ميناء الضبة النفطي - فرانس برس
01-11-2023 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
مُنذ عام، فرضت مليشيات الحوثيين المدعومة من إيران، حصاراً على الموانئ النفطية في جنوب اليمن، بعد 4 هجمات في شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين استهدفت موانئ نفطية في محافظتي حضرموت وشبوة.
تسببت الهجمات، التي خلفت أضرارا جسيمة في ميناء الضبة النفطي بحضرموت، في توقف الصادرات النفطية حتَّى اليوم. وتزامن الهجوم الحوثي مع انتهاء الهدنة الأممية في 2 أكتوبر 2022 رسميا دون تجديد، ودخول اليمن في حالة من هدنة الأمر الواقع أو ما يعرف الآن بـ "مرحلة خفض التصعيد".
وضعت تبعات التصعيد الحوثي مجلس القيادة الرئاسي اليمني والحكومة المُعترف بها دوليًا على المحك، وأدّت إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية في مناطق الحكومة لا سيما في الجنوب. وفي النصف الأول من العام الجاري، بدأت الآثار الاقتصادية بالظهور وفقدت العملة المحلية نحو 28% من قيمتها على مدى الـ 12 شهراً الماضية.
وبحسب موقع ReliefWeb المتخصص في تقديم المعلومات الإنسانية، أصبح أكثر من 50٪ من الأسر في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية اعتبارا من أغسطس/آب 2023.
وفي 19 ديسمبر الماضي، كان رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي قد حذر، في مقابلة متلفزة، من عجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين بسبب توقف الصادرات النفطية.
حجم الخسائر
على الرغم من عدم وجود رقم حكومي رسمي دقيق بحجم الخسائر جرّاء توقف صادرات النفط اليمني الخام منذ أكتوبر 2022، أشار تقرير شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة، إلى أن خسائر الحكومة بلغت أكثر من مليار دولار حتى يوليو الماضي.
ولفت التقرير إلى أنّ مليشيا الحوثيين عمدت إلى فرض تدابير لمنع دخول البضائع من مناطق الحكومة في محاولة لإعادة توجيه الواردات عبر موانئ الحديدة لتُكلّف الحكومة اليمنية نحو 50 مليار ريال شهريا من الجمارك والضرائب، كتصعيد اقتصادي موازي لمحاصرة الموانئ النفطية وإيقاف الصادرات.
وفي 3 أغسطس الماضي، قال القائم بأعمال المندوب الدائم لليمن لدى الأمم المتحدة، مروان نعمان، خلال جلسة لمجلس الأمن حول المجاعة وانعدام الأمن الغذائي الناجم عن النزاعات إنّ "اليمن خسرت قرابة 1.5 مليار دولار منذ أغسطس العام الماضي، نتيجة الحرب واستمرار تهديدات الحوثيين باستهداف المنشآت النفطية، كانت مخصصة لتحسين الخدمات العامة ودفع المرتبات في كافة أنحاء البلاد [...]".
وحاول مركز سوث24 التواصل مع وزير النفط والمعادن في الحكومة اليمنية د. سعيد الشماسي لمعرفة حجم الخسائر المادية الناتجة عن توقف الصادرات النفطية وتفاصيل أخرى، إلا أننا لم نتلق أي رد أو تجاوب حتى الآن.
ورّداً على سؤال وجهه مركز سوث24 عن هذه الخسائر، قال محافظ حضرموت، مبخوت بن ماضي: "ليس لدي حصر لهذه الأرقام، وإنما هي أرقام كبيرة أثرت على مختلف مناحي الحياة، لكن الحكومة وحدها من تستطيع تحديد ذلك، لأنَّها هي من تتلقى الأموال، وهي من تقوم ببيع النفط، وتعرف كل المبالغ التي تعود من عملية التصدير".
على مستوى محافظة حضرموت، قال بن ماضي إن توقف الصادرات النفطية "أصاب حضرموت بمقتل لأنّ كل الخطط وكل المشاريع التنموية كانت تعتمد على نسبة حضرموت من عائدات بيع النفط المحددة بـ 20%". مضيفًا: "لقد توقفت كل المشاريع، والخطط التنموية، والدعم في مجالات عدة، مثل: مجال التربية والتعليم، ومجال الصندوق الخيري، وكل الصناديق التي بنيت على هذا الأساس".
