19-06-2021 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24| د. إيمان زهران
انطلاقاً من نظرية «مباريات الحروب»، دوما ما تعتمد المنظومة الأمنية للصراعات الإقليمية على الأبعاد الجيوسياسية، إذ وفقاً للكاتب الامريكي «روبرت د. كابلان» في كتابة «انتقام الجغرافيا: ما الذى تخبرنا به الخرائط عن الصراعات»، يؤكّد على العلاقات المتكافئة ما بين مدى ثقل الموقع الجغرافي للدول في تعيين أمنها القومي وانعكاس ذلك على استقرار الأمن الإقليمي برمّته. وهو الأمر الذى نستطيع البناء عليه عند تحليل تطورات المشهد السياسي والأمني في اليمن، وانعكاس ذلك على مسار التفاعلات بالقرن الأفريقي.
جيوسياسية «اليمن»:
الصراع في اليمن، لم يتسبب فقط بالتغيّر في المشهد السياسي فحسب، بل طالت تشكيل مُجمل التفاعلات الجغرافية أيضاً، فالحدود البرية والبحرية اليمنية تشهد تنافساً محموماً بين الأطراف المنخرطة في الصراع دوليا وإقليميا. فمن المهرة شرقًا، إلى سقطرى جنوبًا، بالإضافة إلى السيطرة على الخطوط الملاحية في البحر الأحمر، كل تلك السرديات تُلقي بظلالها على بيئة التفاعلات الجيوسياسية لمآلات الصراع، استناداً إلى عدة اعتبارات، أهمها:
- مركزية الممرات الملاحية: إذ يُعد اليمن بمثابة البوابة الجنوبية لمدخل البحر الأحمر ويتحكم بالممر الذي يصله بالمحيط الهندي، وكذلك عبر منطقة خليج عدن يحتضن كلاً من البحر الأحمر والمحيط الهندي، ويتحكم كذلك في طرق الملاحة البحرية المؤدية إلى آسيا حيث يُطلّ على مضيق باب المندب أحد أهم المعابر البحرية الاستراتيجية والذي يحتل المرتبة الثالثة عالمياً بالأهمية بعد مضيقي ملقا وهرمز. إضافة الى امتلاك اليمن للعديد من الجزر ذات الموقع الهام تُضاعف من الأهمية الاستراتيجية لموقعه البحري، وبشكل خاص، جزيرة سقطرى.
- معبر الهجرات غير الشرعية: إذ أن وقوع اليمن كنقطة تماس استراتيجي بين شبه الجزيرة العربية والقارة الأفريقية، جعل من اليمن مقصداً أو معبراً للهجرة غير الشرعية من دول القرن الأفريقي نحو منطقة الخليج العربي، فعلى سبيل المثال: رصد تقرير المنظمة الدولية للهجرة عبور نحو 138 ألف فرد من دول القرن الأفريقي وخليج عدن إلى اليمن خلال عام 2019، وذلك مقارنه بـ 110 آلاف عبروا البحر الأبيض المتوسط في هجرة غير شرعية نحو الدول الأوروبية. وهو ما يؤشر إلى ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية مقارنة بمناطق أخرى من العالم.
- تنامى عمليات القرصنة البحرية: إذ ساهمت الحالة الأمنية المأزومة بالداخل اليمني إلى تنامي عمليات القرصنة في تلك المنطقة البحرية الحيوية من العالم، فعلى الرغم من أنّ الصراع اليمني لم يكن منشأ لهذه الظاهرة، إلا أنّ تأزم الأوضاع السياسية والأمنية باليمن دفع مجلس الأمن لإصدار عدة قرارات دولية بموجب الفصل السابع من الميثاق، وكان من أهمها ثلاثة قرارات وهي 1838 – 1846 – 181، والتي أتاحت حضوراً دولياً في خليج عدن، وقبالة سواحل الصومال لمواجهتها، تضمّن للمرة الأولى إرسال حلف شمال الأطلسي «الناتو» سبع قطع بحرية عالية التسليح للمشاركة في الجهود الدولية لهذا الغرض، إلا أنّ استمرار الأزمة اليمنية قد ساهم في زيادة حدة هذه التهديدات الأمنية لتلك الظاهرة لسبيين، الأول: أنه في الوقت الذى يُطل من خلاله اليمن بسواحل بحرية تقدر بحوالي 2500 كم منها حوالى 442 كم على البحر الأحمر بما يمثل نحو 8،8% من سواحل ذلك البحر، والبقية على خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي، فهناك 9 محافظات يمنية من بين 22 تطل على تلك السواحل لا تمتلك المقدرة على حماية تلك السواحل. والثاني: تزامن الأزمة اليمنية مع حالة عدم الاستقرار في دول القرن الأفريقي عموما سواء داخل دولة أو فيما بينها وما يترتب على لك من عدم قدرة تلك الدول على حماية حدودها البحرية.
