09-07-2021 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليل
خاطبت النيابة الجزائية بصنعاء التابعة للحوثيين بنك التضامن بمذكرة رقم 3821 في 27 يونيو الماضي، تضمنت حكمًا قضائيًا يقضي بمصادرة أرصدة وأموال الرئيس اليمني المعترف به دوليا عبدربه منصور هادي لدى البنك. [1] وللحيلولة دون قرار يهدد البنك، بعثت إدارة بنك التضامن برسالة إلى محافظ البنك المركزي الخاضع لسلطة صنعاء يدعوه فيه لعدم العمل بقرارات النيابة الجزائية التابعة للحوثيين. [2]
بالمقابل وفي نفس اليوم، رد البنك المركزي بصنعاء، بتعميم "عاجل" إلى جميع البنوك ومحلات الصرافة في المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثيين، يقضي بحجز جميع أموال وأرصدة بنك التضامن [3]، وهو ما عده خبراء استيلاء وتأميم، أو بمعنى أدق، فشل بنك التضامن في إقناع السلطات التابعة للحوثيين بالتراجع عن مصادرة الأموال والأرصدة التي يمتلكها الرئيس هادي.
حينها وقع البنك المملوكة لمجموعة هائل سعيد أنعم التجارية، بين فكي كماشة الأزمة اليمنية "الحوثيون ومنظومة الرئيس هادي". ذلك يعني أنّ الأزمة اليمنية، التي عجز المجتمع الدولي إقناع طرفيها بتحييد الجانب الخدمي والإنساني، تفوق قدرات "بنك التضامن" الذي بات عاجزًا عن إقناع الحوثيين بتحييد عمل البنوك والمصارف جانبًا.
أزمة بنك التضامن
تأسس بنك التضامن الإسلامي عام 1996، وهو العام الذي أدخل فيه قانون البنوك والمصارف الإسلامية على الدستور اليمني. حتى اليوم وصل عدد البنوك في اليمن إلى 18 بنكًا، بينها 4 بنوك إسلامية، ويتزعمها بنك التضامن الذي يعد أكبر هذه البنوك، وتعود ملكيته لأكبر مجموعة تجارية في اليمن "مجموعة هائل سعيد أنعم التجارية".
وإثر سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء أواخر 2014، أعلن هادي عدن كعاصمة مؤقتة، الأمر الذي دفع حكومة هادي إلى نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن، فيما ظل البنك المركزي بصنعاء خاضعًا للحوثيين.
نتج عن هذا النزاع السياسي والعسكري دورتين ماليتين الأولى بصنعاء والثانية بعدن، اختلفت كل منهما عن الأخرى في العمل النقدي والمصرفي، مما جعل هذه الازدواجية تنعكس على البنوك والمصارف المتواجدة في صنعاء وعدن، بسبب محاولات الحوثيين المستمرة إقحام البنوك والمصارف في الصراع السياسي.
السلطات الحوثية أغلقت المركز الرئيس لبنك التضامن في صنعاء، وجميع فروعه في مناطق سيطرتهم شمال اليمن في نوفمبر 2020، بحجة "ممارسة أعمال تضر اقتصاد البلاد"، حيث قال مصدر مسؤول بالبنك المركزي في صنعاء أن "بنك التضامن الإسلامي بالتعاون مع البنك المركزي في عدن استخدم الوديعة السعودية للإثراء غير المشروع" [4].
تجدر الإشارة إلى أن هذه الحجة، وردت بتقرير الخبراء الأمميين الذي اتهم مجموعة هائل سعيد أنعم المالكة لبنك التضامن إلى جانب الحكومة اليمنية والبنك المركزي بعدن، بـ "غسيل أموال الوديعة السعودية".
لكنّ إغلاق الحوثيين للبنك، حينها لم يدم كثيرا إذ سمحوا للبنك بالعمل مجددًا.
يعد تعميم البنك المركزي بصنعاء الأخير، الذي قضى بـ "حجز ومصادرة جميع أموال وأرصدة بنك التضامن"، على خلفية سعي الحوثيين مصادرة أموال الرئيس هادي أكثر جدية، إذ كشف عن نية حقيقية لتأميم بنك التضامن. وفسّر مراقبون تغريدة شوقي هائل نائب رئيس مجلس إدارة بنك التضامن التي قال فيها "نحن لا ندري أي أرض وأي قرار هو الخير لنا" [5] أنها إشارة لتأميم البنك، وربما نقله خارج اليمن.
