(Caixinglobal)
03-09-2023 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
تتبنى مجموعة بريكس هدفًا طويل الأمد يتمثل في خلق علاقة مركبة من الترابط الاقتصادي المتبادل تصب في صالح الدول وتقلل احتمالات اللجوء للقوة لحل النزاعات فيما بينها.
سوث24 | د.أندرو كوريبكو
انتهت القمة الخامسة عشر لمجموعة بريكس التي عقدت في جنوب إفريقيا بقرار توسع تاريخي أدى إلى ما يزيد عن ضعف عدد أعضائها الرسميين. وقبل هذا الحدث، زعمت تقارير متداولة أن الهند كانت تعارض التوسع، بيد أن وزير خارجية الدولة الآسيوية نفى صحة ذلك في الأيام التي سبقت الاجتماع. فالنتائج التي أسفرت عنها القمة أخمدت تخمينات مفادها أن الهند تقف حجر عثرة ضد توسع بريكس. ومع ذلك، يبدو أن هناك بالفعل مدرستان فكريتان متباينتان تتشكلان داخل بريكس.
في مقاله بموقع "روسيا اليوم" في 27 أغسطس، سرد الصحفي الهندي 'أوليخ إن بي' تفاصيل حول هذين المنهجين المختلفين. وجاء المقال حول "كيفية سعي دول بريكس لتحقيق مصالحها فحسب وعلاقة ذلك بوضع نهاية للهيمنة الغربية". وقال الصحفي: "تسعى الهند إلى ترسيخ التعددية القطبية في العالم لكنها لا تريد أن تتحول بريكس إلى معاداة الغرب بشكل مفرط للحد الذي يجعلها منصة مزايدة للصين".
لقد تم وضع هذه المخاوف بعين الاعتبار أثناء التوسع التاريخي لبريكس. وتعد إيران رابحًا أكيدا من عضويتها الرسمية في بريكس بعد أن أصبحت بالفعل مؤخرا عضوا رسميا في منظمة شنغهاي للتعاون في وقت مبكر هذا الصيف. وعلاوة على ذلك، تمتلك الجمهورية الإسلامية روابط وطيدة مع القلب الثلاثي لمجموعة بريكس المتمثل في روسيا والهند والصين. بيد أن سياسة طهران التي تتسم بالعداء المفرط للغرب استلزمت ضرورة موازنة عضويتها الرسمية في بريكس من خلال دعوات انضمام إلى دول تتمتع بعلاقات ودية مع الغرب من أجل الوصول إلى إجماع.
وانضمت مصر والإمارات العربية المتحدة في وقت سابق إلى بنك التنمية الجديد، الذي اصطلح تسميته بـ "بنك بريكس". كما أصبحت الدولتان شريكتي حوار لمنظمة شنغهاي للتعاون عامي 2022 و2023 على التوالي. وحصلت المملكة السعودية على نفس الصفة لدى ذات المنظمة في عام 2023 أيضا. العلاقات التي تستمتع بها تلك الدول مع هذه المنظمات ذات التعددية القطبية بالإضافة إلى روابطها الوطيدة مع روسيا والهند والصين جعل من الطبيعي أن يتم ترشيحها لنيل عضوية بريكس الرسمية وكذلك جراء علاقاتها الودية مع الغرب التي توازن العداء الإيراني له.
إنّ الجانب الجيوسياسي الآخر الذي أحدث تأثيرا على حسابات بريكس يتعلق بعدم رغبة المجموعة في إثارة حفيظة مصر والمملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة من خلال دعوة إيران للانضمام إلى المنظمة دون أن تمنح نفس الفرصة للبلدان الثلاثة التي ترتبط بعلاقات متدهورة مع طهران مؤخرا. وبالرغم من التحسن الذي طرأ على تلك العلاقات خلال نصف العام الأخير، لكن القاهرة والرياض وأبوظبي كانت ستشعر بالتجاهل لو لم تتم دعوتهم للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية المحورية، بينما تنضم إيران التي تمتلك ناتجًا محليًا إجماليًا أقل من الثلاثي المذكور.
تُعد هذه الملاحظة جزءا لا يتجزأ من الدوافع الاقتصادية وراء قرار بريكس ضم الثلاثي في هذا التوسع التاريخي. تضطلع السعودية والإمارات بنفوذ قوي في سوق الطاقة العالمية. السيناريو المتوقع أن تقوم الدولتان يوما ما ببيع النفط باستخدام عملات غير دولارية أمثال الروبل والروبية واليوان قد يروج بشكل كبير لهدف بريكس المشترك بتسريع عمليات التعددية القطبية المالية. من المرجح أن ترغب دول قلب بريكس (روسيا والهند والصين) في الفوز بفرص استثمارية مميزة في المشروعات الاقتصادية المتنوعة للمملكة والإمارات.
ينطبق نفس الحافز المتعلق بالاستثمار على مصر أيضا، إذ أنها الدولة العربية الأكثر تعدادا سكانيا وتمتلك إمكانات اقتصادية هائلة ترغب روسيا والهند والصين في الاستفادة منها على غرار المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة. أضف إلى ذلك، تتحكم مصر في قناة السويس. ولذلك فإن استثمارات دول قلب بريكس في مناطقها الاقتصادية الخاصة من شأنه أن يمنح شركات تلك البلدان فرصة جغرافية متساوية للدخول إلى الأسواق الأوروبية والغرب آسيوية والإفريقية. الجاذبية الاقتصادية الإستراتيجية للبلدان العربية الثلاثة بالنسبة لبريكس تمثل تكملة للجاذبية الإيرانية.
في عام 2021، أبرمت إيران اتفاقًا استثماريًا مع الصين لمدة 25 عاما بقيمة، أفادت تقارير أنها، تناهز 400 مليار دولار. ومن المتوقع أن يؤدي تنفيذ هذا الاتفاق إلى إدراج إيران في الممر الفرعي المتجه إلى الخليج، ممر الصين- آسيا الوسطى-آسيا الغربية الاقتصادي، الذي قد يسهل بدوره علاقات تجارية أكبر بين الصين والخليج. وبالمثل، تعتمد روسيا والهند بالفعل على إيران باعتبارها دولة عبور محورية في ممر النقل بين الشمال والجنوب الذي أشار إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء منتدى أعمال بريكس واجتماع قادة دول المجموعة.
تتبنى كل من روسيا والهند والصين رؤية تواصل شاملة تكمل بعضها البعض، وتم تعزيزها من خلال دعوة الدول العربية وإيران الانضمام رسميا لمجموعة بريكس في نفس الوقت. تتابع روسيا الشراكة الأوراسية الكبرى بينما تمارس الهند فلسفة "فاسودهايفا كوتومباكام" وشعارها "أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد". من جانبها، تروج الصين لمجتمع ذي مصير مشترك للجنس البشري.
خلال القمة الأخيرة لبريكس، تم الترويج الجماعي للمصالح المتقابلة لتلك البلدان من خلال دعوة البلدان الأربعة للانضمام للمجموعة وتمهيد الأساس لتشجيع تعاون اقتصادي تعددي بين الجميع. الهدف الطويل الأمد من وراء ذلك يتمثل في خلق علاقة مركبة من الترابط الاقتصادي المتبادل والتي تصب في صالح الدول وتقلل احتمالات اللجوء للقوة لحل النزاعات فيما بينها لما في ذلك من ضرر على الجميع.
المحاولات المزدوجة للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة لاحتواء الصين وروسيا في آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا أدت إلى انسحابها التدريجي من منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا. ولكن بدلًا من حدوث فوضى توقعها البعض، ازدهر السلام والتعاون بشكل يثير الدهشة. لجأت أطراف متنازعة إلى تنحية خلافاتها جانبا من أجل التركيز على جني المزيد من المنافع. الأكثر أهمية هو حدوث ذلك في مساحة محورية تشمل ثلاث قارات عند مفترق طرق أفرو-أوراسيا على نحو يضفي عليها أهمية عالمية.
