القيادي فادي باعوم ورئيس الجمعية الوطنية أحمد بن بريك (رسمي)
01-09-2022 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
في 29 يونيو 2021، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي عن تشكيل "لجنة حوار خارجي" ضمَّت عددا من الشخصيات الجنوبية في الخارج، للحوار مع المكونات الجنوبية المختلفة والتواصل مع الأفراد والشخصيات غير المنتمية للمجلس لتحقيق التقارب والاصطفاف.
وبعد أكثر من عام من العمل المستمر وعشرات اللقاءات في عواصم عربية وأوروبية مع مكونات وأفراد جنوبيين، نجحت هذه الجهود في التوصل لبعض التفاهمات أفضت لعودة قادة جنوبيين بارزين إلى عدن مثل رئيس المكتب السياسي للحراك الثوري الجنوبي فادي باعوم الذي وصل المحافظة في 21 أغسطس الماضي.
ولم يقتصر التقارب الجنوبي على المكونات والقادة في الخارج فقط، حيث استطاع المجلس الانتقالي الجنوبي التوصل لتفاهمات هامة مع قوى عسكرية في محافظة أبين في الداخل؛ أدَّت لإنهاء خصومة استمرت لأعوام في المحافظة الواقعة إلى الشرق من عدن.
وتزامن هذا التقارب الجنوبي مع متغيرات سياسية وعسكرية هامة على الساحة اليمنية كان أبرزها مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في المجلس الرئاسي الجديد الذي يقود البلاد من عدن، وسيطرة القوات الجنوبية على محافظة شبوة الغنية بالثروات الطبيعية.
وعلى الرغم من ذلك، لا زال هنالك الكثير من المكونات والشخصيات الجنوبية في الداخل والخارج التي يحتاج المجلس الانتقالي الجنوبي للوصول إليها والتفاهم معها للاصطفاف مع مؤسساته وقواعده في عدن والجنوب، وهو الأمر الذي دفع رئيس المجلس، عيدروس الزبيدي، لإصدار قرار بتشكيل فريقين للحوار الجنوبي.
ونص القرار الصادر في 27 أغسطس الماضي على تشكيل فريق حوار خارجي، تمخض عن الفريق السابق، بقيادة الشخصية الجنوبية البارزة المقيمة في أوروبا أحمد عمر بن فريد، ولجنة حوار داخلي برئاسة صالح محسن الحاج.
تقارب وتلاحم
تزامناً مع وصول قيادة المكتب السياسي للحراك الثوري إلى عدن، أعلنت القوات الجنوبية عملية "سهام الشرق" في محافظة أبين التي تستهدف "الجماعات الإرهابية".
وخلال ساعات فقط، دخلت القوات الجنوبية مدينة شقرة الساحلية بتفاهم وتنسيق مع قوات محور أبين التي كانت على خلاف مع المجلس الانتقالي.
وعلى مدى الأيام اللاحقة، تسلمت القوات الجنوبية مناطق ومعسكرات ومواقع في مديريات أبين الوسطى، فيما عادت قيادة شرطة المحافظة إلى مقرها الرئيسي في مدينة زنجبار، عاصمة المحافظة، التي كانت تحت سيطرة قوات الحزام الأمني.
وعلى الرغم من أن هذه الترتيبات تأتي تنفيذا للشق العسكري من اتفاق الرياض، إلا أنَّها مثلت بالنسبة للجنوبيين تقدما فارقا في مسار التقارب والتلاحم بين المجلس الانتقالي الجنوبي والمكونات المدنية والعسكرية الجنوبية الأخرى.
وعمَّا حدث في أبين من كسر لجليد الخصومة، قال مدير شرطة محافظة أبين العميد علي الكازمي، لـ "سوث24": "نعلَّق آمالنا على أن الخلافات انتهت، وأن الجنوبيين استوعبوا الدرس الذي لم يستوعبوه في مراحل سابقة".
وأضاف المسؤول الذي قاد إحدى جبهات عدن في 2015: "لقد جربنا واكتوينا بنار الحرب والشتات والتفرقة. لقد رأينا واقعا. على المستوى الشخصي، استوعبت الدروس وأتمنى أن يستوعبها الآخرين".
وتطرَّق الكازمي إلى الترتيبات والتفاهمات الأخيرة مع القوات التابعة للمجلس الانتقالي واصفا ذلك بأنَّه "أشبه بالمعجزة". وأردف: "كان هناك تعاون كبير بيننا تمخض عنه اتفاق أنهى قتالا متواصلاً استمرّ ثلاث سنوات".
وتابع: "أخذنا الأمور على أنها ليست جانبا سياسيا، وإنما منظومة أمنية مكتملة من جهاز أمني وحزام أمني، ولم تُطلق رصاصة واحدة عند تنفيذ هذه الترتيبات وهذا يستحق أن يكون درسا تتناقله الأجيال".
