01-02-2022 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | ريم الفضلي
في مطلع ديسمبر، من العام المنصرم، صدر قرارٌ بتعيين أحمد غالب المعبقي، محافظاً جديداً للبنك المركزي اليمني، ومحمد عمر باناجة، نائباً. عقب هذه القرارات مباشرة، شهدت عملة الريال المحلية تحسناً كبيراً في قيمتها أمام العملات الأجنبية، بعد أن كانت قد بلغت أدنى قيمة في تاريخها.
وتحسنت قيمة الريال اليمني بنسبة كبيرة عقب قرارات التعيين في 6 ديسمبر. وبعد تسجيل الدولار الأمريكي 1700 ريال يمني قبل تعيين هذه الإدارة، تراجعت قيمته إلى 800 ريال يمني، بعد تعيينها. وربط اقتصاديون هذا التحسن السريع بتأثير الأنباء عن وديعة سعودية مالية للبنك المركزي اليمني، التي تزامنت مع قرارات تعيين الإدارة الجديدة.
الريال بين التحسن والتراجع خلال فترة التعيين
لم تمر سوى أيام قليلة على التحسن في قيمة العملة المحلية الذي أدخل بعض الطمأنينة في نفوس المواطنين المتمسكين برمق الأمل في ظل كافة الأوضاع التي تعصف بهم، حتَّى عادت قيمة الريال مجدداُ إلى الانخفاض المتسارع، ووصلت قيمة الدولار إلى أكثر من 1100 ريالاً في أواخر يناير.
صابرين شائع، إحدى المواطنات من محافظة عدن، وصفت أن الأمر بات مثل الحلم السيء الذي كلما حاولت الخروج منه ترى نفسها قد عادت إلى نفس اللحظة المروعة التي استنزفتها كلياً."
وتابعت شائع في سرد المعاناة، في حديثها لـ "سوث24": " رغم أنَّني أقبض راتبي بالعملة الصعبة، إلا أنَّ الأوضاع الأخيرة التي شهدتها عدن أثرت بشكل سلبي علي، وكنت أخسر الكثير في ظل بقاء الأسعار على حالها". وأضافت "لا تقوم السلطات بما يلزم لمراقبة أسعار مختلف السلع وضبطها."
ومن جهته يرى الباحث والمحلل الاقتصادي، وحيد الفودعي، أنَّ "أحد الأسباب التي كانت تلعب دوراً رئيسياً في عدم ثبات الأسعار سابقا ووصولها قبل تغيير إدارة البنك، إلى مستوى قياسي في الهبوط، كان بسبب أزمة ثقة بين المتعاملين في سوق الصرف والحكومة وبنكها المركزي."
وعلَّل الفودعي، في حديث لـ "سوث24"، أنَّ الأزمة تلك كانت بسبب "الأخبار السلبية التي تأتي عن الحكومة والبنك المركزي وعدم قدرتهم على إدارة السياسة المصرفية في البلاد وضبط أسعار الصرف وعن الفساد في أروقة البنك المركزي والحكومة؛ كما أوضح تقرير الخبراء الأممي".
وأشار الفودعي إلى أنَّ تلك الأخبار "كان لها أثر كبير في التأثير في زيادة أسعار الصرف في وصول الحال الى ما هو عليه الآن". لافتاً إلى أنَّه "بمجرد ما تم تعيين محافظ جديد للبنك هبط السعر بشكل مباشر مع توقع مزيد من الإصلاحات".
إصلاحات
لم يكن التغيير في البنك المركزي اليمني في ديسمبر محصوراً بمحافظ ونائب البنك فقط، بل شمل عدداً [1] من المناصب الهامة، كممثل وزير المالية وعدد من الأعضاء. وكذلك قطاع الرقابة على البنوك، حيث تم تعيين منصور عبدالكريم راجح مديرا جديدا للقطاع. [2]
وعن الإصلاحات في البنك المركزي اليمني، قال بسام صالح ناجي، مدير مكتب محافظ البنك، لـ سوث،24 "نحن نعمل حالياً على التركيز على تشغيل الحوكمة، الذي يشمل اجتماع الدوريات ومجلس الإدارات ومناقشة المؤشرات النقدية. هذا هو الاهتمام الرئيس للإدارة الحالية وكذلك ما يخص مشكلة استقرار الأسعار، وتنظيم القطاع المصرفي والقطاع البنكي."
