أفراد من المنطقة العسكرية الأولى، نوفمبر 2016 (إعلام محلي)
27-12-2022 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | وضاح العوبلي
تتمركز المنطقة العسكرية الأولى في وادي وصحراء حضرموت، جنوب اليمن، منذ صدور القرار الجمهوري رقم 16 لعام 2013، الذي قضى بإعادة تشكيل وتوزيع المناطق العسكرية ومسارح عملياتها وحدَّد مسرح عمليات المنطقة الأولى [1]؛ وذلك قبل "انقلاب الحوثيين" وتبدل مواقع عدد من المناطق العسكرية ومسارح عملياتها، ومنها مناطق انحسرت تماماً وجرى إعادة تشكيلها من جديد خارج عن مسارحها العملياتية المحددة، كما حصل مع المنطقتين العسكريتين السادسة والسابعة اللتين جرى إعادة تشكيلهما بعد عام 2015، في مسرح عمليات المنطقة الثالثة بمحافظة مأرب.
لقد فرضت مجريات الأحداث وإرهاصات الوضع المضطرب منذ 2015، ضرورات ومتغيرات أوجبت على القيادة المنبثقة من هذه الفترة القبول بالتعاطي معها وفق ما يتناسب مع المرحلة وأولوياتها، وبما يحقق الانسجام المطلوب للتعامل مع المهددات الرئيسية. فنجد مثلاً أن الظرف الذي فرض إعادة تشكيل مناطق عسكرية خارج مسارحها الحقيقية - التي أصبحت تحت سيطرة الحوثيين منذ استيلائهم على صنعاء - هو نفسه الظرف الذي يمنح مجلس القيادة الرئاسي إمكانية تحريك المنطقة العسكرية الأولى من وادي وصحراء حضرموت إلى جبهات مأرب والجوف والبيضاء لخوض معركة استعادة الدولة.
إنَّ ذلك من شانه أن يعزّز كذلك من حالة الانسجام مع أحد أطراف المجلس الرئاسي وهو المجلس الانتقالي الجنوبي وقواعده الشعبية في حضرموت، التي باتت ترى أنَّ بقاء المنطقة الأولى، في وادي حضرموت ليس إلا تواجداً للسيطرة على تلك الجغرافيا الغنية بالثروات النفطية ومناجم الثروات المعدنية، إضافة إلى كونها تمتد على مساحة واسعة تمثل أطرافها الشمالية ما نسبته 40% من الحدود البرية مع المملكة العربية السعودية.
وللتوضيح أكثر حول المنطقة العسكرية الأولى، يستعرض الجدول أدناه أبرز الألوية العسكرية المتواجدة هناك:
الرقم | الاسم الرسمي |
1 | اللواء 23 ميكا |
2 | اللواء 37 مدرع |
3 | اللواء 135 مشاة |
4 | اللواء 101 شرطة جوية |
5 | فرع الشرطة العسكرية للمنطقة الأولى |
مواقف ومطالبات وتبريرات
أمام المواقف المطالبة بنقلها إلى الجبهات في شمال اليمن، تدَّعي قيادة المنطقة العسكرية الأولى أنَّها تُرابط في مسرح عملياتها الذي تم تحديده لها في خارطة مسارح العمليات المرفقة بالقرار الجمهوري السابق. وهو القرار الذي تم بموجبه إعادة توزيع وتسمية المناطق العسكرية، وبموجبه ينحصر مسرحها في وادي وصحراء حضرموت أو (شمال حضرموت)، وهي جغرافيا واسعة موزّعة بين جبال وعرة التضاريس وهضاب متوسطة ووديان وصحاري، لكنها تمثّل جغرافيا الامتياز الغنية بالمنابع والثروات النفطية والمعدنية، التي يحوم الغموض حول حقيقة نسبتها ووجهة عائداتها.
من وجهة نظر منطقية، تتحدث بعض الأطراف اليمنية بأنَّ ما شهدته اليمن مؤخراً بعد "الانقلاب الحوثي" على الدولة في سبتمبر 2014، وما رافق ذلك من انهيار لمؤسسات الدولة وتفكك الجيش اليمني وبروز قوى جديدة على السطح، يوجب على الجميع لزاماً تغيير مفاهيمهم وقراءاتهم للأمور وفق التطورات التي حصلت خلال أعوام الصراع. على سبيل المثال، لم يعد الحديث عن تنفيذ "مخرجات الحوار الوطني" مُلزماً في ظل تراجع دور أطراف كانت صاحبة النفوذ الكبير فيه، وتقّلص أطراف أخرى. فيما برزت قوى جديدة وأصبح لها من القوة ما يمكنها فرض نفسها وخياراتها، لم تكن يوماً طرفاً في فعاليات الحوار الوطني المنعقد في صنعاء 2013. لذلك، لا ترى هذه الأطراف أنَّ هناك ما يلزمها بتنفيذ أيٍ من مخرجاته، لأنها في الأساس لم تكن طرفاً في تلك الوثيقة ولم يشملها التوقيع عليها، وهذا الموقف طبيعي ومشروع.