إن التحول العالمي الممنهج نحو التعددية القطبية يظل دائما تحت خطر الفشل إذا استمرت هذه البلدان في خلافاتها. احتمال نشوب حرب واسعة النطاق جراء الحسابات الخاطئة في وسط نصف الكرة الأرضية الشرقي ما يزال يحوم فوق رؤوس الجميع وكأنه 'سيف ديموقليس'. في الحقيقة، ما زالت الولايات المتحدة تحاول استخدام طريقة "فرق تسد" من أجل إطالة أمد زعامتها العالمية وفقا للمبدأ الذي وضعه مستشار الأمن القومي الأمريكي الراحل زبجنيو بريجنسكي في رائعته "رقعة الشطرنج الكبرى".
وتحت عنوان "التفوق الأمريكي وضروراته الجيواستراتيجية"، حذر الكتاب من أن "السيناريو الأكثر خطورة يتمثل في إنشاء ائتلاف كبير بين الصين وروسيا وربما إيران. إنه ائتلاف مناهض للهيمنة لم توحده أيديولوجية، ولكن وحدته مظالم متداخلة". تفادي هذا الاحتمال، بالرغم من أنه قد يبدو بعيد المنال، سوف يتطلب من الولايات المتحدة إظهار مهارة جيواستراتيجية على المحيط الغربي والشرقي والجنوبي لأوراسيا في آن واحد.
وتثبت اللحظة الراهنة شكلا مختلفا لهذا التوقع حيث تتحد الدول الثلاثة لتحدي "التفوق الأمريكي" ولكن ليس من خلال تحالف مناهض للهيمنة في حد ذاتها. إن تعاون هذه البلدان من خلال بريكس يسرع من وتيرة عمليات التعددية القطبية المالية مقترنة بوجهة نظر صوب إصلاح النظام العالمي. ولذلك، فإن هذا التحالف أكثر عدلا بالنسبة للبلدان غير الغربية، ولكنه ليس معاديا للغرب لأن تكوينه يمنعه من أن يصبح كذلك.
تتبنى روسيا هذه الأيام منهجا معاديا للغرب بلا شك بينما تتجه العلاقات الصينية مع الغرب بشكل سريع نحو التنافس الممنهج. بيد أن الهند تفحص أي نوايا تتعلق باحتمال قيام روسيا والصين بتحويل بريكس إلى منصة معادية للغرب. ولو كانت إيران هي الدولة الوحيدة التي تمت دعوتها للانضمام لبريكس مؤخرا، لربما تغيرت الديناميكيات الداخلية للمجموعة على نحو قد يجعل الهند تخشى أن تنظر إليها الولايات المتحدة باعتبارها تهديدًا لها وتتصرف وفقا لذلك وربما من خلال محاولة إحداث تخريب جماعي فعال.
ومع ذلك، تم تفادي هذا السيناريو من خلال جعل انضمام إيران لبريكس مشروطا بانضمام مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة في نفس الوقت لموازنة دور إيران المناهض للغرب. ومن أجل التأكيد على ذلك، تمتلك البرازيل وجنوب إفريقيا بالإضافة إلى العضوين الجديدين الأرجنتين وإثيوبيا علاقات ودية مع الغرب على غرار الهند. بيد أن التعداد السكاني الهائل للهند وحجم السوق يجعلها أكثر تأثيرًا في هذا الصدد مقارنة بالدول الأربعة مجتمعة. بدون الهند، ربما تصبح بريكس معادية للغرب.
يتماشى توسع بريكس مع فلسفة "فاسودهايفا كوتومباكام" التي تتبناها الهند والتي كانت تخشى أن تصبح بريكس مجموعة معادية للغرب أو أن تتصورها الولايات المتحدة كذلك. وتأكدت دلهي من انضمام الدول العربية الثلاث في نفس الوقت بغية إحداث توازن. وجاءت هذه النتيجة لتصب في مصلحة الجميع، إذ من شأنها أن تقلل احتمالات اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات نشطة لإيقاف بريكس، وتُكسب المجموعة قدرة متزايدة على تسريع وتيرة التعددية القطبية المالية.