مجلس النواب "سلطان البركاني" في كلمته عقب أداء أعضاء مجلس القيادة اليمين الدستوري في عدن. [2]
واقع الحال، مازال أمامنا سؤال رئيسي لا نعرف إجابته حتى الآن: كيف سيدير مجلس القيادة الرئاسي عمله من عدن وسط كل هذه التحديات؟ فهناك تحديات أمنية وعسكرية إلى جانب الاقتصادية. وكما هو معروف فالقوات الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي هي من تسيطر على العاصمة عدن بشكل كلي إلى جانب بعض قوات التحالف العربي منذ أغسطس 2019. وحققت معادلة أمنية جيدة خلال فترة إدارتها لعدن، رغم بعض العثرات والعراقيل التي كانت تختلقها بعض الأطراف المسيطرة على قرار سلطة هادي حسب أنباء متواترة، لمحاولة إرباك المشهد الأمني وربما الإيحاء بأن العاصمة التي يديرها الانتقالي الجنوبي ليست آمنة. غير أن استضافة السلطات اليمنية الجديدة-مجلس القيادة، وبعض الشخصيات العربية والدولية مؤخراً في عدن، دلالة على أن المنظومة الأمنية مازالت صارمة إلى جانب الحماية الإلزامية من قبل التحالف العربي للشخصيات المهمة.
مع ذلك، فإن هذا الجزء من الحديث ليس كافٍ للمساعدة في الإجابة عن السؤال المطروح أعلاه، غير أن التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، يبدو حريصاً كل الحرص على إنجاز مخرجات مشاورات الرياض الأخيرة لإنهاء الحرب. إذ أن تغيير الوضع السياسي في هيكل الرئاسة وعودة منظومة الحكم الجديدة إلى عدن، سيتطلب تعزيز المنظومة الأمنية بعدن وربما مشاركة قوات التحالف في حماية الشخصيات الهامة. فالحكومة اليمنية قبل تشكيل المجلس الرئاسي كانت تحت حماية السعوديين في قصر معاشيق بعدن، ومن المرجّح استمرار التزام التحالف بذلك إلى جانب الالتزام الأمني لحماية مؤسسات الدولة عبر الانتقالي الجنوبي.
غير ذلك، فالواقع الشعبي في جنوب اليمن بشكل عام وعدن بشكل خاص، وإن كان يهمه بالدرجة الرئيسية المعالجات الاقتصادية القصوى للوضع الخدمي والإنساني المتردي، بيد أن قضية شعب الجنوب التي أدرجت في البيان الختامي للمشاورات اليمنية في الرياض، تحمل نفس الأولوية بالنسبة لهم ولقواعدهم السياسية. وقد يثير أي إرباك أو اصطدام من النواحي الأمنية والعسكرية في عدن، الشارع في الجنوب خاصة بعد الاستحقاقات السياسية والعسكرية التي حققها قادته، لذا يبدو أن الوضع بهيئته الأمنية الحالية أقرب لأن يكون أكثر استقراراً بالنسبة لجميع الأطراف، لاسيما إذا ما قرر بعض أعضاء مجلس القيادة الرئاسي التوجه لمواقعهم السابقة منها مأرب والساحل الغربي لترتيب الأوضاع السياسية والعسكرية من محافظين ومدراء أمن وقادة ألوية جدد بالتوافق مع أعضاء المجلس.
ترتيبات دقيقة
لوحظ بعد بدء أعمال المشاورات اليمنية- اليمنية في الرياض بيومين، إعلان المبعوث الأممي الخاص لليمن "هانز غروندبرغ"، عن هدنة تتوقف فيها جميع العمليات العسكرية الهجومية براً وجواً وبحراً لمدة شهرين، ووافقت عليها جميع الأطراف اليمنية بما فيهم الحوثيين [3]. في بادئ الأمر، توجس البعض من توقيت إعلان الهدنة، الذي ربما جاء لغرض إزاحة الأنظار عن مسار المشاورات اليمنية، غير أن الإعلان عن الهدنة على الأرجح؛ جاء بترتيب مسبق مع الأطراف الإقليمية التي رعت المشاورات اليمنية وكذا الأطراف الدولية التي رحبت لاحقاً بالتغييرات السياسية، وبحضور المبعوثين الأممي والأمريكي يوم 7 إبريل.
