15-06-2021 الساعة 10 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24| فريدة أحمد
في هذه الدراسة البحثية حول علاقة إيران بدول الخليج وانعكاسات ذلك على الأزمة في اليمن، تم التوصل إلى الأثر الذي أحدثته التدخلات الإيرانية في دول منطقة الخليج، من خلال بعض الصراعات والصدامات التي تكررت في العقد الأخير بعد 2011، وهو الأمر الذي جعل من دول الخليج أن تعيد حساباتها في علاقتها بإيران، خاصة وأنها لم تثبت حسن نوايا لتغيير سياساتها في المنطقة، وكان الملف اليمني من أعقد الملفات بالنسبة لدول الخليج وبشكل أكبر المملكة العربية السعودية والإمارات.
المقدمة
تتعرض دول منطقة الخليج العربي والدول العربية عموماً، للعديد من المخاطر الداخلية والخارجية التي تهدد أمنها بمختلف أشكاله، نتيجة لما تملكه من موقع جغرافي مميز وثروات هائلة ومخزون ضخم من النفط والغاز، لذا من الطبيعي أن تشهد تدخلات من دول إقليمية عديدة من بينها إيران، قد يكون ذلك نتيجة لهشاشة العمل العربي وعجز الدول العربية عن مواجهة هذه التدخلات بعمل مشترك يقيها المخاطر التي تواجهها، كمنطقة استراتيجية ذات أهمية وحيوية. وقد وجدت إيران المجال المفتوح لوضع بصماتها في دول عربية كثيرة من بينها اليمن.
ودول منطقة الخليج العربي لا تخرج عن إطار هذه التهديدات كونها جزء أصيل ومهم من الوطن العربي، فالعلاقات الخليجية الإيرانية مرّت بمراحل مختلفة عبر فترات زمنية ممتدة، وكان للسياسة الإيرانية أثر كبير في علاقتها بالخليج، فيما يشبه التأرجح بين الصراع والتعاون والصدام والانفراج أحياناً، لكون إيران أكبر الدول الإقليمية في منطقة الخليج إلى جانب العراق والمملكة العربية السعودية.
ومما لا شك فيه أنّ امتلاك إيران لأسلحة نووية من شأنه التأثير على استقرار منطقة الخليج العربي، باعتباره يعطي بعداً استراتيجياً وحيوياً لإيران، وفي المقابل يشكّل على الدول الخليجية تهديد وتوجس للعديد من الاعتبارات، أهمها الاختلال في ميزان القوى لصالح إيران وهيمنتها لامتلاكها سلاحاً استراتيجياً مهماً.
إنّ تحدي السياسة الإيرانية في منطقة الخليج ليس استثنائياً، رغم مساعي التهدئة في الأشهر الأخيرة والتوجه نحو تغيرات وتحالفات جديدة في المنطقة، خاصة الموقف السعودي الذي ظهر إيجابياً إلى حد ما، لكن هذا لا ينفي عن أنّ السياسة الإيرانية لها أطماع ومشاريع تسلح عسكري ونووي وتدخّل استخباراتي وتعبئة وتحريض ديني في دول خليجية عديدة، بالإضافة إلى استمرارها التدخل في اليمن عبر دعمها للحوثيين، وهو ما أفضى للمزيد من التوتر والصراع وعدم الاستقرار في المنطقة.
ومما سبق يمكن تسليط الضوء على الدور الإيراني في منطقة الخليج من خلال إبراز أهداف السياسة الإيرانية التي اعتمدت عليها للقيام بهذا الدور، وكذا إبراز سياستها وعلاقاتها بدول الخليج؛ التي انقسمت ما بين محور يتواصل مع طهران دبلوماسياً ولديه علاقات شبه تعاونية ودائمة مثل عُمان وقطر والكويت أحياناً، ومحور آخر يتبنى لهجة حادة تشوبها الاتهامات مثل السعودية والبحرين والإمارات والتي يبدو أن حدتها انخفضت وبحذر، وكيف يمكن أن تنعكس المواقف الخليجية الإيرانية المتقلّبة على مسار الحرب في اليمن، وهل يمكن من خلال الجهود الخليجية وقف التصعيد العسكري في اليمن، والوصول إلى مقاربات حل سلمية تُنهي الصراع الممتد لأكثر من ست سنوات؟
أولاً: إيران وأهدافها الاستراتيجية في منطقة الخليج العربي
تشكّل إيران دولة رئيسة في مبادلة توازن القوى بمنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، ومنطقة الخليج العربي بصفة خاصة، وقد برزت إيران كقوة إقليمية كبيرة في المنطقة، من خلال امتلاكها لمقومات تؤهلها للقيام بدور إقليمي مؤثر، يجعلها طرفًا في معادلات وسياقات النظام الدولي المختلفة.
وقد ظلت إيران تعمل على دورها المحوري في المنطقة العربية، مع السعي للهيمنة على منطقة الخليج العربي، التي لم يطرأ عليها متغيرات جوهرية ما بين عصر الثورة الإسلامية وما قبلها في ظل حكم الشاه، وإن اختلفت الأسبقيات والأدوات والتحالفات وأساليب تحقيقها، وهو ما يعكس السعي الدائم للبحث في دور الدولة ومشاركتها في إدارة شؤون الأقاليم والعالم .
وعلى الرغم من أنّ السياسة الإيرانية أصبحت أكثر براغماتية وأقل عقائدية لم تحدث أي مؤشرات على حدوث تحوّل كبير في موقف إيران تجاه الخليج، أو تغيّر تصورات دول الخليج تجاه إيران، باعتبارها أحد التهديدات الإقليمية الموجهة إليهم، ويرجع ذلك أساساً إلى أن تأثير الأيديولوجية والطموح الإقليمي في القيادة الإيرانية لا يزال قوياً.
ومن المعروف أن منطقة الخليج العربي تضم كلاً من دول مجلس التعاون الخليجي الست (البحرين، الكويت، عُمان، الإمارات، قطر، السعودية) إضافة إلى إيران والعراق، وهي تعتبر أكثر بؤر العالم أهمية بسبب وجود البترول، الذي يعد المصدر الرئيسي لإمدادات الطاقة على مستوى العالم . وبسبب العلاقات الإيرانية - الأمريكية المتوترة، وما أحدثه الاحتلال الأمريكي من تداعيات كارثية على المستوى المحلي، وتأثر الإقليم بها مما أدى إلى انتقال الصراع باتجاه منطقة الخليج مع تنامي احتمالات المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، الأمر الذي يهدد الأمن الخليجي بشكل خاص، والأمن القومي العربي بشكل عام.
وتبرز حزمة متنوعة من القضايا الخلافية بين إيران والدول الخليجية، منها التدخل السياسي المستمر في الشؤون الداخلية من خلال دعم "الشيعة" في البحرين والكويت، وأيضاً خلافها بشأن عائدية الجزر الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى؛ التي تعتبرها كل من الإمارات وإيران جزءاً من أراضيها. أضف إلى ذلك قضاياها الخلافية مع السعودية؛ التي تشكل قوة إسلامية منافسة لها في المنطقة وتدور بينهما حروب بالوكالة في أكثر من بلد؛ وعلى رأسها اليمن عبر الحوثيين، ليصبح اليمن مسرحاً لأسوأ كارثة إنسانية في تاريخ البشرية، وفق شهادة الأمم المتحدة.
إنّ المصالح والأهداف الإيرانية ممتدة عبر التاريخ ولا ترتبط بالثورة الخمينية أو فترة حكم الشاه، وإنما هي أهداف ثابتة وإن اختلفت الأدوات والأساليب لتحقيقها، وإن تحدثنا عنها بشكلها العام يمكن تلخيصها بخمسة أهداف استراتيجية:
1- تصدير الثورة
تعتبر الثورة الإيرانية من أهم ثورات القرن العشرين، بسبب التغيّرات التي أدخلتها على جملة من المفاهيم السياسية، ومعطيات الجغرافيا السياسية، ومن الطبيعي أن تسعى طهران إلى تصدير الثورة من خلال البحث عن حلفاء في غير صفوف الحكومات التي تناصبها العداء، بهدف تغيير شكل الحكم ونظامه بما يتناسب مع بلد الثورة الأم (إيران)، ويكون ذلك من خلال إظهار صحة منهج بلد الثورة .
