11-10-2021 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
منذ اندلاع الحرب الأهلية في اليمن عام 2014، وبدء سيطرة تحالف "الحوثي وصالح" آنذاك على مناطق مختلفة في الشمال وصولاً إلى مناطق في الجنوب، بدأت أولى فصائل المقاومة الجنوبية تتشكل متفرقة في عدد من المحافظات؛ منها عدن والضالع وأبين ولحج وغيرها. وبعد انطلاق "عاصفة الحزم" في 2015 بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تم دعم المقاومة الجنوبية بمختلف فصائلها لخوض معركة تحرير وتأمين معظم محافظات الجنوب.
اتحدت معظم فصائل المقاومة الجنوبية لاحقاً تحت منظومة أمنية لمكافحة الإرهاب، عُرفت بالأحزمة الأمنية في عدن ولحج وأبين، والنخبتين الحضرمية والشبوانية، بدعم من دولة الإمارات. وخاضت المقاومة معارك أخرى أشد ضراوة مع الجماعات المتطرفة لتنظيمي القاعدة وداعش، بعد إخراج الحوثيين من المناطق التي سيطروا عليها، إذ اعتبرت معارك قوات مكافحة الإرهاب في حضرموت وشبوة من أقوى معاركها. والأخيرتين عُدّت أهم المناطق التي تمركزت فيها عناصر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتحديداً في مدينة المكلا ولمدة عام كامل في 2016.
تؤكد التجربة الأمنية في جنوب اليمن منذ اندلاع الحرب في 2014 حتى الآن، أنها تجربة استثنائية رغم بعض أوجه القصور والاختلالات الفردية أحياناً، خاصة في ظل وضع غير مستقر بسبب الحرب، وفي ظل بيئة صراع شديدة الاستقطاب على مستوى الشمال والجنوب. ومحاولة أطراف إقليمية ومحلية عدة اللعب على ديناميكيات التوازنات العسكرية. كل هذه العوامل وأكثر؛ خلقت تحديات كبيرة للقوات الأمنية والعسكرية في جنوب اليمن، لا سيما والقوتان العسكريتان الشمالية والجنوبية منقسمتان بعمق وغير مندمجتين، وكل قوة تدير مناطقها بنفسها. وأحد أسباب ذلك أن أغلب الجنوبيين كانوا أساساً خارج نطاق الجيش اليمني قبل الحرب، بسبب إحالتهم للتقاعد العسكري القسري المبكر بعد حرب 1994.
وبعد اندلاع الصراع الأخير في اليمن منذ 2014، انضوت معظم الوحدات الأمنية والعسكرية الناشئة في الجنوب تحت إطار المجلس الانتقالي الجنوبي، وفي الشمال تحت قوام الجيش الوطني الذي يدير القرار فيه حزب الإصلاح اليمني (الإخوان المسلمين)، وهو ذات الجيش الذي كان يضم عدداً كبيراً من قيادات الرتب العسكرية العليا التي تنتمي إلى المناطق الزيدية وبخاصة المنحدرين من قبيلة "حاشد" وضمنها منطقة "سنحان" التي ينتمي لها الرئيس السابق علي عبدالله صالح؛ و نائب الرئيس الحالي علي محسن الأحمر؛ وماتزال كثير من هذه القيادات تتحكم في مفاصله.
اضطراب أمني ممنهج
على الرغم من محاولة فرض نفوذ أمني متشدد، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها ويديرها المجلس الانتقالي الجنوبي بعد أحداث أغسطس 2019، غير أنّ جهات عديدة تحاول تقويض عمل الأمن وعرقلة أي حضور سياسي للدولة في العاصمة عدن، لا سيما بعد توقيع اتفاق الرياض، الذي يقتضي عودة الحكومة ومباشرة عملها من هناك. وبدا جلياً أن المحاولات المتكررة لخلق فوضى أو اضطرابات أمنية في عدن، هو من قبيل إظهار الانتقالي الجنوبي في موقف متراجع، يبين عدم قدرته على فرض سيطرة أمنية في المناطق التي يديرها. وهو الأمر الذي كان يعزز من موقف الحكومة الرافض للعودة تحت ذريعة الاختلالات الأمنية، وهذا بحد ذاته ينعكس بشكل مباشر على الاستقرار السياسي والوضع الاقتصادي المأساوي بصورة أكبر مما هي عليه.
