صورة تعبيرية - طلاب يمنيون (DW)
14-11-2022 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | تقرير خاص
تضم العاصمة عدن، جنوب اليمن، عشرات المدارس الأهلية والخاصة، التي تُدَّرس المرحلتين الأساسية والثانوية لشرائح واسعة من الطلاب.
وشهدت هذه المدارس ازدهارًا بعد الوحدة اليمنية عام 1990، حيث كان التعليم في عدن قبل الوحدة محصوراً في القطاع الحكومي فقط. وبصورة عامة، كان كثير من هذه المدارس تابعاً لحزب الإصلاح ذي الخلفية الدينية، أو الجمعيات المتفرعة من هذا الحزب.
واُتهم الإصلاح بتوظيف هذه المدارس لتعزيز انتشاره في الأوساط الشعبية واستقطاب الشباب، والحصول على موارد مالية من بعض المدارس الخاصة ذات الرسوم الباهظة، التي تستهدف الأسر المُقتدرة.
وفي تصريح رسمي من مكتب التربية والتعليم في عدن لـ "سوث24"، يبلغ عدد المدارس الأهلية والخاصة في عدن في الوقت الراهن 144 مدرسة متوزعة على مختلف المديريات.
ووفقاً للمكتب، فإنَّ مفهوم المدرسة الأهلية يختلف عن الخاصة، حيث يُدرس في الأولى الطلاب اليمنيين فقط ويتم إنشاؤها من قبل يمنيين، فيما قد يُدرس في المدارس الخاصة طلاب أجانب أو يتم قد يتم إنشاؤها من قبل جهة أجنبية.
بداية مُبَّكرة
بعد توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، بين جنوب اليمن وشمال اليمن، شُكلت حكومة مُشتركة حصل فيها حزب الإصلاح على حقيبة وزارة التربية والتعليم عبر عضو الحزب محمد الجائفي.
وبالإضافة لوزارات أخرى مثل الأوقاف والإرشاد، رسمت تلك الحكومة رؤية الإصلاح لتوسيع نفوذه الشعبي عبر المنابر وكتب التعليم، بالإضافة للمعاهد الدينية التي استقبلت الآلاف من الشباب.
وأدَّت الخلافات التي بدأت مطلع العام 2000 بين حزب الإصلاح، وحزب المؤتمر [الحزب الحاكم الرئيسي الذي تقاسم السلطة مع الإصلاح]، إلى إصدار قرار في العام التالي بإغلاق المعاهد الدينية [1]، وهو ما قوض جزء كبير من وصول الإصلاح للشباب.
نتيجة لذلك، تضاعفت أعداد المدارس الأهلية والخاصة التابعة للإصلاح في مختلف المحافظات، وفي مقدمتها عدن.
القيادي التربوي المتقاعد في عدن، صالح يوسف*، قال لـ "سوث24": "حزب الإصلاح سيطر تماما على قطاع التعليم ضمن المحاصصة بعد عام 1994. لاحقاً، بدأ الإصلاح يعوض نقص نفوذه على هذا القطاع نتيجة التضييق عليه، وإغلاق المعاهد الدينية، بافتتاح المدارس غير الحكومية."
وأردف: "عمدت كثير من الجمعيات الخيرية التابعة لحزب الإصلاح إلى افتتاح مدارس أهلية وخاصة بأسماء مختلفة. بعض هذه المدارس نهضت بأموال المتبرعين المُقدمة للأيتام، وهو ذات النهج الذي قامت به جمعية الحكمة والإحسان بعدن."
غرس الأيدولوجيا
غالبا، تحمل المدارس الأهلية والخاصة التابعة للإصلاح في عدن أسماء ذات إيحاء إسلاموي مثل البنيان، الصفوة، إقرأ، وغيرها.
ووفقاً لمصادر خاصة تعمل في بعض هذه المدارس، تحدثت لـ "سوث24"، تحتل الكتب الدينية التحميسية جزءا مهما من النظام التعليمي في المدارس الخاصة، ولو أنَّ ذلك خفت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، طبقا للمصادر.
جميل علي*، معلم سابق في مدرسة خاصة، قال لـ "سوث24": "قبل سنوات كنا ندرس كتاب (رجال حول الرسول) للطلاب كملحق إضافي للمناهج الحكومية. يتحدث الكتاب عن الجهاد وأعمال الفداء التي كان يقوم بها المسلمون في ذلك العصر بطريقة حماسية."
وأضاف: "طلاب الصف التاسع والمرحلة الثانوية كانوا هم أكثر الفئات استهدافا لأنَّهم في فئة عمرية متحمسة ونشيطة وتتوق للمعرفة، كما يسهل شحنهم وتعبئتهم أيدولوجيا ودينيا."
ووفقاً للمعلم، لم تتوقف التعبئة في المدارس الخاصة والأهلية التابعة للإصلاح في عدن عند الجانب الديني فقط، بل شملت أيضاً الجانب السياسي.
وأضاف: "كان الطلاب يجبرون على ترديد نشيد الوحدة اليمنية ورفع أعلام اليمن. كما كانت تجرى اختبارات بشكل متواصل تهدف لتعزيز النهج السياسي للإصلاح القائم على التطرف لصف الوحدة."
واتهم المعلم بعض المدارس الأهلية والخاصة بعدن بتوظيف معلمين على صلة بالجماعات الدينية المتطرفة. وأضاف: "هناك مدارس وظفَّت جهاديين عائدين من أفغانستان قبل سنوات طويلة، وآخرين عائدين من سوريا مؤخراً."
وأشار المعلم إلى أنَّ "الرحلات والمخيمات الصيفية لطلاب هذه المدارس كانت أيضاً من ضمن استراتيجيات الإصلاح لاستقطاب الأطفال والشباب."
التربوية العدنية فاطمة توفيق* أرجعت سيطرة الإصلاح على المدارس الأهلية والخاصة في عدن إلى ضعف أو انعدام التعليم الحكومي.
وقالت لـ "سوث24": "ثمة عوامل عديدة شجعت تمدد حزب الإصلاح، منها عدم وجود مدارس حكومية في بعض أكثر مناطق العاصمة عدن اكتظاظا بالسكان، مثل مناطق الممدارة والتقنية وكابوتا."
وأضافت: "لقد وفَّر هذا تربة خاصة لانتشار مدارس الإصلاح. مع ذلك، هناك مدارس خاصة وأهلية مستقلة وليست تابعة للحزب."
مدير عام مكتب التربية والتعليم في عدن، الدكتور محمد الرقيبي، قال لـ "سوث24": "التعليم الأهلي والخاص، يعاني بالمجمل ما تعانيه المدارس الحكومية. هناك اختلالات وتحتاج إلى معالجة سريعة وشاملة."
وبشأن سيطرة الإصلاح على هذه المدارس، قال الرقيبي: "نحن بقدر المستطاع نحاول أن نستفيد من عبرات التاريخ. لا بد أن يكون التعليم مستقلا ومتحررا، يواكب المراحل التي وصلت لها الدول الأخرى على الصعيد العربي والعالمي."
ووفقا للمسؤول المحلي، فإنَّ السلطات في عدن تمنع تدريس أي مناهج غير المناهج الحكومية في المدارس الأهلية والخاصة.
وأضاف: "ليس هناك أي مناهج خارج ما أقرته وزارة التربية والتعليم. المنهج الحكومي إلزامي بالنسبة للجميع. قد تكون هناك بعض مناهج اللغة الإنجليزية مختلفة لكن بقية المواد تدرس فيها المناهج الرسمية للدولة."
وأقر الرقيبي بتأثير الجانب السياسي على التعليم. وأضاف: "في فترات سابقة، كانت المناهج الحكومية بحاجة إلى إعادة جدولتها وترميمها بما يتواكب مع متطلبات العصر. لقد طغى الجانب السياسي في بعض المناهج."
وأردف: "مهما حاول أي طرف السيطرة على قطاع التعليم لن ينجح. أصبح العالم مختلفا ولم يعد أحد يستطيع السيطرة على المعلومة وتلقينها للعقول."
