21-10-2021 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التقارير
تهدَّد سيطرة الميليشيات الحوثية، المدعومة من إيران، على محافظة مأرب في شمال اليمن، مصير اتفاق الرياض، الذي وقعه المجلس الانتقالي الجنوبي مع الحكومة اليمنية منذ نحو عامين، وفقا لخبراء.
وفي يوليو/ تموز 2020، بدأت جماعة الحوثي، هجوماً واسعاً من ثلاثة محاور على محافظة مأرب الغنية بالنفط، وسط اليمن، المعقل الأخير للحكومة اليمنية المُعترف بها دولياً.
وحتى منتصف 2020 كان الحوثيون يسيطرون على أربع مديريات من 14 مديرية في مأرب (مدغل الجدعان، حريب القراميش، رغوان، بدبدة)، وكانت مناطق (صرواح – الكسّارة) الجبهات الأكثر اشتعالاً بالمحافظة.
اشتد القتال على مأرب في فبراير/ شباط من العام الجاري، وسيطر الحوثيون على مناطق شاسعة في المحافظة. وعلى مدى الأشهر اللاحقة، استولت الجماعة على أجزاء كبيرة منها، فيما تتمركز القوات الحكومية في مدينة مأرب، المركز الإداري.
وأعلنت الجماعة السيطرة على مديريتي (رحبة – ماهلية)، في 9 سبتمبر/ أيلول من العام الجاري، بعد حصار عنيف. كما سيطرت على مديرية حريب، الحدودية مع محافظة شبوة الجنوبية، بعد سيطرتها على مديريتي (بيحان – عين)، وأجزاء من (عسيلان)، بشبوة، في 21 من الشهر الماضي.
استطاع الحوثيون عزل مأرب من ثلاث جهات، وبدأت الجماعة هجوماً عنيفاً على مديريتي الجوبة والعبدية، وسط أنباء عن حدوث "مجازر وتصفيات للجرحى" بمديرية العبدية، التي سقط مركزها بيد الجماعة منتصف الشهر الجاري.
وأعلن متحدث الحوثيين العسكري، يحيى سريع، في 17 أكتوبر الجاري، سيطرة الجماعة على مديريات (بيحان، عين، عسيلان) في محافظة شبوة، ومديريتي (حريب، العبدية) وأجزاء من (الجوبة، جبل مراد) بمحافظة مأرب، بعملية عسكرية حملت اسم "ربيع النصر". [1]
وفي الوقت الراهن، يتجه الحوثيون، وفقاً لمراقبين، إلى إسقاط الجوبة، وجبل مراد، وبقية المناطق المحيطة بمدينة مأرب، لاستكمال تطويقها، بعد أن بات مقاتلو الجماعة على مشارفها.
ورغم هذه التقدم المستمر للحوثيين، إلا أنَّ الجماعة قد دفعت كُلفة بشرية باهظة، نتيجة لمئات الطلعات الجوية لطيران "التحالف العربي" بقيادة السعودية [2]، بالإضافة للمقاومة المُستميتة من القبائل الموالية للحكومة، التي تكبّدت بالمقابل المئات من القتلى.
ولم تفلح الجهود الأممية التي قادها المبعوث الأممي السابق إلى اليمن، الدبلوماسي البريطاني مارتن غريفيث، والمبعوث الأمريكي، تيم ليندركينغ، في وقف الهجوم الحوثي على مأرب، التي تحتضن مئات الآلاف من النازحين.
ووفقاً لمحللين، لا يبدو حتّى الآن أنَّ الأمر سيكون مُختلفاً بالنسبة للمبعوث الأممي الجديد، الدبلوماسي السويدي هانس غروندبرغ، الذي تسلم مهامه رسمياً في 5 سبتمبر أيلول من العام الجاري.
ودعا بيان لمجلس الأمن الأربعاء الحوثيين لوقف التصعيد في مأرب، وفك الحصار عن العبدية.
وطبقاً لمراقبين، يهدف الحوثيون إلى السيطرة الكاملة على مأرب من أجل موقف تفاوضي أقوى في محادثات محتملة برعاية الأمم المتحدة، ووضع شروطهم الخاصة للحصول على مزيد من التنازلات، بالإضافة للمكاسب العسكرية الاستراتيجية في المحافظة الغنية بالنفط والغاز.
يرى مستشار الشؤون العسكرية في مركز سوث24 والمحلل الاستراتيجي، العميد ثابت حسين صالح، أنَّ من شأن سقوط ما تبقى من مأرب بيد الحوثيين أن يمنحهم "موقفاً تفاوضياً أقوى من ذي قبل" ويعني ذلك سيطرتهم على "كل جغرافيا الشمال". وبسقوط مأرب بيد الحوثيين، يقول صالح أنّ حكومة هادي تكون قد "خسرت آخر معقل لها في الشمال".
ويرى خبراء أنّ التطورات في مأرب من شأنها أنّ تنعكس على مستقبل اتفاق الرياض، ومستقبل العلاقة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة المُعترف بها دولياً، وبشكل خاص، في ظل استمرار الهزائم القاسية التي تتعرض لها الأخيرة.
تَوغلُ الحوثيين في محافظة شبوة بجنوب اليمن، صعّد الاتهامات للقوات الموالية للحكومة بتسليم هذه المناطق لمقاتلي الجماعة دون قتال.
وسيطرت القوات الموالية للحكومة، التي قدمت من مأرب، على أجزاء واسعة من محافظة شبوة في أغسطس 2019، عقب اندلاع قتال عنيف مع قوات النخبة الشبوانية، المدعومة من الإمارات العربية المتحدة.
يتهم المسؤولون الجنوبيون حزب الإصلاح بالسيطرة على قرار القوات الحكومية، ويقولون أنّ ولائها يخضع لجماعة "الإخوان المسلمين".
وينص الشق العسكري من اتفاق الرياض على عودة هذه القوات لثكناتها في مأرب. يعقّد سقوط مأرب المحتمل بيد الحوثيين إمكانية تنفيذ هذا الشق المُتعثر بالأصل.
وقال مسؤول بارز في المجلس الانتقالي الجنوبي أنّ "عملية التسليم والاستلام بين ميليشيات الحوثي والإخوان [حزب الإصلاح] هدفها بشكل أساسي إنهاء اتفاق الرياض".
وقال نائب الدائرة الإعلامية في المجلس، منصور صالح أنّ الهدف من ذلك "موجّه ضدَّ الجنوب بهدف إبقاء القوات اليمنية التي تحتل بعض المناطق الجنوبية في مواقعها بحجة أنَّه لا توجد محافظات يمنية يُمكن ان تُنقل إليها".
ولم يستبعد صالح التئام هذه القوات مع الحوثيين والتخطيط "لشن هجوم مشترك ضدَّ الجنوب لإعادة احتلاله".
وحمّل صالح القوات الحكومية نتائج هذه التطورات، وأضاف "القوات الجنوبية تستطيع تنفيذ [اتفاق الرياض] وما هو أكثر منه بطريقتها الخاصة".
انعكاسات
عسكريا رأى السيد صالح أنّ سقوط مأرب يقلّص المساحة التي تتواجد فيها حكومة "الشرعية" لصالح ميليشيات الحوثيين.
وعلى الصعيد السياسي "يؤكَّد حقيقة استسلام الشمال اليمني للمشروع الإيراني، وقبوله به، ما يعني كذلك انتهاء كل المُبررات والآمال التي يحاول البعض التمسك بها للبقاء على ما سُمي بالوحدة اليمنية"، وفقا للمسؤول في المجلس الانتقالي الجنوبي.
ورغم اعترافه بأنّ اتفاق الرياض "يواجه صعوبات كبيرة"، لكنَّه، وفقا لصالح "يظل حلًا للخروج بأقل الخسائر".