ينبغي القول، أن العمليات الممنهجة التي تستهدف قيادات جنوبية بارزة سواء سياسية أو عسكرية أو أمنية في العاصمة عدن، تتفاوت حسب أهمية التوقيت، على سبيل المثال: العملية الأخيرة التي استهدفت محافظ العاصمة عدن "أحمد حامد بن لملس"، في 10 أكتوبر الشهر الجاري؛ جاءت بعد عودة "حكومة المناصفة" إلى العاصمة عدن بأسبوع واحد فقط. وكانت مديرية "كريتر" قد شهدت بين الحادثة وعودة الحكومة أحداثاً مسلحة خلّفت عدداً من القتلى والجرحى؛ إثر تمرد جماعة "إمام الصلوي"، التي تدعمها جهات نافذة في التحالف العربي ورئاسة هادي. ولم يكن الانفجار العنيف الذي هزّ مديرية التواهي في محاولة لاغتيال المحافظ "بن لملس"، ووزير الثروة السمكية اللواء سالم السقطري، الذي سقط على إثره 5 قتلى من مرافقي المحافظ وعدد من الجرحى، لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقه محاولة اغتيال اللواء جعفر محمد سعد، في ديسمبر 2015، الذي قضى في الهجوم الذي استهدفه وعدد من مرافقيه. وتلاه في حالة مماثلة؛ اللواء "عيدروس الزبيدي" عندما كان محافظاً للعاصمة عدن (2016-2017)، ونجا حينها من ثلاث عمليات اغتيال ممنهجة.
التزامن اللافت للحدثين الأخيرين؛ وخلال أسبوع واحد فقط من عودة "حكومة المناصفة" إلى العاصمة عدن، يقودان إلى أكثر من تفسير مهم، عما إذا كان الهدف الأساس هو تشتيت عمل الحكومة وتأكيد الشكوك السابقة حول الوضع الأمني المضطرب في عدن لدفعها على المغادرة؛ أو عودتها إلى الرياض مجدداً بدلاً من عدن التي غادرها رئيس الحكومة ووفد مرافق له إلى القاهرة في زيارة رسمية بعد ساعات من محاولة اغتيال "لملس"؛ بالإضافة لتشتيت جهود المبعوث الأممي إلى اليمن "هانز غروندبيرغ"، الذي زار عدن قبل أيام، ووعد بإشراك جميع الأطراف في عملية السلام فيما أسماه باتجاه "تغيير المسار". [1]
هذه المعادلات ربما تتعلق بأمر آخر أكثر أهمية، وهو محاولة أطراف سياسية في المشهد اليمني، وفي مقدمتها حزب الإصلاح، التقليل من الأهمية السياسية للعاصمة عدن، التي يديرها الانتقالي الجنوبي، لإضعاف موقفه في أي تسوية سياسية مقبلة، من خلال إظهار العاصمة عدن مضطربة أمنياً وغارقة في الفوضى. وفي نفس الوقت؛ إظهار المناطق التي يسيطر عليها خصومهم؛ ممثلين بالإخوان المسلمين في مأرب- آخر معقل لحكومة هادي المعترف بها دولياً في الشمال؛ بأنها مستقرة أمنياً، وصنعاء التي يسيطر عليها الحوثيين بالمثل كذلك، للرفع من حصة مشاركتهم السياسية، مقابل خفض حصة الانتقالي الجنوبي السياسية عبر التقليل من الأهمية السياسية للعاصمة عدن التي يسيطر عليها؛ باعتبار عدن هي الموازي السياسي الأهم لصنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون.
وقد لاحظ عدد من المراقبين، أن هذا التكتيك الذي يبدو مشتركاً وطردياً بين الجماعات الدينية المتمثلة بـ (حزب الإصلاح والحوثيين) والتي تحاول إبراز المشهد بصورة أكثر دراماتيكية في جنوب اليمن، خاصة في مناطق سيطرة الانتقالي الجنوبي، الهدف منها إلى جانب الأسباب المذكورة أعلاه؛ إثارة المجتمع المحلي على من يدير العاصمة عدن بسبب الوضع الأمني المرتبك، الذي ينعكس عليه تردي خدماتي ومعيشي، وبالتالي يؤدي إلى حنق وغضب المواطنين، إلى جانب لفت نظر الخارج للاختلالات الأمنية في مناطق سيطرة الانتقالي الجنوبي. وهو الأمر الذي يفتح الباب نحو عدد من الأسئلة، منها: لماذا ترتكب العمليات "الإرهابية" في مناطق يسيطر عليها مسؤولون جنوبيون بارزون، فيما لا تُرتكب أي عمليات في مناطق تخضع لسيطرة الإخوان المسلمين أو الحوثيين؟ وهي تساؤلات مشروعة يطرحها الرأي العام الداخلي والخارجي، وتتكرر بعد كل عملية.