وقد تمثلت تجربة إيران في تصدير الثورة في حربها مع العراق ودعم الجمهور الشيعي بدعوى الإطاحة بنظام صدام حسين، أما تجربتها الثانية فكانت مع منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح خصوصاً، وإنشائها لحزب الله في لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. ويظهر من ذلك مدى تأثير الأيديولوجيا الثورية على سلوك النظام الحاكم في إيران؛ فهي المحرك الأساس لعملية صنع السياسة الخارجية لإيران، وهي المحدد لتوجهات وأهداف النظام داخلياً وخارجياً وتحديد مصادر التهديد والأعداء والأصدقاء، مع أنّ هذا الدور تقلّص بعد وفاة الخميني لتتقدم عوامل المصلحة القومية على الاعتبارات الأيديولوجية .
2- الحصول على مكانة القوة المركزية
تنشط السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة العربية عموماً، والخليج خصوصاً، لتحقيق غاية محددة وهي ضمان لعبها دور مركزي، والسعي للحصول على شرعية عربية ودولية لذلك الدور، فإيران تمتلك مخططاً للسيطرة على نقاط الضعف في دول المنطقة لتوسيع شبكة حلفائها وهذا من شأنه أن يضمن لها نفوذاً ومكانة أكبر وأقوى، ووفق رؤية إيران وخطتها العشرينية حتى عام 2025، والتي أعدها مجلس تشخيص مصلحة النظام، فإنّ الرؤية تهدف لتحويل الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى قوة إقليمية أساسية في منطقة جنوب غرب آسيا، وتعتمد الخطة على فرضية أن التوجه الدولي العام يسير نحو تصالح تدريجي بين قوى دولية كبرى وإيران، بالإضافة إلى أن إيران تسعى إلى تحقيق حضور واسع النطاق من خلال بناء قوتها العسكرية لتكون قادرة على مواجهة المخططات التي تستهدفها، من خلال الموازنة الجيوعسكرية في أهم منطقة حيوية في العالم وهي الخليج العربي، ويظهر ذلك من خلال سعيها لتطوير قوتها البحرية وتسليحها جيداً، وبناء قوة صاروخية تعول عليها طهران في فرض سيطرتها على الخليج في حال حدوث أي أزمة عسكرية .
3- الانفتاح وتحقيق الانتعاش الاقتصادي
في مرحلة ما بعد الخميني، وبعد الحرب العراقية الإيرانية، عملت السياسة الخارجية الإيرانية على تحقيق الأهداف الاقتصادية؛ في محاولة لتنمية التجارة والاستثمار الأجنبي الذي تحتاجه إيران بشدة لإعادة بناء ما دمرته الحرب، فكان شعار رفسنجاني الرئيسي (البناء)، وأصبح الانفتاح على الخارج غاية هامة، فاستمرت أهمية البعد الاقتصادي في ظل خاتمي، فتمّ التركيز على نقل التكنولوجيا وتطوير التجارة، ولكن تحت مفهوم أشمل للتنمية لا يحوي الأبعاد السياسية فقط، بل الثقافية أيضا، والتي استخدمتها إدارة خاتمي بكفاءة من أجل الحفاظ على جسور الحوار ممدودة مع الدول التي يتعثر تطوير العلاقة معها بالشكل الذي تطمح إليه إيران .
4- المشاركة الفاعلة في أمن الخليج العربي
تقوم استراتيجية النظام الإيراني – أياً كان شكله - على تأمين استقرار منطقة الخليج، من خلال نظام أمن إقليمي، تضطلع فيه إيران بدور قيادي مهيمن طارد لأي وجود قوي من قبل قوة أخرى من المنطقة، ومن باب أولى من خارجها، فمن ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية منذ الثورة رفض الوجود الأجنبي في منطقة الخليج، ولا يقتصر هذا الرفض على الوجود الأمريكي بل لأي وجود من قوى إقليمية كبرى خارج النطاق الجغرافي لمنطقة الخليج، ويجيء العمل على استقرار منطقة الخليج هدفاً في حد ذاته من أجل توجيه طاقات المنطقة للتنمية الداخلية وإنهاء أحد المبررات التي يسوقها الطرف الأمريكي لوجود قوات أجنبية بالخليج ، وبما أنّ إيران تمتلك من مقومات القوة؛ من السواحل على طول الخليج، و تعداد سكانها كبير، وبعد أن أصبحت ثاني أضخم منتج للبترول بعد السعودية بعد الحظر على البترول العراقي، تطلّعت إلى أن تصبح القوة الرئيسية في منطقة الخليج، وأن تكون مسموعة الكلمة ما في يخص شؤون الإقليم، ما زاد مخاوف دول الخليج بالأخص من احتمالات هيمنة إيران على المنطقة، ولذا تشعر بأمان أكثر باللجوء لدول من خارج المنطقة مثل الولايات المتحدة.
5- الهيبة الدولية:
شعور العظمة في الوعي التاريخي الإيراني كان وما زال مسيطراً على السلوك الإيراني الخارجي، برغم اختلاف حدته بين عدة فترات، وبرز ذلك بعد الثورة الإسلامية التي حولت إيران إلى ند لهيمنة الولايات المتحدة و إسرائيل، وذلك في سعي كبير لوضع إيران كقوة رئيسية في النظام الدولي ، وعلى هذا النحو ترى إيران نفسها منافساً رئيساً لقوة الولايات المتحدة في غرب آسيا وشمال إفريقيا وما وراءها، ولهذا فإنّ تحدي إيران لقوة الولايات المتحدة كان له الأثر الأكبر في إبراز كاريزما الدولة الإيرانية على الساحة الدولية، أي أنه بالخطاب الثوري المعادي لأميركا والغرب، استطاعت إيران من خلاله أن تكسب قطاعات واسعة من الرأي العام لصالحها، لاسيما على الصعيد الإقليمي، واستغلت حساسية هذه القاعدة تجاه أميركا والغرب ووظّفتها في إطار سعيها لتعزيز مكانتها وهيبتها .
يتضح من خلال الإطلالة السريعة على الأهداف الإيرانية في المنطقة، أنّ الإيرانيين يعملون بثبات من أجل تحويل إيران في 2025، إلى دولة محورية رئيسة ومؤثرة في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط عموماً.
ثانياً: العلاقات الإيرانية – الخليجية ( وانعكاساتها على الأزمة في اليمن)
تعتبر جغرافيا المنطقة وتاريخ إيران من أهم العناصر التي ترسم استراتيجية السياسة الإيرانية تجاه دول الخليج، ففي عهد الثورة اتبعت استراتيجية تصدير الثورة، وبعد ذلك اتبعت استراتيجية تبادل الحضارات بعد تولي خاتمي الحكم. وبالتالي فالسياسة الإيرانية تتغير بتغيّر الأوضاع الإقليمية، وكذلك تتغير تبعاً لفكر القائد وصانع القرار فترة حكمه في طهران.
ويعد الوضع السياسي للمجتمعات الشيعية داخل دول الخليج أحد مصادر التوتر مع إيران، وكذلك وضع المسلمين السُنة المتواجدين في إيران؛ حيث توجه بعض دول الخليج خصوصاً السعودية والبحرين تهماً إلى طهران بتأجيج الاضطرابات بين التجمعات الشيعية، في حين تتهم إيران دول مجلس التعاون الخليجي بقمع الحقوق الدينية والسياسية للشيعة المتواجدين داخل أراضيها .
من الملاحظ أيضاً أن هناك تفاوت في علاقة السياسة الإيرانية ودورها في دول الخليج، فتارة تكون علاقة متنافرة وتارة أخرى علاقة تعاونية، وسنناقش في السطور التالية الدور والأثر الذي أحدثته إيران في كل دولة من دول الخليج، وكيف ساهم في زعزعة استقرارها وأمنها، وأثر انعكاس سياساتها على الوضع في اليمن.