علاوة على ذلك، ووفقاً للتغيرات التي طرأت في الفترة الممتدة من 2015 – 2022، فقد تولّدت مرجعيات أخرى يمكن الحديث حولها وأصبحت مقرّراتها مُلزمة للأطراف الرئيسية فيها، ومن هذه المرجعيات مثلاً (اتفاق الرياض) الموقّع بين الحكومة الشرعية بنسختها السابقة وبين المجلس الانتقالي الجنوبي في 5 نوفمبر 2019، في العاصمة السعودية الرياض. وبموجب الاتفاق تم تنفيذ بعض ما ورد في الشق السياسي منه كتشكيل حكومة المناصفة والتوافق على تعيين عدد من المحافظين ومديري الأمن في بعض المحافظات الجنوبية، وقد احتوى هذا الاتفاق في جزء منه على شق عسكري يلتزم بموجبه الطرفان الموقعان عليه بإخراج جميع القوات العسكرية من المحافظات الجنوبية إلى جبهات المواجهة مع الحوثيين. [2]
وهو ما يتحدث المجلس الانتقالي الجنوبي بأنَّه قام بتنفيذه عبر إخراج جميع الألوية العسكرية المحسوبة عليه من ألوية المقاومة والصاعقة المنضوية تحت إطار "القوات البرية الجنوبية"؛ إلى جبهات المواجهة مع الحوثيين. ويرى الانتقالي بهذه الخطوة أنّه نفّذ ما عليه من التزامات في الشق العسكري، ويطالب الطرف الآخر بضرورة تنفيذ الخطوة المقابلة التي تقضي بإخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي وصحراء حضرموت، والقوات الشمالية في المهرة، إلى جبهات مأرب والجوف. [3]
من خلال قراءة ورصد بعض المواقف، بات من الواضح أن حزب التجمع اليمني للإصلاح (تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن)، يتصدر المشهد وراء الرفض التام لتنفيذ خطوة إخراج المنطقة العسكرية الأولى إلى الجبهات، ويعتقد الإصلاح أن موقفه هذا يأتي من باب الحرص على الوحدة اليمنية والدفاع عنها أمام الدعوات المقابلة باستعادة دولة الجنوب التي يسعى لها الانتقالي الجنوبي. ويبدو أنَّ لدى حزب الإصلاح اعتقادات بأن خروج المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت، سيشكل ربما نوعاً من التهديد على الوحدة اليمنية، فضلاً عن أهمية المنطقة استراتيجياً بالنسبة للحزب.
الوحدة أم الثروات
قد تبدو دعوات المخاوف على الوحدة شعاراً مقبولاً نوعاً ما، من وجهة نظر البعض، وفي وضع مثالي ومستقر، إلا أن هذه الدعوات تبدو غير منطقية في وضع كهذا لا يملك فيه الطرف الذي يرفع هذا الشعار أي أسس يمكنه من خلالها شرعنة هذه الدعوات. ونشير هنا إلى حالة التفكك والانفصال داخل الشمال نفسه في ظل استمرار سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء وسعيها الدؤوب لتنفيذ مشروعها وتغيير الهوية، وإقامة نظام حكم خاص بنسخة إمامية مستحدثة.
ومن جهة أخرى، لا زال التمركز العسكري لحزب الإصلاح في اليمن ثابتاً في مثلث الثروات المحصور بين وادي وصحراء حضرموت، وشبوة إلى مدينة مأرب وحقولها النفطية في صافر خلال الثمان السنوات الماضية، دون أي تقدم عسكري نحو تحرير واستعادة صنعاء أو غيرها من محافظات الشمال التي تسيطر عليها جماعة الحوثي. الأمر الذي يدل على تلاعب تحت شعار الوحدة، وهو ما باتت النخب الشمالية تدركه تماماً قبل النخب الجنوبية.