وفي إطار ذلك، يرى مستشار الشؤون العسكرية والأمنية في مركز سوث24، العميد ثابت حسين، أن الجنوبيين عموماً كانوا هدفاً للهجمات "الإرهابية" سواء في شكل دولة نظام الرئيس السابق صالح، بدءاً من استهداف "ماجد مرشد سيف" مستشار وزير الدفاع آنذاك؛ الذي اغتيل بعد الوحدة اليمنية في يونيو عام 1992، إلى وضع الدولة الحالي، الذي انتهى بمحاولة اغتيال محافظ محافظة عدن، "بن لملس" إلى جانب وزير الثروة السمكية في حكومة المناصفة، اللواء "سالم السقطري".
ويضيف العميد ثابت، أن "تكثيف العمليات "الإرهابية" ضد الجنوبيين بشكل عام، والمجلس الانتقالي بشكل خاص، إلى جانب التحشيد باتجاه الضالع وكرش والصبيحة ولودر، وتسليم ثلاث مديريات في شبوة من قبل (الإخوان المسلمين) إلى الحوثيين، "كلها تستهدف القوات الجنوبية والمشروع الجنوبي"، وهي "محاولة لإظهار الانتقالي الجنوبي بأنه لا يستطيع تأمين عدن، أو يكوّن دولة."
ويضيف العميد ثابت، أنّ "الانتقالي الجنوبي يستطيع إدارة عدن وكامل محافظات الجنوب، ولديه القدرة على إنشاء دولة مدنية ذات حكم رشيد، تكون سنداً لجيرانها في الخليج والمجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب".
تشديد أمني وتذمر محلي
مما لا شك فيه، أن تشديد الاجراءات الأمنية في العاصمة عدن وفي الطرقات المؤدية لمحافظات جنوبية أخرى، تسيطر عليها قوات أمنية وعسكرية جنوبية، لا تلقى ترحيباً من بعض خصومهم. ويمكن معرفة ذلك؛ من خلال جردة سريعة للتغطية الإعلامية التي تتناولها عدد من الوسائل المناهضة لسياسة المجلس الانتقالي الجنوبي والوحدات الأمنية والعسكرية التي تدير المناطق الجنوبية تحت سيطرته.
إن التغطية الممنهجة للوضع الأمني في عدن وغيرها، التي يستثيرها الإعلام المناهض بطريقة تهويلية ويتفاعل معها بعض النشطاء المحليين، تنقلب إلى صورة سلبية مناقضة لحقيقة الدور الأمني المراد إرساءه. وليس من الخطأ القول، أنّ هناك اختلالات وأفعال أمنية فردية تفتقر للتنظيم، مما تتسبب أحياناً إلى انتهاكات، كما حدث في قضية مقتل "عبد الملك السنباني" التي تحوّلت منتصف سبتمبر الماضي إلى قضية رأي عام [2]. بيد أن الحملات المنظّمة تجاه الأمن في عدن بشكل خاص والمحافظات الجنوبية بشكل عام، تبدو مقصودة ودؤوبة، ويرى البعض في احتمال التهويل منها أنه صرف للنظر عن الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها جماعتا (الإخوان المسلمين والحوثيون) في تعز وصنعاء، على سبيل المثال: ارتكبت جماعة مسلحة تتبع قيادات عسكرية وأمنية وتنتمي لحزب الإصلاح في تعز [3]، جريمة إبادة مروّعة بحق أسرة الحَرِق، بإعدام 5 من أبناءها قرب منزلهم مطلع شهر أغسطس، مما خلف حالة من السخط الشعبي ضد الانفلات الأمني والفوضى في مناطق سيطرة الحزب. كما ارتكب الحوثيون إعدامات جماعية في صنعاء بحق 9 ضحايا بينهم مراهق، بسبب تهمة تسريب إحداثيات لطيران التحالف العربي نفذها في الحديدة أدت لمقتل صالح الصمّاد، رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين في إبريل 2018، إضافة إلى عدة حوادث قتل مواطنين في نقاط أمنية حوثية.
