30-09-2020 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| ترجمة خاصة
تُعتبر طائرات الشحن الأذربيجانية التي تهبط في قواعد القوات الجوية الإسرائيلية في النقب مشهدًا مألوفاً نسبياً، الأمر الذي يدللّ على صفقات الأسلحة الواسعة بين البلدين. لكن تواتر وصول طائرتا الشحن إليوشن إيل 76، التي هبطت في عوبدا (جنوبي النقب) يوم الخميس الماضي، وقبل يومين فقط من تصعيد كبير في الصراع الدائر بين أذربيجان وأرمينيا، تليهما طائرتان أخريان يومي الثلاثاء والأربعاء - تشير جميعها إلى تحظير وتجديد القوات الأذربيجانية للمعارك الأخيرة حول منطقة ناغورنو كاراباخ، التي دخلت الآن يومها الرابع.
امتنعت الحكومة الإسرائيلية عن الإدلاء بأي تصريحات حول الوضع في جنوب القوقاز. رسميا لا تنحاز إلى أي طرف، ولديها أيضا علاقات دبلوماسية مع أرمينيا، التي فتحت قبل أسبوعين فقط أول سفارة لها في تل أبيب. يؤكّد المسؤولون الإسرائيليون أنّ "لدينا مصالح على كلا الجانبين"، وإسرائيل بالتأكيد لن تتحدى علنًا الحكومة الروسية، التي تُعد واحدة من رعاة أرمينيا (على الرغم من أنها تبيع الأسلحة إلى أذربيجان أيضًا).
إنها ليست فقط صفقات الأسلحة المربحة، التي يقال إنها تشمل طائرات بدون طيار وصواريخ وأنظمة رادار. تَعتبر إسرائيل أذربيجان حليفاً استراتيجياً، فهي مصدر الكثير من النفط الذي تشتريه إسرائيل، وبسبب موقعها الجغرافي، فهي "باب خلفي" مفيد للغاية لجارتها إيران لأغراض الاستخبارات والأغراض السرية الأخرى - خاصة وأن الدولة ذات الأغلبية الشيعية هي دولة علمانية ولديها ارتياب منذ فترة طويلة في الطموحات الثورية للجمهورية الإسلامية في جنوبها.
لكنّ العلاقات العرقية الأذربيجانية أقوى بكثير مع قوة إقليمية أخرى، تركيا - التي، وفقًا للتقارير الواردة من ناغورنو كاراباخ، ومعظمها من مصادر أرمنية، أكثر انخراطاً في هذا التصعيد الحالي أكثر من السابق. يزعم الأرمن أنه يتم استخدام طائرات تركية بدون طيار، وأن مقاتلة تركية من طراز F-16 أسقطت إحدى طائراتها، وحتى أنّ مقاتلين سوريين من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا قد انتشروا هناك. نفت تركيا التقارير التي تتحدث عن تورطها عسكريا، لكنّها تدعم جهاراً أذربيجان.
لأول مرة منذ فترة طويلة، يبدو أن إسرائيل تقف في نفس الجانب مع تركيا. هل هذه مصلحة مشتركة مؤقتة ومصادفة، أم علامة على استمرار بعض عناصر التحالف القديم بين إسرائيل وتركيا؟
على مدى السنوات الـ 12 الماضية، منذ حملة "الرصاص المصبوب" الإسرائيلية في غزة، كانت العلاقات بين البلدين في مسار هبوطي ثابت. في السنوات القليلة الأولى، كان هناك من لا يزال يعتقد أنه وضع مؤقت، بسبب محاولات رجب طيب أردوغان تعزيز موقعه في المنطقة.
اليوم، وعلى الرغم من ذلك، فالإجماع في المؤسسة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية هو أنّ أردوغان الاستبدادي المتزايد هو معاد للسامية غير قابل للتعافي، وأنه طالما أنه زعيم تركيا، فليس هناك أي احتمال لتحقيق تحسن حقيقي في هذه العلاقات.
على الرغم من أنّ تركيا نفسها لا تزال تحتفظ بعلاقات دبلوماسية منخفضة المستوى وعلاقات تجارية شاملة مع إسرائيل، فقد أدان أردوغان بشدة "التطبيع" الأخير للعلاقات والاتفاقيات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين. في السنوات الأخيرة، بدأت تركيا في استضافة قادة حماس البارزين، مما سمح لهم بإنشاء مكاتب في اسطنبول وحتى منح بعضهم الجنسية التركية. ويرجع ذلك جزئيًا إلى رغبة أردوغان في تصوير نفسه على أنه حامي الفلسطينيين وتقاربه الشخصي مع جماعة الإخوان المسلمين، التي فقدت قاعدتها الأصلية في مصر بعد انقلاب 2013 ضد الرئيس محمد مرسي حينها.
الجدل داخل المخابرات الإسرائيلية حول ما إذا كان الانفصال مع تركيا مؤقتاً وفقط بسبب أردوغان أو ما إذا كان يمثّل تحولاً أعمق لا يزال مستمراً. يعتمد ذلك، إلى حدٍ كبير، على العلاقات الشخصية لأي مسؤول معيّن مع المعاصرين الأتراك في الماضي. على سبيل المثال، قال ضابط كبير في سلاح الجو الإسرائيلي، والذي كان منذ ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمان لا يزال يتدرب في المجال الجوي لتركيا ويواصل الحفاظ على العلاقات مع المعاصرين الأتراك من خلال منتديات الناتو المختلفة، أنه مقتنع بأنّ "تركيا ليست عدوًا وسوف تكون حليفاً وثيقاً مرة أخرى بمجرد رحيل أردوغان".
جندي أرميني يطلق قذيفة مدفعية أثناء القتال مع القوات الأذربيجانية ناغورنو كاراباخ، 29 سبتمبر، 2020. (اسوشيتد برس)
من ناحية أخرى، فإن مسؤولي المخابرات الذين شاهدوا كيف يتم توجيه عمليات حماس في الضفة الغربية بشكل متزايد من إسطنبول - وكيف أصبحت المخابرات التركية تحت سيطرة المقربين من أردوغان الذين يميلون إلى العمل عن كثب مع إيران - مقتنعون أنه حتى لو أُجبر أردوغان على الاستقالة، أو مات، فقد يواصل خلفاؤه سياساته.
وقال محلل استخباراتي: "من المؤكّد أنّ الأمر سيستغرق سنوات حتى تعود العلاقة التي كنا بحاجة إليها من قبل". "الاختبار سيكون ما إذا كانت مكاتب حماس مغلقة".
على الرغم من تعاون الجانبين، فإن العداء التاريخي بين العثمانيين والفرس، والتنافس على السيطرة في مختلف النقاط الساخنة في جميع أنحاء المنطقة، يجعل من الصعب على تركيا وإيران إنشاء تحالف دائم.
كانت إيران أحد الداعمين الرئيسيين لأرمينيا في ناغورنو كاراباخ، مما خلق لإسرائيل فرصة للحوار عبر القنوات الخلفية مع تركيا في عهد أردوغان.. (.)
لعقود من الزمان، كان حلفاء إسرائيل في المنطقة هم القوى غير العربية، تركيا وإيران، اللتين انضمتا إلى إسرائيل في "تحالف الأطراف" غير الرسمي، الذي قضت عليه الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979 ثم صعود أردوغان منذ عام 2003.
أصبحت إسرائيل، الآن، أقرب من أي وقت مضى إلى الكتلة الموالية للغرب من الدول العربية التي تشمل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر، والتي تشترك في عداء إسرائيل لإيران وتركيا، وتتنافس معها على الهيمنة الإقليمية في سلسلة من الصراعات بالوكالة في سوريا واليمن ولبنان وليبيا.
إنّ شحنات الأسلحة إلى أذربيجان واندلاع القتال في ناغورني كاراباخ هو تذكير بأنّ تحالف الطرفين (تركيا – إسرائيل) قد لا يكون ميتاً تماماً.
- هذه المادة مقتبسة بالإنجليزية، عن صحيفة هآرتس الاسرائيلية، 30 سبتمبر 2020
- ترجمة ومعالجة: مركز سوث24 للأخبار والدراسات