26-07-2021 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| تونس
شهدت تونس عدّة منعطفات سياسية حرجة في العشر السنوات الأخيرة منذ اندلاع شرارة الثورة في 2011، ولا تزال تعيش مخاض تجربة الديمقراطية التي أرست قواعدها، وباتت أنموذجًا فريدًا فيه، خاصة في المنطقة العربية.
غير أنَّ اليوم استيقظ التونسيون على قرارات مفاجأة من الرئيس قيس سعيّد، لكنَّها في نفس الوقت لم تكن مُستغربة، نتيجة الاحتقان المستمر للشارع، الذي انتفض أمس الأحد، مُطالبًا الحكومة بالتنحي وحل البرلمان.
وأقدم الرئيس التونسي قيس سعيّد على إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه، بالإضافة لوزيري الدفاع والعدل، وتجميد عمل البرلمان لمدة ثلاثين يومًا، ورفع الحصانة عن النواب، وأعلن توليه رئاسة النيابة العامة، لتحريك دعاوى ضد عدد من المتورطين في قضايا فساد.
وكانت هذه الإجراءات عقب مظاهرات شعبية عنيفة في عدة مدن تونسية جرت الأحد، احتجاجًا على حزب النهضة الإسلامي، انتقدت إخفاقات الحكومة وسط زيادة الإصابات بفيروس كورونا.
الأمر الذي برر للرئيس سعيّد اتخاذ قراراته المثيرة، استنادًا على الفصل 80 من الدستور التونسي، الذي "يتيح له اتخاذ تدابير استثنائية في أوضاع محددة"، والذي ينص على أنَّ "لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مُهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية”.
غير أنَّ البرلمان الذي يرأسه زعيم حزب النهضة الإسلامي الغنوشي، اعتبر أنَّ قرارات سعيّد "غير دستورية، لأنَّ الفصل يشترط أيضا استمرار أعمال المجلس ولا يخول إقالة الحكومة. بينما قال الرئيس سعيد - الذي يبدو أنه الأكثر فهمًا بالقانون لكونه أستاذ جامعي مختص في القانون الدستوري قبل أن يكون رئيساً - إنَّ "أفعاله تتماشى مع الدستور، الذي يسمح له بتعليق عمل البرلمان، إذا كان هناك خطر وشيك".
وبلغت حدّة الخلافات السياسية بين الرئيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي الذي عُيّن مطلع سبتمبر العام الماضي ذروتها، في بلد يعاني من أزمة اقتصادية وصحية، دون وجود مؤشرات تلوح في الأفق للخروج منها.
موقف المعارضة والقوى السياسية التونسية
قالت رويترز إنَّ الجيش التونسي منع رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي، من دخول مبنى البرلمان في ساعة مبكرة من صباح اليوم الإثنين، وكان الغنوشي يريد عقد جلسة لمجلس النواب كتحدي لقرارات الرئيس، غير أنَّ منع الجيش جعله يطالب أنصاره بالتظاهر أمام البرلمان في ساحة باردو، حيث تفصل قوات الأمن التي انتشرت بشكل مكثف في محيط البرلمان بين أنصاره وأنصار الرئيس سعيد وسط تحذيرات من نشوب اضطرابات.
وفي رد فعل على قرارات سعيد، اتهم زعيم حركة النهضة (ذراع تنظيم الإخوان المسلمين في تونس) راشد الغنوشي الرئيس سعيّد بتنفيذ "انقلاب على الثورة والدستور"، وأضاف "نحن نعتبر أن المؤسسات لا تزال قائمة، وسيدافع أنصار النهضة والشعب التونسي عن الثورة".
من جانبه وصف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي في حديثه لقناة الجزيرة ما حدث "بالانقلاب"، واعتبر أنَّ الرئيس سعيّد "خرق الدستور الذي أقسم عليه وأعطى لنفسه كل السلطات"، وأضاف "إذا تواصلت المهزلة لن يتحسن الوضع في تونس بل سيزداد سوءاً"، واعتبر أنَّ "حزب النهضة خرب مستقبله ومستقبل تونس بإعادة المنظومة القديمة، حيث كان يظن أنه يناور، وأنه في قمة الذكاء والدهاء".
وتابع المرزوقي "حذرت حركة النهضة من إستراتيجية تغذية التمساح وهو الآن بصدد أكلهم وأكل تونس"، وقال "ما نراه الآن هو خاتمة تصفية الربيع العربي..
وعلى النقيض أيدت النخب السياسية في تونس القرارات التي اتخذها الرئيس سعيّد، مُعبرين عن أملهم في إرساء دعائم الاستقرار والحفاظ على مكتسبات الثورة.
وأعلن حزب التحالف من أجل تونس في بيان له عن "مساندته لكل القرارات والإجراءات التي أعلن عنها الرئيس، وعن الثقة المطلقة في القوات العسكرية والأمنية، والإدارة التونسية، وكل أجهزة ومؤسسات الدولة، بما يُحقق السلم الاجتماعي واستقرار البلاد"، واعتبر أنَّ من يصنف القرارات "بالانقلاب" فهو "يريد تشويه الحقائق وبث الإشاعات".
كما شهدت عدداً من المدن التونسية احتفالات احتفاءً بالقرارات.
بدوره دعا الاتحاد العام التونسي للشغل، في بيان له، إلى تقديم "ضمانات دستورية مرافقة لقرارات الرئيس سعيّد"، وأكّد "رفضه لجوء أي طرف مهما كان موقعه أو موقفه أو دواعيه إلى العنف، والتشفي، أو تصفية الحسابات"، وشدد على "ضبط أهداف التدابير الاستثنائية، والإسراع بإنهائها حتى لا تتحول إلى إجراء دائمة، لضمان خروج سلمي من هذه المرحلة الدقيقة والصعبة".
مطالب التونسيين
تظاهر التونسيون في عدة مدن، الأحد، احتجاجًا على سياسات حزب النهضة الإسلامي، وتمكنوا من اقتحام مقره في مدينة توزر جنوب غربي تونس وإشعال النيران فيه، منتقدين ما وصفوه بإخفاقات الحكومة في احتواء جائحة كورونا، ومرددين هتافات ضد حزب النهضة ورئيس الحكومة هشام المشيشي.
وبالرغم من محاولة المشيشي تهدئة الشارع بإقالة وزير الصحة من حكومته الأسبوع الماضي، إلا أنَّ السخط الشعبي ازداد نتيجة توزيع اللقاحات بشكل فوضوي خلال إجازة عيد الأضحى.
وبعد استجابة الرئيس سعيد لمطالب الشعب منعًا لحدوث انزلاق وأزمة سياسية خطيرة نتيجة الانتفاضات التي عمّت تونس، احتفل الشارع التونسي بالإجراءات الرئاسية، وانضم الرئيس سعيّد إلى المتظاهرين وسط تونس العاصمة صباح اليوم، ليشاركهم الاحتفال، بينما أغلقت قوات الأمن البرلمان، والشوارع المحيطة بشارع الحبيب بورقيبة، الذي اعتصم فيه المتظاهرين في الثورة التونسية عام 2011.
وقالت الناشطة التونسية في المجتمع المدني، هاجر الطرابلسي لـ"سوث24": "الشعب التونسي فرح بتفعيل الفصل 80 من الدستور وتجميد البرلمان، وأسباب هذه الفرحة هي سنوات من الأزمة السياسية والاقتصادية، التي تفاقمت في ظل الجائحة الصحية، والخلافات بين رئيس الجمهورية، وأحزاب الأغلبية البرلمانية، حركة النهضة الإسلامية بالأساس، وهو حزب رئيس البرلمان".
وأضافت: "التصرف الكارثي للأزمة من قبل رئيس الحكومة نتج عنه آلاف الأموات، ووضعيات اجتماعية واقتصادية صعبة للفئات الهشة والمتوسطة، وفي هذا الظرف صرّح عضو حركة النهضة بتمسكهم بصرف التعويضات لفائدتهم في إطار العدالة الانتقالية، كل هذا جعل الاحتقان يرتفع لدى فئات من الشعب التونسي وخاصة الشباب، الذي خرق الحجر الصحي في مظاهرات للمطالبة بالتغيير وإسقاط الحكومة".
وأشارت الطرابلسي لـ"سوث24" إنَّ " بعض الناشطين ومنظمات المجتمع المدني عبرت عن قلقها من احتكار رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، والتشريعية، والنيابة العمومية، ونبقى في متابعة للوضع لعدم وضوح التطورات، وعدم إحداث المحكمة الدستورية، وهي نقطة أساسية لتفعيل الفصل 80 من الدستور".
ردود الفعل الخارجية
عبرت روسيا عن موقفها عبر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الذي قال إنَّ بلاده تراقب التطورات في تونس، وأضاف "نأمل ألا يهدّد شيء استقرار وأمن شعب ذلك البلد".
من جانبه حث الاتحاد الأوروبي "كافة الأطراف في تونس إلى احترام الدستور ومؤسساته وسيادة القانون، وتجنب اللجوء إلى العنف حفاظًا على استقرار البلاد".
فيما قالت المتحدثة باسم الخارجية الألمانية ماريا أديبهر إنَّ ما حدث "ليس انقلابًا" وأنَّ بلادها تأمل في عودة تونس "في أقرب وقت ممكن إلى النظام الدستوري".
من جانب آخر دعت الخارجية التركية إلى إعادة إرساء "الشرعية الديموقراطية" وأدانت تعليق البرلمان في تونس، بينما دعت حليفتها قطر في بيان لها إلى "أنَّ تنتهج الأطراف التونسية طريق الحوار لتجاوز الأزمة".
ويعاني تنظيم الإخوان المسلمين العابر للحدود حالة من التصدع في البلدان التي شهدت ثورات الربيع العربي، والتي كان له الدور الأبرز في إشعالها، وصرَّح الجنرال الليبي خليفة حفتر إنذَ "تونس تخلصت من أكبر عثرة في طريق تطورها بعد الانتفاضة ضد الإخوان".
وفي اليمن علّق نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك في تغريدة له على تويتر عن مبررات "تنظيم الإخوان" بقوله "إن انتزعوا السلطة قالوا ثورة شعب ولا طاعة، وإن طُردوا من السلطة قالوا انقلاب، وثورة مضادة، واستعباد، وخروج عن الطاعة".
وقال القيادي في جماعة الحوثيين، محمد علي الحوثي، على الأحداث في تونس عبر تويتر" إنَّ العمل على اللحمة الداخلية والحفاظ على الوطن هو المعيار الحقيقي لأي معالجات"، وحذَّر من أي "تدخل أجنبي في تونس".
صحفي ومحرر بمركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: محتجون تونسيون ينددون بسيطرة حركة "النهضة" على الحكومة والبرلمان (إعلام تونسي)