على مستوى النخب الجنوبية، ينبغي القول إن تحليل ظاهرة الاندفاع تجاه هذه الحملات مهم، خاصة المتعلقة بقضايا أمنية في جنوب اليمن، دون طرح هذه النخب لتساؤلات عن عدم اهتمام الرأي العام اليمني شمالاً وجنوباً، بقضايا تحدث في مناطق سيطرة حزب الإصلاح والحوثيين بذات القدر من الأهمية، عن تلك التي تحدث في مناطق سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي. التي غالباً ما يتناولها الجنوبيون بطريقة "جلد الذات" المستمر، والتشكيك في دور الأمن بالتركيز على قضايا ذات اختصاص أمني، يمكن أن تطبقها أي أجهزة أمنية في دول عديدة مستقرة.
ليست ثمة مبالغة في القول، أن هناك انقياد واضح تجاه هذا النوع من الحملات من قبل بعض أفراد المجتمع المحلي، لعوامل عدة ربما، من بينها تحليل الظاهرة التي وقعت، أو بدافع إثبات صحة تفسيرات معينة، أو لمجرد الهجوم على القيادات السياسية والعسكرية التي يختلفون معها، بعيداً عن اعتبارات الصالح الأمني والعسكري للجنوب. أو ربما هو انجراف ينم عن عاطفة أو كبرياء أو عدم اطلاع وإلمام بالصورة الحقيقية للمشهد كاملاً. ويمكن القول؛ أن أحد التفسيرات تشير إلى أنّ المجتمع في جنوب اليمن، خاصة الأجيال الأخيرة، نشأت في بيئة لديها القدرة على النقد والمواجهة وإبداء الرأي، وعدم الصمت تجاه تصرفات أمنية متشددة تراها خارجة عن المألوف، رغم أنها تبدو طبيعية في دول مستقرة سياسياً وأمنياً، كفحص البطائق وتأمين المنشآت والطرقات العامة.
خلاصة ما يحدث في الجنوب وتداعياتها المختلفة، تبدو من وجهة نظر المراقب الجنوبي أنها تؤدي أدوارا متكاملة: تكمن أحد أهداف التغطية الإعلامية المسيئة إلى خلق حواجز وعراقيل لا يمكن تجاوزها بين القوى الجنوبية ودول العالم والمنظمات الدولية لمنع أي تعاون أو تنسيق خصوصا في مجال مكافحة الإرهاب، فيما يبدو أنّ طريقة التخلص من القيادات والناشطين الجنوبيين تتم غالبا عن طريق "عمليات إرهابية"، وهذه الطريقة الممنهجة تعفي أي جهة من أي مسئولية.
وبناءً على المعطيات السابقة، فإن الحادثين الأخيرين في العاصمة عدن، أكدا على أهمية تشديد الدور الأمني والعسكري في جنوب اليمن، وعلى أهمية توعية المواطنين بالتعاون مع الجهات الأمنية وتشجيع عملها، لاسيما ومحصّلة التواصل مع رجال الأمن بدأت في التضاؤل مؤخراً، في ظل التشويش الذهني حول كثير من القضايا الأمنية المطروحة على الساحة الجنوبية، ومحاولة الحد من الحيرة الإعلامية التي تتسبب بها الوسائل المناهضة لعمل الجهات الأمنية في العاصمة عدن وغيرها من المناطق.
على الأرجح، أن تواصل الجهات الرسمية الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي في العاصمة عدن، مع وسائل إعلام محلية وخارجية وتزويدها بكل ما تحتاجه من أخبار ومعلومات موثوقة أولاً بأول، سيكون رافداً مهماً ورئيسياً لتغذية وسائل الإعلام بالأخبار والتصريحات وما يرافقها من متطلبات التغطية ومصادرها دون أي وسائط تشويش، إضافة إلى أنه عامل مهم يرفع من مستوى الأمن وحضوره وتأثيره على نحو إيجابي. كما أن وضع مقاربة لإصلاح المؤسسة الأمنية والعسكرية؛ قد تتطلب اهتماماً أكبر من الانتقالي الجنوبي، مما يساهم في تعزيز ثقة المواطنين بهذه القوات، لتحقيق الصالح العام لكافة أبناء المجتمع في جنوب اليمن.
زميلة باحثة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: من الهجوم الذي استهدف محافظ عدن، أمس الأحد، 10 أكتوبر 2021 (مقتطعة، وكالات)