متظاهر يمني يرفع لائحة تطالب بوصم الحوثي كجماعة إرهابية (الصورة: إعلام يمني)
04-11-2022 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | وضّاح العوبلي
أقرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، بعد اجتماع مجلس الدفاع الوطني المنعقد في عدن يوم 22 أكتوبر الماضي، بتصنيف جماعة الحوثيين كـ "منظمة إرهابية"، وهو تصنيف اعتمد المجلس في إصداره على مواد ومعايير تصنيف المنظمات والجماعات الإرهابية الواردة في اتفاقيات عربية ودولية خاصة بتصنيف الجماعات الإرهابية، واليمن إحدى الدول التي صادقت على تلك الاتفاقيات. لقد كان هذا التصنيف مدفوعاً برد فعل حكومي على الاعتداءات التي نفّذتها جماعة الحوثي ضد ميناء الضبّة النفطي بحضرموت يوم الجمعة 21 أكتوبر، وتبنّت الجماعة هذه العملية في بيان لناطقها العسكري في نفس اليوم[1].
ليست المرة الأولى التي يتم فيها تصنيف جماعة الحوثي كـ "منظمة إرهابية"، ففي يناير 2021 صنّفت الإدارة الأمريكية الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية"، في آخر يوم لسلطة الرئيس السابق دونالد ترمب، رغم التحذيرات من تبعات التصنيف على الجانب الإنساني والاقتصادي على اليمنيين[2]. هذا التصنيف تراجع عنه الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، في 16 فبراير 2021. بررت إدارته القرار بأنه يأتي لدواعٍ وأسباب إنسانية، ولإتاحة الفرصة للمسار السياسي، لكن الجماعة الحوثية ما لبثت حتى نفّذت أكبر عملية تصعيد عسكري في جبهات مأرب وشبوة، إذ بدأت موجة التصعيد هذه بعد فترة تهدئة امتدت طوال العام الأخير من فترة الرئيس ترامب.
علاوةً على ذلك، تمّ تحريك موضوع تصنيف جماعة الحوثيين في الربع الأول من العام الحالي، وكان ذلك عقب الاعتداءات التي نفّذتها الجماعة بالطائرات المسيّرة والصواريخ التي استهدفت منشآت وبنى تحتية مدنية في دولة الإمارات. وشهد موضوع التصنيف حينها نقلة نوعية أعادت إحياء النقاشات الدولية بهذا الشأن إلى الواجهة مرة أخرى. وقد حقّقت الدبلوماسية الإماراتية آنذاك تقدماً كبيراً في أمر التصنيف وانتزعت قرار 2624 (2022) من مجلس الأمن، الذي أدان "اعتداءات الحوثيين" ووصفها بـ "جماعة إرهابية"[3]، وأَدرج جماعة الحوثي بموجبه تحت قائمة العقوبات الأممية الخاصة وفقا لقراراته السابقة ذات الصلة. وبعد ذلك بأيام أدرجت الجامعة العربية في اجتماع لوزراء الداخلية العرب جماعة الحوثيين ضمن القائمة السوداء لممولي ومنفذي ومدبري الأعمال الإرهابية[4]. في حقيقة الأمر، كانت عدداً من الدول الإقليمية والخليجية قد تبنّت مواقف تطالب فيها بضرورة إدراج جماعة الحوثي ضمن قوائم الجماعات الإرهابية، بعد هجمات الحوثيين "العدائية، التي اعتبرتها بعض الجهات ذات العلاقة؛ بأنها ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
معايير التصنيف
تعتمد الحكومات في تصنيف الكيانات الإرهابية على مجموعة من المعايير، منها ما هو مشمول في القوانين والدساتير الداخلية والخاصة بمكافحة الإرهاب في البلد، ومنها ما تنطلق الحكومات لتنفيذه اعتماداً على التزاماتها بمواد البروتوكولات والمواثيق والاتفاقيات الإقليمية والدولية، وهي كلها مرجعيات قانونية مُلزمة للحكومات الموقعة عليها. وهذه المرجعيات مُفعلة، وهي من مكّنت الحكومة اليمنية من اتخاذ قرار التصنيف على المستوى المحلي، ويمكنها تسويقه دبلوماسياً إلى جميع الدول الموقّعة على تلك المواثيق والمعاهدات والبروتوكولات، لتشريع موافقة حكومات تلك الدول على هذا القرار والعمل بأحكامه وتطبيق ما يلزمها من إجراءات إزاء الحوثييين.
