01-08-2021 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم الترجمات
بالتعهد الذي قطعته حملة الرئيس بايدن لإيقاف مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية وإعادة فتح المفاوضات مع إيران، كان هناك ما يدعو إلى التفكير بأن نهاية الحرب الأهلية في اليمن قد تكون في متناول اليد. وفي هذا السياق، أجرى نيكولاس كيني حوارا مع كل من الدكتورة سانام فاكيل، الباحثة المخضرمة ونائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمركز تشاتام هاوس، ومايكل نايتس، زميل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى لتوضيح كيف غيرت الإدارة الأمريكية ميزان الحرب.
في 30 ديسمبر 2020، هبطت طائرة في مطار عدن الدولي جنوب غرب اليمن، وكان على متنها ممثلين من الحكومة اليمنية الجديدة المنتخبة. وعلى المستوى الظاهري، كان السلام وراء هذه الرحلة كمحاولة للتصالح بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، المدعوم من التحالف الذي تقوده السعودي، والمجلس الانتقالي الجنوبي "الانفصالي"، المدعوم من الإمارات العربية المتحدة.
ومع نزول الركاب من الطائرة، من المؤكد أنهم شعروا بأن وضع نهاية لجزء على الأقل من الصراع بات من الممكن تحقيقه، في هذه الحرب التي تأججت منذ عام 2015. في أغسطس 2019، سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن، ومضى قدما في أبريل التالي معلنًا حكما ذاتيا بجنوب اليمن، قبل أن يتم إلغاؤه بعد 3 شهور لاحقة، حيث اتفقت حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي على تقاسم الحكم من خلال تمثيل متساو في حكومة تتألف من 24 عضوا.
وكانت هذه الرحلة على نحو ما تمثّل جولة النصر التي يفترض أن تمهر الختم النهائي لهذا التحالف. بيد أن ذلك جعلها هدفا رئيسيا للمتمردين الحوثيين، اللاعب الرئيسي الآخر في هذا الصراع، والمدعومين من إيران، والذين يحتلون العاصمة صنعاء ومعظم أرجاء شمال شمال غرب الدولة الآسيوية.
وبينما تجمع الحشد للترحيب بالوزراء الزائرين، سقطت 3 قذائف هاون في مدرج المطار، وتسببت في مقتل 28 شخصا وإصابة 127. وبعد أن انقشع الدخان، ونُقل الموتى والمصابون، بدا السلام بعيد المنال كما كان عليه الحال من قبل.
وفي أعقاب الهجوم، أعلنت إدارة ترامب اعتزامها تصنيف قوات الحوثيين رسميا كمنظمة إرهابية، ودخل ذلك قيد التنفيذ في 19 يناير قبل يوم واحد من مغادرته منصبه. وسرعان ما أوضحت إدارة بايدن أن لديها مجموعة من الأهداف تختلف جدا عن سلفها، حيث أوقفت مبيعات الأسلحة الهجومية للمملكة السعودية في 4 فبراير، ومضت قدما بعد أيام قليلة لاحقة في إلغاء إدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب.
من جانبها، قالت الدكتورة سانام فاكيل، الباحثة المخضرمة ونائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمركز تشاتام هاوس، "أعتقد أن هناك نوعا من التحول من الحزبين بشأن السياسة الأمريكية. الأكثر أهمية من ذلك هو أن الحرب لم تحقق أهدافها بالقضاء على الإرهاب أو مخاطبة النفوذ الإيراني المتزايد في اليمن"، وأضافت: "على رأس ذلك بالطبع، رأينا أزمة إنسانية متزايدة تفاقمت سوءا بسبب جائحة كورونا".
وفي ذات الوقت، ثمة نفوذ متنامٍ مناهض للسعودية داخل الكونجرس، لأسباب تتضمن انتهاكات حقوق الإنسان ضد الزعيم السعودي محمد بن سلمان، وضلوعه المزعوم في وفاة جمال خاشقجي عام 2018. مع استمرار ارتباط الولايات المتحدة في حرب العراق، وانسحابها الجاري من أفغانستان، تبدو شهية ضلوع أمريكي مباشر في صراعات أجنبية في أدنى مستوياتها على الإطلاق. وترى فاكيل أن "الرئيس بايدن قام بتنفيذ هذا التحول تلبية لوعود حملته، وكذلك أيضا من أجل سحب أي التزامات عسكرية أمريكية تجاه ما يُنظر إليها باعتبارها حروبا أبدية في الشرق الأوسط".