المملكة العربية السعودية من الدفاع للهجوم للتهدئة
تلعب السعودية وإيران دوراً فاعلاً في منطقة الشرق الأوسط، ويؤثران إلى حد كبير في السياسات الإقليمية بحكم موقعهما الهام وامتلاكهما أكبر مخزون من النفط، بالإضافة إلى أنهما يشكلان محركاً قوياً للاقتصاد والسياسات الإقليمية والدولية بسبب ما تصدره تلك الدولتان إلى السوق العالمية. وتعتبر العلاقات الإيرانية السعودية معقدة منذ نشأتها بسبب الاختلاف المذهبي، فهي تتفاوت ما بين التقارب والتباعد وتتأثر إلى حدٍ كبير بالأحداث الإقليمية والمواقف الدولية المبنية على المصالح، بالإضافة إلى التنافس على الدور الإقليمي والصراع على سيادة الخليج .
وقد أدت هزيمة العراق في العام 2003، وغيابها عن الساحة الخليجية إلى تغيير في العلاقات الإيرانية السعودية؛ بحيث أصبح هناك تنافس بينهما على الدور الإقليمي لملئ الفراغ الحاصل من خروج العراق ومنع حدوث خلل في ميزان القوى، وأصبحت كل منهما تسعى للحد من نفوذ الآخر في المنطقة ما أدى إلى حدوث توتر في العلاقات. فتفوق إيران الإقليمي على جميع الأصعدة العسكرية والديموغرافية والاقتصادية وتطويرها للسلاح النووي، كل ذلك أثار القلق والتخوف من نفوذها في المنطقة بالرغم من وجود أمريكا كلاعب أساسي، نظرت له دول الخليج بأنه ضروري لحفظ أمن الخليج ونشر الديموقراطية.
وقد بدأت العلاقات بين البلدين تسوء بعد أن تولى أحمدي نجاد سدة الرئاسة في 2005، والحقيقة أن نجاد لم يكن السبب الوحيد في توتر العلاقات بين البلدين، رغم أن شخصيته المعادية للغرب والأمريكان لعبت دور في تفسير التوتر، غير أن الظرف الإقليمي الذي وجدت فيه إيران نفسها يعد العامل الأكثر تفسيراً لتنامي نزعة الهيمنة في سياستها الإقليمية.
وكان من أهم أسباب التوتر في العلاقات بين السعودية وإيران هو إلقاء الربيع العربي ظلاله على المنطقة، وظهور الحراك الشيعي في الخليج والتصعيد المحسوب له من قبل إيران مع السعودية والبحرين والكويت، وهو الحراك الذي جسده تنظيم الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية بقيادة حسن الصفار في السعودية، وقد حاولت إيران استغلال هذه الأحداث، عندما شجعت، إعلامياً، الحركات الراديكالية الشيعية في مناطق شرق المملكة العربية السعودية.
ومع مجيء حسن روحاني رئيساً جديداً للجمهورية الإيرانية في 2013، عادت التوقعات المتفائلة بعلاقات جيدة بين البلدين، لكنّ الأمور سارت عكس ما جرى الترويج له، وكان لوصول قيادة جديدة على رأس السلطة في السعودية بقيادة الملك سلمان، الأثر الواضح في عدم التوافق، حيث أخذت الأمور منحى آخر أكثر مجازفة من قبل السعوديين، وهي التي اعتادت سياسة الدفاع وعدم قبول المخاطرة.
وقد شهدت السياسة الخارجية السعودية في عهد الملك سلمان تحولاً جذرياً من الدفاع إلى الهجوم، حتى أصبحت المملكة لا تتردد في ضرب أي تهديد تعتقد أنه موجه ضدها، فهي تدخلت عسكرياً في البحرين وبعد ذلك في اليمن، كما لم تتوان أيضاً في إعدام نمر النمر مع 46 مداناً بتهمة الانتماء للتنظيمات الإرهابية.
وربما كان أكثر منعطف خطير للصراع الإيراني- السعودي، هو سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء في21 سبتمبر 2014، حيث اتخذ الصراع طابعاً عسكرياً مباشراً، بعد أن كان الصراع يدار من خلال الوكلاء في المنطقة، وكان آخر تصعيد هو الهجوم الإيراني على مصافي النفط التابعة لشركة "أرامكو" في سبتمبر 2019، والذي تؤكد الرياض وواشنطن التورط المباشر لإيران فيه، على الرغم من ادعاء الحوثيين تنفيذ الهجوم.
تغير الموقف السعودي تجاه إيران أواخر إبريل 2021، من خلال تصريحات لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كان التلفزيون السعودي قد بثتها، عبّر فيها عن "رغبة بلاده في إقامة علاقات طيبة ومميزة مع إيران".
ولإدراك الأسباب التي تقف وراء تغيّر موقف الرياض من طهران، يجب النظر إلى طبيعة المتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم بأسره. فجائحة كورونا فرضت الكثير من الضغوط الاقتصادية على جميع دول العالم، بما فيها المملكة العربية السعودية. كذلك أصبحت حرب اليمن عبئا سياسيا وأمنيا واقتصاديا ثقيلا على المملكة، إذ أنّ الحرب دخلت عامها السابع مع عدم استطاعة الرياض حسم المعركة منذ تدخلها العسكري في مارس2015.
غير ذلك، فالسعودية تسعى للتوصل إلى حلول مع الحوثيين لوقف الحرب، وهي تدرك أنّ الحل ليس فقط بالتفاوض مع الحوثيين وحدهم، بل مع إيران. كما أن وصول الرئيس الأمريكي بايدن إلى السلطة؛ دفع السعودية إلى إعادة تقييم سياساتها مع إيران، بحكم اختلاف العلاقة السياسية السابقة مع سلفه دونالد ترمب. كما وأنّ بايدن أنهى الدعم العسكري للسعودية في العمليات الهجومية في اليمن، وكذلك صفقات الأسلحة المرتبطة بذلك. وهو ما يشير إلى تغير فعلي في السياسة الأمريكية تجاه الصراع في اليمن، من خلال إصرار الإدارة الأمريكية على إيقاف الحرب وتعيين تيموثي ليندركينغ مبعوثاً خاصًا إلى اليمن، للتمهيد إلى تسوية سياسية شاملة بين مختلف الأطراف برعاية أمريكية وأممية وإقليمية.
جاءت الخطوة الأمريكية بهدف التركيز على التهديدات الاستراتيجية التي تواجهها والتي حددتها وثيقة الأمن القومي لإدارة بايدن بأنها تتمثل بالصين وروسيا، إضافة إلى قضيتي التغيّر المناخي وانتشار الأوبئة وغيرها . ويبدو أن خفض حدة التوتر بين إيران والسعودية في نهاية الأمر؛ جاء استجابةً للرغبة الأمريكية.
الإمارات وإيران ونزاع الجزر
اتسمت علاقات إيران مع دولة الإمارات العربية المتحدة في العقدين الماضيين بالتوتر، جراء نزاعهما حول ملكية ثلاث جزر في الخليج، هي: طنب الصغرى، وطنب الكبرى، وجزيرة أبو موسى. وتسوق الدولتان وثائق ومصادر تاريخية مختلفة لتبرير ملكيتهما للجزر.
سيطرت بريطانيا على الجزر حتى السبعينات من القرن الماضي، وحال انسحابها من الخليج استولت إيران على جزيرتي طنب الكبرى والصغرى في 30 نوفمبر 1971، اعتماداً على تبريرات تاريخية وقانونية.
وكانت إيران قد وقّعت مع الشارقة قبل ذلك مذكرة تفاهم، اتفقتا فيها على الإدارة المشتركة لجزيرة أبو موسى، وتقسيمها إلى مناطق يتمتع فيها مواطنو الدولتين بحق الوصول المتساوي، كما اتفقتا على تقسيم عائدات النفط المستخرج من باطن أرض الجزيرة وتحت مياهها الإقليمية أيضاً بالتساوي.
بقي موضوع الجزر ساكناً إلى ما بعد الثورة الإيرانية، وكانت قد قامت الإمارات فيها بتقديم رسائل إلى الأمم المتحدة مطلع ثمانينيات القرن الماضي، تؤكد فيها سيادتها على الجزر الثلاث، ومع بداية عام 1992 أصبحت الجزر الثلاث مصدراً رئيسياً للنزاع في الخليج خاصة جزيرة أبو موسى، ونظراً لأنّ إيران حصّنت مواقعها العسكرية هناك قبيل ذلك بفترة وجيزة، كان استيلاؤها على الجزيرة متعمداً.
وقد ظلّت دولة الإمارات تدين الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث في العديد من المحافل الدولية خصوصاً مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، علاوةً على إثارتها للموضوع في الأمم المتحدة أمام محكمة العدل الدولية، وهو الإجراء الذي رفضته إيران مفضلة نقاشات ومفاوضات ثنائية.
ورغم العلاقات السياسية المتوترة بين البلدين منذ عقود، إلا أن الإمارات تصدّرت قائمة الدول العربية من حيث التبادل التجاري مع طهران خلال عام 2017، بقيمة 13 مليار دولار تقريباً. تستحوذ دبي على نحو 90 في المائة من إجمالي حجم التبادل التجاري، بينما بلغت الصادرات الإيرانية نحو خمس مليارات دولار، فيما بلغت الصادرات الإماراتية إلى إيران نحو سبعة مليارات دولار. كما ويعد الثقل الاقتصادي الذي تتمتع به الجالية الإيرانية المقيمة في الإمارات ذو أهمية كبيرة. ففي عام 2014، قدر مسؤولون إيرانيون الاستثمارات الإيرانية في الخارج بنحو 700 مليار دولار أمريكي، منها 200 مليار في دولة الإمارات.
وعلى الرغم من المخاوف الإيرانية من اتفاق التطبيع الإماراتي – الإسرائيلي، الذي تم التوقيع عليه في 13 أغسطس 2020، والذي ترى أنه ربما يمنح مزايا خاصة لأبوظبي في مجال سعي إسرائيل للتجسس على إيران، أو مخاوف ربما تدعم الإمارات في مواجهة إيران، إلا أن الجانب الرسمي الإماراتي دائماً ما ينفي أن هذا الاتفاق يستهدف إيران أو أن له شق أمني، بالتعبير على أنّ معاهدة السلام الإماراتية – الإسرائيلية قرار سيادي، وليس موجهاً ضد طهران.
وقد أصبح تدخل الإمارات في اليمن متشابكًا مع سياستها تجاه إيران، إذ تعارض الإمارات الجمهورية الإسلامية، وترغب في إبقائها معزولة وضعيفة، لكنها لا تريد تصعيد التوتر إلى مواجهة عسكرية مباشرة. وهي ترى، وهذا صحيح، أنه نظرًا لوقوعها على خط المواجهة واعتماد اقتصادها على التجارة البحرية، ستكون أي حرب مع إيران مدمرة للغاية، لهذا أصبح الموقف الإماراتي مع إيران تصالحياً أكثر منذ عام 2019، فهي تحاول تجنَّب التصعيد لحماية صورتها كوجهة آمنة ومستقرة للاستثمار.
علاوةً على ذلك، فالإمارات بسبب دورها الكبير في حرب اليمن؛ فهي قادت معارك ضد تنظيم القاعدة في شبوة وحضرموت بالتعاون مع حلفائها على الأرض ممثلين بـ "المجلس الانتقالي الجنوبي" في جنوب البلاد، كما ساهمت في تحرير أراضي واسعة حدّت من توسع الحوثيين في المناطق التي كانت تتواجد فيها؛ قبل أن تعلن إنهاء عملياتها العسكرية في اليمن عام 2019.
الانسحاب الإماراتي من اليمن زاد الضغط الخارجي على المملكة العربية السعودية، وتركها مع خيارات أقل؛ ليس فقط فيما يتعلق بالموارد والأسلحة والقوات المدربة تدريباً جيداً، بل أيضاً في قدرتها التشغيلية لشن حملات عسكرية فعالة.
قد يكون الموقف الإماراتي الحالي متناسباً مع الموقف السعودي الذي خفف من حدة التوتر مع طهران، خاصة من خلال دعم أبوظبي لمسارات السلام التفاوضية بشأن إنهاء الحرب في اليمن. فضلاً عن ذلك؛ فالإمارات حافظت على نوع من العلاقات مع إيران التي ربما تكون مرهونة بمستقبل المفاوضات المحتملة بين إيران والولايات المتحدة والأوربيين بشأن الاتفاق النووي، لكون هذا الملف يشكل أهمية كبيرة في منطقة الخليج.
إيران والبحرين.. تهديد دائم
اتسمت العلاقات الايرانية – البحرينية بالتوتر والجمود المستمرين، لاسيما في ظل مطالبات الحكام الإيرانيين في معظم المراحل التاريخية بضم البحرين إلى إيران.
ومع بداية التسعينيات شهدت البحرين حالة من الفوضى والاضطرابات، وتجددت فيها أعمال عنف كانت قد بلغت ذروتها عام ١٩٩٤، واستمرت حتى أوائل عام ١٩٩٦، وقد أصرت الحكومة البحرينية آنذاك على وصف حركة الاحتجاجات في البحرين بالطابع المذهبي، ووجهت المنامة اتهاماً رسمياً إلى طهران بالتورط في تمويل تنظيمات سرية تهدف إلى قلب نظام الحكم وإقامة جمهورية إسلامية على النمط الإيراني ، في سبيل تحقيق أهم أهدافها الاستراتيجية في المنطقة من خلال تصدير الثورة.
وبقدوم الرئيس محمد خاتمي في 1997 تفاعلت الدول العربية عامة والخليجية خاصة بإيجابية مع وصوله إلى سدة الحكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في ظل الخطوات الانفتاحية التي اتخذتها حكومته على مستوى الصعيد الإقليمي والعالمي.
وكانت العلاقات الإيرانية – البحرينية خلال هذه الفترة تتجه نحو التطبيع والانفتاح، خاصة مع التقارب السعودي- الإيراني الذي لعب دوراً كبيراً في تطور العلاقات بين المنامة وطهران وعجّل بإعادة العلاقات بين البلدين.
وعلى الرغم من ذلك، ظلت تهديدات إيران تجاه مملكة البحرين قائمة، وهو ما جعلها أن تبحث عن تحالفات واسعة النطاق في محاولة لتعزيز مكانتها ومواجهة الأخطار التي تحدق بها، كان أهمها الخطر الإيراني، وقد كان من بين أهم هذه التحالفات تحالفها مع دول الخليج العربي، الذي به تم تأسيس قوات درع الجزيرة لحماية الأمن المشترك في إطار مجلس التعاون. وقد لعبت قوات درع الجزيرة دوراً مهماً للغاية في فترة اندلاع التوترات الأمنية في البحرين خلال عام 2011. عندما استعانت الحكومة البحرينية بقوات درع الجزيرة لتأمين منشآتها الاستراتيجية لوضع حد للاحتجاجات.
وقد صورت القيادة الإيرانية أنّ الحراك الذي اندلع في العام ٢٠١١ في مملكة البحرين، بأنه كان امتدادًا لأيديولوجية الثورة الإسلامية المناهضة للغرب، والنظم الموالية له في المنطقة. وبعد إيقاف هذا الحراك من قبل قوات درع الجزيرة ظهرت جماعات أكثر تطرفاً داخل الطيف السياسـي الشيعي البحريني، خرجت منها “كتائب الأشتر” وكتائب المختار” المصنفة حاليًا كتنظيمات إرهابية لدى العديد من الحكومات الخليجية، ولجوء بعض قادة هذه الجماعات إلى إيران والعراق، زاد من وتيرة التدخل الإيراني في أعمال التخريب التـي نفذتها في الفترة من ٢٠١٢ حتـى ٢٠١٧، بمساعدة من المليشيات العراقية وحزب الله اللبناني.
ولوقت طويل ظلت البحرين تتهم جارتها إيران صاحبة الأطماع التوسعية، بالتدخل في شؤونها الداخلية، وكذلك اتهمت الحرس الثوري بتدريب ميليشيا المعارضة، وقد تعددت أشكال التدخلات الإيرانية في البحرين دبلوماسياً وإعلامياً ومالياً، واعتمدت لعبة توزيع الأدوار بين المؤسسة الرسمية الحاكمة في إيران وشخصيات ومؤسسات غير رسمية إيرانية تعدّ جزء لا يتجزأ من النظام، حيث عمدت الجهات الأخيرة على تكرار تأكيدات مفادها أن البحرين جزء من إيران ويجب استعادتها، فيما تنفي الجهات الرسمية لاحقاً أن تكون تلك التصريحات معبّرة عن موقف طهران الرسمي، وأصبح الغطاء السياسي والإعلامي أبرز أوجه التدخل الإيراني المكشوف في شؤون البحرين الداخلية بشكل يصعب إخفاؤه أو التستر عليه.