وأضاف ناجي في تعليق لـ "سوث24" أنَّ إدارة البنك الجديدة "تعمل بتواز مع كافة القطاعات الاقتصادية من أجل تحقيق الاستقرار في المؤشرات الاقتصادية منها الاستقرار في أسعار الصرف والعمل على إنهاء التضخم الحاصل بحسب ما ينص عليه قانون البنك المركزي."
ووصف المحلل الاقتصادي وحيد الفودعي التغيير الذي طال قطاع الرقابة على البنوك بأنَّه "مهم ونقطة فاصلة في القرارات الأخيرة التي تم اتخاذها؛ لأنَّ هذا القطاع يعتبر عمود أساسي في عمل البنك المركزي؛ وهو قطاع حساس ومهم وستلاحظ إصلاحات كثيرة في القطاع المصرفي وزيادة في الرقابة البنوك والصرافين وتنظيمهم."
وتابع، "لا يوجد شيء ملموس حتى اللحظة في العمل لكن لاحظنا أن الاستمرار في عمل المزادات واستمرار تبادل الأخبار الإيجابية كان لها دور في الاستقرار النسبي الحاصل في أسعار الصرف، كذلك زيادة الرقابة في عمل قطاع الصيرفة".
استقرار وهمي
وبحسب الخبير الاقتصادي، ماجد الداعري، "لا يمكن أن يثبت الصرف عند حدود 1100 ولا حتى الألفين ما لم تكن هناك إصلاحات اقتصادية وطنية شاملة للمنظومة المالية والضريبية والجمركية للدولة".
وقال الداعري، لـ "سوث24"، إنَّ "استقرار الصرف الحالي مرتبط بتراجع الصرافين وهوامير الصرف عن شراء العملات وتخوفهم من ضبابية الرؤية الناجمة عن زيارات محافظ البنك الخارجية ولقائه بنظيره الإماراتي ورئيس صندوق النقد العربي وخوفهم من قرب تقديم السعودية لوديعة إنقاذية جديدة. "
واعتبر أنَّ "محاربة الفساد وتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة والإغلاق المؤقت لشركات الصرافة تزامنا مع تحرك دولي داعم للدولة وتقديم وديعة إنقاذيه وإعادة المنح والمساعدات المالية الخارجية للدولة وإزالة العقوبات الدولية والإقليمية المتعلقة بالتحويلات المالية البنكية من وإلى اليمن ورفع الحجب عن أموال اليمن وإعادة تفعيل العلاقات المصرفية بين البنوك الخليجية والدولية والبنوك اليمنية وأولها البنك المركزي اليمني بعدن وتوريد كل عوائد الدولة والنفط والغاز بالعملة الصعبة إلى حسابات الحكومة بالبنك المركزي، هي الحلول التي يجب اتباعها من قبل الحكومة والجهات المعنية".
لماذا لم تأتِ الوديعة بعد؟
منذ تعيين المعبقي محافظاً للبنك المركزي، ظهرت أنباء مؤكدة عن اعتزام المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، رفد البنك المركزي في عدن بوديعة مالية جديدة مع وضع آليات جديدة لإدارتها، وضمان الاستفادة منها بشكل فاعل ومؤثر على الوضع الاقتصادي والمعيشي في اليمن بشكل عام.
