16-07-2021 الساعة 11 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24| عدن
أصدر محافظ عدن، أحمد لملس، عدة قرارات لتشكيل مدراء جدد لعدد من مرافق الدولة وفروع مؤسساتها بعدن، جنوب اليمن، في "محاولة" لانتشال المدينة من وضعها المتردي، وتشغيل مؤسسات الدولة "المُعطلّة" فيها، بحسب مراقبين. لكنَّ هذه القرارات قوبلت بمذكرات إيقاف من قبل رئيس الوزراء اليمني المُقيم بالرياض، معين عبد الملك، في خطوة أثارت تساؤلات عديدة لا سيّما أنَّ تعيينات متشابهة صدرت في محافظات أخرى دون أي عوائق أو مذكرات إيقاف.
وكان لملس في 30 من يونيو/ حزيران الماضي قد كلّف العميد أنور علي يحيى العمري، مديراً عاماً للمؤسسة الاقتصادية اليمنية، والدكتور بجامعة عدن، صالح الجريري، بمهام مدير عام شركة النفط اليمنية. بالإضافة لتعيينات سابقة قضت بتكليف الصحافي عيدروس باحشوان بتسيير أعمال مؤسسة 14 أكتوبر للطباعة والنشر بمهام رئيس الإدارة والتحرير، والدكتورة صفاء عبد الله معطي مديراً عاماً للجهاز المركزي للإحصاء فرع عدن.
عقب تعيين العمري في المؤسسة الاقتصادية، أصدر رئيس الوزراء معين عبد الملك مُذكرّة عامة إلى محافظي المحافظات بإيقاف ما اعتبرها "تعيينات مخالفة" من بعض المحافظين[1]. ثم أصدر مُذكرّة أخرى مباشرة موجهة لمحافظ عدن "بإلغاء" تعيين الجريري مديراً لشركة النفط في المحافظة.[2]
لماذا عدن؟
اعتبر مراقبون المذكرات الحكومية التي صدرت من الرياض بمثابة "محاولات لإفشال جهود السلطة المحلية بقيادة لملس للنهوض بعدن التي تعيش أسوأ أزماتها"، بعد مغادرة معين عبد الملك والحكومة - عدا وزراء المجلس الانتقالي - منها بدون وضع أي حلول تذكر لمشكلاتها، وفي طليعتها الملف الخدمي.
ولفت المراقبون إلى أنّ قرارات محافظ عدن الأخيرة - التي يتهمها رئيس الوزراء بأنَّها "مخالفة وغير قانونية" - سبق وأصدر محافظون آخرون قرارات شبيهة بها، ولم يتم الاعتراض عليها، مثل قرار تعيين مدير شركة النفط بمحافظة شبوة[3]، الذي أصدره المحافظ المحسوب على حزب الإصلاح، محمد بن عديو، بالإضافة لنفس التعيين في محافظة المهرة.[4]
وفي حديثه لـ "سوث24" لفت المنسق العام للسلطة المحلية بعدن، فهد الخليفي، إلى أنَّ قرارات المحافظ لملس "تمّت وفق صلاحيات السلطة المحلية، وهي ماضية في قرراها". مؤكّداً أنَّها "لمصلحة أداء منظومة الدولة وإصلاح الخلل في تلك الأجهزة لتطوير أداءها ليعود بالنفع على عدن".
وتجدر الإشارة إلى إنَّ وزير الإعلام اليمني - المُقيم يالرياض أيضاً - كان قد عارض في وقت سابق تعميماً صادراً عن مكتب الإعلام بمحافظة عدن لمختلف وسائل الإعلام بضرورة التسجيل لدى المكتب لأجل استمرارية عملها في المحافظة. واعتبر الوزير الإرياني القرار الذي يُنظّم عمل الإعلام في عدن "تجاوزاً" للمهام.
وفي محافظة تعز، شمال اليمن، والتي ينحدر منها رئيس الوزراء، أقر اجتماع للسلطة المحلية والمحور العسكري بفصل المحافظة مالياً، وتخصيص مواردها للاحتياجات الداخلية وعلى رأسها مرتبات منتسبي المحور وعلاج جرحى الجبهات ضد الحوثيين.[5]
أصدر معين عبد الملك مذكرة تقضي بإلغاء مخرجات هذا الاجتماع وعدم العمل بها، لكنَّه سُرعان ما استجاب لكافة مطالب سلطات تعز، ووجه بصرف 1.3 مليار ريال يمني من البنك المركزي في عدن، كمرتبات لجنود محور تعز العسكري، ومستحقات لعلاج الجرحى.[6]
وفي محافظة مأرب الغنية بالغاز، آخر معاقل الحكومة اليمنية في شمال اليمن، تذهب كافة إيرادات المحافظة - وفقاً لمصادر اقتصادية - إلى خزينة السلطة المحلية، بعد رفض الأخيرة توريدها إلى البنك المركزي في عدن، فيما تذهب إيرادات عدن والمحافظات المجاورة بانتظام إلى البنك.
وحول هذا أشار فهد الخليفي إلى أنَّ "سياسة الكيل بمكيالين لن تستطع إيقاف التغيير في عدن"، مؤكّداً أنَّ "هناك قرارات من محافظين آخرين سبقت قرارات المحافظ لملس، لكنَّ إفشال جهوده هو الهدف من خلال العرقلة".
وأكد محللون إنّ هذه الازدواجية في التعامل مع سلطات المحافظات من قبل رئاسة الحكومة اليمنية تأتي نتيجة لدوافع سياسية هدفها الإبقاء على محافظات الجنوب - بما فيها تلك التي تسيطر عليها القوات الحكومية - في حالة الانهيار المستمرة، وانعدام دور الدولة.
وترى مصادر أنّ "حس الدولة" لدى الحكومة اليمنية بالرياض يحضر عندما يكون الأمر مُتعلقاً بعدن، بينما يغيب في شبوة التي يُصدر محافظها عشرات التعيينات "الحزبية" منذ وصوله للمنصب، ومحافظة مأرب التي تبدو كأنَّها "دولة داخل دولة". ولم يتم الرد على طلب للتعليق بعث به سوث24 لمكتب رئيس الوزراء.
شجعت مذكرات معين عبد الملك ما يشبه "التمرد" على قرارات لملس، حيث وجّه رئيس المؤسسة الاقتصادية، العميد سامي السعيدي، بمنع التعامل مع قرار تعيين العميد العُمري رئيساً لفرع عدن[7]. كما أصدرت رئيسة شركة النفط السابقة في المحافظة، انتصار العراشة، مُذكرة أخرى ترفض قرار لمس، وأكّدت مصادر رفضها تسليم ما بعهدتها للمدير الجديد.[8]
تأزيم
يأتي تصادم المذكرات الحكومية بين معين عبد الملك وأحمد لملس في ظل ازدياد معاناة مواطني عدن والمحافظات الأخرى بسبب تردي الخدمات، والانهيار التاريخي لعملة الريال، الذي انعكس بشكل خطير على أسعار الغذاء في مناطق الجنوب، ويهدّد عشرات الآلاف من الأسر بالمجاعة، فضلاً عن انقطاع مرتبات القطاع العسكري وتدني مرتبات القطاع المدني.
ويتهم المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يحكم عدن والمحافظات المجاورة الحكومة بممارسة "سياسات تجويع وحرب معيشة متعمدة ضد الجنوبيين"، فيما تقول الحكومة إنَّ سيطرة المجلس على هذه المحافظات "وقف عائقاً أمام أي محاولات لإصلاح الأوضاع".
ومنذ تعيينه محافظاً لعدن في يوليو/ تموز 2020 بناءً على اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، أتخذ أحمد لملس قرارات وصفت بـ "الشجاعة" وتغييرات جذرية في إدارات المحافظة الخدمية مثل المياه والكهرباء، وهي قرارات قوبلت أغلبها بمعارضة أو رفض جهات حكومية في الرياض، أو تمّت مهاجمتها من وسائل إعلام تابعة لها.
ويؤكّد فهد الخليفي أنًّ هذه القرارات التي أصدرها المحافظ لملس "غيّرت الإدارات إلى الأفضل وحسَّنت أداءها، وكل المعنيين يقومون بجهود كبيرة لترك بصمة"، لافتاً إلى أنَّ "بعض الصعوبات تكون أكبر من الامكانيات وتحتاج بعض الوقت للحل".
الطاقة المستأجرة
كما أوضح الخليفي في حديثه لـ "سوث24" أنَّ هنالك "قرارات أخرى سيصدرها المحافظ لملس في كل المرافق لمواجهة لوبيات فساد متغلغلة"، مشيراً إلى أنَّ "الإصلاحات تحتاج إلى وقت خصوصاً مع وجود تركة 30 عام من الفساد المالي والإداري"، حدَّ تعبيره.
وإلى جانب القرارات، اتخذ المحافظ لملس عدداً من الاجراءات لمحاولة تحسين الوضع الخدمي، كان أهمها توقيع عقد مع شركة "بزيوم" للطاقة لاستئجار 100 ميغاوات لتعزيز الكهرباء في عدن.
وأوضح الخليفي لـ "سوث24" إنَّ هذه القدرة التوليدية المستأجرة ستدخل الخدمة "في غضون أسبوعين، سيكون 60 ميغاوات منها لمديرية المنصورة، و40 ميغاوات لكهرباء مديرية خور مكسر".
ويقول مراقبون إنَّ انهيار العملة الأخير ومحاولات عرقلة قرارات لملس في عدن يسيران في "خطين متوازيين" يقف وراءهما الأطراف نفسها، والتي تسعى لتعطيل اتفاق الرياض وتأزيم الوضع بين طرفيه، وإعاقة أي تقدم في المحافظات الجنوبية، خصوصاً عدن التي تتواجد بها قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، والعاصمة المؤقتة للبلاد.
وأرجع اجتماع للمجلس الاقتصادي الأعلى برئاسة رئيس الوزراء اليمني انهيار العملة لما وصفها بـ "إثارة الشائعات" ووجه باتخاذ خطوات للحيلولة دون مزيد من الانهيار.
دعم شعبي
لاقت قرارات لملس صدىً واسعاً خصوصاً بعد مذكرات الإيقاف التي أصدرها رئيس الوزراء، وغرَّد نشطاء وصحافيون جنوبيون وآلاف من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسمي #لملس_يواجه_لوبي_الفساد #من_اجل_عدن_كلنا_سندك مُعبرين عن دعمهم الكامل للقرارات، وتأييدهم لها.
وأشار النشطاء والمغردون إلى أنَّ قرارات لملس من شأنها "إعادة تفعيل" مؤسسات الدولة في عدن، والتخفيف عن مواطنيها "الذين يعانون الأمرين، داعين المحافظ لملس لاتخاذ إجراءات أكبر وأقوى، وتخصيص موارد المحافظة بشكل كامل لتلبية احتياجاتها.
وفي معرض رده حول إذا ما كان المحافظ لملس سيلجأ لخطوة مماثله، أشار فهد الخليفي إلى أنّ لملس "انتزع ما نسبته 20% من موارد عدن كنسبة خاصة بالمحافظة، أما عن تخصيص كل الموارد فهذا يحتاج "ترتيبات إدارية"، مشُدّداً على أنَّه "إذا أخلت الحكومة بالتزاماتها سيتم اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لأجل عدن".
محرر وصحفي بمركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: رئيس الوزراء اليمني، معين عبد الملك، ومحافظ عدن، لملس (رسمي)