لذا، فالترتيب للهدنة يبدو أنه جاء بالتوازي مع المشاورات اليمنية، ومن غير المستبعد أنه جاء بالاتفاق مع التحالف العربي، لسببين: الأول، له علاقة بعدم استهداف الحوثيين للسعودية أثناء انعقاد المشاورات، والذي من المتوقع أنه بدون الهدنة ستصرف الأنظار عن المشاورات اليمنية والتغطية الإعلامية المرافقة لها في اتجاه آخر إذا ما تم الاستهداف، مما سيعطي انطباعاً بأن الرياض تضغط على المتشاورين اليمنيين في عاصمتها فيما يتعلق بنتائج المخرجات. والسبب الثاني، ربما له علاقة باستفادة الأطراف الإقليمية والمحلية من الهدنة لاستكمال الترتيبات الدستورية لعملية الانتقال السياسي، لاسيما أداء اليمين الدستوري في العاصمة عدن، التي كانت بمأمن من الضربات الحوثية وبحضور عدد كبير من الشخصيات السياسية وسفراء الدول العربية والغربية في قاعة واحدة. إذ أن الحكومة اليمنية خبرت تجربة سابقة مع الحوثيين، من خلال محاولة الجماعة استهداف وفد الحكومة دفعة واحدة أثناء نزوله من على متن الطائرة في مطار عدن أواخر ديسمبر 2020. [4]
أمر آخر أكثر أهمية، فالهدنة المعلنة لمدة شهرين كفيلة بترتيبات شاملة للأوضاع السياسية والعسكرية قبل الدخول في مفاوضات مع الحوثيين، وهي فترة تبدو كافية لإحداث إصلاحات جذرية لكامل مؤسسات الدولة، إذ أن بقاء الوضع على ما هو عليه سيزيد من ترسيخ أوجه الهشاشة الحالية خاصة في المؤسسة العسكرية. مع قول ذلك، من المهم الإشارة إلى أن وزير الدفاع "محمد المقدشي" قد لا يشكل أهمية بالقدر الذي تشكله أهمية وتأثير قادة الألوية والمناطق العسكرية الأخرى الذين يتلقون توجيهاتهم المباشرة من نائب الرئيس السابق "علي محسن الأحمر". على سبيل المثال، تم تغيير قائد محور تعز "خالد فاضل" بالقائد "سمير الحاج" ثم تم إزاحة الأخير بقرار جمهوري من الرئيس السابق "هادي"، وأعيد تنصيب "خالد فاضل" كقائد للمحور مرة أخرى بدون قرار جمهوري وبتعيين مباشر من نائب الرئيس "الأحمر"، بعد أن تلقى "الحاج" تهديدات بالقتل من قبل أحد العناصر التابعة لحزب الإصلاح التي يقودها مستشار قائد محور تعز "عبده سالم" [5]. لذا، فتغيير وزير الدفاع "المقدشي" لن يكون كافياً مالم يشمل ذلك تغييراً نحو أسفل السلم العسكري.
عملياً، مع بقاء نفس قادة الألوية والمحاور العسكرية في المناطق تحت سيطرة الشرعية الجديدة، ربما يشكل ثغرة كبيرة إذا ما اتخذ مجلس القيادة الرئاسي إصلاحات جذرية سريعة خلال فترة الهدنة، خاصة وأن قادة هذه الألوية متهمون بالفساد وعدم الكفاءة والفاعلية على أرض المعارك، والأخطر من ذلك متهمون بالتخادم مع الحوثي. لذا، من المتوقع أن عدم غربلة الجيش الوطني، الذي يدير قراره حزب الإصلاح ونائب الرئيس السابق "الأحمر"، سيمكنه من الاحتفاظ بقدراته العسكرية وربما توجيهها ضد خصوم آخرين غير الحوثيين لخوض المعارك. مع قول ذلك، يتعيّن أن تشمل التغييرات أيضاً إعادة قوات الجيش المرابطة في شقرة بأبين إلى مأرب، على أن يتم هيكلتها ضمن الترتيب الجديد المتوقع للجيش، وتوجيه معركتها باتجاه الحوثيين، بدلاً عن استهدافها الموجه نحو قوات الانتقالي الجنوبي لأكثر من سنتين.
كما أن المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت لا تقل أهمية عن غيرها من حيث إعادة ترتيب الملف العسكري فيها، وإحالة إدارتها عسكرياً لقادة ألوية وقيادات أمنية أكثر موثوقية، لما يواجه بعض قادتها الحاليين من اتهامات لها علاقة بارتباطات مع تنظيمات متطرفة. لا سيما بعد أن تمكن مؤخراً 10 مطلوبين أمنياً، بينهم عناصر مشتبه بانتمائها للقاعدة، في 14 إبريل الجاري [6]، من الفرار من سجن مشدد يتبع المنطقة العسكرية الأولى التي يديرها عملياً نائب الرئيس السابق "الأحمر". في حين اعتبر البعض أن عملية الهروب رُتب لها بالتزامن مع إزاحة الأخير من منصبه، ورُجح أن ذلك جاء لعرقلة خطوات الانتقال السياسي، أو للإيحاء للإقليم والمجتمع الدولي في ذات الوقت بأن البديل سيكون الإرهاب فيما لو اتخذت القيادة الجديدة إجراءات تغيير بهذا الشأن.