ربما، لن يكون لدى النخب الشمالية مانع في خروج المنطقة العسكرية الأولى إلى جبهات المواجهة مع الحوثي، بينما يبقى ترتيب ملف الوحدة والانفصال مطروحاً للمفاوضات الشاملة. وقد ترى بعض النخب أنّه ليس بإمكان الانتقالي الجنوبي أن يفرض مشروعه، كما لا يمكن لحزب الإصلاح أو الشمال بشكل عام أن يفرض مشروع الوحدة بالقوة.
أولويات المعركة
من المهم بمكان، الإشارة إلى الدور العسكري المطلوب لإزاحة الخطر الحوثي الجاثم على أكبر كتلة سكانية تتوزع على جغرافيا تمتد من صعدة شمالاً إلى حيفان تعز ومكيراس أبين جنوباً، ومن ساحل الحديدة على البحر الأحمر غرباً إلى مديرية الجوبة بمأرب وخب شعف الجوف شرقاً. وهذا بالمعيار الجيوسكاني يمثل خطراً كبيراً على مستقبل اليمن والمنطقة، لاسيّما مع تحوّل هذه الكتلة السكانية الكبيرة إلى وقود مباشر في جبهات الحوثي، ناهيك عن حسابات الفقر والفاقة والجهل ومشاريع التغيير الأيديولوجي الحوثية المستمرة، التي ستتحول معها هذه الكتلة إلى كرة نار ملتهبة يرتفع خطرها طردياً مع طول أو إطالة فترة الصراع.
لقد أثبتت السنوات الماضية من عمر المعركة أن هناك اختلالاً واضحاً في موازين القوى العسكرية وغياباً تاماً للعمل العسكري المنضبط، وتضاعفاً سلبياً ومفتعلاً في نسبة الخسائر سواءً الخسائر البشرية، أو على مستوى العتاد أو في خارطة السيطرة على الأرض. الأمر الذي بعث مؤشرات واضحة لحاجة تلك الجبهات للعمل العسكري المهني والمنضبط، ولجيش على مستوى عالٍ من التدريب والتناغم بين قواته ووحداته، خاصة إذا انعكس تواجده في الجبهات بإحداث تحول واختراق نوعي في موازين القوى وفي خارطة السيطرة. وقد جاءت مضامين الشق العسكري لاتفاق الرياض متسقةً مع هذه الضرورة التي إن تم تنفيذها فسيكون لها الأثر الإيجابي الملموس على الأرض.
تأثير على موازين الصراع
إنّ الحديث عن دخول خمسة ألوية عسكرية نظامية بكامل تجهيزاتها وتسليحها إلى جبهات المواجهة مع الحوثيين في مأرب والجوف، يعني إحداث ترجيح ميزان القوة لصالح القوات الحكومية والمقاومة. يدرك الحوثيون من جانبهم خطر هذه الخطوة عليهم -إن تمّت. ولمحاولة إفشالها، دفع الحوثيون بتعزيزات عسكرية كبيرة خلال الأشهر الأخيرة إلى جبهاتهم المطلة على الجنوب؛ وتحديداً شمالي لحج والضالع وأبين، وذلك بهدف تهديد هذه المحافظات في حال توجّهت القوات الجنوبية لبسط سيطرتها على وادي حضرموت بعد نقل المنطقة العسكرية الأولى منه.
وفي الوقت ذاته، فإنَّ بقاء الوضع على ما هو عليه سيُغرق حضرموت وبالذات قطاع الوادي والصحراء في الفوضى، فالثابت أن الفعاليات الحضرمية من فعاليات الهبّة إلى فعاليات الغضب ما تزال مستمرة وفي تصاعد وتوسع مستمر، ما يعني أن هناك ضرورة للاستجابة لتلك المطالبات قبل أن تفرض تلك القوى نفسها كأمر واقع. ومن البديهي أن تكون الاستجابة مسنودة بالضرورات العسكرية ذات الأولوية التي شملتها هذه الورقة، لا سيما وأن المعالجات التي تمثّلت مؤخراً بإصدار قرار جمهوري قضى بتعيين الحضرمي العميد الركن "عامر بن حطيان"، لم تحقق أي صدى إيجابي لدى أبناء حضرموت، وانعكست باتهام مجلس القيادة بالالتفاف على مطالبهم، ولا يبدو أن هناك خيارات أخرى ستلقى قبولاً لديهم سوى تحقيق مطالبهم المعلنة والمستندة إلى مرجعية اتفاق الرياض.