في حين رأى العميد الركن ثابت صالح أنّ "سقوط مأرب لا تأثير له على اتفاق الرياض إلا من باب انكشاف أمر الرفض والتعنت الذي حكم سلوك سلطة الشرعية من تنفيذ هذا الاتفاق، وخاصة الشق العسكري منه، وتحديداً ما يتصل منه بعودة القوات الشمالية إلى مواقعها لمواجهة الحوثيين بمأرب والبيضاء".
ويعتبر رئيس تحرير موقع نيوزيمن، نبيل الصوفي، أنَّ "سيطرة الحوثيين على ما تبقى من مأرب يؤكّد وجوب إسقاط شرعية هادي والإخوان".
ويقول الصوفي، لـ "سوث24"، أنَّ "سقوط هذه المدينة التي تمَّ تحريرها مُبكراً، ودفعت قبائلها ودول التحالف العربي الغالي والنفيس لتأمينها، يعني أنَّ كل التضحيات ستذهب هدراً عبر هذه الشرعية".
اتفاق الرياض "كان محاولة أخيرة لمنع العبث بالجبهات وتوحيد القوى ضدَّ الحوثي" وفقا للصوفي، ويرى أنّ استمرار تعطيله من قبل "الإخوان المسلمين" هو "تحايل كي تبقى الجبهات مشتتة، وتستمر الحرب إلى مالانهاية".
ولا يُتوقع الصحفي عبد الرحمن أنيس "أن يؤثر سقوط مأرب على اتفاق الرياض". وبرر أنيس ذلك بأنّ "الاتفاق مُجمد منذ توقيعه قبل عامين، حيث لم يُنفذ منه سوى تشكيل حكومة المُحاصصة التي شارك فيها الانتقالي بخمس وزارات".
ما بعد مأرب
ولم يستبعد الخبراء أن يستأنف الحوثيون هجومهم على شبوة في جنوب اليمن، بعد انتهاء أهدافهم في مأرب، وربما قبلها.
يقول العميد ثابت صالح أنّ الحوثيين "قد يتوجهون نحو عتق، عاصمة شبوة، مع تأجيل إسقاط ما تبقى من مأرب".
ومن شأن هذه الخطوة، وفقا للخبير العسكري صالح، أن تمنح "الحوثيين أوراق التفاوض القوية والثروات في كل من مأرب وشبوة،" لكنها ستمنح الجنوبيين "الحق في مقاومة الاحتلال الحوثي بكل السُبل الممكنة".
الصحفي عبد الرحمن أنيس اعتبر سقوط "آخر قلعة للشرعية" في الشمال من شأنه أن يضع محافظات الجنوب "في مرمى الخطر الحوثي" ويضيف: "تشترك مأرب بحدود مع شبوة وحضرموت، والحوثيون أرسلوا أكثر من رسالة أنَّهم لن يتوقفوا عند حدود مأرب".
واستبعد أنيس تدخل المجلس الانتقالي الجنوبي عسكرياً في شبوة "في الوقت الراهن".
ورأى الصحفي اليمني نبيل الصوفي أنَّ "خوض الحرب دفاعاً عن شبوة هو في ذات الوقت تأكيد لقبائل مـأرب أنَّ ثأرهم ضدَّ الحوثي لن ينقطع، وأنَّ شبوة والجنوب سيستمران في رفضهما وقتالهما للحوثي".
وتمنى الصوفي أن يتوّلى المجلس الانتقالي "حرب شبوة ضدَّ الحوثي كواحدة من قضايا اتفاق الرياض".
من ناحيته قال المسؤول بالمجلس الانتقالي منصور صالح إنَّ "الانتقالي يدافع عن أرض وهوية الجنوب، وهو يتمسك باتفاق الرياض بما يخدم قضية شعب الجنوب".
وبالمحصلة، يقول صالح، إنَّ "بقاء الاتفاق مرهون بمدى التزام الطرف الآخر من عدمه، وإذا ما انتهت المُبررات على الواقع، فالاتفاق يعتبر منتهياً".
صحفي ومعد تقارير لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات
الصورة: مقاتلون حوثيون في مأرب (إعلام الجماعة)