وقف مبيعات الأسلحة
وفي سياق حديثه على وضع نهاية لمبيعات الأسلحة الأمريكية الهجومية في اليمن، أعلن بايدن أن "هذه الحرب ينبغي أن تنتهي". بيد أن ممارسات الرئيس الأمريكي لم تمر دون انتقادات. ومن ناحية، قام بايدن بإلغاء عقوبة فرضها ترامب كانت قد قوبلت بانتقادات هائلة من المنظمات الإنسانية، كما أنها حدت نظريا من الأسلحة التي تستخدمها السعودية في اليمن. لكن على الجانب الآخر، فإن إلغاء إدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب بدون استخراج أي تنازلات منهم يرتبط بمخاطر إظهار الضعف والفوضى في صفوف الحلفاء الداعمين لحكومة هادي.
" إنها نوع من الإشارات التي تستهدف إظهار حسن النية" وفقا لمايكل نايتس، زميل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي أوضح رأيه في بعض الأمور بعد هذا الحظر الشامل على مبيعات الأسلحة الهجومية. وأردف قائلا: "على مدار سنوات، أخبرنا السعوديين بضرورة التمييز في حملتهم. لكننا حظرنا للتو أولى صفقاتهم على الإطلاق لشراء قنابل صغيرة القطر تزن 250 رطلا للواحدة. لذا يتعين عليهم بدلا من ذلك استخدام قنابلهم الضخمة التي تزن 1000 رطل عند ضرب هدف صغير مثل شخص أو دراجة بخارية".
وفي هذه النقطة من الصراع، وفقا لنايتس، فإن المنطقة الوحيدة التي ما تزال تشهد ضربات جوية سعودية هي مأرب، التي تمثل مركزا للنفط، والتي استهدفها في السنوات القليلة الماضية سيل متواصل من هجمات القوات الحوثية. ونظرا لانخفاض وتيرة الضربات، تبدو مبيعات الذخيرة السابقة التي حصلت عليها السعودية في حقبتي ترامب وأوباما كافية للسماح لها بمواصلة مستواها الحالي من الدعم في المستقبل القريب.
وبالرغم من ذلك، بعيدا عن الصورة الذهنية التي عادة ما تقترن بها كقوة غازية، فإن التدخل السعودي العسكري في اليمن بدأ في 25 مارس 2015 استجابة لطلب من حكومة هادي المعترف بها دوليا. ولذلك، فإن فرض قيود على غرار وقف مبيعات الأسلحة الأمريكية، من شأنه أن يعاقب الطرف الأكثر استنادا للشرعية أمام المجتمع الدولي. "الأمر يبدو انحيازا لطرف واحد في الحرب الأهلية، وليس الطرفين، وليس حتى الطرف الذي يواجه بالفعل عقوبات فرضتها ضده الأمم المتحدة".
ومنذ ذلك الحين، تطور الصراع كثيرا نحو مسرح الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران مما يفسر ممانعة الرياض للتراجع عن جهود الحرب. لقد دفعت العقوبات السعوديين ببساطة إلى شراء أسلحة من أماكن أخرى. وبينما تضع الولايات المتحدة وبلدان أوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا قيودا على مبيعات الأسلحة في اليمن، صدرت المملكة المتحدة للسعودية أسلحة بقيمة 1.4 مليار جنيه إسترليني خلال الربع الثالث من 2020 فحسب.
وحتى مع فرض هذه البلدان قيودا على مبيعات الأسلحة، فإن ذلك لن يعيق السعوديين بشكل كبير. "إنهم يستطيعون التحرك للحصول على مقدار أكبر من الذخائر بريطانية الصنع، طراز "بيفواي". كما يستطيعون جلب نظام القنابل الموجهة من الإمارات، وشراء مخزون أسلحة قديم مثل قنابل تتراوح وزنها بين 1000-2000 رطل، ومعدات أقدم من الأردن".
