20-11-2020 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| بافيل فيلجنهاور
أصدر الرئيس فلاديمير بوتين مرسوماً يفوّض وزارة الدفاع الروسية بالتوقيع على اتفاق مع السودان لإنشاء قاعدة عسكرية روسية دائمة، أو "محطة إمداد بحرية". سيكون موقع المنشأة البحرية الجديدة قريباً من الميناء التجاري السوداني الرئيسي - بورتسودان - حيث تتمركز أيضاً العديد من زوارق الدوريات التي تضم البحرية السودانية.
ستستمر الاتفاقية لمدة 25 عاماً، مع إمكانية تمديدها لعقد آخر، بموافقة متبادلة. وستكون الحامية البحرية الروسية حوالي 300 جندي مع حرّاس مسلحين لتوفير الأمن. سيتمتع جميع الأفراد الروس المتمركزين محلياً بحصانة دبلوماسية كاملة خارج الحدود الإقليمية.
ستكون القاعدة قادرة على إرساء ما يصل إلى أربع سفن حربية "بما في ذلك السفن التي تعمل بالطاقة النووية".
لن تدفع روسيا أي إيجار للسلطات السودانية، لكنها وافقت على ما يبدو على شحن بعض الإمدادات العسكرية والأسلحة إلى السودان مجاناً بموجب اتفاق إضافي منفصل. ستنظّم موسكو وتدفع تكاليف أعمال البناء لإنشاء القاعدة، بما في ذلك أماكن المعيشة والمستودعات ومرافق الصيانة البحرية والأرصفة. علاوة على ذلك، ستوفّر روسيا دفاعات مضادة للطائرات لتغطية كل من قاعدتها والأصول البحرية السودانية القريبة في بورتسودان.
ولا يذكر مشروع الاتفاق أي قاعدة جوية روسية في السودان بالإضافة إلى محطة الإمداد البحرية المعلنة، لكن يبدو أنه سيسمح للطائرات الروسية باستخدام المجال الجوي السوداني. يقع مطار دولي كبير جنوب بورتسودان، وقد يُسمح لموسكو بالاستفادة منه. يمكن زيادة عدد العسكريين الروس في السودان إلى أكثر من 300 فرد، بحسب مسودة الاتفاقية.
خلال الحرب الباردة، كان الجيش والبحرية الروسية متواجدين في جنوب اليمن، عند مدخل البحر الأحمر، عندما كانت هذه المستعمرة البريطانية السابقة يحكمها نظام ماركسي. علاوة على ذلك، تم نشر القوات الروسية تحت ستار المستشارين العسكريين في إثيوبيا عندما كان هذا البلد يتمتع بنظام ماركسي. كان الجيش الروسي في إثيوبيا منخرطًا في محاربة المتمردين المناهضين للحكومة، في المقام الأول التيغراي، والمتمردين الساعين إلى الاستقلال في إريتريا. تم نشر السفن البحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر لإريتريا (ثم جزء من إثيوبيا) وشاركت في قتال المتمردين.
بحلول عام 1991، مع انتهاء الحرب الباردة والاتحاد السوفيتي، انهار النظام الإثيوبي، وحصلت إريتريا على استقلالها، وانسحب الروس من المنطقة. كانت روسيا قد انسحبت من جنوب اليمن من قبل، حيث غرقت تلك الدولة في حرب أهلية دامية. الآن، عادت موسكو لتؤسس موطئ قدم عسكري في منطقة تعتبرها ذات أهمية استراتيجية.
" كانت روسيا قد انسحبت من جنوب اليمن من قبل، حيث غرقت تلك الدولة في حرب أهلية دامية"
في السنوات الأخيرة، وسّعت موسكو نفوذها عبر إفريقيا. لكن القاعدة في السودان بحرية، لذا فالأمر يتعلق بإبراز القوة خارج القارة في ممرات الشحن البحري للبحر الأحمر التي تربط آسيا وأوروبا وخليج عدن وبحر العرب والخليج والمحيط الهندي.
تحتفظ الولايات المتحدة بقاعدة مهمة من الناحية الإستراتيجية في إقليم جزيرة دييغو غارسيا البريطاني (المحيط الهندي) فيما وراء البحار. وللأسطول الأمريكي الخامس قاعدته الرئيسية في المنامة، البحرين. يقع مقر القيادة المركزية الأمريكية والقيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية في قاعدة العديد الجوية في قطر.