من الواضح أن هناك حاجة ماسة بالمثل، لإجراء تعديلات على حكومة المناصفة، ومحاولة التخفف من الأعداد الكبيرة في هيكلها الوظيفي والإداري الأوسط والأدنى، الذي جاء نتيجة محاصصات ومحسوبيات سابقة ارتبطت بالسلطة السابقة، خاصة وأن الوضع الحالي يعد استثنائياً في ظل الحرب، ولا يتطلب وجود هذا الكم من الموظفين، في الوقت الذي يتطلب فيه ترشيد الإنفاق وتخفيف الأعباء المالية للحد من الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد في الوقت الراهن.
قبل المفاوضات
كما ذكرنا آنفاً، إن معالجة الأوضاع الاقتصادية وترتيب الملفات السياسية والعسكرية قبل الذهاب لمفاوضات مع الحوثيين، يشكل أهمية بالغة كمنطلق رئيسي للقوة، بحيث لن يكون بوسع الطرف القوي تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات إذا ما كان مستعداً على كافة الأوجه، بما فيها العسكرية. وسواء قبل الحوثي بسلام أو ظل ممانعاً ومراوغاً، يتعين على القوى العسكرية الأخرى المناهضة له في المقابل؛ أن تكون مستعدة للحرب قبل أن تذهب للسلام لدعم موقفها التفاوضي.
أما بالنسبة لتشكيل الوفد المشارك في المفاوضات مع الحوثيين، من الواضح أنه سيتم تشكيله بالتوافق من مجلس القيادة الرئاسي، فقرار تعيين "أحمد بن لملس" وزيراً للدولة جاء بعد موافقة أعضاء مجلس القيادة، وليس قراراً من رئيس المجلس فقط. لذا، سيتعين تشكيل الوفد المشارك بالتوافق، كما يبدو من الواضح أن الانتقالي الجنوبي سيدرج قضية شعب الجنوب في جدول أعمال المفاوضات مع المبعوث الأممي "غروندبرغ"، الذي يعتمد في مفاوضاته على المرجعيات السابقة، مضافاً لها مرجعية المشاورات الأخيرة في الرياض التي استندت عليها الشرعية الجديدة، وأقرّت في بيانها الختامي على إدراج قضية شعب الجنوب في أجندة مفاوضات وقف الحرب [7]، لاسيما والانتقالي الجنوبي الآن بات جزءاً من قرار التشكيل في السلطة الجديدة. إذ من المتوقع أن "غروندبرغ" سيناقش "قضية شعب الجنوب" في المفاوضات المقبلة مثلها مثل قضية الانقلاب الحوثي على الدولة، ويمكن من خلال ذلك أن يدرج الجنوبيون الشروط الملائمة لهم لسير المفاوضات.
في المحصّلة، سيظل نجاح عمل مجلس القيادة الرئاسي مرهوناً بقدرته على تحقيق نتائج ملموسة على الأرض، سواء عبر المعالجات الاقتصادية أو توحيد جهود القوى العسكرية وإعادة هيكلتها لمواجهة الحوثيين في حال تم اللجوء للخيار العسكري، أو التغييرات السياسية المرتبطة بالتعديلات في الحكومة والمحافظات والمديريات. فمقاربة تصحيح الأوضاع الاقتصادية والعسكرية والسياسية وتقييم المخاطر المرتبطة بها، سيخفف من كلفة مخاطر إدارة هذه الملفات إذا ما بقيت بشكلها الحالي. كما أن دول الإقليم وفي مقدمتها السعودية والإمارات؛ باتت تدرك جيداً أن تجاهل القضايا الرئيسية والمهمة أصبح حلاً لا عقلانياً، لمعالجة تعقيدات الصراع الحاصل في اليمن، والذي لا يرتبط باستعادة هوية الدولة الوطنية من الحوثيين فقط، بل بتسليط الضوء على القضايا العادلة منها قضية الجنوب، واحترام خيارات شعبها ودعمه بالحلول الاستراتيجية الملائمة لاستقرار المنطقة.
المدير التنفيذي لمركز سوث24 للأخبار والدراساي
الصورة: أول اجتماع للمجلس الرئاسي في عدن (رسمي)
المراجع:
[1] رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي يؤدون اليمين الدستورية امام مجلس النواب اليمني في عدن - YouTube
[2] الكلمة الكاملة لرئيس مجلس النواب اليمني سلطان البركاني - YouTube
[3]المبعوث الأممي يعلن توصل الأطراف اليمنية لهدنة لمدة شهرين - Yemen# (yemenhashtag.com) 3
[4] مشاهد مروعة ترصد لحظات استهداف الحوثي طائرة الحكومة اليمنية - الحدث
[5] مصادر تكشف تفاصيل التهديد الذي تعرض له سمير الحاج و أجبره على الاستقالة من قيادة محور تعز | يمن فويس للأنباء (ye-voice.com)
[6]هروب أعضاء القاعدة من وادي حضرموت: دلالة التوقيت - South24
[7] مشاورات الرياض: الاتفاق على وضع إطار تفاوضي خاص لقضية شعب الجنوب - South24