وبمعرفة أنَّ حجم إيرادات النفط الخام في 2021 وصل إلى نحو 1.4 مليار دولار، يتضح أنَّ خسائر الحكومة اليمنية كبيرة.
وفي هذا الصدد، قال الخبير النفطي والاستشاري اليمني في تنمية الموارد الطبيعية، د. عبد الغني جغمان لمركز "سوث24": "في 2022 كانت التوقعات تشير إلى أن الإيرادات ستصل إلى حوالي 1.7 مليار دولار، لكن الذي جنته الحكومة اليمنية على الأرجح بلغ نحو 900 مليون دولار، بعد توقف الإنتاج في أكتوبر".
وأضاف: "عندما نتحدث عن الخسائر بسبب توقف إنتاج النفط، يجب أن تكون أكثر من مليار دولار، لأنَّه، تم إجراء تجارب لضخ النفط من خط أنبوب حقل جنة هنت في شبوة الذي يربطها بحقول عياد، في أبريل ومايو".
وأردف: "وبعد عملية الضخ الأخيرة هذه، رُفع معدّل الإنتاج إلى نحو 20 ألف برميل يوميا إلى جانب الإنتاج السابق. هذه التجربة رفعت إنتاج النفط إلى حوالي 85 إلى 90 ألف برميل يوميا". وأشار إلى أنّه "عند حساب هذه الكمية بسعر متوسط يتراوح بين 70-80 دولار للبرميل، نجد أن الكمية كبيرة جدا؛ "لذلك، تجاوزت خسائر الحكومة الشرعية مليار دولار".
المضخة العائمة
تسبَّب الهجوم الحوثي الأخير على ميناء الضبة النفطي بحضرموت في 21 نوفمبر الماضي، بأضرار واسعة في مضخة تصدير النفط. وكان مركز "سوث24" قد تحصل – من مصادر خاصة – على صور حصرية تُظهر حجم الدمار الذي ألحقه ذلك الهجوم.
وأشار رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني – في مقابلته السابقة مع قناة "العربية" – إلى أنّ عملية إصلاح المضخة ستكلف الدولة ما يزيد عن 50 مليون دولار، وفي مُدّة لا تقل عن ستة أشهر.
لكنَّ محافظ حضرموت قال لمركز سوث24 إن المبلغ المطلوب لإصلاح المضخة أعلى مما ذكره رشاد العليمي. مضيفا: "يبدو أنّ فخامة رئيس المجلس الرئاسي قدّر المبلغ من جانب معين، لكنَّنا سألنا مختصين وخبراء أجانب من العاملين في هذا المجال، وأكدوا لنا أنّ الرقم أكثر من هذا المبلغ، وقد يصل إلى 100 مليون دولار".
ووفقاً لمواقع متخصصة في مجال المضخات النفطية العائمة، فإنَّ متوسط الكلفة لإصلاح مثل هذه المضخات يتراوح بين 15-20 مليون دولار، غير شامل لرسوم التركيب. ولكن هذا يظل مرتبطا أيضًا بحجم الضرر وطبيعة المكان الذي تتواجد به المضخة.
وحتى الآن، لم تم أي عملية إصلاح جذرية حقيقية المضخة النفط المتضررة في ميناء الضبة وفقا لمحافظ حضرموت مبخوت بن ماضي. وقال بن ماضي: "إصلاح المضخة يحتاج إلى جلب معدات خاصة من الخارج، وكذلك إلى أموال كثيرة لا نمتلكها في الوقت الحاضر ولا تمتلكها شركة بترومسيلة".
مضيفا: "عمدنا إلى انقاد ما يُمكن إنقاذه، حتى لا تتأثر الأنابيب والخزانات الأرضية أسفل البحر، بحيث نمنع غرقها، وبالتالي تحطّم الخزانات التي تحتها. نحن حتَّى هذه اللحظة وما قبلها قمنا بالعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أما الإصلاح فسنتركه إلى أن تستتب الأمور وتبدأ عملية الإصلاح الحقيقي للمضخة".
وعن فترة إنجاز عملية الإصلاحات، قال بن ماضي: "هذا يعتمد على توفير المبلغ، وأيضاً المعدات الخاصة بعملية صيانة الضرر. هذه المعدات لن تأتي من المنطقة المحيطة أو من الإقليم، بل ربما من دول أخرى مثل: النرويج؛ لأن المنصة بُنيت بطريقة تُمكّنها من مواجهة الأمواج العاتية في البحر العربي، لأنه بحر مفتوح".
وعن سبب عدم وصول هذه المعدات حتى الآن، قال محافظ حضرموت: "الاتفاقات بدرجة أساسية، ومن ثم الأموال. قد لا تكون الأموال هي العائق الرئيسي، ولكن رُبما تحجم الشركات من القدوم تجنبا للمخاطر، بما أنّ الخطر ما يزال قائما".
موفد مركز سوث24 الصحفي عبد الله الشادلي ومحافظ حضرموت مبخوت بن ماضي، المكلا، 22 أكتوبر 2023 (مركز سوث24)
وشكك الخبير جغمان في صحة الأرقام الحكومية المتعلقة بكلفة إصلاح المضخة، مضيفًا: "حتماً سيكون المبلغ هكذا وأكثر، لأنَّ الأسعار التي ستُقدم للحكومة يذهب جزء كبير منها على شكل عمولات، وهذا يُثير شبهات كبيرة بشأن الفساد".
وتابع: "يتوجب على الوزارة وشركة بترومسيلة، التي تمتلك الحقول وخط الأنابيب من المسيلة إلى الضبة، بالإضافة إلى مضخة التصدير وغيرها، أن تكون واضحة وتوافي الحكومة والإعلام بقيمتها وأسعارها والمناقصة التي رست عليها ومن سوف يُنفذها".
وأكد جغمان أن المعني بإصلاح المضخة النفطية هي شركة "بترومسيلة التي يشوب مناقصاتها كثير من الغموض"، حد تعبيره. وفيما يتعلق بالوقت المتوقع لإصلاح المضخة، قال الخبير"قد يستغرق ثلاثة إلى أربعة أشهر أو أقل من ذلك. الحكومة تحتسب ستة أشهر منذ لحظة توقيع العقد حتى التوريد إلى التركيب إلى التسليم. وهذا بالفعل قد يستغرق ستة أشهر، لكن التركيب الفعلي لن يستغرق أكثر من شهر أو شهرين كحد أقصى".
تأمين تصدير النفط
في 24 مايو الماضي، دعت الحكومة اليمنية المجتمع الدولي لاتخاذ مواقف وتدابير صارمة ضد مليشيا الحوثيين، والعمل من أجل استئناف تصدير النفط المتوقف منذ عام بسبب الهجمات الحوثية على موانئ التصدير.
وفي 11 يناير، طالب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء عيدروس الزُبيدي، خلال لقاء جمعه بالسفير البريطاني لدى اليمن، بريطانيا بلعب دور أكبر في حشد الدعم الاقتصادي للبلاد وبحث كافة السبل لحماية المنشآت الاقتصادية، بما يمكن مجلس القيادة الرئاسي والحكومة من استئناف عملية إنتاج وتصدير النفط.
هذه الدعوات المستمرة عكست حاجة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية إلى مساعدة خارجية لإعادة تصدير النفط في ظل غياب قدرات الردع العسكري الاستراتيجي القادرة على التعامل مع صواريخ وطائرات الحوثيين المسيرة، والتصدي لها.
وحاول مركز "سوث24" التواصل مع قائد المنطقة العسكرية الثانية، اللواء فائز التميمي، للرد على تساؤلات حول مدى قُدرة المنطقة العسكرية الثانية على التصدي للهجمات الجوية الحوثية في حال قررت الحكومة اليمنية استئناف صادرات النفط من ميناء الضبة دون اتفاق على ذلك مع الحوثيين، إلا أنَّنا لم نتلق ردا حتى اللحظة.
وبالنسبة لموقف السلطات المحلية من استئناف تصدير النفط، قال المحافظ بن ماضي: "لا نستطيع أن نغامر مرة أخرى، حتى تأتينا ضمانات بأن لدينا دفاعات تحمي الميناء النفطي وتحمي المدن من أي هجوم قادم".
وأضاف: "لا نعول على أي اتفاق، ولكننا لن نسمح بذلك إلا عندما تكون لدينا منظومة الدفاع، بحيث أنَّنا إذا ما تعرضنا لهجوم نستطيع مواجهته".
ويُقسَّم الخبير العسكري العقيد وضاح العوبلي قدرة الحكومة اليمنية على إعادة تصدير النفط بشكل أحادي على اتجاهين: عسكري وسياسي.
على الصعيد العسكري، قال العوبلي: "يُمكن لمجلس القيادة والتحالف أن يوفروا حماية تقنية حذرة لمنابع وموانئ النفط، سواءً من خلال تقنيات التشويش وأجهزة الحرب الإلكترونية التي أثبتت فاعليتها في بعض الجبهات، أو من خلال فرض معادلة جديدة على جماعة الحوثي محورها الرئيس (الميناء بالميناء)".
وأضاف لمركز سوث24: "يتم ذلك عبر التهديد باستهداف ميناء رأس عيسى النفطي في الصليف بالحديدة وتحذير ناقلات وسفن النفط من الدخول إليه باستخدام نفس الوسائل التي يستخدمها الحوثي «الطائرات المُسيّرة»".
وأردف: "وهنا فإنّ كل الإجراءات الدفاعية التي قد يستخدمها أحد الطرفين ضد الأخر، لا تكفي لمنح شركات التصدير المالكة للسفن الأمان والضمان اللازم للقبول بدخول سفنها النفطية الى الموانئ، وهنا يُمكن الوصول إلى حلول وسط يقضي بمنع تهديد الموانئ المسيطر عليها من قبل الطرفين".
وعلى الصعيد السياسي، قال الخبير: "أعتقد أنّ اللاعب الدولي والأممي في الملف اليمني أراد أن يبقى هذا الملف كجزء من الضغط السياسي والاقتصادي على المجلس الرئاسي، كضرورة للدفع به إلى تسويات، كان يرى أن القبول ببعض بنودها ضرباً من المستحيل. الحكومة اليمنية قد تتمكن عبر بعض التنازلات السياسية من استعادة عملية التصدير".
تداعيات سياسية
تتجاوز تداعيات توقف الصادرات النفطية الجوانب الاقتصادية إلى إضعاف الموقف السياسي والتفاوضي للمجلس الرئاسي اليمني والحكومة، كما يرى المحلل السياسي سلمان المقرمي.
وقال المقرمي لمركز سوث24: "الهجمات الحوثية على موانئ تصدير النفط في شبوة وحضرموت، ومزاعم المشاط باستهداف سفينة أخرى لتصدير الغاز في عدن، أظهرت ضعف المجلس الرئاسي بكل مكوناته. هذا الأمر أظهر أيضًا عدم ممانعة السعودية تحديدا والتحالف عموما لكل ما يريده الحوثيون من المجلس الرئاسي مقابل استمرار الهدنة".
وأشار المقرمي إلى أنّ "صمت المجلس الرئاسي على توقف تصدير النفط وعدم إثارة هذه القضية ونتائجها بشكل متواصل أدّى إلى تهميش كامل للمجلس الرئاسي في المفاوضات، وأكثر من ذلك إلى تعزيز مطالب الحوثيين التي تشتمل على تقاسم إيرادات النفط والغاز". مضيفًا: "إذا حدث ذلك يكون الحوثيون قد حصلوا على كل ما يريدونه بالتفاوض، مع أنّهم عجزوا عن ذلك بالحرب".
ومنذ الهجوم الحوثي على الموانئ النفطية، تجري محادثات مباشرة بين السعوديين والحوثيين بوساطة عمانية بالتوازي مع جهود أممية ودولية أخرى للتوصل إلى اتفاق سياسي جديد في اليمن. وفيما يتسلح الحوثيون بعدد من المطالب والاشتراطات القصوى، ومن بينها دفع مرتبات المقاتلين والموظفين في مناطقهم، مستندين على قدراتهم العسكرية، يجد المجلس الرئاسي نفسه غارقا في الأزمات الاقتصادية والسياسية الداخلية.
وفي هذه الأثناء، وصل سعر الدولار الأمريكي في عدن إلى أكثر من 1500 ريال، في أدنى مستوى للعملية المحلية منذ تشكيل المجلس الرئاسي في أبريل 2022.