يمكن القول أن التهديد والخطر الإيراني مازال محدقاً بمملكة البحرين، لكونها مرت بتجربة مريرة سابقة مع إيران في هذا الإطار، من خلال محاولة الأخيرة استهداف أمنها وصولاً لزعزعة نظامها والإضرار بمصالحها الاقتصادية، وبالتالي مازالت العلاقة أقرب للمتوترة والسلبية.
كما أن مشاركة المنامة في التحالف العربي في حرب اليمن 2015 ضد الحوثيين المدعومين إيرانياً، جاءت استدراكاً للخطر الذي مرت فيه البحرين بتجارب عديدة مع طهران، وما يمكن أن يشكله ذلك إذا ما تمكن الحوثيين من السيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي اليمنية، وكيف سينعكس ذلك بدوره على دول الخليج والإقليم بشكل عام.
وعلى الرغم من أنّ المملكة العربية السعودية الجارة الأقوى للبحرين؛ حاولت تخفيف لهجتها الحادة مع إيران، إلا أنّ السياسة الإيرانية ودورها في البحرين مازال يشكل عامل خطر كبير عليها وعلى جيرانها.
الكويت وإيران بين التوتر والتعاون
بدأت العَلاقات الإيرانية - الكويتيّة في مرحلة مبكّرة بعدما استقلّت الكويت في عام 1961، إذ اعترفت إيران «الشاه» باستقلالها في نفس السنة، وعندما طالب عبد الكريم قاسم الرئيس العراقي آنذاك بضمّ الكويت باعتبارها جزءًا من الأراضي العراقية، وحدثت أزمة على الحدود بين البلدَين عام 1973، استغلّت إيران تلك الحادثة بإعلانها الوقوف مع الكويت ضدّ الاعتداء العراقي، فإيران كانت ترى في العراق القوّة الضاربة في المِنطَقة، وأن ضمّ الكويت إليها سوف يمثّل إضافة لها، وهذا الموقف أسّس لواحدة من محدّدات العَلاقات بين البلدَين.
وفي عام 2003 أعلنت الدول العربيّة -بما فيها الكويت- رفضها ومعارضتها لفكرة الحرب الأمريكيّة على العراق على الرغم من حالة العداء نتيجة للغزو السافر من قِبَل النظام العراقي لدولة الكويت في عام 1991. وكان ذلك حرصًا على وحدة الدولة العراقيّة وحفظها من الانقسامات وارتدادات ذلك على الداخل الكويتي من قبيل حركة نزوح اللاجئين، وتمدّد موجات العنف، وتهديد الأمن الإقليمي . وخلافًا للموقف الكويتي أيّد النظام الإيراني الغزو الأمريكي للعراق نظرًا للعداء الصريح والتاريخيّ بين البلدَين، ووجود فرصة إيرانيّة للتخلص من هذا العدوّ التقليدي، وقد دفع هذا التوجه إيران إلى مدّ أمريكا بالمعلومات الاستخباراتيّة، وكذلك تعهّد بعدم التدخّل في أثناء الحرب أو بعدها.
علاوةً على ذلك، مَثّلَ التغلغل الإيرانيّ في العراق بعد عام 2003 مصدرًا لمخاوف الكويت، إذ تصاعد دور الشيعة وتم تهميش السنّة، وهذا كان له أثر على وضع الأقلّيّات الشيعيّة في بعض دول المِنطَقة ومن ضمنها الكويت، فضلًا عن أن العراق أصبح أقرب إلى عمليّة تقسيم على أسس طائفيّة، وهذا بدوره يمثل تهديدًا للداخل الكويتي.
وقد عُرفت الكويت بين دول الخليج، كما الحال مع سلطنة عُمان، بلعب دور الوسيط في المشكلات، وتبني المسار الدبلوماسي في التعاطي معها، ومحاولة التمايز عن الأدوار المتنافسة لبعض دول المنطقة، لكنها وجدت نفسها في أوقات كثيرة مضطرة إلى أن تتخذ مواقف مغايرة، حيث إن تجربتها في الاحتلال العراقي لها والدور الدبلوماسي والعسكري لدول مجلس التعاون الخليجي في تحرير الكويت، زاد من تمسكها بوحدة الصف الخليجي، إذ يعتبر استمرار هذه المنظومة هدفاً وخياراً استراتيجياً لها.
بدأت العلاقات الإيرانية – الكويتية تشهد صعوداً وهبوطاً مستمراً بعد عام 2011، عندما حاولت إيران السعي إلى زعزعة أمن واستقرار الكويت، طمعاً منها في تكوين نظام حكم تابع أو أكثر طواعية لها نظراً لوجود أقلية شيعية فيها، يمكن التعويل عليها في تشكيل مستقبل نظام جديد يكون ولاؤه لطهران، وهو الأمر ذاته الذي حاولت فعله في البحرين إبان الربيع العربي وكان سبباً في إثارة مخاوف الكويت.
لذلك لم يكن تدهور العلاقات بين البلدين مفاجئاً، خاصة بعد هرب أعضاء إحدى خلايا التجسس (خلية العبدلي)، بعد الإفراج عنهم على ذمة القضية، إذ قررت الكويت بعدها خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، من 19 إلى أربعة أشخاص، وقد تمت الإشارة ضمنياً إلى ضلوع إيران في تشكيل خلية تجسس بالكويت .
وبدخول التحالف العربي للحرب في اليمن في 2015، كانت الكويت ضمن القوات الجوية والبرية المشاركة، بيد أن مشاركتها بدأت تتراجع خاصة مع عدم تحقيق السعودية لأهداف مرجوّة في اليمن، مما حوّل دور الكويت في الصراع إلى دور أكثر دبلوماسية وأقل عسكرية. واختارت اتجاه الحوار وبناء الثقة بين الأطراف المتنازعة في اليمن بما فيهم الحوثيين الذين تدعمهم إيران، من خلال استضافتها لمحادثات شاملة لحل الأزمة اليمنية عام 2016 بدعم من الأمم المتحدة؛ استمرت ثلاثة أشهر. ورغم محاولات التوسط من قبل المسؤولين الكويتيين من أجل إيجاد حل دائم للأزمة؛ إلا أن المحادثات فشلت.
يبقى الموقف الكويتي داعماً لإنهاء الأزمة في اليمن والتوصل إلى اتفاق سياسي شامل يتضمن وقف إطلاق النار تحت مراقبة الأمم المتحدة. وهذا ما أثبتته الكويت أيضاً من خلال مساعيها في جهود السلام السابقة، وكذلك من خلال زيارة مبعوث أمير الكويت الأخيرة إلى الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في الرياض مطلع يونيو العام الجاري، والذي ربما يشير إلى استعداد الكويت لاستضافة مراسم التوقيع على اتفاق ينهي الحرب في اليمن في حال توصل الفرقاء إلى تسوية. وهو ما أكدته الكويت عبر وزير خارجيتها في 2018.
يمكن القول أنّ الدور الإيراني في الكويت يتأرجح بين التعاون والتوتر والتهدئة، فتارة تكون العلاقات ودودة بين البلدين وتارة أخرى تقترب من الانقطاع، بيد أن الكويت باتت تفضل أن تلعب دور الوسيط في المنطقة؛ بعيداً عن الاصطدام مع أي طرف وإن كان طهران، وهو ما سعت لأجله أيضاً من خلال نجاح مبادرتها لحل الأزمة الخليجية بين السعودية وقطر مطلع العام 2021.
إيران ودورها في العراق
وفرت الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، فرصة تاريخية للنظام الإيراني لتحويل علاقتها مع العراق التي كانت سابقاً واحدة من أشد أعدائها، فقد استغلت إيران الحدود الطويلة التي يسهل اختراقها مع العراق وعلاقاتها طويلة المدى مع سياسيين عراقيين رئيسيين وأحزاب وجماعات مسلّحة عراقية، فضلاً عن قوتها الناعمة المتمثلة في المجالات الاقتصادية والدينية والإعلامية لتوسيع نفوذها، وبالتالي ترسيخ مكانتها كوسيط القوة الخارجي الرئيسي في العراق.