وصرَّح رئيس الوزراء اليمني، معين عبد الملك، عن هذه الوديعة في لقاءات صحفية [3]. كما تحدث عن العمل على إصلاحات قال إنَّها أتت بنتائجها خلال هذه الفترة، التي استطاعت فيها الحكومة السيطرة على المضاربات في سوق العملة التي تحسنت بنسبة أكثر من 40%"، حدَّ وصفه. [4]
وعن الوديعة السعودية، قال الفودعي أنّها "حتى اللحظة لم يُصرح بشأنها الجانب السعودي، وكل ما سمعنا عنها هو تصريحات جاءت على لسان مسؤولين يمنيين على رأسهم رئيس الوزراء. ونحن لا نعلم حقيقة نوع هذه الوديعة وإذا ما كانت وديعة مالية فعلية أم مجرد ضمانة."
وأضاف "وعلى حد ما تحدث فيه معين عبدالملك في أحد مقابلاته قال أنَّها مقرونة بإصلاحات، ما لم ربما انَّها لن تأتي؛ والحكومة تسعى لإجراء هذه الإصلاحات واذا ما نجحت فيها ربما السعودية حينها ستُقدم على هذه الخطوة التي ربما تكون تسهيلات بضمانة وديعة سعودية وليس وديعة نقدية."
وأكَّد الفودعي أنَّ الوعود برفد البنك بأي دعم، "مرتبطة بشكل أساسي بالإصلاحات؛ وهناك بعض القرارات التي بالفعل قد تم المباشرة بالعمل عليها منها، قرار تنظيم المشتقات النفطية، قرار ترشيد السلع ومنها السلع الكمالية على سبيل المثال، قرار تكوين لجنة الموازنة، وهو مهم لأنه يدل على وجود موازنة قد تكون جاهزة على بداية شهر مارس القادم ويمكن استخدامها في بقية السنة".
واعتبر الفودعي أنَّ هذا "مؤشر على تبني إصلاحات وجدية في العملية"، مضيفاً، "وكما لاحظنا قول وزير الوزراء قبل فترة أنَّ هناك قرارات سيتم الافصاح عنها؛ وهي قرارات مهمة باعتقادي."
ومن جهته، قال ماجد الداعري "الوديعة مشروطة بشروط صعبة لا يمكن تحقيقها في ظل استمرار الوضع كما هو؛ وأهمها نقل إدارات البنوك إلى عدن واستكمال جملة الإصلاحات الاقتصادية وحوكمة المؤسسات ومحاربة الفساد وتوضيح مصير الوديعة السابقة، وغيرها من الشروط."
ويعتقد الداعري أنه "إذا لم يتم العمل على استكمال هذه الإصلاحات فإن الوديعة بحكم العدم، منطقياً ووَاقعيا ولن يُعول عليها."
لقاءات خارجية هامة
وفي الأيام السابقة، التقى المحافظ الجديد للبنك المركزي بعدد من المسؤولين الخليجيين في الإمارات والسعودية والكويت، وركزت هذه اللقاءات على سُبل دعم الاقتصاد اليمني.
وعن هذه اللقاءات، كشف ماجد الداعري أنَّ "المحافظ يشعر بالأسف بأنَّه قد خُذل من جميع الأطراف حتى الآن؛ ولكنه ما زال مصراً على الاستمرار بعمله و مُتمسكاً بالأمل في الإيفاء بوعود دعم التحالف وتعاون الحكومة معه". وقال إنَّ محافظ البنك "يدرك أكثر من غيره خطورة الوضع في حال تخليه عن مهمته باعتباره أحد آخر أوراق الشرعية لإنقاذ الموقف المصرفي الكارثي في حال اعتذاره عن الاستمرار في مهمته".
أما الباحث وحيد الفودعي فاعتبر أنّ "جميع الأقوال والأخبار المتداولة التي تقول بأنّ هناك دعم خارجي كبير قادم لم تكن صحيحة ويتم المبالغة بها كثيراً". مضيفاً، "لن يكون هناك جديد يُذكر عند عودة محافظ البنك، وذهابه الى الإمارات جاء للقاء بإدارة صندوق النقد العربي من أجل المطالبة بتسهيلات كي يتم الاستفادة منها من أجل استقرار العملة وبمساعدة دولة السعودية والإمارات."
صحفية ومحررة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: الاجتماع الأول لمجلس إدارة البنك المركزي اليمني 2 فبراير 2022 (رسمي)