08-01-2022 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | نانسي طلال زيدان
يُمثّل النووي الإيراني واحد من أخطر الملفات التي تتصدر أولويات المُجتمع الدولي في ظل الأجواء غير المُستقرة عالميا، لما يتعلق بذلك الملف من آثار أمنية وسياسية واقتصادية على امتداد الشرق الأوسط، ومنه للعالم كافة. فقد شهد العام (2021) عدة جولات من المُفاوضات بين إيران من جانب وبين الدول الخمسة الموقعة على الاتفاق النووي (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا والصين) ومشاركة غير مباشرة للولايات المُتحدة الأمريكية-بغرض إحياء الاتفاق النووي لعام (2015). في النصف الأول من العام (2021)، شهدت المُفاوضات درجة جيدة من التوافق حتى تم انتخاب "إبراهيم رئيسي" رئيسًا لإيران في يونيو (2021)، المعروف بتشدده، فوقع اختياره على تشكيل حكومية كانت أكثر تشددا عن سابقاتها، فأدى هذا التغيير في الوجوه السياسية "للجمهورية الإسلامية" إلى تعثّر المُفاوضات رغماً عن أهميتها القصوى لكافة الأطراف. [1]
وصحيح أن المباحثات بين الجانبين تم استئنافها في أواخر نوفمبر (2021)، وفي ظل أجواء خيّمت عليها المواقف المُتضاربة، إلا أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين جاءت مُبشرة، حيث صرح المفاوض الإيراني "على باقري" في 30 ديسمبر (2021)، في فيديو نشرته وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء أنه "تم إجراء بعض التغييرات المكتوبة بشأن رفع العقوبات بين الطرفين وتم إحراز تقدم مرض نسبيا خلال الأيام الأولى من الجولة الثامنة من المفاوضات".[2] وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع الإيرانية أحمد حسيني قد صرح في نفس اليوم بأنه تم إطلاق صاروخ سيمورج أو "فينيكس" من خلال حاملة أقمار صناعية تحمل ثلاثة أجهزة في الفضاء لإرسالهم على بعد 470 كيلومترًا (290 ميلاً) . وعلى الرغم من فشل التجربة، إلا أن هذه الخطوة أثارت المخاوف بشأن ما إذا كانت التكنولوجيا المستخدمة لإطلاق أقمار صناعية يمكن أن تعزز تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية القادرة على حمل رؤوس نووية.[3]
تحاول هذه الورقة تقديم قراءة واقعية للتحولات والإشكاليات المرافقة لمسار المفاوضات في الملف النووي الإيراني على ضوء المُتغيرات الإقليمية الكثيرة وعالية الوتيرة، وكذلك على ضوء الأهداف المحركة للسياسات الإيرانية، - محاولةً تجنب فخ التهويل الذي يهيمن في العادة على هكذا تناولات - بما في ذلك انعكاساتها على الملف اليمني.