وبالرغم من أن بعض العناصر على الصعيد السياسي الأمريكي يقترحون التلويح بعقوبات ضد الدول المستمرة في بيع أسلحة تُستخدم في اليمن، لا يحتمل أن يحشد هذا الإجراء دعما واسعا، إذ أنّ القرار الأمريكي لم يتم اتخاذه بغرض إنهاء الحرب في اليمن، وفقا لنايتس، لكنه يمت بصلة أكبر برغبة الولايات المتحدة في "الإبقاء على يديها نظيفتين".
وتابع نايتس: "إنه يستهدف حقا إعفاء الولايات المتحدة من مسؤوليتها المباشرة الواضحة… ما لا يدركه الناس هو أن الحملة السعودية في اليمن تتم بالفعل على مستوى منخفض، ولذلك ما نفعله لن يغير الوضع كثيرا في هذه المرحلة".
جبهة التمرد
وحتى إذا لم يؤثر قرار وقف مبيعات الأسلحة بشكل كبير على جهود السعودية في الحرب، لكنه من المحتمل أن يؤدي إلى زيادة تصورات عدم شرعية ضلوعها في الحرب، مما يمنح تعزيزا لقوات الحوثيين، على غرار ما فعلته المحاولات السابقة لكبح الضلوع الأجنبي في الحرب.
"ديناميكيات الصراع ساخنة جدا وفي حالة صعود"، وفقا لفاكيل التي تابعت: "رغم حقيقة مفادها أنهم تلقوا بعض الإشارات الإيجابية من إدارة بايدن -مثل إلغاء تصنيف إدارة ترامب لهم كمنظمة إرهابية أجنبية- واصل الحوثيون زحفهم نحو مأرب ويحاولون توسيع نطاق سيطرتهم على الأرض".
وتلقت قوات الحوثيين دعما ملحوظا واستشارات من إيران وحزب الله اللبناني. ومن خلال اللجوء إلى تكتيكات المشاة الخفيفة، ظهر الحوثيون في صورة قوة مداهمات فعالة، يستطيع تعويض هشاشتهم الجوية من خلال تفتيت قواتهم إلى جيوب صغيرة، في تكتيك ثبت جدواه بشكل كبير جدا بالنسبة لهم في المناطق الجبلية، وفي المواقف الدفاعية في مواجهة قوات متفوقة، حسب نايتس.
ومضى يقول: "إنهم جيدون جدا أيضا في ما أستطيع أن أصفه بـ 'الاستعداد لميدان المعركة بحرائق دقيقة"، مستشهدا بالهجوم الذي استهدف الحكومة اليمنية في مطار عدن. واستطرد: "إنهم دائما ينفذون هجمات ضد شخصيات قيادية باستخدام درونز دقيقة ساعدهم الإيرانيون على تطويرها، أو من خلال استخدام أنظمة صاروخية تكتيكية دقيقة مثل بدر-1".
ولهذا، عندما تضع كل ذلك في مواجهة القوات اليمنية المحبطة معنويا وفقيرة التسليح، يمثل ذلك عادة ميزة تصب في مصلحة الحوثيين في هذه الحرب. وفي هذه النقطة من الصراع، والكلام لنايتس، فإن القوات الجوية السعودية تمثل العائق الرئيسي الذي يكبح الحوثيين من انتزاع مأرب. ولكن قيود الأسلحة الأمريكية تثير تساؤلات بشأن إلى متى سيظل السعوديون راغبين في الاستمرار.
القليل من التقدم نحو السلام
إذا كان الحوثيون يملكون تفوقا على الأرَض، فإن خطوات على شاكلة قيود المبيعات الأمريكية على الأرض من شأنها أن تتسبب فقط في زيادة جرأتهم، وتقليص الأسباب التي تدفعهم إلى طاولة المفاوضات، إذ ما الذي يجعلهم يقدمون على التخلي عن تقدمهم الراهن في الوقت الذي تصب فيه جميع الأمور في مصلحتهم؟
ويرى نايتس أن "هناك شخصان في العالم حاولا حقا بشكل نشيط جدا إنهاء الحرب في اليمن، أحدهما هو المبعوث الأممي السابق إلى اليمن مارتن جريفيث والآخر هو المبعوث الأمريكي تيم ليندركينج"، حيث عمل كلاهما عملا بشكل وطيد مع الحكومة السعودية في عملية السلام- جريفيث منذ فبراير 2018، وليندركينج منذ فبراير 2021. وارتبط كلاهما بشكل كبير في مفاوضات بالرياض وطهران ومسقط، حيث لعب العمانيون دور الوسيط بين التحالف والحوثيين. وعلى المستوى السطحي، حققت هذه المحادثات قدرا قليلا من التقدم والأمل، وتجلى ذلك في الموجز الأخير الذي عرضه جريفيث أمام مجلس الأمن... وفي هذه المرحلة، وفقا لنايتس، لا تمثل السعودية عائقا كبيرا في نهاية الحرب، حيث خفّضت مساهمتها هناك خلال السنوات القليلة الماضية. القضية الرئيسية تتمثل في أن فصائل داخلية عديدة في اليمن مترسخة جدا في الصراع على نحو يعرقل السماح بإنهائه، سواء بسبب التفوق الراهن للحوثيين، أو بسبب المساعدات والدعم الدولي الذي تتمتع به حكومة هادي.
وزاد قائلا: ""تسوية ما بعد الحرب قد تسلب كلا الطرفين من مزايا يتمتع بها الآن. تفويض حكومة هادي ينتهي صلاحيته ببساطة في اللحظة التي تضع الحرب أوزارها. وكذلك ما الذي يدفع الحوثيين إلى إنهاء القتال؟ إذا كنتَ تمنحهم فقط الجَزَر دون وجود عصا، لماذا سيتوقفون إذا كانت أي تسوية تجعلهم يخسرون؟"
السؤال إذن هو كيف يمكن أن يتحقق السلام إذا كان ضد مصلحة الطرفين، لا سيما في ظل امتلاك كل جانب مصالح متعددة متصارعة؟ وعلى سبيل المثال، تملك الإمارات أهدافا مختلفة جدا بعيدة المدى بشأن اليمن مقارنة بشريكها وحليفها العسكري المملكة السعودية، بحسب فاكيل. الهدف الرئيسي للسعوديين هو عودة حكومة هادي والحفاظ على وحدة أراضي اليمن. أما الإمارات على الجانب الآخر، فتفضل فكرة تطبيق نظام فيدرالي مما يفسر دعمها للمجلس الانتقالي الجنوبي بعد انفصاله عن حكومة هادي.
وفي ذات الوقت، فإن اللاعبين الداخليين والخارجيين يغذي بعضهم البعض. إيران مثلا، من وجهة نظر فاكيل، دائما ما تبالغ في مستوى سيطرتها على الحوثيين، الذي يشكلون بالكاد جماعة واحدة متجانسة.
وأوضحت فاكيل: "اللجوء إلى إيران للسيطرة على الحوثيين ومطالبتهم بكبح الهجمات الصاروخية تجاه السعودية لا يضمن بالضرورة تنفيذ ذلك". وأضافت: "ينبغي حل كلا الصراعين بالتزامن. ينبغي العثور على آلية أو طريق لتنسيق الخطاب بين اللاعبين الخارجيين، مع إدارة متزامنة لديناميكيات الحرب الأهلية الداخلية. لا يمكن الوصول إلى سلام ذات معنى أو تقسيم للحكم في نهاية المطاف بدون التوصل إلى قبول وسلام داخليين".
ما زال هناك عمل معتبر يجب القيام به قبل إسدال الستار على هذا الصراع، كما أن الكثير من عدم التيقن يلوح في الأفق. جهود إدارة بايدن ربما منحت الحوثيين السيطرة على الحرب وربما كذلك تكون الخطوة الضرورية الأولى تجاه الحل. ومع ذلك، يظل السلام في اليمن بعيد المنال إلى أن تصبح جميع الأطراف مستعدة للجلوس على طاولة المفاوضات.
- المصدر الأصلي بالإنجليزية: مجلة الدفاع والأمن الدولية البريطانية (DSSI)
- ترجمة وتنقيح: مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: الدخان يتصاعد من مطار عدن بعد التفجيرات التي وقعت عند هبوط طائرة وزراء حكومة المناصفة 30 ديسمبر 2020. (أ ف ب)