تطورات المشهد اليمنى:
تزامنت الذكرى السادسة لاندلاع «عاصفة الحزم – مارس 2015» مع إعادة تقييم المشهد السياسي والأمني للمسألة اليمنية، خاصة مع إعلان المملكة العربية السعودية اعتزامها إعادة الدفع بمسار السلام وطرح «مبادرة تسوية» لحلحلة الأزمة اليمنية، وهو ما حظي بتأييد ودعم كافة القوى الإقليمية والدولية، مقابل رفض «ميليشيا» الحوثيين والدولة الإيرانية لتلك المبادرة بذريعة أنها لا تحقق المطلوب في ظل حجم التغيرات السياسية والاستراتيجية والميدانية التي طرأت على خريطة التحولات اليمنية وانطلاقا من قاعدة ديناميكية مفاداها أنّ «ما يجري على طاولة المفاوضات ما هو إلاّ امتداد للحقائق الميدانية على الأرض». فعلى سبيل المثال: سعى الحوثيين لحشد أنصارهم في مأرب للسيطرة عليها بغية انتزاع التمثيل السياسي والديمغرافي للمنطقة الشمالية المحاذية للحدود السعودية.
وجنبا إلى جنب التحركات السعودية نحو إعادة الدفع لمسار التسوية السلمية، ثمة اختراق نوعي لـ «المسألة اليمنية» أحدثة التغيّر بتولّي الديموقراطيين الإدارة الأمريكية، إذ تسعى إدارة بايدن إلى إنهاء الحرب في اليمن «سياسياً»، إذ يولي فريق بايدن أهمية قصوى للملف الإنساني لاعتبارات تتعلق بعودة واشنطن إلى ممارسة «دبلوماسية المبادئ- Principled Diplomacy». ذلك انعكس بصورة أكثر تفصيلا بالخطاب الرئاسي حول السياسة الخارجية الأمريكية الذي ألقاه بايدن في فبراير 2021 حول «ملامح الاستراتيجية الأمريكية لفرض التسوية في اليمن»، إذ انتهى إلى عدة نقاط، أهمها: إنهاء الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية للحرب في اليمن بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة، وتهيئة الظروف القانونية لبلورة حل دبلوماسي عبر نزع صفة الإرهاب عن «الحوثيين» وإلغاء القرار الذي أصدرته الخارجية الأمريكية في أواخر رئاسة ترامب حول تصنيفهم جماعة إرهابية، وما يترتب على ذلك من تداعيات مختلفة. بالإضافة إلى التعهد الأمريكي بالالتزام بحماية السعودية من الهجمات التي يقوم بها الفاعلون العنيفون من دون الدول وفي مقدمتهم «جماعة الحوثيين».
