18-10-2020 الساعة 11 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| بدر محمد
بإعلان إيران، يوم السبت، عن وصول سفيرها «حسن إيرلو» وطاقم عمله الدبلوماسي إلى العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسلطة جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، منذ سبتمبر 2014، تبدو الحكومة اليمنية، التي تُقيم في الرياض، وتخضع لسيطرة الإخوان المسلمين وكأنّها قد حررّت اتهاماً رسمياً للحوثيين بـ "الانقلاب" والتبعية لإيران في أول خطاب سياسي رسمي لها وجهته للمجتمع الدولي والأمم المتحدة، - لإنقاذ شرعيتها – في الوقت الذي لم تحرّر فيه صنعاء عسكرياً.
بالمقابل حتى اللحظة لم تستطع الحكومة، الذي انحسرت مساحة سلطتها إلى مشارف مدينة مأرب، تحرير اتهاماً رسمياً للمجلس الانتقالي الجنوبي بـ "الانقلاب" عليها في عدن، عاصمتها المؤقتة، التي طردها المجلس الانتقالي الجنوبي منها في أبريل الماضي، باستثناء اتهام آلتها الإعلامية والسياسية للمجلس بـ "التمرد والتبعية للإمارات"، حد وصفها.
بعض الروابط التساهمية لمعادلة الصراع في اليمن:
يتفق الحوثيون والحكومة في اتهام عدن بالتبعية للإمارات وحلفاءها، بينما يتفقُ الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي في اتهام صنعاء بالتبعية لإيران. يُقدّر ويقدّم المجتمع الدولي وجهة نظر الحكومة والانتقالي الجنوبي حيال الوضع في صنعاء ويعززها بإعلانه الصريح عن دعم "اتفاق الرياض السياسي".
ولصفة الحوثيين "الانقلابية" أولاً، وأهمية صنعاء كعاصمة للبلاد ثانياً، تكون الأخيرة قد نالت حق السبق والمبادرة بالحل العسكري والسياسي لإنهاء وضع "الانقلاب". تحت ضغط المجتمع الدولي لإنجاز اتفاق الرياض، تُبدي الحكومة موافقة شكلية يشذُّ عنها أداؤها الإعلامي والعسكري الذي يصعّد من وتيرة الحرب على عدن.
يختلف الحوثيون والانتقالي الجنوبي في اتهامهما للحكومة اليمنية المقيمة في الرياض، ففي حين يتهمها الحوثيون بالتبعية والارتهان لـ "العدوان السعودي"، يتهمها الانتقالي بتنفيذ الأجندة القطرية التركية والتبعية لهذا المحور. من الواضح أنّ بقاء الحكومة في المنطقة الضبابية مرتبط بوضوح الاختلاف في الرؤية والتشخيص الجزئي لكل من الحوثيين والانتقالي.
إذا كانت صنعاء والشمال عموماً تقع في حكم التبعية لإيران. وإذا صحّت التهمة لعدن بمضيقها البحري الهام وجزرها، بالتبعية للإمارات وحلفاءها الجدد – كما تزعم الحكومة -، فأين هو "الحُمّص" السعودي من المولد اليمني الذي أقامته وأحيت مراسيمه الأولى؟ ربما هو ذلك الذي تربض فوقه الحكومة اليمنية، وتتقاطع معه مصالح بعض دول الاتحاد الأوروبي، على وجه الخصوص. إذن وبعيداً عن البحث، هل هي المصالح التي تجمع أم تفرّق هذه الأطراف؟
الجدير بالذكر، أنّ جميع هذه الأطراف تُرسل مؤشرات سياسية تتودد الجماعة الحوثية. على الأقل الأبرز منها الطرف الحكومي والطرف الأوروبي بينما يبدو الطرف السعودي كذلك، بصمته على أداء الحكومة اليمنية.
يشّكل ميناء بلحاف المطل على البحر العربي جنوب محافظة شبوة، رأس حربة لصراع ما مازالت أطرافه تصنع "سوقاً فوضوية" من التجاذب والتنافر في مجال جاذب متعدد الأقطاب، حيث يبدو التوهان في هذه المنطقة سيد الموقف بينما الثبات المركزي لكل من صنعاء وعدن، صنع قطبيةً ثابتة واستقطاب مُسلط ومُساهم في توهان المنطقة متعددة الأطراف.
هذا ربما يفسّر تناول هذه الأطراف للحلول السياسية المهدّئة لمخاوفها وقلقها المتصاعد حالياً، حيث يغضّ كل طرف نظره عن عيوب الآخر وفساده تارة، وتارة أخرى يدفع بأدواته الخاصة لتتحدث عن خروق وانتهاكات الآخر كوسيلة ضغط للبقاء مجتمعين على المصلحة المشتركة.
لهذه الضغوطات البينية روابط تساهمية أخرى:
يتفق التناول الأوروبي عن الخروقات والانتهاكات السعودية في اليمن مع تناول وسائل إعلام موالية لجماعة الإخوان المسلمين، المسيطرة على قرار الحكومة اليمنية.
يتفق بعض التناول الأوروبي مع بعض تناول وسائل إعلام موالية للسعودية في الحديث عن انتهاكات الحكومة اليمنية وأجندة جماعة الإخوان وارتباطها الوارد "بالتنظيمات الإرهابية وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة." بينما الاتفاق السعودي الحكومي يَكمن في التهديد الفعلي للمصالح الأوروبية على الأرض.
يبدو أنّ السير في تنفيذ الشق السياسي من اتفاق الرياض وتشكيل الحكومة الجديدة لن يساهم في حلحلة انسجام المصالح المشتركة بين تلك الأطراف، طالما وهي قائمة على عامل التواجد العسكري على الأرض. فمثلما استطاعت الجماعة الحوثية – بصفتها الانقلابية - تغليب لغة المصالح على ما دونها من مواقف، يستطيع الإخوان المسلمون فعل نفس الشيء من خارج صفتهم الحكومية طالما وهي تتواجد على جغرافيا المصالح والثروات.
فقط ما ستوفرّه سرعة تنفيذ الشق السياسي من اتفاق الرياض هو مشروعية تنفيذ الشق العسكري بالقوّة، أي الانتقال، على الأرجح، لموجة صراع هي الأعنف، تتهاوى معها كل الحلول المهدّئة وتظهر بوضوح المواقف السياسية الصريحة التي لا تقبل القسمة على أكثر من واحد.
في ظلّ ذلك يبرز دوُر المبعوث الخاص إلى اليمن مارتين غريفيث ومساعي "الإعلان المشترك" وهو يدفع بالمشهد بعيداً عن عدن واتفاق الرياض، ويكافح لشقّ كرة الأزمة على طاولة "عرجاء".
باحث زميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- سوث24 للأخبار والدراسات