قال الخبير الاقتصادي مصطفى نصر لـ "سوث24": أنّ "بنك التضامن والقطاع المصرفي عمومًا عانى من الإجراءات التعسفية، التي تتخذ تارة باسم اللجنة الأمنية التابعة للحوثيين، أو اللجنة الاقتصادية، أو النيابة الجزائية المتخصصة، وأحيانًا من قبل البنك المركزي بصنعاء".
وفي السياق نفسه يرى مصطفى نصر أنّ رسالة بنك التضامن "تعبر عن المشكلة فيما يتعلق بازدواجية الإدارة، وتلقِّي البنوك أوامر متناقضة، ناهيك عن أن البنوك خلال الفترة الماضية بما فيها بنك التضامن، التزمت بتوجيهات الحوثيين، القاضية بتجميد الأموال لمن يسموهم بالعملاء، أو من صدرت ضدهم أحكام من القضاء الحوثي".
واعتبر مصطفى نصر "وصول الأمر إلى طلب مصادرة الأموال يعد خطوة تصعيدية من قبل الحوثيين، قد تؤدي إلى مشكلة كبيرة في القطاع المصرفي، الذي يفترض التعامل معه بمهنية واستقلالية بحيث يظل يقدم خدماته للناس".
من جانب آخر، تشير كل ضغوطات الحوثيين السابقة على القطاع المصرفي إلى أزمة اقتصادية يتم ترحيلها، وبصورة ما، ساهم تماهي القطاع المصرفي مع إجراءات الحوثيين في وصول الوضع إلى ما هو عليه الآن.
وأشار الخبير الاقتصادي الدكتور علي العسلي في قراءة تحليلية لرسالة بنك التضامن للبنك المركزي، إلى "أنّ الحوثيين قد يستمرون بالتسلط، طالما ورجال الأعمال والتجار خاضعين للحوثيين، ويمونون حربهم رضاءًا أو غصبًا"[6].
وكشف الدكتور العسلي عن وجود مخالفة دستورية فيما يتعلق بفتح حسابات بنكية باسم الرئيس هادي، وهو ما يدين بنك التضامن باعتباره مشارك في هذه المخالفة.
كشفت رسالة بنك التضامن موقفه الصعب جراء حكم النيابة الجزائية، حيث وقع البنك تحت ضغط ثلاثي، بين تنفيذ أحكام النيابة الجزائية التابعة للحوثيين، ومخالفة القانون الدولي الذي يصنف التعامل مع الحوثيين تحت بند "غسيل الأموال وتمويل الإرهاب"، إضافة إلى المطالب التي ستطول البنك بدفع الأموال التي استولى عليها الحوثيون، من خلال مصادرة أمواله وأرصدته التي تقع خارج سيطرة الحوثيين.
بنك التضامن بين التغيير والتأميم
في 30 سبتمبر 2019، صادقت الجمعية العمومية لبنك التضامن الإسلامي على قرار تغيير هوية البنك، حيث أسقطت هويته الإسلامية والدولية، ومنذ ذلك الوقت اعتمد "بنك التضامن" اسمه وشعاره الجديد في خطاباته وتعاملاته الرسمية. هذا يعني بالضرورة التغيير الاستراتيجي في سياسة البنك، حسب إشارة نائب رئيس مجلس الإدارة شوقي هائل في اجتماع الجمعية العمومية [7].
قرار تغيير هوية بنك التضامن الإسلامي رافق سياقين للأزمة اليمنية، تمثّل الأول في "السياق السياسي والعسكري العام" حيث تنقسم الأزمة اليمنية إلى محورين، عربي مدعوم سياسيًا وعسكريَا من التحالف العربي الذي تقوده السعودية، وإسلامي مدعوم من إيران وتركيا وقطر.
على هذه القاعدة العامة تتوزع أطراف الصراع في اليمن إلى شمال إسلامي يسيطر عليه الحوثيون، وجنوب عربي يسيطر عليه المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى جانب هذا التوزيع الجغرافي، هناك توزيع سياسي يشير إلى معسكر إسلامي بحكم شمولي، ومعسكر عربي بحكم ديمقراطي، الأمر الذي يلقي بظلاله على جانب الاقتصاد والرأسمال الحر. من هذه الزاوية يبدو قرار تغيير بنك التضامن لهويته الإسلامية خيارًا استراتيجيًا، لكن من زاوية الانتماء الوطني لا تبدو كذلك، إذ ينحدر ملاك بنك التضامن إلى شمال اليمن، وهو ما يجعل قرار مجلس إدارة البنك خيارًا تكتيكيًا.
أما الجانب الثاني للأزمة اليمنية يتمثل في "السياق الاقتصادي الخاص"، حيث تزامن تغيير هوية بنك التضامن لهويته الإسلامية مع استفادة "مجموعة هائل سعيد أنعم التجارية" من المنحة المالية التي قدمتها السعودية للبنك المركزي بعدن في يونيو 2018. إذ أنّ المنحة التي قدرت ب 2 مليار دولار، خصصت لانتشال الوضع الاقتصادي المتدهور، ومنع انهيار العملة اليمنية، لذلك خضعت المنحة السعودية لمجموعة ضوابط وإجراءات أبرزها، إشراف الجانبين السعودي واليمني عليها، وتحديد استيراد خمس سلع غذائية رئيسية فقط، ووضع آلية قانونية للبنوك والشركات التجارية المستفيدة.
بالمقابل أكد البنك المركزي بعدن على العمل بالآليات القانونية الخاضعة للمواصفات الدولية، حيث نشطت الاتصالات واللقاءات وورش العمل بين البنك المركزي في عدن والجهات الدولية [8]، الأمر الذي عكس الاهتمام الدولي بمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال. كان هذا دافعًا قويًا لاتخاذ بنك التضامن قرار تغيير هويته الإسلامية في سبتمبر 2019، تماشيًا مع المتغيرات الدولية، من زاوية اقتصادية بحتة تهم مجموعة هائل سعيد أنعم المالكة لبنك التضامن. لكن من زاوية قانونية، يُعتقد أن تغيير بنك التضامن لهويته الإسلامية، خطوة استباقية تبرر ربح البنك من المنحة السعودية، إذ أنّ الربح في البنوك الإسلامية أقل من الربح في البنوك التجارية.
وبالتالي يرى مراقبون أنّ تحوّل بنك التضامن الإسلامي إلى بنك تجاري يهدف إلى "تبرير الاستفادة الغير مشروعة من المنحة السعودية". حيث أشار تقرير الخبراء الأمميين إلى ذلك.
فمثلا، يرى الخبير الاقتصادي ماجد الداعري "محاولة تغيير بنك التضامن لهويته خطوة استباقية لتفادي عقوبات دولية مرتقبة تتهم البنك بغسيل أموال وتمويل الإرهاب".
وحول فرص نجاح بنك التضامن في تفادي العقوبات الدولية، قال الداعري لـ "سوث24": أنّ "تغيير الهوية الإسلامية سيخفف من وقع العقوبات على البنك، بينما غياب هوية اعتبارية، وطبيعة أنشطة مصرفية واضحة ومحددة سيعقد الأمر أكثر."، ورغم إعلان بنك التضامن التخلي عن هويته الاسلامية، إلا أنّ خطابات النيابة الجزائية والبنك المركزي بصنعاء مازالت تعتمد نفس هوية البنك الإسلامي.
وبمعزل عن الملايين السعودية التي احتفظ بها هادي لسنوات في حساب خاص، بينما يعيش شعبه أسوأ كارثة إنسانية في العالم، فإنّ محاولة بنك التضامن نفي هويته "الإسلامية"، دفعت، على الأرجح، الجماعة الدينية الحوثية في شمال اليمن إلى نفي البنك كليًا.
بدر محمد
زميل مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحث في الشؤون السياسية
- الصورة لقيادة بنك التضامن في حفل إطلاق هويته الجديدة بدون "الإسلامي" في صنعاء، 27 فبراير 2019 (رسمي)