الجدير بالذكر، أنّ المشهد اليمنى يحظى بزخم سياسي وميداني لكل الأطراف والوكلاء المتداخلة في الصراع، بما قد يدفع نحو عرقلة أي مساعي رامية لكسر جمود «العملية السياسية»، إذ من أبرز تلك العقبات:
1. اختلال الميزان الميداني:
إذ يبدو ميدانيا أنّ ميزان القوى يتأرجح نحو «قوة أنصار الله - الحوثيين» دون «الحكومة الشرعية»، مما يدفع بالجماعة المسلحة لتعميق تحركاتها نحو انتزاع المزيد من التمثيل في التركيبة السياسية الرسمية في كافة المفاوضات المستقبلية، وبما يؤهلها كذلك لرفض أي تحركات نحو «التسوية السياسية» استناداً لثلاث محددات، الأول: أنّ «ميليشيا» الحوثي لا تملك دافعًا للانخراط في العملية السياسية وتقاسم السلطة مع الأطراف اليمنية الأخرى، نظراً لأنهم يُسيطرون اليوم على معظم مناطق شمال اليمن. ثانياً: تنامي القدرات العسكرية للحوثيين، مما يجعلهم أقل عرضة للقبول بتقديم التنازلات التي ستنص عليها أي تسوية. ثالثا: أنّ المجتمع الدولي لا يملك وسائل ضغط كافية لإلزام الحوثيين بعملية التسوية السياسية، فالجماعة لا يعنيهم التلويح بالعقوبات ولا بالانتقادات الدولية، فضلا عن كونها تصنّف نفسها كحركة مسلحة / كيان عقائدي وليست فصيل سياسي.
نقطة أخرى تتعلق بـ «التكيّف الهيكلي» داخل كلا الطرفين، فبالوقت الذى أظهرت فيه الجماعة المدعومة من إيران تماسكا بالموقف السياسي والميداني، ظهرت الحكومة الشرعية بمظهر «المضطرب» نتيجة تصادمها مع بعض الجهات مثل المجلس الانتقالي الجنوبي. ومن ثم، فالدفع بمسار التسوية السلمية يُلزم معه توليفة سياسية تراعي مصالح القوى الفاعلة كافة، دون إقصاء طرف، ودون هيمنة طرف على القرار السياسي اليمني.
2. الازدواجية/ الهشاشة المؤسساتية:
ثمة عدد من الشواهد التي ترسّخ لفرضية «الهشاشة المؤسساتية»، والتي منها على سبيل المثال: إعلان عدن عاصمة مؤقتة لإدارة شؤون الدولة عقب سيطرة « أنصار الله» على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، ومآلات تشكيل «حكومة إنقاذ» في 2015 وتقاسم الأطراف المتصارعة الوزارات والاختصاصات عقب الاتفاق التنظيمي بين المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، وما تلى ذلك من فراغ سياسي - عقب اغتيال صالح - وسط غياب شخصيات ذو ثقل محلي تتمتع بعامل الثقة إقليمياً، فضلاً عن تردي المؤسسات القائمة وعدم قدرتها على تأدية مهامها نظراً لهشاشة الوضع الأمني والاجتماعي والخدمي باليمن. فعلى سبيل المثال: وفقا لأحدث تصنيف لمؤشر الدول الهشة «Fragile States Index» فقد سجلت اليمن تقدما في مؤشر الهشاشة متقدمة بنقاطها على الصومال.
من ثم، يتطلب لإحداث «التوافق السياسي»، إنجاز تحدي «التوافق الإداري» بين المؤسسات القائمة وتقويض كافة المحاولات الداعمة لحالة «الخلل المؤسسي» والمستفيدة من حالة الازدواجية. فعلى سبيل المثال: حينما يتم الحديث عن هيكلة «التوافق السياسي» يتعيّن على صانعي القرار النظر في دراسات ما بعد الحرب «Post War Studies»، التي تركز على نقل الاستقرار من المستوى السياسي إلى المستوى الاجتماعي/ المؤسسي، على أن يتم توطئة مصادر النزاع وتهيئة البيئة الملائمة لممارسات أدوار «الدولة الوطنية».
3. انتشار السلاح خارج التشكيلات المقاتلة:
ثمة مخاوف من تصاعد نمط «عسكرة النزاعات الفرعية / القبلية» بالداخل اليمني بمرحلة ما بعد تسوية الصراع اليمنى بين الحكومة الشرعية والحوثيين، خاصة مع تزايد امتلاك المواطنين للسلاح مقابل هشاشة المؤسسات الأمنية في تقويض ومحاصرة تلك الظاهرة وضبط السلاح وحصره في الأطر الرسمية، لا سيما وأنّ الثقافة الشعبية اليمنية تعتز بالسلاح وتعتبره جزءاً من الهوية المجتمعية.