ورد في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقّعة في القاهرة عبر وزراء الداخلية والعدل العرب بتاريخ 1998/04/22 [5]، بتشديد العقوبات والمعاقبة على الشروع في الجرائم الإرهابية وتجميد ومصادرة الأموال المتحصّلة من الجرائم الإرهابية، وأقرّت وصادقت على عدد من الاتفاقيات الدولية. ومن أبرز الاتفاقيات الدولية التي يمكن أن تنطبق على "اعتداءات" الحوثيين على مطار عدن الدولي في ديسمبر عام 2020، وكذلك ميناء الضبّة النفطي في حضرموت في أكتوبر 2022، وتبرر تصنيفها كـ "جماعة إرهابية"، اتفاقية مونتريال الخاصة بقمع الأعمال غير المشروعة ضد سلامة الطيران المدني والبروتوكول الملحق بها والموقع في مونتريال بتاريخ 1984/5/10. بالإضافة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1983، وما يتعلق منها بالقرصنة البحرية والاعتداء على الموانئ[6].
كما أنّ هناك اتفاقيات أخرى، قد تلجأ الحكومة اليمنية للاعتماد عليها في هذا التصنيف، ولا يُعتقد أن هناك ما يجعل معايير التصنيف منقوصة أو مشكوكاً في شرعيتها مقارنة بأفعال الحوثيين ذات الصلة.
اختلال المعايير الدولية
بعيداً عن الانحيازات والمواقف السياسية الخاصة، فهناك ما يمكن اعتباره "اختلال معايير، من المنظور اليمني على الأقل، أدى إلى تأرجح واضح في المواقف والسياسات الدولية الخاصة بتصنيف ومكافحة الجماعات الإرهابية. على سبيل المثال، صنّف المجتمع الدولي عددا من الجماعات الدينية "الإسلامية" المتشددة كجهات "إرهابية"، ، بينما يتلكأ في اتخاذ نفس الموقف من حركة الحوثيين، التي أعلنت مسؤوليتها مرارا عن استهداف المشآت المدنية والمرافق الحيوية بواسطة الطائرات المسيرة الانتحارية، كما فخخت قوارب وطوربيدات وزوارق مسيّرة لاستهداف السفن، ولا تزال تهدد باستهداف ممرات الملاحة والمضائق البحرية كـ "باب المندب". هذه الأعمال يفوق خطرها، بلا شك، خطر "الدراجات النارية والسيارات المفخخة"، التي قادت لإدراج عدد من الجماعات في قوائم المنظمات الإرهابية المعتمدة في مجلس الأمن والأمم المتحدة.
من المهم القول، إنّ الوقوف بتجرّد أمام هذه المفارقات، وبحساب المقارنات المعيارية المنصفة بين أعمال تلك الجماعات المصنّفة على لوائح "الإرهاب"، وبين أعمال جماعة الحوثي في الجهة الأخرى، فإنّ هناك ما قد يعززعمليا تصنيف الحركة المدعومة من إيران كذلك.
انعكاسات التصنيف
يمكّن تصنيف الحوثيين المحلي، الحكومة الشرعية أن تمضي قدماً في تشريع وتنفيذ اجراءات وخطوات تنفيذية تجني بها استحقاقات وعوائد على الصعيد الداخلي، مثل الاجراءات التي ستنطبق على شركات الصرافة والمؤسسات التجارية ورجال الأعمال الذين يثبت تورطهم في أي تعاملات مع جماعة الحوثي.
كما أنّ بإمكان الحكومة أن تلجأ لعدد من الخطوات على الصعيد العربي والإقليمي، وتحقيق الضغط اللازم على جماعة الحوثي عبر تقديم ملف التصنيف إلى الجامعة العربية للتصويت والموافقة عليه. وقد دعا بالفعل رئيس مجلس القيادة الرئاسي، خلال قمة الجزائر الأخيرة، إلى تصنيف الحوثيين على قائمة "الإرهاب".[7] عملياً، إذا ما تم ذلك، فسيكون من الصعب على الحوثيين السفر أو الاعتراف بالجواز الصادر من مناطقهم، أو التعامل معهم من أي جهة رسمية أو شبه رسمية في أي بلد من البلدان المنضوية تحت مظلة الجامعة العربية. وإن حصلت بعض التجاوزات من أي بلد فسيكون بإمكان الحكومة اليمنية الاعتراض عليها، واعتبارها إخلالا بالالتزامات. فخطوة كهذه سيكون لها تبعات على تلك الدولة في الفقه والعرف الدبلوماسي.
سياسياً، سيكون لزاماً على جميع الدول العربية -في حال تم التصويت في الجامعة العربية- أن تتعامل مع جماعة الحوثي كأيّ جماعة إرهابية، وأن تُطبّق عليها نفس الاجراءات المطبقة على تلك الجماعات، ومنها محاصرة التحويلات المالية إلى مناطق سيطرتها وتعريض أصحابها للمساءلة. أما في حال بقاء التصنيف الحكومي للحوثيين نظريا، دون أي عمل دبلوماسي لحشد المواقف المنسجمة مع هذا التصنيف، فإنّ التفاؤل بإمكانية حدوث تغيير واضح في المشهد السياسي والعسكري، سيبقى ضئيلا، وسيكون التصنيف مجرد "حبر على ورق" ولا يتجاوز تأثيره خارج دائرة الاستهلاك الإعلامي المؤقت. وفي هذه الحالة ستتعرض الحكومة لحرج كبير، وستضيف إلى رصيدها إخفاق إضافي آخر.
في الوقت الحالي، مهما كانت المعايير القانونية التي تنطلق منها الحكومة لهذا التصنيف، ومهما كانت شرعيتها بذلك، إلا أن الإجراءات الحكومية وحدها لتطبيق مستحقات مثل هذا التصنيف قد تكون محدودة في قدرتها على تحقيق الضغط اللازم في هذا السياق على جماعة تعتمد بشكل أساسي على "التهريب والجبايات"، كما أنّ الحكومة ستصطدم بمواقف دولية وأممية ترى أنّ التصنيف سينعكس بعواقب سلبية على الجوانب الإنسانية في اليمن كما جرت العادة.
وبما أنّ الجانب العسكري مرتبط ارتباطاً مباشراً بالجانب السياسي، فإنّ أي تطورات عسكرية ستبقى مرهونة ارتهاناً كلياً بالتطورات السياسية وبما ينبثق من سلسلة المواقف الدولية والإقليمية المتشابكة في كثير من الجوانب المعقدة، وتحديداً خلال الفترة الأخيرة التي تلت الحرب الروسية الأوكرانية، وما انعكست به على سياسات ومواقف المجتمعين الدولي والإقليمي وصولاً إلى قرار أوبك+ بتخفيض إنتاج النفط، والذي بدوره انعكس بتحوّلات في المواقف والسياسات الدولية، الأمر الذي سيؤثّر بشكل مباشر على أطراف الصراع في اليمن ومن يمثّلها ويقف خلفها على المستوى الإقليمي.
من ناحية أخرى، يشكّل قرار تصنيف الحوثيين كـ "جماعة إرهابية" من قبل الحكومة اليمنية، أساس قانوني يمكن البناء عليه كإطار تشريعي لأي تحرك عسكري، إذا ما أخفقت الجهود الدبلوماسية للحل. لكن هذا التحرك قد لا يكون ممكناً إلا مع توفّر الظروف الإقليمية والدولية المناسبة.
مراجع: