05-06-2021 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليل
أثمر الضغط الذي مارسته واشنطن خلال الأسابيع الماضية على العمانيين قبول سلطنة عمان بإرسال وفد من المكتب السلطاني (الاستخبارات)، للقاء زعيم جماعة الحوثيين في صنعاء، وفقا لما أعلنه متحدث الحوثيين صباح السبت. [1] لكن هل ستتمكن سلطنة عمان من تحقيق تقدّم في ملف الصراع في اليمن وإقناع الجماعة بما عجزت عنه واشنطن والأمم المتحدة؟
عاد المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن إلى واشنطن بعد جولة جديدة شملت السعودية والإمارات وعُمان والأردن، التقى خلالها بعدد من الأطراف اليمنية والخليجية، لبحث إنهاء الحرب في اليمن. قال ليندركينع بأنّ "الحوثيين يتحمّلون مسؤولية كبيرة عن رفض الانخراط في وقف إطلاق النار واتخاذ خطوات لحل النزاع". وأشار إلى أنّ "هجوم الحوثيين المدمّر على مأرب... يتركهم في عزلة متزايدة"، وفقا لبيان، الجمعة.
تكمن نقطة الخلاف بين الجهود الدولية وبين الحوثيين، حول تراتبية وقف إطلاق النار وإجراءات فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة. يسعى الحوثيون لرفع القيود عن هذه المنافذ قبل البدء بخطوات وقف إطلاق النار. في حين يبدو موقف الولايات المتحدة والأمم المتحدة والسويد والسعودية وحكومة المناصفة في اليمن معاكساً تماما لما يسعى له الحوثيون.
كنت قد ذكرتُ في تحليلٍ سابق [2] أنّ الولايات المتحدة طلبت من سلطنة عمان إرسال وفد للقاء عبد الملك الحوثي، بعد فشل جهود المبعوثين الأممي والأمريكي من التوصل لاتفاق مع رئيس وفد الجماعة، محمد عبد السلام، في مسقط، أوائل مايو أيار الماضي.
تطلعات واشنطن
مارست الولايات المتحدة ضغطا "كبيرا" على العمانيين لاتخاذ موقف أقوى من الجماعة، التي وفّرت لها مسقط دعماً لوجوستيا ودبلوماسيا واسعا. قالت مصادر سياسية مطلّعة لـ "سوث24" إنّ الحوارات بين واشنطن ومسقط بدت أكثر شدة وتوتر. "لقد طلب الأمريكان من العمانيين ألا يكتفوا بدور الميسّر."
كان السيناتور الأمريكي، كريس ميرفي، الذي رافق الوفد الأمريكي إلى مسقط في الجولة السابقة، قد أشار في 5 مايو أيار الماضي لهذه الضغوط. [3]
وفي حين تتأمل واشنطن بدور عماني محتمل، من شأنه أن يدفع باتجاه إقناع الجماعة الحوثية بقبول وقف إطلاق النار، تبرز عدد من الأسئلة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد فقدت أوراق الضغط المباشرة على الجماعة اليمنية المدعومة من إيران، وبالتالي ضعف دبلوماسيتها في تحقيق تأثير يقود لحل الصراع في اليمن.
وكانت واشنطن قد ألغت في فبراير / شباط الماضي، قرار إدارة ترامب، الذي صنّف الجماعة الحوثية في قائمة "الإرهاب الدولي" الأمريكية. لقد تحججت الإدارة الجديدة لبايدن بالتبعات الإنسانية لهذا القرار. لكنّ هذه الخطوات، وفقا لخبراء، دفعت الجماعة نحو مزيد من التصعيد الميداني باتجاه آخر معقل للحكومة اليمنية في شمال اليمن، مدينة مأرب، وزادت موقفها تعنّتا.
قال الباحث في جامعة أكسفورد، صامويل راماني لـ "سوث24" إنّ "الولايات المتحدة كافحت للقيام بدور دبلوماسي في الصراع اليمني، لذا فإنّ التواصل مع عمان يُمكن أن يعوّض عن ذلك."
"الولايات المتحدة تنظر إلى عُمان على أنها الدولة الوحيدة التي يمكنها المشاركة في تسهيل الحوار مع جميع الفصائل المتحاربة في اليمن".
ويأتي ذلك لأسباب أوردها راماني، منها أنّ عُمان "لم تنضم إلى التحالف الذي تقوده السعودية في عام 2015 .. ولديها خبرة في تسهيل الاجتماعات بين الحوثيين ومسؤولي الأمم المتحدة".
العلاقة مع إيران واليمن
ومن زاوية أخرى، لا يمكن إخفاء التقارب بين سلطنة عمان والجمهورية الإسلامية الإيرانية. لقد تعززت العلاقة بين البلدين منذ توقيع اتفاق إيران النووي في 2015 خلال فترة حكم السلطان السابق "قابوس بن سعيد". كانت العلاقة بين عُمان وبين واشنطن وحتى جيرانها الخليجين متوترة، إلى حد ما، في السنوات الأخيرة.
على سبيل المثال، كانت تعزية واشنطن في وفاة السلطان العماني قابوس بن سعيد متأخرة. لم تشارك واشنطن بوفد "رفيع المستوى" في مراسم العزاء. بعد تولّي السلطان الجديد، هيثم بن طارق، الحكم، وإزاحة وزير الخارجية السابق، يوسف بن علوي، انفرجت العلاقة العمانية، إلى حدٍ ما، مع السعودية والإمارات العربية المتحدة.
علاقة عمان بحكومة الرئيس اليمني المعترف به دوليا، عبدربه منصور هادي، شابتها قطيعة كبيرة، على ذمة اتهامات غير رسمية لمسقط بالتغاضي عن تهريب الأسلحة إلى الحوثيين. عُمان لا تملك، أيضاً، علاقات ملحوظة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، القوة الأبرز على حدودها الغربية.
يعتقد راماني أنّ "سياسة عمان تجاه اليمن ظلت ثابتة نسبيًا في عهد السلطان قابوس والسلطان هيثم"، لكنّ "السلطان هيثم أكثر انخراطًا في ملف اليمن من سلفه".
وعلى عكس ذلك يعتقد راماني أنّ عمان تتمتع "بعلاقات محلية عميقة مع المهرة، وعلاقات مع تحالف هادي الحاكم، وحتى علاقات مع مسؤولين محليين في مأرب ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية." بينما "ينظر المجلس الانتقالي الجنوبي إلى عُمان بريبة بسبب علاقاتها مع الحوثيين، لكنّ لديها دعم أوسع في شمال اليمن."
واليوم السبت وصل، وزير الخارجية في حكومة اتفاق الرياض، اليمنية، أحمد بن مبارك، لأول مرة إلى مسقط. لكنّ مراسم استقبال الوزير كانت "باهتة"، وفقا لمراقبين. اكتفت عُمان بإرسال رئيس دائرة المراسم، "خالد الجرادي" لاستقبال بن مبارك. [4]
في العادة، يُدير الملف اليمني في سلطنة عمان، المكتب السلطاني. وهو جهاز حكومي عماني له صفة الوزارة، ويعد من أرفع الوزارات في السلطنة وأكثرها قوة. وللمكتب السلطاني التأثير الأكبر في قضايا الأمن القومي والاستخبارات. [5] ويتشكّل هذا المكتب في العادة من الحرس القديم. سيكون من الصعب أنّ يحقق هؤلاء المسؤولون انفراجة عملية في جهود وقف الحرب بشكل متوازن مع بقية أطراف الأزمة اليمنية.
ولتفادي ذلك، قد تراهن واشنطن، على دور أوسع للخارجية العمانية ووزيرها "بدر البوسعيدي"، الذي بدى أكثر براجماتية تجاه بقية أطراف الصراع والجهات الدولية ذات الصلة في ملف الحرب في اليمن.
قالت وزارة الخارجية العمانية، الجمعة، أن وزير الخارجية العماني ونظيره الأمريكي، انتوني بلينكن، أكدا في اتصال هاتفي "على أهمية تكثيف الجهود للوصول إلى اتفاق" في اليمن "وإنهاء الحرب والشروع في الحلول السلمية بين الأطراف من خلال المفاوضات والحوار المباشر". [6]
ضغوط اقتصادية وأمنية
قالت المصادر السياسية الرفيعة لـ "سوث24" أنّ الأمريكان حذّروا العمانيين من مخاوف انتقال الصراع لحدودها الغربية، مع جنوب اليمن، بالتحديد في محافظتي المهرة وحضرموت، في حال تمكّن الحوثيون من السيطرة على مأرب بالكامل. ولا تزال محافظة المهرة بعيدة عن أي صراع عسكري مباشر منذ اندلاع الحرب الأهلية في اليمن.
في هذه الأثناء، تواجه سلطنة عمان، تحديات اقتصادية كبيرة، جراء جائحة كورونا ولجأت مؤخرا لاقتراض مبالغ هائلة لسد هذا العجز، ومنع حدوث أي انهيار في اقتصادها.
بعد انسحاب الولايات المتحدة من صفقة الاتفاق النووي مع إيران وعودة العقوبات الأمريكية على طهران، تأثرت عملية الاستيراد والتصدير بين السلطنة وإيران. يأمل العمانيون في أن تقود المحادثات الجارية في فيينا، إلى حلول دائمة، تمكن مسقط من تعزيز اقتصادها مع طهران، وفقا لوزير النفط العماني، محمد الرمحي. [7] وكانت عمان قد أعلنت، في 17 مايو أيار الماضي، أنها تعتزم إحياء خطط استيراد الغاز الإيراني ونقله إلى اليمن، وفقا للموقع الاقتصادي الشهير "إس اند بي جلوبال".
ربما قد يرى البعض أنّ طلب واشنطن من عُمان للعب دور فعال في الأزمة اليمنية، إلى جانب تذكير العمانيين بالتبعات الاقتصادية والأمنية، يأتي بهدف الحيلولة دون وقوع السلطنة وقيادتها الجديدة في قبضة تأثير إيران القوية. على الأقل، واشنطن تطمح لصنع مقاربة متوازنة لا تتعارض مع سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة في المنطقة.
يعتقد السيد راماني "أن تعامل الولايات المتحدة مع عمان يتعلّق أكثر بثقتها في مسقط كشريك دبلوماسي". ويضيف لـ "سوث24": "لا أعتقد أن إدارة بايدن قلقة مثل مسؤولي إدارة ترامب بشأن العلاقات بين عمان وإيران. قد يرون في علاقات عمان مع إيران شيئًا مفيدًا يمكنهم الاستفادة منه في إعادة التواصل مع طهران".
هل سينجح العمانيون؟
وفي حين يبدو رهان واشنطن على الدور العماني، قد بدأ يُترجم، إلى تحركات عملية ظهرت من خلال زيارة وفد المكتب السلطاني السبت إلى صنعاء، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان العمانيون قادرون على لعب دور بناء، في ضوء الحقائق السابقة.
وكالة الصحافة الفرنسية، اعتبرت، السبت، أنّ عودة قيادات حوثية إلى صنعاء، بعد أن كانوا "عالقين" في مسقط منذ سنوات، "مؤشرا على تقدم محتمل في الجهود الدبلوماسية لوقف إطلاق النار".[8]
على الرغم من ذلك، رأى خبراء أنّ دور عمان قد يكون "محدودا" في التأثير على جماعة الحوثي في اليمن.
قالت الخبيرة بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إيلانا دولوزر، في تغريدة سابقة لها: "حتى لو كانت عُمان قادرة على إيقاف الحوثيين، فإذا لم ينجح الأمر بشكل مثالي، فسوف يفقدون كل نفوذهم المستقبلي على الجماعة." [9]
بالمقابل، اعتبر السيد راماني أنّ "استراتيجية السياسة الخارجية المفضلة لسلطنة عمان هي تسهيل الحوار بين الفصائل اليمنية المتحاربة." وبناء على ذلك، "ليس لديها مصلحة في دور أعمق في الوساطة العامة، الأمر الذي يفسر محدودية الدبلوماسية العمانية."
لذا من الممكن أن تساعد عمان في عملية سلام تدعمها الأمم المتحدة أو الدبلوماسية الأمريكية لكنها لن تحاول أن تفعل ما فعلته الكويت في المراحل الأولى من الحرب وتستضيف صيغة سلام خاصة بها، وفقا لما قاله راماني لـ "سوث24".
رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- اقرأ المقالة باللغة الإنجليزية (English)
- الصورة: طائرة عمانية في مطار صنعاء (أرشيف/ الغد اليمني)