وقد تجاوز الاحتلال الأمريكي للعراق مرحلة إسقاط نظام عربي إلى مرحلة تدمير مقومات الدولة العراقية، حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عملية سياسية تقوم على أسس طائفية، بحيث ينقسم العراق إلى طوائف من سنة وشيعة وعرب وأكراد، كل منهم يبحث عن دور في العملية السياسية ويريد تحقيق مكاسبه الخاصة. وهو ما أرادته الولايات المتحدة الأمريكية، بل وأرادته إيران، حيث خرجت العراق من ميزان القوى العربي ومن المعادلة الاستراتيجية خارج منطقة الخليج، فقد انخرطت في مشكلاتها الداخلية ومحاولات إعادة الإعمار بعد أن كانت من أهم الفواعل العربية في المنطقة.
وتأتي أهمية العراق بالنسبة لإيران لعدد من الدوافع والحوافـز أو المـصالح أهمها الدافع الجغرافي حيث أطول حدود لإيران مع دول من جيرانها هـي العـراق ليست حدود فقط، إنما منطقة تلاصق سكاني حيث أنّ الكثافة السكانية على الجـانبين فـي هـذه المنطقـة مرتفعة جداً وخط الحدود مليء بالحركة وبالمصالح الاقتصادية.
أما الدافع الثاني يتمثل بالدافع الاقتصادي، ممثلة أولاً بمصالح النفط والغاز الممتدة بين الطرفين، وثانياً في خط التجارة الذي يعتبر شريان التجارة الرئيسي بين بغداد وطهران خصوصاً بعد 2003. ويتمثل الدافع الثالث بالدافع الديني، حيث إن العراق أصبحت وجهة رئيسية للسياح الدينيين الإيرانيين، إذ يزور نحو 40 ألف إيراني المدن المقدسة في العراق شهرياً، كما تشير التقديرات إلى أن نحو ثلاثة إلى أربعة ملايين شخص يزورون العراق أثناء الاحتفالات السنوية بذكرى عاشوراء . أما الدافع الرابع هو السياسي، والذي بدأ بنظرية تصدير الثورة والترويج لفكرة بناء الشرق الأوسط الإسلامي.
يمكن القول أن هناك مصلحة حقيقية لإيران للقيام بدور مهم ومؤثر في الساحة العراقية، فدولة بحجم إيران وطموحاتها الإقليمية لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء حالة الفراغ السياسي والاستراتيجي التي يعيـشها العـراق، وهو البلد الذي بادلها التنافس الإقليمي العسكري والأيديولوجي طيلة أكثر مـن عقدين من الزمان في (الثمانينات والتسعينات) من القرن الماضي ، بالإضافة إلى أنه بلد يمثّل امتداد استراتيجي لإيران مع دول الجوار، وبالتالي من المهم بالنسبة لها أن يتم توظيف الورقة العراقية في إدارة شؤونها الإقليمية.
بالنسبة للأزمة في اليمن، ليس في وسع وضع طائفي متفجر في العراق أن يتجاوز تداعيات ما يحدث في المنطقة دون أن ينخرط فيها بطريقة أو بأخرى. فالحكومة العراقية إبان فترة حيدر العبادي؛ أعلنت عدم تأييدها لعملية "عاصفة الحزم" التي أطلقتها المملكة العربية السعودية مع حلفائها في 2015؛ وقد فُهم هذا الوضع من جانب الأطراف السنية على أنه موقف منحاز للموقف الإيراني.
وقد تعرضت السعودية لهجمات صاروخية وضربات من الطائرات المسيّرة، انطلقت من اليمن عبر الحوثيين؛ وبعضها من مواقع في الأراضي العراقية عبر فصائل تقودها إيران، شملت العديد من المنشآت الحيوية في مجال صناعة النفط والبتروكيماويات، وكان أهمها الهجوم الذي استهدف منشأتَي بقيق وخريص في أيلول/ سبتمبر 2019، على الرغم من تبني الحوثيين للهجمات إعلامياً، ونفي العراق انطلاق أي ضربات من أراضيها.
غير أن الموقف العراقي بدأ يتغير مع حكومة مصطفى الكاظمي الذي دعم بدوره مبادرة المملكة العربية السعودي لإنهاء الحرب في اليمن . أضف لذلك أن العلاقات العراقية السعودية تصاعدت بشكل إيجابي، وهو ما قد يشكل تعاوناً يخدم المصالح المشتركة بين البلدين في المستقبل.
قطر وإيران علاقات تعاونية
في 20 سبتمبر 1969 تم إبرام اتفاقية لترسيم الحدود البحرية وتقسيم الجرف القاري بين إيران وقطر، وفي عام 1971، حصلت قطر على استقلالها السياسي، وكانت علاقتها السياسية مع شاه إيران جيدة ، مثلها مثل باقي الدول الخليجية. ولكن بعد اندلاع الثورة في إيران والإطاحة بالشاه وإقرار نظام الحكم الإسلامي في إيران، عام 1979، بدأت حالة من العداء الصريح ما بين إيران من جهة وحكام الخليج من جهة أخرى.
بدأ التقارب بين قطر وإيران، عام 1992، حين ساهم الخلاف الحدودي بين السعودية وقطر على منطقة الخفوس، في تطبيع العلاقات الثنائية بين طهران والدوحة، بعدما استغل الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني ذلك الخلاف وأعلن مساندة إيران لقطر.
ومنذ ذلك الحين، تطورت العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية؛ إذ بلغت ذروتها ما بين عامي 2006 و2008. ما مثّل تقارباً على مستوى المواقف أيضاً، المواقف تجاه الإخوان المسلمين، وحزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، والحوثيين في اليمن.
وقد لعبت قطر دوراً حيوياً في الربيع العربي، إلى جانب إيران وتركيا عبر وكلاء محليين في دول عربية عديدة. هذا الأمر فرض على السياسة الخارجية القطرية تحديات كبيرة، منها اتهامات لقطر بالترويج خارجياً لنظام ديمقراطي هي تفتقده داخلياً. طموح الدوحة في القيادة الإقليمية وإن كان على حساب جيرانها، كلّفها تالياً إعلان الدول الأربع السعودية والبحرين ومصر والإمارات في 5 يونيو 2017، المقاطعة الدبلوماسية وإغلاق الحدود بين قطر وبين جيرانها، متهمةً إياها بدعم جماعات إسلامية متطرفة والتقرب من إيران، الأمر الذي نفته الدوحة لاحقاً.
هذا المسار في العلاقات عمّق الأزمة بين الدول الخليجية، ماعدا الموقف الكويتي والعماني الذي فضلتا فيه الحياد وإبقاء علاقات متوازنة مع قطر.
بشكل عام، أثّرت المقاطعة على مشاركة قطر في اليمن إلى جانب التحالف العربي، الذي أعلن الأخير فيها عن إنهاء مشاركتها بسبب ممارستها التي تعزز الإرهاب، ودعمها تنظيماته في اليمن ومنها القاعدة وداعش والميليشيات الانقلابية حسب البيان.
كما أن المقاطعة عكست تنامي متصاعد في العلاقة بين إيران وقطر، وهو ما انعكس بدوره على الوضع في اليمن، من خلال الاتصالات المباشرة بين الحوثيين، وزيارات مسؤولين قطريين وإيرانيين ولقاءات مكثفة بهم في مسقط. إلى جانب ضخ الآلة الإعلامية القطرية ضد السعودية والإمارات، وتحميلها مسؤولية استمرار الحرب في اليمن وما يتبعها من تدهور للأوضاع الاقتصادية والإنسانية.
أما الآن، فيبدو الوضع السياسي العام أخف حدة بعد التقارب السعودي - القطري، مطلع العام الجاري 2021، في قمة العلا، وهو ما قد يعزز من العمل الخليجي المشترك وبخاصة في ظل التغيرات الإقليمية والدولية المهمة، مثل المبادرة السعودية للحل السياسي في اليمن والجهود الدبلوماسية المكثفة لإنهاء الحرب فيها، وعودة التفاوض مع إيران بشأن الاتفاق النووي.
عُمان وإيران علاقات شبه دائمة
شكّلت العلاقة بين إيران وعُمان التعاون السياسي الناضج، بعد تولي السلطان قابوس الحكم في العام 1970. وتجلى ذلك في اعتراف شاه إيران بحكومة السلطان بعد وصوله إلى الحكم وقبل أي شيء، إذ كانت إيران بذلك تعد ثالث دولة في العالم تعترف بالنظام السياسي للسلطان قابوس بعد الولايات المتحدة وبريطانيا ، أي أنها سبقت البلدان العربية في ذلك لاعتبارات أيديولوجية وسياسية في الدرجة الأولى.
وقد تطوّرت العلاقات بين البلدين إلى الحدّ الذي انسحب على مسارات أخرى خارجة عن السياسة والاقتصاد. فقد أسّست طهران كرسيا للفقه الأباضي في جامعة الإمام الخميني الدولية. وبات المُفتي العام لسلطنة عُمان عضوا في المجمع الأعلى للتقريب بين المذاهب الإسلامية. كما أصبح هناك تعاون في مجال المكتبات والراديو والتلفزيون والصحف.
ارتسمت الخطوط العريضة للسياسة الخارجية العُمانية خلال المقاطعة العربية لمصر، بعد قيامها بتوقيع اتفاقات كامب ديفيد مع إسرائيل في العام 1978، وتبلورت أثناء حرب الخليج 1980-1988، عندما رفضت مسقط المشاركة في الاصطفاف العربي ضد إيران. حتى في المرحلة التي سبقت حرب اليمن في صيف 1994، استضاف العُمانيون الاجتماع الأخير بين الزعيمَين الخصمين علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض في محاولة أخيرة للتوسّط بين الاثنين.
وقد عُرف عن عمان لعبها دور الوساطة وسياسة الاحتواء التي تتبعها خارجياً، وهو ما جعلها تستفيد من تجربتها في احتواء المظاهرات التي اندلعت داخلياً في محافظة ظفار خلال عامي 2011 و2012، على غرار الاحتجاجات التي شهدتها دول عربية عديدة فيما عُرف بالربيع العربي. حيث قامت الحكومة بالاستجابة لمطالب المتظاهرين عبر عدة إجراءات إصلاحية على أصعدة اقتصادية وسياسية مختلفة.
وبالنسبة لدورها في اليمن، فعمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت المشاركة في عملية عاصفة الحزم بقيادة السعودية عند انطلاقتها في مارس/ آذار 2015، واتضح موقفها المعارض للتدخل العسكري الإقليمي في اليمن من خلال الدعوة التي وجهتها حينها لليمنيين كي يتفقوا فيما بينهم “لإخراج اليمن من أزمته الطاحنة”، وتأكيدها “استعداد السلطنة للتعامل مع كل اليمنيين على مقياس واحد، ودعم أي جهد من قبل الأشقاء في مجلس الجامعة العربية، في سبيل استقرار اليمن.
فيما يتعلق بهذا الشأن، تدرك السعودية التي تقود التحالف العربي في اليمن؛ أهمية الدور العماني في الإقليم رغم عدم ارتياحها للعلاقة المتقاربة بين مسقط وطهران، وما تحاول الأخيرة من فعله بشكل مضاد يزعزع من أمن السعودية عبر دعمها للحوثيين. بيد أن الرياض تدرك أيضاً أهمية السياسة الموزونة التي تتبعها عمان، كما تتفهم مساعيها ومبادراتها ودعمها لجهود السلام من أجل إنهاء الحرب في اليمن.
وعلى الرغم من العلاقة الوثيقة والتعاونية بين إيران وعمان، إلا أن عمان تؤكد دائماً على خصوصية سياستها الخارجية عبر تجنب استفزاز دول المنطقة وعلى رأسها جارتها المملكة العربية السعودية، والنأي بنفسها عن المواقف الإيرانية المتشددة، وتدعم أي اتفاقات أو هدن سلام في المنطقة. وقد سعت في ذلك من خلال وساطتها الإقليمية للتقريب بين وجهات نظر أطراف الأزمة اليمنية، وهو الأمر الذي ترتكز عليه في سياستها الخارجية.
علاوةً على ذلك، يبدو أن عمان أيضاً ترغب بالتعاطي مع جارتيها السعودية والإمارات بطريقة أكثر إيجابية من باب رغبة السلطان الجديد هيثم بن طارق؛ إرساء دعائم تقارب خليجي - خليجي، خاصة وأن عمان تمر بوضع اقتصادي سيء. الأمر الذي قد يتيح لعلاقات أوسع في المستقبل. وقد تجلى ذلك في قمة العلا بالسعودية في يناير 2021، التي رحبت فيها عمان بالتقارب السعودي القطري بعد قطيعة دامت ثلاث سنوات.
يمكن القول باختصار، أن مسقط تحولت إلى في الآونة الأخيرة إلى بوابة رئيسية وقناة مفتوحة لجميع الأطراف على المستوى المحلي اليمني والإقليمي والدولي، لتمرير الأفكار وطرح المبادرات المتصلة بالتسوية السياسية لإنهاء الحرب في اليمن، وهذا الأمر بالنسبة لعمان يعدّ حاسماً وتأمل من خلاله التوصل إلى نتيجة سلام مرجوّة بين الفرقاء.
ثالثاً: الموقف الخليجي من الملف النووي الإيراني
عبرت دول مجلس التعاون الخليجي في بيانات مختلفة لها عن موقفها تجاه الملف النووي الإيراني، ونادت بضرورة التوصل إلى حل لأزمة هذا الملف بالطرق السلمية وبالحوار الدولي والتعاون مع وكالة الطاقة الذرية، وحث إيران على الالتزام بالمعايير الدولية للأمن والسلامة، لما ترى من أهمية لحفظ أمنها بشكل خاص والأمن القومي العربي بشكل عام.
وهناك توافق بين دول الخليج حول مبادئ عامة حاكمة للموقف الخليجي من الملف النووي الإيراني، وعلى الأخص قناعة هذه الدول بوجود أرضية مشتركة ومصلحة عليا موحدة في دعم سياسة الدول الغربية الهادفة إلى تجريد إيران من قدراتها النووية والتدميرية الراهنة أو المستقبلية ، وذلك بالارتكاز على المبادئ التالية:
1- وجوب قيام اتفاق إقليمي يشمل دول منطقة الخليج العربي وربما منطقة الشرق الأوسط عامة، ويشمل اسرائيل بشكل خاص، هدفه ترسيخ الأسس القانونية لإعلان المنطقة منطقة منزوعة السلاح النووي، أو منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وأن تلتزم جميع دول المنطقة بتطبيق هذا المبدأ، وأن تستحدث آلية دائمة وفعالة لتنفيذ الاتفاق ومراقبة الدول التي تمتلك برامج نووية للأغراض السلمية.
2- الضغط على إسرائيل للانضمام إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وإخضاع كافة منشآتها النووية لنظام تفتيش دولي.
3- ضرورة تخلي اسرائيل عن قدراتها النووية، وهو شرط ضروري لتحقيق مبدأ قيام منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، كما جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 15 ديسمبر تحت رقم 49/71، والذي حث جميع الأطراف على جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية.
وإذا كانت الدول الخليجية قد أبدت تخوفها من هذا البرنامج وآثاره على البيئة والمنطقة، فإن التخوف لا يقف عند هذا الحد، على الرغم من التطمينات الإيرانية بسلمية برنامجها، إلى أنّ التخوف يأتي من الآثار السياسية المترتبة على هذا البرنامج وما يمكن أن يحل بالمنطقة، إذا ما قامت إسرائيل بضرب المشروع حفاظاً على مصالحها، مستغلةً تخوف دول المنطقة من البرنامج النووي الإيراني.
