وفد الحكومة اليمنية وفريق التحالف بقيادة السعودية خلال مفاوضات مسقط بشأن الأسرى والمحتجزين (رسمي)
11-07-2024 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
في 6 يوليو الجاري، وبعد أسبوع من انطلاقها، تم الإعلان عن تأجيل مدته شهران لجولة المفاوضات بين الحكومة اليمنية المُعترف بها دوليًا وجماعة الحوثيين المتمردة المدعومة من إيران بشأن الأسرى والمحتجزين على ذمة الحرب في البلاد.
وبحسب المعلومات الرسمية الصادرة عن الطرفين، تم تحقيق ما وصف بـ "التقدم" في هذا الملف، لا سيما فيما يخص السياسي اليمني البارز المنتمي لحزب الإصلاح محمد قحطان، الذي يحتجزه الحوثيون منذ 2015.
وقال مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن في بيان آنذاك: "أسفرت المفاوضات عن انفراجة مهمة حيث توصلت الأطراف إلى تفاهم حول إطلاق سراح محمد قحطان، وهو الأمر الذي كان مثار خلاف لسنوات، كما اتفقوا على عقد اجتماع لاحق لاستكمال الاتفاق حول أسماء المحتجزين الذين سيتم إطلاق سراحهم وترتيبات إطلاق سراح السيد قحطان".
ورغم ذلك، ذهبت بعض التحليلات والقراءات إلى أن انتهاء المفاوضات دون الاتفاق على تبادل الأسرى، وتأجيلها هذه المدة الطويلة يمكن اعتباره بمثابة "إخفاق" لهذه الجولة في تحقيق التقدم المتوقع، لا سيما مع حالة التفاؤل الشديدة التي أبدتها وسائل إعلام سعودية قبيل انطلاق المفاوضات.
فلماذا تأجلت مفاوضات مسقط؟ وما هي الدوافع والخلفيات؟
رواية عدن
في حديث لمركز سوث24، حمّل المتحدث الرسمي باسم الوفد الحكومي في مفاوضات مسقط، ماجد فضائل، الحوثيين مسؤولية ما وصفها "محاولات إفشال المفاوضات وعرقلتها".
وقال: "المفاوضات لم تتأجل، وما حصل هو أن وفد الحوثيين، في الأيام الأخيرة، كان يعمل بشكل دؤوب على إفشال التوصل لاتفاق حول إجراء عملية التبادل".
وأضاف: "الحوثيون رفعوا سقف المطالب وطالبوا بأرقام كبيرة معظمهم لمفقودين إما في الجبهات أو الجبال وهو ما أسهم بشكل كبير في تعقيد التوصل إلى اتفاق". "في البداية وجدنا أنهم كانوا يتعاملون بإيجابية، لكن في آخر اللحظات تم استغلال الملف الإنساني بطريقة لا إنسانية في المزايدات الإعلامية والسياسية".
ومع ذلك، يؤكد فضائل أن "جولة المفاوضات حصلت فيها اختراقات إيجابية، خاصة في موضوع محمد قحطان، بالإضافة إلى اختراقات أخرى في تقريب وجهات النظر في عدة أمور متعلقة بالمحتجزين والمختطفين".
وأضاف: "تم الاتفاق على أن تكون هناك جولة تكميلية قادمة بعد شهرين على أن يتم تبادل الأسماء والكشوفات قبل الذهاب إلى تنفيذها".
ويوم أمس الأربعاء 10 يوليو، قال رئيس الهيئة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي ناصر الخبجي إن مفاوضات مسقط "لم يكتب لها النجاح". وأرجع ذلك إلى "تعطيل" الوفد التفاوضي المشترك لمجلس القيادة الرئاسي الذي لم يتم إعلانه رسميًا وتسليمه المهام التفاوضية حتى اليوم، على الرغم من مرور أكثر من عامين ونصف على تشكيل المجلس الرئاسي.
رواية الحوثيين
عندما أعلن رئيس وفد شؤون الأسرى التابع للحوثيين عبد القادر المرتضى، عبر منشور على حائطه في منصة إكس، انتهاء مفاوضات مسقط، لم يوجه أي اتهام للحكومة اليمنية، لكنه اكتفى بالإشارة لـ "ضيق الوقت" الذي قال إنه أدى لتأجيل المفاوضات.
لكن لاحقًا، عاد المرتضى ليهاجم الموقف السعودي بشأن المفاوضات في مسقط، وقال إن الرياض رفضت إطلاق سراح عناصر من حركة حماس مقابل إفراج الحوثيين عن طيارين سعوديين.
لم يكن المرتضى أول من قال بهذا الادعاء، فقد بدأه زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي في خطاب مصور في 7 يوليو هدد فيه السعودية باستئناف الحرب وضرب منشآت حيوية مثل المطارات والبنوك والموانئ رداً على قرارات للحكومة اليمنية في عدن، خلال يونيو، شملت توجيهات بنقل من مقرات البنوك من صنعاء إلى عدن، ونقل أرصدة طيران اليمنية أيضًا.
ولكن بشكل عام، لم يتطرق الحوثيون رسميًا إلى تفاصيل حول المناقشات التي تمت في مسقط بشأن الأسرى اليمنيين أنفسهم، ولم يردوا على اتهامات الوفد الحكومي.
وبحسب مصدر مطلع على جولة مفاوضات مسقط تحدث لمركز سوث24 ورفض الإفصاح عن هويته لأنه غير مخول بالحديث للإعلام، لم يكن مقترح عناصر حماس مقابل الطيارين السعوديين مطروحًا على طاولة المفاوضات التي جمعت الوفدين الحكومي والحوثي، وهو ما يرجح أن قناة تواصل ومفاوضات خلفية بين الجماعة والسعوديين.
وحتى الآن، لم يصدر موقف سعودي رسمي بشأن تهديدات الحوثيين بالحرب، فضلًا عن ادعاءاتهم بشأن المقترح حول عناصر حماس والطيارين السعوديين. كما لم تعلق الرياض على مفاوضات مسقط بشكل عام.
الدوافع
بالتزامن مع انطلاق مفاوضات مسقط في 30 يونيو، كانت التساؤلات قد بدأت تطرح بالفعل بشأن حقيقة الملفات التي سيتم مناقشتها، وما إذا كان الأمر مقتصرًا على ملف الأسرى فقط. وكانت هذه التساؤلات مدفوعة بما طرحته صحيفة سعودية مقربة من القصر الملكي حول جوانب إنسانية واقتصادية قالت إن المفاوضات ستشملها.
كما أن توقيت المفاوضات المتزامن مع إجراءات الحكومة اليمنية في قطاع البنوك والمصارف والطيران والاتصالات، استهدفت اقتصاد الحوثيين، عززت من هذه التخمينات.
ولكن الطرفين الحكومي والحوثي، آنذاك، أكدوا أنها "مفاوضات أسرى فقط"، وكذلك فعل مكتب المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ على ذلك خلال تصريحات صحفية نفى فيها وجود أي تفاوض بشأن اقتصادي. كما أكد في تصريحات أخرى لمركز سوث24 على أن المفاوضات تجري برعاية أممية وحققت تقدمًا.
ومع ذلك، يشي إعلان الحوثيين حول عرض التبادل بين عناصر حماس والطيارين السعوديين بأن المفاوضات قد تطرقت لملفات أخرى، سواء كان ذلك عبر طاولة التفاوض مع الوفد الحكومي أو عبر قنوات تفاوض أخرى مع السعودية، فضلًا عن أي جهة أخرى، لا سيما أن المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ كان في جولة بالسعودية وسلطنة عمان بالتزامن مع المفاوضات.
أبعد من ذلك، تشير تهديدات الحوثيين بالحرب ضد السعودية على خلفية الإجراءات الحكومية، وهي ملفات اقتصادية خالصة، إلى أن شيء ما قد تم الحديث والتفاوض بشأنه بالفعل.
ويعزز هذا الافتراض تصريح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الذي نشرته قناة الحدث التابعة للعربية في 4 يوليو حول جاهزية خارطة الطريق بشأن اليمن، التي صاغتها السعودية وسلطنة عمان بعد محادثات مع الحوثيين على مدى أكثر من عامين، للتوقيع. وهو تصريح سبق خطاب عبد الملك الحوثي.
أيضًا، قال نائب رئيس الهيئة الإعلامية للحوثيين نصر الدين عامر في تصريحات سابقة لمركز سوث24 بشأن الإجراءات الاقتصادية ضدهم، إن الجماعة لا تتفاوض مع الحكومة اليمنية بشأنها إطلاقا. وأضاف: "نتفاوض مع السعودية التي فرضت هذه الإجراءات بتوجيهات أمريكية خدمة للكيان الإسرائيلي، وبغرض وقف عملياتنا الإسنادية لغزة".
وأضاف خلال التصريحات التي سبقت موقف الحوثيين الأخير ضد السعودية والتهديد بشن الحرب: "مفاوضات مسقط خطوة أولى لتفكيك التعقيدات، وخارطة الطريق جاهزة لم يبقَ إلا التنفيذ فقط. وهذا لا يعني أن التواصلات في بقية الملفات متوقفة".
وفي وقت سابق قبل انطلاق هذه المفاوضات، كانت مصادر مطلعة لمركز سوث24 قد تحدثت عن محاولات قادها رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي نحو التراجع عن الإجراءات الاقتصادية الحكومية الأخيرة تجاه الحوثيين، وسط معارضة شديدة من أطراف المجلس الرئاسي وفي طليعتها المجلس الانتقالي الجنوبي.
وقالت المصادر إن نواب المجلس الرئاسي، بمن فيهم اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، رفضوا خطة العليمي خلال اجتماع للمجلس الرئاسي دعا إليه الزبيدي نفسه.
ولكن في 5 يوليو، وقبل انتهاء مفاوضات مسقط بيوم، قالت معلومات نقلتها وسائل إعلام سعودية ويمنية إن الحوثيين أفرجوا عن طائرات للخطوط الجوية اليمنية تم اختطافها في مطار صنعاء قبل أسابيع وهي تنقل الحجاج اليمنيين من السعودية إلى الرياض. وأن رحلات نقل الحجاج اليمنيين سوف تسـتأنف بالإضافة لاستئناف الرحلات بين مطار صنعاء ومطار عمَان الأردني.
وأفادت مصادر مطلعة لمركز سوث24 آنذاك أن مجلس القيادة الرئاسي اليمني أقر بالإجماع تجميد إجراءات شركة طيران اليمنية ضد الحوثيين. ولم تأكيد هذه المعلومات أو نفيها رسمياً من أي طرف، لكن رحلات نقل الحجاج اليمنيين انطلقت بالفعل يوم 5 يوليو.
ومع ذلك، قالت وسائل إعلام محلية يوم الثلاثاء 9 يوليو إن جماعة الحوثيين منعت طائرة لليمنية من الإقلاع إلى مطار عمّان الدولي، رغم بيع جميع تذاكر الرحلة. وهو ما يرجح أن ملف طيران اليمنية عاد إلى مصفوفة الأزمة بعد اصطدامه بتفاصيل جديدة تتعلق على الأغلب بأموال تذاكر السفر التي يشتريها اليمنيون بالدولار الأمريكي.
النتائج
ومع هذه النتائج، يمكن القول إن تداعيات إخفاق مفاوضات مسقط تتجلى الآن بشكل رئيسي في ملف الأسرى والمحتجزين اليمنيين الذين لم تشملهم صفقات التبادل التي كان آخرها في أبريل 2022، وهو ما يعني تضاعف المعاناة الإنسانية؛ لاسيما مع تواتر شهادات حول معاملة قاسية ومهينة يتعرض لها السجناء والأسرى لدى الحوثيين. كان مركز سوث24 قد تفرد بنشر جانب منها سابقًا.
على مستوى أكثر شمولًا، وبالنظر لتهديدات الحوثيين للسعودية، قد تمتد نتائج إخفاق هذه المفاوضات وأي مفاوضات سرية كانت تتم بالتزامن معها إلى تغيير في حالة خفض التصعيد التي استمرت بشكل نسبي منذ انتهاء الهدنة الأممية في اليمن في أكتوبر 2022 دون تجديد.
وإذا لم يحدث هذا، فقد حصل الحوثيون على الأرجح على مطالبهم بشأن إلغاء الإجراءات الاقتصادية الأخيرة للحكومة اليمنية ونجحوا في إرضاخ السعودية.
ومن ناحية، قد يكبح هذا رغبة الحوثيين في شن الحرب، لكنه قد يشعل شرارة توتر وانقسام غير مسبوقة داخل المجلس الرئاسي اليمني، وجنوب اليمن، مع استمرار حصار الحوثيين المفروض منذ أكتوبر 2022 على صادرات النفط والغاز بعد هجمات درون استهدفوا فيها موانئ نفطية جنوبية.