وتتصاعد المخاوف مع استغلال «الجماعات الإرهابية» للفوضى الأمنية جراء الحرب القائمة باليمن، في تنويع أنظمة التسليح الخاصة بها، وهو ما يعني استمرار خطر هذه الجماعات في المستقبل، حتى وإن تم الاتفاق على السلام وإنهاء الحرب.
4. إعادة إنتاج تنظيم القاعدة في اليمن
برغم تراجع «تنظيم القاعدة» مقابل تنامي «تنظيم داعش» إعلاميا وجغرافيا بالمنطقة، إلا أنّ أنصار تنظيم القاعدة في اليمن لا يزالون يشكّلون تهديداً أمنياً بارزاً، نظراً للخبرات العملية والتكتيكية التي تمتلكها قياداته، فلطالما كانت الجغرافيا اليمنية ملاذاً آمناً لـ «الإرهابيين»، يتم استغلالها في إطار التخطيط والتدريب لعمليات «إرهابية» أو للهروب من الرقابة الأمنية. وهو ما دفع بالرئيس الأمريكي «جو بايدن» لاستثناء «عمليات مكافحة الإرهاب» من قرار وقف العمليات العسكرية الأمريكية في اليمن.
ومن ثم، يجب الأخذ في الاعتبار من جانب الأطراف المتداخلة بـ «المسألة اليمنية» عند هيكلة مسار «التسوية السياسية»، عدم تعميق الفراغ الأمني والتأكيد على عمليات «مكافحة الإرهاب». وإذ بدون تلك «المعالجات الأمنية» سيتمدد «الإرهاب» - بنسختيه القاعدة وداعش – للحد الذى يهدد معه أمن الممرات البحرية وخاصة مضيق باب المندب الحيوي للملاحة.
الجدير بالذكر، أنّ الملف اليمني حظي بتعقيدات سياسية وأمنية فرضتها عدد من الاعتبارات، أبرزها: تعدد أطراف الصراع المحلية وتشددها، واتخاذ الحرب أبعاداً إقليمية ودولية، فضلا عن عدم توفر الشروط الموضوعية حتى الآن لإتمام عملية التسوية السياسية الشاملة، دون إغفال طبيعة التحولات الجارية في المنطقة حالياً وانعكاسها المباشر على مدى الترابط والتداخل بين العديد من القضايا والملفات الإقليمية والدولية، مثل: تطورات الملف النووي الإيراني، تولي الديموقراطي «جو بايدن» إدارة الولايات المتحدة الأمريكية، وإنهاء المصالحة الخليجية – القطرية،.. إلخ. وهو ما ينعكس على التحول في طبيعة التفاعلات الإقليمية المتعلّقة بالمسألة اليمنية وبصفة خاصة طبيعية الروابط الأمنية والسياسية والنوعية مع دول منطقة القرن الأفريقي.
عسكرة القرن الأفريقي:
تزامنت الاضطرابات الأمنية والسياسية بـ «المسألة اليمنية» مع تنامي حدة الاستنزاف النوعي بمنطقة القرن الأفريقي، وذلك في ظل تصاعد الأهمية الاستراتيجية لتلك المنطقة، إذ تُصنّف بكونها من أهم المناطق الحيوية نظراً لعدد من الاعتبارات، أهمها:
- التمركز الجغرافي: إذ تتمركز دول القرن الأفريقي على المحيط الهندي، وبحر العرب وخليج عدن، فضلا عن تحكمها بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، فهي بمثابة نقطة التقاء الممرات البحرية الحيوية التي تربط بين شرق أفريقيا وشبة الجزيرة العربية والهند وجنوب شرق آسيا، مما جعل من تلك المنطقة ممراً دولياً مهماً لأي تحركات عسكرية قادمة من الدول الغربية وواشنطن ومتجهة إلى منطقة الخليج العربي، فضلا عن تحكمها في حركة التجارة العالمية المارة عبر البحر الأحمر، التي تتراوح بين 13% و15% من إجمالي حجم التجارة العالمية، خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج العربي إلى أوروبا والولايات المتحدة، دون إغفال العمق الجيوسياسي لقناة السويس باعتبارها حلقة الوصل الرئيسة بين البحرين الأحمر والمتوسط.
- الثقل المادي: نظراً لما تتمتع به المنطقة من موارد طبيعة وثروات معدنية تتنوع بين الذهب والماس والفوسفات واليورانيوم والحديد، والنفط والغاز الطبيعي، وكذلك المياه التي أصبحت محدداً مهماً لطبيعة التفاعلات في المنطقة في ضوء النزاع حول سد النهضة.
- أجندات متباينة: إذ تُعد المنطقة ساحة للعديد من الصراعات والنزاعات المهددة لمصالح القوى الإقليمية والدولية، ولأمن المنطقة واستقرارها، وقُربها من مسرح الأحداث والصراعات الإقليمية في أفريقيا والشرق الأوسط كالحرب الدائرة في اليمن.
ومن ثم، فقد حظيت منطقة القرن الأفريقي بأنظار القوى الإقليمية والدولية التي حرصت على الحفاظ على موطئ قدم لها بوسائل مختلفة. فضلا عن تباين الترجيحات الدولية والإقليمية لمدى ثقل المنطقة جيوسياساً مع تصاعد «الاضطراب المأزوم» بالدولة اليمنية، على النحو الذى بات يصعب معه «توحيد الأدوار» لدول تلك المنطقة وفقا لتباين التهديدات الأمنية التي تواجه كل دولة على حدة، إذ أنه يمكن تفنيدها بثلاث أدوار رئيسية، تتمثل في:
1. دول القواعد: تتلخص أدوار تلك الدول بالقرن الأفريقي في استخدام أراضيها كقاعدة عسكرية للتحالف العربي، وذلك ضمن سياقات التفاعلات الإقليمية بالمسألة اليمنية، فعلى سبيل المثال: سمحت جيبوتي بتعيين أراضيها كنقطة لانطلاق الطائرات الحربية والموانئ للاستخدام والحصار، وكذلك أرتيريا حيث تم استخدام أراضيها لتدريب القوات اليمنية، وكقاعدة دائمة.
2. دول الانخراط: تتلخص أدوار تلك الدول بالدفع بمقاتلين إلى اليمن كما فعلت السودان علناً وأرتيريا ضمناً.
3. دول الحياد: انتهجت تلك الدول سياسة النأي عن الحرب والتأييد العلني للتحالف دون انخراط كبير مع تحمّل تبعات الحرب كاللاجئين من الحرب مثل إثيوبيا والصومال.
انعكاسات متباينة:
عكست الأوضاع المأزومة بالداخل اليمني تنامي التهديدات النوعية لدول القرن الأفريقي، وذلك على النحو التالي:
• التهديدات الأمنية المتواصلة من الفاعلين من دول الدول على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، فعلى سبيل المثال: تهديد الحوثيين باستهداف السفن مما يجعل الاقتصاد والتجارة في تلك الدول تحت تأثير تلك التهديدات.
• انعكست الأوضاع المأزومة في اليمن على تفاقم أزمة اللاجئين في تلك المنطقة والتي تُصنّف كونها من أشد المناطق ضعفا وتضررا في العالم. ورغم ما كانت عليه اليمن لسنوات قبلةَ المهاجرين واللاجئين الأفارقة، خاصة من منطقة القرن الأفريقي، سواء بوصفها محطة وصول، أو محطة عبور لغيرها من الدول، إلا إنّ تداعيات الصراع أصبغت سيناريو آخر، إذ برغم أنّ اليمن ما زالت تستقبل لاجئين أفارقة، أصبح يتواجد لاجئين يمنيين لأفريقيا هرباً من الحرب، فعلى سبيل المثال: يوجد لاجئون يمنيون في الصومال وجيبوتي وإثيوبيا، كما أنّ السودان ترحب باليمنيين دون تأشيره.
• تنامي عمليات القرصنة، إذ ساهم انهيار الدولة اليمنية واضطراب استقرار سواحلها في تنامي نشاط جماعات القرصنة للمرة الأولى منذ عام 2009، إذ تم رصد ارتفاع حركة تهريب الأسلحة والمهاجرين غير الشرعيين عبر اليمن إلى دول الخليج العربي.
الجدير بالذكر، أنّ الصراع المأزوم في المسألة اليمنية قد يتسبب باندلاع حرب في القرن الأفريقي مجدداً لا يمكن التوقع بنتائجها؛ ويؤشر إلى ذلك من خلال:
- بناء قواعد عسكرية في أراضي صومالية دون السماح من الحكومة الفيدرالية، قد يؤجج الصراع داخل الصومال مجدداً بعد استقرار محدود، كما أنّ هناك اتهامات متعددة لعدد من فواعل الإقليم.
- ساهمت تداعيات الصراع في اليمن على تنامي العلاقات النوعية بين النظام الأريتيري وتنظيم حركة الشباب الصومالية (التابع للقاعدة)، فعلى سبيل المثال: رصدت عدد من التقارير الدولية إلى أنّ أسمرة أرسلت خلال 2016-2017 بأسلحة للتنظيم المتطرف بموجب اتفاق مع قادة التنظيم. تم ذلك من خلال الصومال ومرورا عبر اليمن.
- تنامي التوترات بين إثيوبيا وإريتريا، خاصة مع اعتقاد النظام في أديس أبابا أن قوى التحالف العربي - في إطار تأجيرها لميناء عصب - تقوم بتقديم المساعدات التي تعود بفائدة مباشرة وغير مباشرة على الجيش الإرتيري، إذ على الرغم من توقيع اتفاق سلام بين البلدين في يوليو2018، إلا أنّ هذه النظرية لازالت مسيطرة على النظام الحاكم في أديس أبابا.
- دفعت الاضطرابات الأمنية بالداخل اليمني، إلى انتهاج نمط التقارب الحثيث بين تنظيم الشباب الصومالي وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، إذ مثّلت اليمن موطئ قدم جديد مع استمرار الاضطرابات، مما يعني أنّ وجود تحالف محتمل بين التنظيمين المتطرفين سيعطي قوة كبرى تتجاوز تلك التي وقعت عند اتحاد تنظيم القاعدة في السعودية مع التنظيم في اليمن عام 2009.
تأسيساً على ما سبق..
أضفى تنامي الاضطرابات الأمنية والسياسية باليمن مزيدا من التهديدات المتباينة على المناطق الجيوسياسية المنخرطة بالمسألة اليمنية، وهو ما قد يُنذر مستقبلا بعودة التوترات السياسية والأمنية خاصة بدول القرن الأفريقي، فضلا عن تضافر المشكلات النوعية مثل: قضايا اللاجئين، ملف التطرف «والتنظيمات الإرهابية»، عسكرة القواعد بمنطقة القرن الأفريقي ومآلات ذلك على الاستنزاف المادي والمعنوي من جانب القوى والفواعل الدولية والإقليمية لتلك المنطقة ذات الأهمية الجيوسياسية، وهو ما يدفع بضرورة التضافر نحو إنجاح جهود التسوية السياسية على مختلف تحركاتها سواء الإقليمية والمتمثلة في مخرجات اتفاق الرياض، أو تلك الدولية وما يتعلق بمختلف تحركات المبعوث الأممي الجديد، والتي تتمثل في، أولاً: مواصلة العمل على خطة وقف إطلاق النار التي أنجزها سلفه مارتن غريفيث بالتعاون مع مبعوث الولايات المتحدة تيم ليندركينج، بينما الثاني: الاستعانة بمجلس الأمن الدولي لفرض مبادئ التسوية السلمية من خلال تبينه قراراً ملزم التنفيذ تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حال استمرت الحوثيين في رفضها.
نبذة عن المؤلف:
د. إيمان زهران
مُدرس علوم سياسية، متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الاقليمي، عضو سابق بلجنة العلوم السياسية - المجلس الأعلى للثقافة - القاهرة (مصر)
تنويه: لا تعكس الآراء الواردة في هذه الورقة بالضرورة، رؤية «مركز سوث24 للأخبار والدراسات»
- لقراءة وتحميل الورقة إلكترونيا من (هنا)
- مصدر الصورة الرئيسية: (aspeniaonline.it)