وكانت دول الخليج قد رحبت بالقرار الأمريكي في الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في عهد ترمب، بعد رؤية أوباما الدبلوماسية التي كان يُعتقد أنها صفقة جيدة مع طهران. ورغم المخاوف التي أبدتها دول الخليج من سياسة بايدن الجديدة التي بدأت تنتهج سياسة خلفه الديمقراطي أوباما؛ من خلال إحياء اتفاق 2015 النووي، إلا أنّ إدارة بايدن رأت أنّ المسار التصعيدي مع إيران غير مجدي مقارنة بالدبلوماسي الذي ترى فيه الحل الأفضل للمنطقة، في الوقت الذي تصر فيه دول الخليج على ضرورة مشاركتها في مفاوضات النووي الإيراني.
وبناءً على هذا التحوّل، يرى العديد من المراقبين أن طهران تستغل النزاع في اليمن لتحقيق مكاسب في الملف النووي، وتسعى إلى زيادة نفوذها ودورها في المنطقة، بعد أن قوّضت تحركاتها بالعقوبات في عهد إدارة ترمب. في حين أن الولايات المتحدة تتعامل مع الملف اليمني بشكل منفصل عن النووي الإيراني في مسارات التسوية السياسية. وقد أكدت أنها لن تستخدم الملف اليمني للضغط على إيران.
يتبين لنا مما سبق أن لدى دول الخليج إدراك جماعي بخطورة الملف النووي الإيراني بالنسبة لأمنها القومي، وعبّرت عن موقفها هذا في الكثير من المناسبات والبيانات، وهو ما يتطلب من المجتمع الدولي حث إيران على الالتزام بكافة شروط الوكالة الدولية للطاقة الذرية والقرارات الملزمة في هذا الشأن، وإثبات حسن النوايا من قبلها تجاه المنطقة والعالم.
الخاتمة
من خلال هذه الورقة حول علاقة إيران بدول الخليج وانعكاسات ذلك على الأزمة في اليمن، تم التوصل إلى الأثر الذي أحدثته التدخلات الإيرانية في دول منطقة الخليج، من خلال بعض الصراعات والصدامات التي تكررت في العقد الأخير بعد 2011، وهو الأمر الذي جعل من دول الخليج أن تعيد حساباتها في علاقتها بإيران، خاصة وأنها لم تثبت حسن نوايا لتغيير سياساتها في المنطقة، وكان الملف اليمني من أعقد الملفات بالنسبة لدول الخليج وبشكل أكبر المملكة العربية السعودية والإمارات.
إذ أبدت دول الخليج والولايات المتحدة رغبة بالخروج من الملف اليمني بصورة حاسمة، لما أحدثته الأزمة من نتائج كارثية على المستوى الإنساني والاقتصادي، فضلاً عن استنزاف هذا الملف للمقدّرات السعودية والخليجية بشكل عام دون فوائد مرجوّة، وما سببته الأخطاء الاستراتيجية الثقيلة للتحالف العربي وأثرها على الملف الحقوقي دولياً.
يمكن القول أن المبادرة السعودية لوقف إطلاق النار وإنهاء الأزمة في اليمن، بمثابة كرة السلام الأخيرة التي ترمى في ملعب الحوثيين، لمراجعة مسارات الحرب والدخول في تسوية سياسية مع الأطراف اليمنية وإنهاء الحرب الممتدة لأكثر من ست سنوات في اليمن. والسعودية بهذه الخطوة ترفع الحرج عن نفسها أمام المجتمع الدولي؛ وإن رأى فيها البعض نوع من الاستسلام واعتراف بفشل الحرب؛ بيد أنها بنظر البعض الآخر ربما تعدّ خطوة شجاعة.
النتائج
في ضوء المعطيات السابقة عن طبيعة الدور الإيراني، والظلال التي ألقاها بدوره على منطقة الخليج العربي، من خلال استعراض الأهداف المؤثرة في صنع هذا الدور، ومن خلال السياسة الإيرانية في دول منطقة الخليج وتأثير علاقاتها الصراعية – التعاونية على كل دولة، وأثر هذه العلاقات على الأزمة في اليمن، وكذا الموقف الخليجي من الملف النووي الإيراني، فقد خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج:
- تعاملت إيران مع منطقة الخليج من زاوية سياستها الخارجية وتحالفاتها الإقليمية، من خلال تكريس دورها ومكانتها الإقليمية كجمهورية إسلامية كبرى في الشرق الأوسط، تحفظ أمن المنطقة وترفض أي وجود أجنبي، وبالتالي على دول المنطقة العربية وبالأخص دول الخليج الانصياع لها.
- إن حالة الاستقطاب الحاد السائدة في الساحة العربية عموماً والساحة الخليجية خصوصاً من قبل الدول الكبرى، جعل من إيران تعتبر هذا النوع من الاستقطاب تهديداً لأمنها القومي، وهو ما انعكس على سياساتها الصراعية مع بعض الدول.
- إن التحولات الإقليمية التي جاءت بعد الربيع العربي في 2011، لم تنشأ لقيام دور إيراني في المنطقة، إنما كشفت عن الدور الذي كان موجوداً في الأساس، عبر عناصرها ووكلاءها المحليين في الدول العربية عموماً.
- إن العلاقات الإيرانية – الخليجية مرت ولا تزال تمر بوتيرة متأرجحة بين التصاعد والتنازل، عوضاً عن إثارتها للشيعة في دول منطقة الخليج والتعاون معهم، وهو ما استعرضناه في دول السعودية والبحرين والكويت والعراق.
- إنّ دول منطقة الخليج تسعى لزيادة قدراتها العسكرية على حساب مخططاتها الاقتصادية والتنموية، وخاصة المملكة العربية السعودية في سبيل التهديدات التي تتعرض لها من قبل الحوثيين المدعومين إيرانياً في حرب اليمن.
- إن الطبيعة الصراعية للعلاقات بين إيران ودول الخليج لا تعد الشكل الدائم للعلاقات، حيث كانت ومازالت هناك العديد من محطات التعاون بين دول الخليج وبين إيران، مثل عُمان وقطر، فهما تحظيان بعلاقات شبه دائمة معها.
- إنّ تحدي إيران واستمرارها في برنامجها النووي، يؤدي إلى مزيد من سباق التسلح في المنطقة وبالتالي عدم استقرارها.
- على الرغم من الفجوة في توازن القوى بين دول الخليج وإيران، استطاعت دول الخليج في الحد من التمدد الإيراني وكبح تهديداته.
- إنّ هناك رغبة سعودية بفتح صفحة ود جديدة مع إيران عوضاً عن العلاقات الصدامية الدائمة، وهو بالمثل بالنسبة لإيران التي بدت منفتحة على أي محاولة سعودية في اتجاه التفاهم معها.
- إن هناك رغبة دولية وإقليمية وأممية جادة في إنهاء الحرب في اليمن، وهو ما أثبته الحراك الدبلوماسي المكثّف بين فرقاء الأزمة ووسطاءها خلال الأشهر الأخيرة.
التوصيات
وفي ضوء هذه النتائج تم التوصل إلى عدد من التوصيات:
- توحيد الرؤى الخليجية وتنسيق تعاملاتها في مختلف القضايا وعلى رأسها التدخلات الإيرانية، لعدم السماح بأي اختراق من شأنه زعزعة أمنها واستقرارها.
- ضرورة إصرار دول الخليج إعلان المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية، حتى لا تضطر إلى اللجوء لبناء تحالفات دولية توازن فيها قواها مع إيران.
- مطالبة إيران باحترام سيادة الغير وعدم التدخل في شؤون الآخرين وعدم اتخاذ مواقف من شأنها زعزعة الثقة مع جيرانها في دول منطقة الخليج والمنطقة العربية بشكل عام.
- ضرورة وقف التصعيد العسكري في اليمن والسعي إلى مقاربات حل سلمية؛ تنقذ الوضع الإنساني والاقتصادي والسياسي في اليمن.
- ضرورة التعاطي في مسار المفاوضات الدبلوماسية الممهدة للحل في اليمن، بناءً على موازين القوى على الأرض، مثال على ذلك قوة المجلس الانتقالي الجنوبي في جنوب اليمن.
- هذه الورقة البحثية من إصدارات مركز سوث24 للأخبار والدراسات، جميع الحقوق الفكرية محفوظة
زميلة مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحثة في الشؤون السياسية
المراجع
- للإطلاع على المراجع، وقراءة وتحميل الورقة البحثية إلكترونيا (من هنا)