تُسافر مجموعات حاملات الطائرات الأمريكية الضاربة داخل وخارج قناة السويس وعبر البحر الأحمر من القواعد على الساحل الشرقي للولايات المتحدة إلى منطقة الخليج والعودة مرة أخرى. في بعض الأحيان، تُطلق السفن الأمريكية صواريخ كروز وهجمات جوية ضد أهداف في الشرق الأوسط مباشرة من البحر الأحمر، والتي كانت تعتبر آمنة نسبياً حتى الآن.
وفقاً لخبراء عسكريين روس، ستكون القاعدة الجديدة في السودان امتداداً مرحّباً به للقواعد البحرية والجوية الروسية الموجودة في سوريا والتي تم توسيعها الآن لتضم "عشرات السفن الحربية، وتوفر الصيانة والإمدادات جنباً إلى جنب مع الدعم الجوي،" بحسب وزير الدفاع الروسي الجنرال سيرجي شويغو.
تُشير مسودة الاتفاقية مع السودان إلى احتمال وجود سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، لكن سفينة الطاقة النووية السطحية الروسية الوحيدة اليوم هي بيوتر فيليكي (فئة كيروف)، والتي، على ما يبدو، لا تعمل بشكلٍ كامل. لم يتم نشر السفينة مؤخراً خارج بحر بارنتس حيث تنتظر الطراد النووي، الأدميرال ناخيموف، لإنهاء عملية تجديد طويلة ومكلفة في سيفيرودفينسك. بعد أن يُنهي ناخيموف تجديده، يبدو أنه من المقرر أن تحل السفينة (بيوتر فيليكي) مكانه للخضوع لعملية تجديد بدورها.
تم تأجيل خطة البدء في بناء مدمرات عملاقة تعمل بالطاقة النووية من فئة (ليدر) تصل سعتها إلى 20000 طن، ومسلّحة بشكل كبير مثل طرادات فئة كيروف، ولكنها أكثر أناقة وأكثر قدرة على التخفّي، إلى أجلٍ غير مسمى بسبب نقص من المال، وانخفاض أسعار النفط ووباء كورونا. لا يبدو أنّ أي سفن روسية تعمل بالطاقة النووية ستكون متاحة في السودان في أي وقت قريب.
لم تقم روسيا ببناء أي مدمّرات منذ أوائل التسعينيات، عندما تم تصدير العديد من السفن من طراز سوفريميني إلى الصين. وبالتالي، لم يعد لدى البحرية الروسية مدمّرات تشغيلية متبقية اليوم. علاوة على ذلك، واجهت روسيا مشاكل في تجهيز فرقاطات جديدة بمحركات كانت تُنتج قبل 2014 في أوكرانيا - وهي الآن دولة معادية.
"لفرض أي تهديد استراتيجي في المحيط الهندي، يحتاج أسطول البعوض الروسي إلى قاعدة في المنطقة"
تعمل روسيا على توسيع قواتها البحرية من خلال بناء أنواع مختلفة من الفرقاطات وسفن الصواريخ الصغيرة. تم تجهيز العديد من هذه السفن بأنابيب إطلاق عمودية عالمية 3S-14، مما يسمح لها بإطلاق صواريخ كاليبر المضادة للسفن ذات القدرات النووية المختلفة أو بعيدة المدى.
باستخدام صاروخ ذي رأس نووي، يُمكن لطائرة روسية أن تدمّر بمفردها مجموعة حاملة أمريكية، أو دييغو جارسيا، أو أي هدف آخر مهم استراتيجياً. يُجبر الأدميرال الروسي على استخدام هذه السفن الصغيرة كأصل إستراتيجي، ولكن في الحقيقة، هذه السفن الصغيرة لها صلاحية إبحار محدودة ودفاعات جوية ضعيفة وتحمل إمداداً محدوداً من الصواريخ بعيدة المدى.
لفرض أي تهديد استراتيجي فعّال في المحيط الهندي، يحتاج أسطول البعوض الروسي هذا إلى قاعدة في المنطقة لإعادة الإمداد وإعادة التسلّح. لذلك، من الممكن أن يكون البند المتعلق بالسفن التي تعمل بالطاقة النووية في مسودة اتفاقية القاعدة، مجرد قصة تغطية، للسماح لروسيا بنشر أسلحة نووية سراً في القاعدة السودانية لوضع طرادات على متنها في وقت الأزمات.
د. بافيل فيلجنهاور
محلل دفاعي من موسكو. شغل منصب كبير الباحثين في الأكاديمية السوفيتية للعلوم.
- المصدر الأصلي بالإنجليزية: مؤسسة جيمس تاون الأمريكية للأبحاث
- عالجه للعربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات