17-07-2021 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
انهار نظام صنعاء المركزي بعد إحكام الحوثيين سيطرتهم عليها في 21 سبتمبر 2014، واجتياحهم لمعظم مناطق الشمال، بدعم من حليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح. حينها تحرر مواطنو المحافظات الجنوبية من القبضة الحديدية لسلطة صنعاء، التي ظلّت تحكم الجنوب زهاء 25 سنة حتى ذلك التاريخ. غير أن هذه الحرية بقيت مقيدة بيد «هادي، نائب الرئيس السابق» الذي أصبح رئيسًا توافقيًا بعد انتخابات الرئاسة 2012، التي كان المرشح الوحيد فيها بهدف الانتقال السلمي للسلطة، وفق المبادرة الخليجية.
دعت المبادرة الخليجية للتحضير لانعقاد «مؤتمر الحوار الوطني الشامل» بين كافة المكونات والأحزاب السياسية، الذي رسم خارطة جديدة، بمعزل عن مشاركة الفاعلين في الجنوب، لـ «اليمن الاتحادي» الذي من المفترض ألا يخضع لأوامر صنعاء بشكل مباشر، من خلال 6 أقاليم، بينها إقليمين في جنوب اليمن، تديرهما عدن والمكلا أكبر مدن المحافظات الجنوبية. إلا أنّ أصوات السلام تلاشت، وأصبح دوي المدافع هو الصوت المسموع في الحرب الأهلية التي جرّت البلاد إلى المزيد من الكوارث، عندما حاول الحوثيون السيطرة على جنوب اليمن، قبل أن تدفعهم المقاومة الجنوبية بدعم التحالف العربي إلى الحدود التاريخية بين الشمال والجنوب.
وعلى بعد خطوات شاسعة من دائرة الحرب الأهلية، كانت محافظة المهرة، ثاني أكبر محافظات الجنوب مساحة، والبوابة الشرقية لجنوب اليمن، قد نأت بنفسها عن الحرب، غير أنها في الأربع السنوات الأخيرة باتت على مقربة من صراع إقليمي يبدو أكثر تعقيدًا مع دول الجوار، التي تشكل جزءًا فاعلا في أمنها واستقرارها. هناك مخاوف من أن تشهد المهرة حربًا إقليمية بالوكالة، إذ أنّ أي صراع محتمل على أراضيها، سيزيد من احتمالية الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي، التي تتباين مواقفها الدبلوماسية بشأن اليمن. قطر التي «أعلن التحالف العربي إنهاء مشاركتها فيه بتهمة ممارساتها التي تعزز الإرهاب» [1]، قد لا تكون الأزمة الوحيدة التي نتجت عن الحضور الخليجي في حرب اليمن، فعمان التي تدّعي موقفًا حياديًا مع كافة الأطراف، هي الأخرى تدعم بعض قبائل المهرة، وتقترب من الحوثيين أكثر بعد زيارة الوفد العماني لصنعاء في يونيو الماضي. [2] نتائج المباحثات العمانية مع الحوثيين في صنعاء وإن بدت غير معروفة، عدا التصريحات التي أفادت «ببحث الملف الإنساني والدفع بعملية السلام»، غير أنّ هذه الزيارة كانت قد خففت من العزلة الدولية للحوثيين.
وبالعودة للمهرة المتاخمة لحدود عمان، دعمت عمان إشهار «مجلس الإنقاذ الوطني اليمني الجنوبي» في سبتمبر 2020، الذي يناهض تواجد قوات التحالف العربي بقيادة السعودية في المهرة، ويتوافق مع سياسات حزب الإصلاح الذي «أعلن أنه لن يحيد عن الإجماع المهري»، بهدف كسر احتكار «المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي أصبح طرفًا يمثل «إرادة الجنوبيين» في اتفاق الرياض، في حين أعربت السلطة المحلية بمحافظة المهرة عن «رفضها القاطع لمجلس الإنقاذ»، معتبرةً ذلك «زجًا بالمهرة في أتون صراع إقليمي وحزبي وتصدير الحرب والصراع إلى داخلها». [3]
اللاعبون والنوايا
تسيطر القوات السعودية المشاركة في التحالف العربي على «مطار الغيضة»، ومنفذي «شحن» و»صرفيت» البريين، وميناء «نشطون»، منذ تواجدها في المهرة في نوفمبر 2017، بذريعة «مكافحة التهريب» و»إعادة الإعمار»، رغم أنّ المحافظة لم تطلها الحرب.
سبق وكشفت صحف سعودية عن توجهات «لإنشاء خط أنبوب نفطي ضخم، يمتد من منطقة الخرخير في السعودية إلى ساحل المهرة»، بغرض تخفيض تكاليف النقل البحري، والالتفاف على مضيق هرمز، والاستغناء عنه في نقل النفط السعودي، ضمن «مشروع القرن». [4] وهو ما يرفضه المهريون، ويزيد من حالة الاحتقان في صفوفهم ضد السعودية.
ولعل الأهمية الجيوسياسية للمهرة، هي ما دفعت السلطان هيثم بن طارق لمقابلة الملك سلمان الأسبوع الماضي في أول زيارة خارجية له، منذ توليه الحكم في يناير 2020، حيث أكدت الدولتان «تطابق وجهات نظرهما حول مواصلة جهودهما لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة اليمنية». [5]
وتنوي عُمان من تحركاتها إلى تأمين حدودها الغربية، دون اندلاع أي اشتباكات في المهرة الحدودية، ولعل هذا ما أراد أن يضمنه سلطان عمان من الملك سلمان دون غيره، للاطلاع على خطط السعودية التي تطمح «لفرض وصايتها على اليمن»، في ظل الدعم الأمريكي والبريطاني المعزز للتواجد السعودي في الأزمة اليمنية.
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي سعيد بكران لـ «سوث24» أنّ «المهرة تقع في قلب الاستراتيجية العمانية، فحال المهرة والاهتمام العماني هو الترجمة الحرفية لعبارة الجغرافيا أم الاستراتيجية، فعمان تريد نطاق جغرافي لحدودها مع الجنوب تحت التحكم والسيطرة أمنيًا واقتصاديًا، حيث ضخت استثمارات كبيرة في مشروع ميناء الدقم ومطار صلالة، وهي تخطط لتحويلهما إلى محور ارتكاز اقتصادي عملاق».
من هذا المنطلق، «يجب أن تبقى المهرة وحتى سواحل شبوة، بعيدة تمامًا عن مخاطر واحتمالات المنافسة بإنشاء موانئ ومطارات ومناطق اقتصادية ستخصم بدون أدنى شك من رصيد مشاريعها في الدقم ومنطقة ظفار بشكل عام»، يقول بكران، ولذلك «من هنا تُفهم دلالات الزيارة الهامة التي قام بها السلطان هيثم للرياض».
غير أنّ لها وجه آخر هام وفقا للمحلل السياسي بكران، «يتعلق بالحاجة العمانية للسعودية من ناحية اقتصادية، وليس فقط لضمان تأمين النطاق الجيواستراتيجي وأبعاده عن احتمالات التحرك للمنافسة».
وبحسب بكران فـ «الاقتصاد العماني يمر بأزمة شديدة، تجلت مظاهرها في حالة الاحتقان الذي شهدته مدن عمانية لأول مرة، وارتفاع نسب البطالة، وتدني مداخيل المواطن العماني، ولهذا تحتاج عمان للتقارب مع السعودية، لتأمين دعم مباشر للاقتصاد العماني، وقد سبق أن قامت السعودية بضخ أموال في مرحلة سابقة، فللسعودية مصلحة أيضًا في تقليل الاقتراب العماني من محور إيران، ومحاولة خلق توازن لصالح السعودية يذهب بمسقط نحو الرياض، ويزيحها بشكل ما من دائرة طهران ومحورها في المنطقة».
من ناحية أخرى، في الوقت الذي تتشكل فيه ديناميات سياسية جديدة في المهرة، التي تمثل العمق الحيوي لعمان، لم يشفع للدولة الجارة أسبقية ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ في المهرة، المتجسد في الترابط الاجتماعي بين القبائل المهرية وأهالي ظفار العمانية، فلجأت عمان، وفق مصادر سوث24، لدعم القبائل المهرية، لتحقيق حالة من الضغط على السعودية بين حين وآخر، تنديدًا بتواجد قوات التحالف في المهرة، في ظل غياب شبه تام من قبل الحكومة اليمنية.
وقال الصحفي والناشط محمد كلشات لـ «سوث24»: «تربط المهرة وعمان روابط جوار وأواصر عائلية بين بعض القبائل، والتسهيلات التي تقدمها عمان متعددة منها المنح الدراسية، والمساعدات الإغاثية والطبية، واستقبال الحالات المرضية، التي يتم تحويلها من المهرة إلى عمان عبر منفذي صرفيت وشحن، بالإضافة إلى إنشاء مركز السلطان قابوس في مديرية شحن، وكذلك بناء بعض المنازل في عدد من المديريات للأسر الفقيرة وذوي الدخل المحدود عبر الهيئة الخيرية العمانية».
وأضاف كلشات: «يرفض مكون الاعتصام بالمهرة التواجد السعودي، بينما الحقيقة للتحالف العربي دور واضح في دعم الكثير من المجالات عبر برنامج الإعمار السعودي، والمجتمع المهري في اعتقادي يتقبل ذلك الدعم، وتربطه علاقات طيبة مع جميع دول الخليج، ويقدر جهود الأشقاء في السعودية، أو عمان، أو أي دولة من دول الخليج، لما تقدمه من دعم».
وما يزيد من دراماتيكية المشهد السياسي في المهرة، هو الانتشار العسكري الكبير للقوات السعودية في مديريات الساحل المهري، من خلال بناء قرابة عشرة معسكرات في تلك المديريات، إضافة إلى القوات السعودية داخل مطار الغيضة، الذي يضم خبراء وآليات عسكرية بريطانية وأمريكية. [6]
الاهتمام الدولي بالمهرة دفع السفير الأمريكي لدى اليمن كريستوفر هنزل لزيارتها في 30 نوفمبر الماضي، تزامنت زيارته مع ذكرى جلاء آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن. حملت زيارة هنزل مدلولات عديدة منها مخاوف المهريين من جر المحافظة إلى مربع الصراع الدولي، خاصة أنّ السفير الأمريكي الذي تفقد القوات الأمريكية المتمركزة في مطار الغيضة إلى جانب القوات السعودية والبريطانية، كان قد التقى بالسلطة المحلية وأكد خلال زيارته على «مكافحة تهريب الأسلحة إلى الحوثيين التي يتم إدخالها بواسطة إيران»، إلا أنّ الزيارة تذهب إلى أبعد من ذلك، حيث ترغب الولايات المتحدة إلى حماية الممرات المائية والدولية وتوسيع نفوذها البحري في ظل حرب المحيطات الباردة مع قوى دولية كبرى، الأمر الذي يجعل المهرة عرضة لسيناريوهات مفتوحة.
ولم تصمد الإمارات، المشاركة في التحالف العربي، كثيرًا في المهرة، ففي سبتمبر 2018 سلّمت المجمع الحكومي بمديرية الغيضة إلى السعودية، وانحصر تواجدها حاليًا في واجهة الدعم الإنساني من خلال الهلال الأحمر الإماراتي فحسب.
التحالفات والتأثير
يتعزز الحضور العسكري لحكومة هادي في المهرة من خلال اﻟﻠﻮﺍﺀ 137 ﻭﺍﻟﻠﻮﺍﺀ 123 ﻣﺸﺎﺓ ﺍلتابعين للمنطقة ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، غير أن حضور الحكومة على المستوى الإداري التنفيذي شهد تداولاً للسلطة غير مسبوق، فمحافظ المهرة محمد علي ياسر الذي تم تعيينه في فبراير 2020، كان محافظًا للمهرة بين عامي 2014 و2015.
استخدمت حكومة هادي الموالية للإصلاح سياسة «تدوير السلطة»، بعد قرارها إقالة المحافظ السابق راجح باكريت، عقب اشتباكات مسلّحة بين قوات سعودية ومسلحين قبليين مواليين للإصلاح على الطريق المؤدي إلى منفذ شحن الحدودي مع سلطنة عمان، دون وقوع قتلى. الأمر الذي رفضه نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك في ذلك الوقت، وقال في تغريدة له على تويتر، «إن قرار إقالة محافظ المهرة بعيداً عن كونه خرق جديد لاتفاق الرياض، يضاف لكل الخروقات السابقة المعرقلة للمضي في تنفيذ الاتفاق، هو دليل قوي جداً يكشف المتضرر من تحرك التحالف للسيطرة على المنفذ والحدود التي يتم من خلالها التهريب».
حدة الخلاف بين المجلس الانتقالي والحكومة اليمنية في المهرة، تأججت هي الأخرى بعد اعتراض مسلحين تابعين لوكيل محافظة المهرة السابق سالم الحريزي لحشود «الانتقالي الجنوبي» من الوصول إلى ساحة الزعفران بمدينة الغيضة عاصمة المحافظة، لتأييد «الإدارة الذاتية للمجلس الانتقالي على المحافظات الجنوبية» في يوليو العام الماضي.
بقراءة الأجندة التي يسعى «الحريزي» إلى تمريرها، يتضح توافقه التام مع سياسات هادي التي يصنعها إلى حد كبير نائبه علي محسن الأحمر، الموالي للإصلاح، فخلال حرب صيف 1994، التي شنتها القوات الشمالية على الجنوب، تولّى هادي منصب وزير الدفاع، وأصدر في ذلك الوقت قرارًا بتعيين الحريزي قائدًا لحرس الحدود في محافظة المهرة. من خلال هذه المعطيات يتبين جليًا دوافع «لجنة اعتصام المهرة»، التي يترأسها الحريزي، للنيل من التحالف العربي والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وفيما يتعلق بشعبية المجلس الانتقالي الجنوبي في المهرة، قال المحلل السياسي سعيد بكران لـ «سوث24» أنّ «المجلس يمتلك أهم ورقة وازنة في المحافظات الجنوبية كلها بما فيها المهرة، وهي ورقة الحضور الشعبي، وأهمية هذه الورقة تزداد في محافظة المهرة، التي لا تعرف الصراعات المسلحة، وكلمتها السلمية أشد تأثيرًا، فبناءًا على ذلك المعطى يُمكن الحديث عن قوة التأثير التي يملكها الانتقالي في المهرة، ومازال يحتفظ بها كفائض قوة، ليستخدمها عندما يقتضي الموقف».
وفي محاولة لإبعاد المهرة عن عدن، تكشف تسريبات بين وقت وآخر عن دعوات للإعلان عن إقليم حضرموت، ضمن مشروع الدولة الاتحادية وفقًا لمخرجات «مؤتمر الحوار الوطني الشامل» الذي عقد في العام 2014، ومع استبعاد صدور قرار كهذا في الوقت الحالي، إلا أن هذه الأصوات تحاول فرض «مشاريع اليمننة» على المحافظات الجنوبية، رغم فشل «الحوار الوطني» عن تحقيق تطلعات كافة المكونات السياسية، ما سبب حرب أهلية مدمّرة لا تتضح مسارات السلام لحد الآن بشأن إيقافها.
سالم بن سهل
صحفي ومحرر بمركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: لافتات عليها صور ولي العهد السعودي ووالده في ميناء نشطون بالمهرة (وول ستريت جورنال)