الانسحاب الأمريكي والانفلات الإيراني
كانت الاتفاقية المعروفة رسميًا باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA)، أهم اتفاقية هدفت إلى منع انتشار الأسلحة النووية. وقد كانت بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا شركاء متساوي المكانة، بينما تمتعت الولايات المتحدة بحق نقض افتراضي، وكانت إيران تعلم بذلك. سرى الاتفاق لمدة عامين فقط، وبعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وبتأثير من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبعض الصقور الجمهوريين، أعلنت الإدارة الأمريكية تراجعها عن صفقة الاتفاق النووي مع إيران في مايو (2018)[4]، واستبدلتها بقيادة حملة ضغوط دبلوماسية واقتصادية وعسكرية على طهران، عُرِفت بـ"الضغوط القصوى".[5] وفي هذه الحملة، تم استهداف المرشد الأعلى، وزير الخارجية، قضاة، جنرالات، وعلماء، بنوك، منشآت نفطية، وخطوط شحن، شركة الطيران وجمعيات خيرية، وكذلك حلفاء تجاريين مثل رئيس فنزويلا. وقد صنفت إدارة ترامب فيلق الحرس الثوري الإسلامي، أقوى فرع عسكري في البلاد، كمجموعة إرهابية -وهو إجراء لم تتخذه الولايات المتحدة مطلقًا ضد جيش دولة أخرى منذ تأسيسها.[6]
مارست إيران في البداية سياسة "الصبر الاستراتيجي" فيما يتعلق بأنشطتها النووية بعد انسحاب ترامب على أمل أن يتمكن المشاركون الآخرون في الاتفاق النووي -الصين، فرنسا، ألمانيا، روسيا والمملكة المتحدة -من تعويض الخسارة الاقتصادية التي سببتها حملة الضغوط الأمريكية. وعندما لم تتحقق الوعود بتقديم الدعم المطلوب، وقُبيل حلول موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية، بدأت طهران في ممارسة سياسة "المقاومة القصوى" عن طريق الحد بشكل تدريجي من الامتثال للاتفاق وزيادة الضغوط العسكرية في مناطق الاحتكاك [7] مع الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط. وبعد انتخاب رئيسي، بدا وكأن السياسة الإيرانية في طريقها إلى التغيير، حيث أبرمت مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية اتفاقية مؤقتة أخرى لتنفيذ الإجراءات المتعلقة بالتحقيق في أنشطة طهران النووية المتفق عليها. وفي نفس الوقت، صرّح الرئيس المحافظ الجديد بأن حكومته قد تتخذ نهجًا أكثر صرامة.[8] علماً بأنه قد سبق وطالبت إيران بتعويضات عن الأضرار الاقتصادية التي سببتها حملة الضغط القصوى التي فرضها ترامب، والتي قدرتها بحوالي تريليون دولار.[9]
في شهر أبريل (2021)، أعلنت إيران أنها قد قامت بتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى (60 %)، ما يُقدر بحوالي "25 كيلوغراماً (55 رطلاً)"[10]، وهو ما يتجاوز بكثير عتبة (3.67 %) التي حددها الاتفاق النووي مُسبقاً. ويعتبر اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء (90%) مُخصص لصُنع الأسلحة النووية، علماً بأن المفاوضات السابقة تركزت بشكل رئيسي على رفع العقوبات.[11] حيث يُمثِّل رفع العقوبات وتحرير إيران منها وتسهيل اندماجها في المجتمع الدولي هدفاً رئيسياً للنظام الإيراني.
الاستفزاز الإسرائيلي الأمريكي والغضب الإيراني
تصاعدت الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة وإيران. وبلغت ذروتها في العام (2020)، عندما أمر ترامب باغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، الجناح النخبوي للحرس الثوري. بعد خمسة أيام، أطلقت إيران أحد عشر صاروخًا باليستيًا -يحمل كل منها رأسًا حربيًا لا يقل وزنه عن ألف رطل- على قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار العراقية وقاعدة جوية أخرى في أربيل كردستان. القصف الذي استمر لساعات، اُطلِق عليه "عملية الشهيد سليماني". كان هذا أكبر هجوم صاروخي باليستي على الإطلاق من قبل أي دولة ضد القوات الأمريكية. لم يمت أي أمريكي في القصف، لكن مائة وعشرة كانوا قد اُصيبوا إصابات دماغية. وفي أواخر العام (2020)، اغتيل محسن فخري زاده، أهم عالم نووي إيراني، بأيادي إسرائيلية. وقبلها في شهر سبتمبر من العام نفسه، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت خطاباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، زعم فيه بأن البرنامج النووي الإيراني "وصل إلى نقطة تحول". وتحدثت إسرائيل بشكل غير مباشر عن عمليات تدريب لتوجيه ضربات عسكرية محتملة إلى إيران. وخلال زيارة لواشنطن في ديسمبر لنفس العام، حث وزير الدفاع بيني غانتس إدارة بايدن على إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع إسرائيل.[12]
وفي هذا السياق المتوتر، ذكرت وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية أن إيران أصبحت الآن واحدة من أكبر منتجي الصواريخ في العالم وترسانتها هي الأكبر والأكثر تنوعًا في الشرق الأوسط،[13] حيث ركز النظام على تطوير صواريخ ذات مدى أطول ودقة عالية وقوة تدميرية أكبر. وفي العام (2019)، صرح أمير علي حاجي زاده، وهو عميد وقناص سابق يقود القوة الجوية الإيرانية، قائلاً: "يجب أن يعلم الجميع أن جميع القواعد الأمريكية وسفنها على مسافة تصل إلى (2000) كيلومتر تقع في مدى صواريخنا"، خلف حاجي زاده الجنرال حسن مقدم، الذي أسس برامج الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية، والذي توفي العام (2011)، ويُطلِق عليه الإسرائيليون بـ"السليماني الجديد".
تمتلك إيران الآن أكبر مجمعات تحت الأرض معروفة في الشرق الأوسط تضم برامج نووية ومنظومات تطوير الصواريخ . تقع معظم الأنفاق في الغرب، في مواجهة إسرائيل، أو على الساحل الجنوبي، مقابل المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى. في خريف العام (2021)، تتبعت صور الأقمار الصناعية أعمال بناء جديدة تحت الأرض بالقرب من بختاران، المجمع الأكثر اكتمالاً. تم حفر هذه الأنفاق في طبقة صخرية صلبة ويبلغ عمقها أكثر من ستة عشر مائة قدم تحت الأرض، ويقال بإن بعض المجمعات قد يصل عمقها لعدّة أميال، وتُطلِق عليها يران بـ"مـدن الصواريخ". [14]
في أكتوبر للعام (2021)، شنت إيران هجوما بطائرة مسيرة على التنف، وهو موقع عسكري في سوريا تتمركز فيه قوات أمريكية (حوالي مائتين فرد). يأتي هذه الهجوم الإيراني ضمن نهج "المقاومة القصوى"، فالقيمة الاستراتيجية الأوسع للتنف يتمثل في موقعها على الطريق السريع الحيوي بين بغداد ودمشق والطريق إلى لبنان والبحر الأبيض المتوسط. وبشكل غير رسمي، هدفت الولايات المتحدة من خلال هذا التمركز عرقلة نقل الأسلحة والنفوذ الإيراني. ووصف موقع إخباري تابع لحزب الله الهجوم الإيراني على التنف بأنه "مرحلة جديدة في المواجهة" لإخراج أمريكا من منطقة الشرق الأوسط.[15]
يمكن القول إن المحاولات الأمريكية لخنق الاقتصاد الإيراني من خلال العقوبات كانت الدافع الرئيسي لامتثال طهران المنخفض لخطة العمل الشاملة المشتركة، ولكن الإصرار الإسرائيلي-الأمريكي على ملاحقة طهران بعمليات الاغتيالات، واستمرار فرض سياسة "الضغط القصوى" عن طريق الضغوط الاقتصادية الشديدة في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية سوءاً في إيران على وقع أزمة الوباء العالمي،[16] أدت كل هذه الإجراءات إلى تهشيم أواصر الثقة الهشة أساساً، إلى درجة دفعت بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في الذكرى الثانية لاغتيال الجنرال قاسم سليماني إلى المطالبة بمحاكمة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتهمة القتل، ما لم ستقوم طهران بالانتقام لمقتله. [17]
خلال الفترة الماضية، قررت إيران تسريع وتيرة برنامجها النووي باعتباره مشروعها الاستراتيجي الأضخم الذي يمنحها عناصر قوة مُتعددة، وسيبقى في كل الأحوال ورقتها الأمضى لتعزيز نفوذها وهيمنتها الإقليمية. لكن يبدو أن الوقت بات متأخرا على أي محاولة تهدف إلى تدمير مشروع إيران النووي، بسبب عدّة عوامل: تكديس القوات الإيرانية لوحدات أرض-جو - تعتمد بشكل أساسي على أنظمة (S-300 الروسية) وأنظمة محلية الصنع مثل (BAVAR 373) قادرة على حماية أجواءها، بالإضافة إلى أنه، وعلى عكس العراق وسوريا، اللتان كانت لهما برامج نووية تعتمد على مفاعلات نووية واحدة مما سهل على إسرائيل مهمة تدميرها في الأعوام (1981 و 2007). علاوة على ذلك، يعتمد البرنامج الإيراني على منشأتي تخصيب لا مركزيتين ومحميتين بدرجة عالية. كما أنّ لدى العلماء النوويين الإيرانيين معرفة متقدمة في مجال الصناعات النووية بفضل الخبرات والمعارف التي اكتسبوها من أبي القنبلة النووية الباكستاني "عبد القدير خان". لكل هذه الأسباب والاعتبارات، يمكن لأي خلل أو تخريب بالبرنامج النووي، تداركه سريعاً. [18]
وخلافًا للهجمات الإسرائيلية على البرنامجين النوويين العراقي والسوري، فإن أي هجوم على إيران سيدفعها ووكلائها الإقليميين - الذين يُعتبرون سياجها الأوسع- بالرد بقوة. لدرجة يبدو أن المبلغ (1.5 مليار دولار) الذي رصدته إسرائيل كتكلفة لأي ضربة عسكرية محتملة على إيران لن يكون سوى نقطة بداية في بحر التكاليف المترتبة على الدخول في مواجهة شاملة [19]، خاصة وأن العالم يُقر، بما في ذلك الولايات المتحدة - من خلال خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (2231) - أن إيران يمكنها تخصيب اليورانيوم على أراضيها طالما يخضع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولأغراض سلمية.
الحوار السعودي الإيراني
صرح الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد أنه ليس أمام إيران والسعودية سوى الحوار وخلق مساحة من التفاهمات، حتى مهما طال إصرار الجانبين على رفض ذلك الأمر[20]. أتت هذه التصريحات على ضوء توترات وتجاذبات متصاعدة، وفي سياق سباق تسلح عالي الوتيرة يبدو فيه الجميع في المنطقة يركض في ماراثون شراء وإنتاج السلاح النوعي، خاصة دول الخليج العربي التي تحاول تنظيم قوتها العسكرية تحت إطار كيان سّمي بـ"القيادة العسكرية الموحدة"[21]. ومنذ فترة قصيرة، كشفت المُخابرات الأمريكية عن تطوير المملكة العربية السعودية لقاعدة صواريخ" الوطا" التي تشمل منشآت إنتاج واختبار محركات الصواريخ الباليستية -بمساعدة الصين، التي ساعدت السعودية أيضاً بالعام (2020) في بناء مصنعها الخاص لتخصيب اليورانيوم بالقرب من العلا بموافقة ضمنية من إدارة ترامب.[22] ورغماً عن كل تلك القوة العسكرية، فأي انجراف لمواجهات عسكرية ستكون وخيمة العواقب وستنتهي في نهاية المطاف بهزيمة حتمية لكل الأطراف.
إن محاولة التفحص أكثر في هذه الصورة الشاملة للمشهد تقودنا إلى فهم الدافع الذي حرك الرئيس جو بايدن في أكتوبر (2021)، رداً على قرار "الأوبك بلس" برئاسة السعودية فيما يتعلق بمُعدل الإنتاج، عندما رفع العقوبات عن أهم شركتين ايرانيتين ضالعتين ومتخصصتين في تصنيع الصواريخ النووية الإيرانية، حتى بدا وكأنه ورقة تدعيم أمريكية قضت الإفراج عن النفط الإيراني في مقابل تعويض السيطرة السعودية على سوق النفط وتصدير الوقود.[23]
ففي واقع الأمر لا يُهم الولايات المُتحدة -خاصة إدارة بايدن - الإبقاء على نوع من التوازن في الشرق الأوسط، في ظل توجهات جديدة يتم فيها تركيز كل الجهود على آسيا وبحر الصين الجنوبي، وانسحاب شبه كلي من منطقة الشرق الأوسط وقد بدأت خيوطه تلوح من أفغانستان رغم فداحة التكلفة، فضلاً عن مؤشرات عديدة لانسحاب مماثل من الملف العراقي وتصفية للقواعد العسكرية في السعودية؛ وهي المعنية بالتخطيط اللوجيستي لحرب اليمن[24]، وذلك ما تعيه إيران جيداً. وفي المقابل، لا تدع إيران شيئاً يفلت من بين مخالبها؛ ففي أفغانستان خلقت هامش للمصالح التوافقية مع طالبان، بينما عمقت قوة أذرعها إقليمياً: حزب الله في لبنان، الحوثيون في اليمن، وحماس والجهاد الإسلامي في الأراضي الفلسطينية. وكل ذلك يزيد من ضرورة وأهمية الحوار السعودي الإيراني للوصول إلى تفاهمات تُحدث توازن وتعاون إقليمي أوسع؛ وهي أمنية ظهرت بوضوح في حديث أحمدي نجاد الإعلامي الأخير.[25]
وعلى الرغم من المُساومات والتكتيكات الإيرانية العديدة والدؤوبة، لن يكون مفاجئاً في حال تم الإعلان قريباً عن توقيع إيران مع الدول الخمس على النسخة المحدثة من خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA-plus) ) مُحادثات فيينا، كاتفاقية جديدة تكون أكثر ديمومة بين واشنطن وطهران، على الأقل للفترة المتبقية من ولاية بايدن، وبما يسمح للطرفين الادعاء بأنهما توصلا إلى صفقة أفضل وإجبار الطرف الآخر على تقديم تنازلات، ثم توظيف مكاسب الصفقة في التنافس السياسي داخل كل بلد. على أن مثل هذا الصفة - إن تمت - ستفضي إلى إخراج الملف النووي الإيراني من على أي طاولة مفاوضات أخرى في الوقت الحالي باعتباره مصدر رئيسي للتوترات الإقليمية[26].
اليمن: مرآة الماضي حل المستقبل
لم يعد اليمن ذاك البلد الذي كان عليه عندما بدأت الحرب. فمع استمرار الصراع، أصبحت القوة على الأرض متوزعة بين العديد من القوى المسلحة. وخلال السنوات الماضية، تم تدمير كل المقومات التي توفر للشعب اليمني أبسط الاحتياجات المعيشية الأساسية، حتى بات يشهد أسوأ كارثة إنسانية مستمرة في العالم. ما يقرب من ربع مليون شخص لقوا حتفهم نتيجة للصراع، وفقا للأمم المتحدة، يموت ما يقرب من نصفهم لأسباب غير مباشرة مثل سوء التغذية والمرض. ومع تشتت القوة بين عدد متزايد من الفاعلين اليمنيين على الأرض، أصبح حل النزاع أكثر صعوبة.
ومنذ يناير (2021)، عزز الحوثيون سيطرتهم على شمال غرب اليمن، حيث يقع الآن ما نسبته (70 إلى 80%) من سكان البلاد تحت حكمهم، كما باتوا يشكلون تهديداً كبيراً لمعقل الحكومة في مأرب. وقد بات جلياً أن الوضع في اليمن لن يصل إلى أي درجة من الاستقرار في حال استمرت وتيرة النزاعات في التصاعد. وكإحدى خطوات الحل المحتملة لوقف الحرب وإحلال السلام في اليمن، تقع المهمة على عاتق المبعوث الأممي لتشجيع المساعي نحو قيام حوار جاد بين السعودية وإيران، وتنظم إليهما أيضاً الإمارات، حتى لو تطلّب الأمر صياغة مُعادلة تقضي بأن يعود اليمن كما كان منذ زمن بعيد؛ اليمن الشمالي، وجنوب اليمن. والأخير في أمس الحاجة لتنحيته من صراعات الحوثي.
من جهة أخرى، يُمكن للمبادرات والشراكات الاقتصادية أن تُفسح المجال للتكامل طويل الأمد بين السعودية والإمارات من جانب وإيران من جانب آخر، من خلال تعزيز لغة المصالح المشتركة والروابط الشخصية التي تخفف من حدة النزاعات المستقبلية. وفيما يتعلق بالقوة العسكرية ستتحقق بين الأطراف درجة من الندية، ولن تكون هناك غلبة لطرف على آخر، إذ سيتطلب الوضع الإقليمي درجة عالية من الذكاء والبرجماتية السياسية.
نانسي طلال زيدان
باحثة في العلوم السياسية والتحليل الإعلامي
- الصورة: قبيل اجتماعات اللجنة المشتركة في فيينا، أبريل 2021 (رويترز)
المراجع:
[1] Sajjad Safaei, Iran’s New Top Diplomats Are a Problem, foreignpolicy, November
17, 2021, foreignpolicy.com
[2] AFP, Iran says
nuclear talks in Vienna are seeing ‘satisfactory’ progress, timesofisrael
.30
December 2021, timesofisrael.com
[3] TOI staff and
AP, Iran admits rocket effort failed; France condemns it amid ‘progress’ at Vienna
talks, timesofisrael, 31 December
2021, timesofisrael.com
[4] Robin Wright, The
Looming Threat of a Nuclear Crisis with Iran, newyorker, December 27, 2021newyorker.com
[5] Farzan Sabet,
Iran Deal Scenarios and Regional Security , armscontrol,
October 2021, armscontrol.org
[6] Robin Wright, op.cite.
[7] بين الحرب
والسلام هناك منطقة غامضة تختلف فيها المفاهيم وتختلط القواعد، وباتت تعرف بـ
"المنطقة الرمادية" وتمثلها الأنشطة التي تقوم بها دولة ما وتضر بدولة
أخرى وتعتبر ظاهريا أعمال حرب، لكنها من الناحية القانونية ليست أعمالا حربية.
[8] Farzan Sabet,
op.cite.
[9] Ibid.
[10] Khosrow B.
Semnani, Beyond sanctions and strikes: A new Iran strategy, thehill,12/27/21,
thehill.com
[11] AFP, op.cite.
[12] Robin Wright,
op.cite.
[13] تحليل-لضخامة فارق القوة.. إيران تستثمر في وسائل لمواجهة غير
مباشرة مع عدوها اللدود | Reuters
[14] إيران تكشف عن مدن صاروخية تحت الأرض تمتد 70 كم على سواحل
الخليج - RT Arabic
[15] Ibid.
[16] Farzan Sabet,
op.cite.
[17] Reuters, Iran
vows revenge for Soleimani killing if Trump not put on trial, January 3, 2022, reut.rs
[18] I
once headed the Iran branch of Israel’s military intelligence research. Here’s
why Israel can’t take out Iran’s nuclear program. - Atlantic Council
[19] نفس
المصدر السابق (المجلس الأطلنطي)
[20] أحمدي نجاد يكشف
عن فرص نجاح الحوار الإيراني السعودي وكيفية حل أزمتي اليمن وسوريا، قناة "RT"عربي، Dec
28, 2021، bit.ly
[21] دول الخليج
تتوحد عسكريا.. فهل أصبحت الأقوى في المنطقة؟، ماعت_جروب، نوفمبر 2021، youtube.com
[22] Gabriel
Honrada, China helping Saudi Arabia build ballistic missiles, asiatimes ,December
29, 2021, asiatimes.com
[23]Laura Kelly,
Biden lifts sanctions on two Iranian missile producers, The Hill, 08/10/2021 thehill.com
[24] Robert Malley
and Stephen Pomper, Accomplice to Carnage, How America Enables War in Yemen, foreignaffairs March/April 2021, foreignaffairs.com
[25] أحمدي نجاد يكشف
عن فرص نجاح الحوار الإيراني السعودي وكيفية حل أزمتي اليمن وسوريا، قناة "RT"عربي، Dec
28, 2021،bit.ly
[26] Farzan Sabet,
Op.cite