مُتعلق: ترتيبات أمنية بأبين تُنهي سنوات من الخصومة
وقال الكازمي: "علاقتنا مع المجلس الانتقالي أخوية، ولا علاقة لها بالشؤون السياسية". وأضاف: "سنعود قريباً إلى عدن وهي بلدي الثاني الذي سكبتُ فيه دماً أكثر منه في أبين".
القادة الجنوبيون في زنجبار بأبين (صبري عسكر)
وحول عودة فادي باعوم وقيادة المكتب السياسي للحراك الثوري لعدن، قال مروان علي الحمومي، عضو الجمعية الوطنية للانتقالي الذي لعب دورا بارزا في تحقيق التوافق: "استمرت قنوات التواصل مع الحراك الثوري خلال الفترة الماضية".
وأضاف لـ "سوث24": "اختلفنا في بعض الجزئيات البسيطة. بعض الخلافات كانت تتأثر بمتغيرات كل مرحلة في السابق إلا أنَّنا استطعنا تحقيق التفاهم الذي نلمس نتائجه اليوم".
وأشار الحمومي إلى أنّ ذلك "ساعد كثيراً على بناء الثقة بين الأطراف"؛ لافتاً إلى أنَّ شعار الانتقالي هو (من لم يأتِ إلينا سنذهب إليه)". وأوضح أنّ "هذا التقارب لا يعني إلغاء رصيد رمز أو مكوّن معيّن، الجميع اجتهد وقدم ما استطاع".
من جانبه، قال الدكتور محمد عبد الهادي، رئيس اللجنة السياسية بالمجلس الأعلى للحراك الثوري [مكون مستقل] لـ «سوث24»: "كلنا نتطلع إلى التقارب الجنوبي، وإلى اللحمة الجنوبيّة ولم شمل الجنوبيين وتجاوز كل آثار الماضي بسلبياته".
وأضاف: "هذا لا يمكن أن يتم إلا بحوار صادق وشفاف يفضي إلى تفاهمات حقيقية ويقود إلى علاقة تنسيقية كاملة مع المجلس الانتقالي وبقية المكوّنات الجنوبية الأخرى. يجب أن يكون هناك تبادل أدوار حقيقة، وأن ننظر بجدية إلى القضايا والتحديات".
لجان الانتقالي
وعن دور فريق الحوار الجنوبي الخارجي خلال الفترة الماضية، قال عضو الفريق، عادل الشبحي لـ «سوث24»: "تمكَّن فريق الحوار الجنوبي منذ تأسيسه من التواصل مع معظم المكوّنات والقوى الجنوبيّة، سواء السياسية أو الاجتماعية بالإضافة للشخصيات والقيادات".
وأضاف: "لقد حرصنا أيضاً على التواصل مع من كان معترضا على فكرة الحوار بذاتها بشكل شخصي. نستطيع أن نقول إن موقف جميع القوى كان إيجابيا مع دعوة الحوار".
وأردف: "لقد أبدت القوى الجنوبية حرصا ومسؤولية تجاه هذه المهمة وأهمية توحيد الصف الجنوبي والمشاركة الجنوبيّة في المرحلة المقبلة، بغض النظر عن اختلافها مع المجلس الانتقالي الجنوبي".
وتطرق الشبحي إلى اللقاءات التي أجرتها لجنة منذ العام الماضي: "لقد أجرينا أكثر من 50 لقاء خلال شهر واحد في العام الماضي، مع مكوّنات وشخصيات جنوبيّة".
وأضاف: "وانتقلنا إلى الرياض بالتزامن مع المشاورات ولم نستثني أحدا. ثم انتقلنا إلى جدة والتقينا هناك بشخصيات مهمّة في العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي".
وفي حديث لـ "سوث24"، قال عضو فريق الحوار الجنوبي الداخلي – المشكل مؤخراً عبد الناصر الجعري، لـ «سوث24»: "كُلفنا بالحوار مع جميع المكوّنات، والجهود متواصلة ومؤشراتها إيجابيّة".
وأشار الجعري إلى أنّ "مهام اللجنة تأتي امتداداً لمهام وتفاهمات اللجنة والمرحلة السابقتين". وأضاف: "نحن مستعدون للحوار مع كل القوى الجنوبيّة دون استثناء. لا يوجد لدينا أي تحفظات عن أي شخصية أو مكوّن جنوبي".
نقاط مشتركة
بشكل أساسي، يُشكَّل هدف استعادة دولة الجنوب المستقلة الأرضية المشتركة التي يقف عليها تقارب المجلس الانتقالي الجنوبي والمكونات الأخرى التي يجمعها مع قيادة الانتقالي تاريخ مشترك في الحراك السلمي الجنوبي [2007].
ويضم الانتقالي السواد الأعظم من الشخصيات والمكونات الجنوبية التحررية، فيما لا تزال هناك مكونات عديدة أخرى لا تنضوي في إطار هذا المجلس؛ هي التي يسعى الأخير للتقارب معها عبر لجان وفرق الحوار التابعة له.
وبشأن النقاط المشتركة التي يعتمد عليها عمل فريق الحوار التابعة للانتقالي في الإقناع والتفاهم، قال الشبحي: "الجنوب بالنسبة لنا قضية عامة وهو وطن يؤمن به الجميع. هناك أمور كثيرة تجمعنا كإخوة مع كل القوى الجنوبيّة".
وأضاف: "صحيح، قد تختلف وجهات النظر لكننا متفقون دائما على أهمية الدفاع عن الجنوب واستعادة الوطن الجنوبي وتوحيد الصف وتكوين فريق مشترك للحديث باسم القضية الجنوبيّة في الخارج".
وأردف: "ذلك مهم خصوصا أنَّنا مقبلون على عملية سلام أقرَّها المجتمع الدولي ونحن جزء من هذه العملية السياسية باستقلالية أقرتها مشاورات الرياض، كإطار خاص للقضية الجنوبيّة".
ويقر القيادي بالحراك الثوري محمد عبد الهادي بوجود مكونات وقوى جنوبية غير متحمسة بذات القدر لاستقلال الجنوب كدولة.
وقال عبد الهادي: "هناك مكونات لديها مشاريع أخرى، مثل: مشروع الدولة الاتحادية أو الأقاليم أو غيرها". وأضاف: "بالنسبة لنا هدفنا هو استعادة الجنوب أرضاُ وإنساناً بحدوده ما قبل العام 1994".
وعن علاقة المجلس الأعلى للحراك الثوري مع الانتقالي، قال الدكتور عبد الهادي: "علاقتنا جيّدة، وقد بدأنا مشاورات الحوار عندما شكّل المجلس الانتقالي اللجنة، وكنا أول من رحب بالحوار".
وأشار عضو فريق الحوار التابع للانتقالي عادل الشبحي إلى لقاء قيادة المجلس بشخصيات جنوبية تتزعم مكونات لا تُصنف ضمن الحراك الجنوبي الذي نادى باستقلال الجنوب.
وقال الشبحي: "حدثت لقاءات مكثفة بين الرئيس عيدروس الزبيدي ورئيس الائتلاف الوطني الجنوبي الشيخ أحمد العيسي. لقد أبدى الزُبيدي كثيراً من الحرص في هذه اللقاءات ونحن نعمل بتوجيهات مباشرة منه في هذا المجال".
شق الصف الجنوبي
في 13 يناير 2006، شهدت منطقة ردفان بمحافظة لحج الجنوبية مليونية كبرى توافد إليها المشاركون من كل مديريات وبقاع الجنوب حملت اسم "مليونية التصالح والتسامح".
شكَّلت هذه المليونية لحظة فارقة في تاريخ ونضال الجنوبيين، وعملت على طي صفحات غابرة من الماضي شهدت اقتتالا سياسيا في دولة اليمن الجنوبي سابقا قبل أكثر من ثلاثة عقود.
وعلى الرغم من التصالح والتسامح الجنوبي الذي تحول لمبدأ وطني راسخ توج بانطلاق الحراك السلمي الجنوبي، تعرض الجنوبيون لمحاولة بعث الماضي وإثارة الانقسام وشق الصف من خصومهم، لا سيما النظام السابق الذي حكم اليمن.
وعلى مدى الأعوام الماضية، دأبت وسائل إعلام شمالية [الحوثيون وحزب الإصلاح اليمني] على إنتاج مواد مصورة ومكتوبة واستضافة شخصيات للحديث عن الصراعات السياسية في الجنوب.
وفي 19 أغسطس الماضي، بثت قناة الجزيرة القطرية، حلقة بعنوان "الإخوة الإعداء" حول أحداث الصراع السياسي بين أجنحة الحزب الاشتراكي اليمني الذي حكم الجنوب، في 13 يناير 1986.
الحلقة التي توزعت لجزأين ضمن برنامج "المتحري" الذي يعده الصحفي الشمالي جمال المليكي، أثارت حفيظة الجنوبيين نظرا لاحتوائها مقاطع مصورة من أرشيف قناة عدن، يُرجح أنَّه سُرق في فترات سابقة.
الإخوة الأعداء- برنامج المتحري على قناة الجزيرة القطرية
وحول ما بثته قناة "الجزيرة"، قال مدير أمن أبين علي الكازمي: "نحن أبناء اليوم في الجنوب لا يعنينا ما حدث في الماضي. يجب أن نتطلع للأمام ولا ننظر إلى الخلف".
وانتقد الدكتور محمد عبد الهادي، رئيس اللجنة السياسية بالمجلس الأعلى للحراك الثوري القناة القطرية الداعمة للإخوان المسلمين. وأضاف: "مع ذلك من المهم الاستفادة من الماضي لبناء غد أفضل".
ومع تشكيل فريقي حوار داخلي وخارجي من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، قد تشهد الفترة القادمة على الأرجح مزيدا من التقارب الجنوبي في مرحلة هامة ومنعطف حساس يمر به هذا الشعب.