الإرهاب
في 29 أغسطس 2016، قُتل أكثر من 80 جنديا جنوبيًا مستجدًا في تفجير سيارة مفخخة استهدفت تجمعا في حي "السنافر" بمديرية المنصورة بعدن.
لاحقًا، تبنَّى تنظيم داعش الهجوم في بيان رسمي. ونشر التنظيم صورة لـ "أبو سفيان العدني"، مُنفذ الهجوم الذي قاد السيارة المفخخة. [2]
وفقاُ لمصادر خاصة، طلبت عدم الكشف عن هويتها، فإنّ منفذ الهجوم كان أحد الطلاب في مدرسة "البنيان" الأهلية التابعة لحزب الإصلاح، واسمه الحقيقي "أحمد سيف." كما عمل سابقا كمدرس في مسجد "الهدى" التابع لجمعية الحكمة اليمانية، وتلقى مرتبا شهريا، وفقا للمصادر.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ مدير مدرسة البنيان رمزي محمد الزغير، عضو حزب الإصلاح، تم اغتياله من قبل مجهولين في 23 سبتمبر 2018، بمديرية المنصورة في عدن.
وجاء اغتيال الزغير بعد 5 أيام فقط من اغتيال الناشط الإصلاحي "علي الدعوسي" الذي كان مديراً لإحدى المدارس في منطقة التقنية بمديرية المنصورة، واغتيال رئيس مجلس إدارة مدرسة "اقرأ الأهلية" المنتمي للإصلاح، "سالم علي سالم"، في 9 من ذات الشهر.
موارد مالية
تفرض المدارس الأهلية والخاصة في عدن رسوماً مالية باهضة على الطلاب، تُدفع أحيانا بالعملات الصعبة مثل الدولار والريال السعودي.
وفقا لقيادات نقابية تربوية في عدن، تحدثت لـ "سوث24"، تمثَّل هذه الأموال موردا ماليا مهما لحزب الإصلاح والجمعيات التابعة له.
وطبقا لهم، لجأ الإصلاح إلى تغيير كثير من الإداريين والمعلمين في بعض المدارس الخاصة والأهلية التابعة له للتمويه، لكنَّه أبقى الإدارة الفعلية بيد منتمين له لضمان تدفق الأموال.
وردا على سؤال وجهه "مركز سوث24" حول إيرادات هذه المدارس الخاصة والأهلية، قال مدير مكتب التربية والتعليم بعدن: "هناك إشكالات كبيرة تقع على عاتق قطاع التربية والتعليم تحتاج تدخلًا عاجلًا وسريعًا."
وأضاف: "اللوائح الخاصة بالمدارس الأهلية والخاصة لا تحدد الرسوم الإيرادية أو الأوعية التي تصب فيها. هناك مدارس خاصة تدفع رسوما مالية بقيمة 10 أو 20 ألف ريال يمني فقط سنويا، فيما رسوم الطالب الواحد فيها تصل إلى 500 ألف ريال يمني."
وأردف: "نحتاج إلى إعادة نظر من قبل قيادة وزارة التربية والتعليم فيما يخص اللوائح حتى نستطيع تصحيح الأوضاع، والاستفادة القصوى من رسوم هذه المدارس بشكل إيجابي."
وأشار الرقيبي إلى أنَّه حتّى الرسوم الضئيلة نفسها "لا تذهب إلى مكتب التربية والتعليم، وإنما تذهب كإيراد محلي للسلطات المحلية بالمديريات."
ومع استمرار انهيار التعليم الحكومي، والاضرابات الطويلة من قبل المعلمين الحكوميين خلال الأعوام الأخيرة، تزداد المخاوف من ازدهار جديد للمدارس الأهلية والخاصة في عدن والجنوب التي لا تخضع للوائح وزارة التربية والتعليم وتسيطر عليها أطراف سياسية بعينها.
ويعاني معلمو القطاع الحكومي في جنوب اليمن من تدني المرتبات والأوضاع المعيشية الصعبة. بالإضافة لذلك، تفتقر البنى التحتية التعليمية في المدارس الحكومية لأبسط المقومات.
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات