رويترز
23-05-2023 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | د. إيمان زهران
أفضت الفترة البينية بين "قمة الدمام - 2018" و "قمة جدة - 2023" إلى تحركات إقليمية متباينة تُوجت بوصول أغلب الدول العربية لأعلى درجات النضج السياسي والإصلاح المؤسسي، عقب مرحلة من التوتر والاضطراب السياسي والأمني شملت أغلب أقطار المنطقة منذ عام 2011، ليُصبح الرهان الحالي على استكمال استعادة المنظومة العربية، وإعادة الدفع بمسارات التسوية السياسية بالدول المأزومة للخروج من "مأزق الاضطراب" واستعادة الدولة الوطنية. بالإضافة إلى المضي قدماً لإعادة هيكلة "النظام العربي الجديد" واستحداث آليات جديدة ومقاربات تكاملية ناجعة لمواجهة التحديات الراهنة على المستويين الإقليمي والدولي.
تحولات إقليمية
تأتي القمة العربية في دورتها الـ32، كمحاولة لتحييد الخلافات الفرعية وإعادة ترتيب "البيت العربي" في ظل واقع سياسي يتسم بالفوضى والغموض وتتشابك معه أطراف أجنبية خارجية وأجندات داخلية متخبطة، فضلاً عن تردي الأوضاع الاقتصادية عربياً جراء بطئ التعافي من الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا وما فرضته سياسات الإغلاق من توقف لأغلب المشروعات الاقتصادية والاستثمارية والتنموية، بالإضافة للارتدادات المتباينة للحرب الروسية – الأوكرانية على المنطقة العربية، وحجم التهديدات القائمة والمُحتملة خاصة بملفي الطاقة والأمن الغذائي. لتُعيد "قمة جدة" ترتيب الأوراق العربية بما يتوافق مع نسق التحولات الإقليمية القائمة، وأبرزها:
- المصالحة الخليجية "إعلان العلا": في إطار القمة الخليجية الـ 41 في يناير 2021، تم الإعلان عن "اتفاق العلا"، كخطوة تؤسس لطي الأزمة الخليجية، وعودة العلاقات بين جميع الدول الخليجية إلى ما كانت عليه قبل بدء الأزمة في 5 يونيو 2017، بما يحقق وحدة الصف والتماسك بين دول مجلس التعاون، ويُعزز عودة العمل الخليجي المشترك إلى مساره الطبيعي، للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة [1].
- الاتفاقيات الإبراهيمية: اكتسبت "الاتفاقيات الإبراهيمية" [2] زخماً جيوسياسياً بمنطقة الشرق الأوسط، نظراً لما تفرضه من محددات جديدة في إعادة ترسيم جغرافيا القيم الصراعية بالمنطقة وفقاً لـ "الأجندة الجديدة" التي يحملها قيادات خليجية وعربية لمعالجة تحديات الإقليم القائمة والممتدة. بالإضافة إلى ما تؤسس له تلك الاتفاقيات من معالجات تكاملية شرق أوسطية على المستويين الاقتصادي والتنموي، إذ تطرح تلك الاتفاقيات مشروعاً للتعاون/ والتكامل في المنطقة والخليج والبحر المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي بأبعاد استراتيجية ذات مردود اقتصادي قد تعيد تشكيل هيكل الشرق الأوسط، وشكل التحالفات والشراكات بين دول المنطقة. بالمقابل، على الرغم من كون تلك الاتفاقيات تُعد بمثابة "منصة ناشئة" لخفض التصعيد وخلق آفاق للتعاون الإقليمي، إلا أنها لا تقدم بديلاً عن الأطر الدولية الخاصة بتسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي [3].
- الاتفاق السعودي – الإيراني: حيث تم الإعلان في 10 مارس 2023 عن استئناف العلاقات السعودية – الإيرانية عبر الوساطة الصينية، لتُعيد بتلك الخطوة ترسيم المشهد السياسي على المستوى الإقليمي الفرعي، وذلك على مستويين [4]، المستوى الأول: تصفير المشكلات إقليمياً كأحد أهم انعكاسات استئناف العلاقات السعودية الإيرانية، وما يتعلق بإعادة صياغة العلاقات الصراعية – القائمة والمُحتملة - إلى علاقات أكثر تعاونية. خاصة بعد مُجمل الارتدادات السلبية على دول الإقليم جراء جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية. وهو ما يدفع بدول المنطقة نحو انتهاج سياسية "تصفير المشكلات" بدءًا من إنهاء الخلافات "الخليجية- الخليجية"، وخطوات الحوار المصري التركي، والتحركات القائمة لعودة سوريا للحاضنة العربية، وما تلى ذلك من انعكاس التفاهمات السعودية الإيرانية على إدارة خريطة التمدد الإيراني بالدول المأزومة سياسياً وأمنياً، وفي مقدمتها اليمن، وسوريا، والعراق، ولبنان. والمستوى الثاني: تعزيز ملف المصالحات عبر استدعاء ما يُعرف بـ "نظرية الدومينو"، حيث من المُرجح أن يتم استثمار الحدث في تعميق المصالحة الإيرانية مع الإمارات، إذ برغم استئناف العلاقات بين طهران وأبوظبي، لكن المصالحة الأخيرة قد تنزع الفتيل المشتعل دوماً على خلفية أزمات كثيرة، أهمها احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاثة "طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى". فضلاً عن احتمالات تحسين العلاقات المضطربة مع دولة البحرين، وكذلك عودة العلاقات بين مصر وطهران، والمتوقفة منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979. إذ أن أحد أسباب استمرار قطع العلاقات كان الرفض المصري للتهديدات الإيرانية لدول الخليج العربي.
- مشروع "الشام الجديد": تعود جذور مشروع الشام الجديد لدراسة أعدها البنك الدولي في مارس 2014 [5]، لكن بخريطة جغرافية أوسع، واشتملت على دول بلاد الشام، سوريا ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى تركيا والعراق ومصر. كما أُعيد طرح المشروع مرة أخرى إبان رئاسة "حيدر العبادي" للحكومة العراقية، ولاحقاً أطلقت الدول الثلاث آلية للتعاون بدأت من العاصمة المصرية القاهرة في مارس 2019، وتلاها إبان القمة الثانية في نيويورك في سبتمبر 2019. كمحاولة لإخراج دولة العراق من عزلتها في محيطها الجيوسياسي، إذ أن مشروع "الشام الجديد" يُعد بمثابة مدينة اقتصادية عراقية مصرية أردنية، يضم من خلاله عدداً من المشروعات الاقتصادية والتنموية، أبرزها: الاتفاق على تعزيز مشروع الربط الكهربائي وتبادل الطاقة الكهربائية بين الدول الثلاث. وتوفير منفذ لتصدير النفط العراقي عبر الأردن ومصر عبر المضي باستكمال ما يُعرف بـ "خط الغاز العربي" [6]، وذلك كخطوة نحو نمذجة "التكامل الاقتصادي العربي".
- استعادة سوريا للحاضنة العربية: نظراً لجُملة التهديدات والتحديات التي تُحيط بالإقليم العربي، أصبح هناك حاجة لإعادة التوازن العربي الإقليمي بفتح قنوات الاتصال واستئناف الحوار بين الأطراف العربية في المقام الأول، وهو ما تُوج بنجاح المساعي والتحركات العربية باستعادة دمشق إلى الحاضنة العربية، وتمثيل الرئيس السوري "بشار الأسد" خلال اجتماعات الدورة الـ 32 للقمة العربية في المملكة العربية السعودية.
- الموجة الثانية من الربيع العربي: ثمة إعادة إنتاج لموجات الاضطراب السياسي والأمني بعدد من الدول العربية على نحو ما قد يُعرف بـ "الموجة الثانية من الربيع العربي"، وهو ما يتم متابعة خطواته خاصة في كل من السودان ولبنان والعراق والجزائر، في ظل بيئة إقليمية ودولية غير مواتية، وتنافس صيني وروسي وإيراني قوي في المنطقة، ومناخ دولي مضطرب لا يبالي بأوضاع المنطقة، جراء الاستدارة نحو مواجهة الانعكاسات المتباينة لتطورات الحرب الروسية الأوكرانية.
اختبارات قائمة
أرست القمة العربية في دورتها الـ 32 مقاربة نوعية جديدة تضمنها البيان الختامي "إعلان جدة"، وذلك بالنظر إلى السياقات الاستراتيجية لتلك القمة المحيطة بانعقادها سواء على المستوى الإقليمي والحديث عن موجة ثانية من الربيع العربي، أو على المستوى الدولي وحجم الارتدادات المتباينة للحرب الروسية الأوكرانية على هيكل النظام الدولي، فضلاً عما تضمنته مخرجات القمة من مقاربات نوعية حول إعادة صياغة أطر التضامن العربي، وذلك بالنظر إلى:
- رأب الصدع العربي - العربي: تتمثل تلك النقطة فيما تضمنه "إعلان جدة" من استئناف العلاقات العربية – السورية، وهو ما يؤسس إلى التوجه العربي نحو "فك الارتباط" بين الدول العربية والكتلة الغربية الرافضة لنظام الأسد. إذ رحب البيان الختامي للقمة العربية بقرار استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات والأجهزة التابعة لها، وأعرب عن أمله في أن يسهم ذلك في دعم استقرار الجمهورية العربية السورية، والمحافظة على وحدة أراضيها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، وأهمية مواصلة وتكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سوريا على تجاوز أزمتها، اتساقًا مع المصلحة العربية المشتركة والعلاقات التي تجمع الشعوب العربية كافة [7].
- أولوية القضية الفلسطينية: تم التأكيد بالقمة العربية وبيانها الختامي على مركزية "القضية الفلسطينية" للأمة العربية، والهوية العربية للقدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين، وحق فلسطين في السيادة المطلقة على أرضها المحتلة عام 1967 كافة، بما فيها القدس الشرقية، بالإضافة إلى التأكيد على أهمية تفعيل "مبادرة السلام العربية" [8].
- دعم التهدئة في السودان: أعرب البيان الختامي للقمة العربية عن بالغ القلق من تداعيات الأزمة السودانية على أمن وسلامة واستقرار الدول العربية والمنطقة، مشدداً على ضرورة التهدئة وتغليب لغة الحوار وتوحيد الصف، ورفع المعاناة عن الشعب السوداني، والمحافظة على مؤسسات الدولة الوطنية، ومنع انهيارها، والحيلولة دون أي تدخل خارجي في الشأن السوداني يؤجج الصراع ويهدد السلم والأمن الإقليميين [9]. والبناء على ما توصل إليه طرفا الأزمة السودانية من التوقيع على "اتفاق مبادئ أولي" بوساطة سعودية، كخطوة لتوفير الحماية للمدنيين، والحفاظ على المنشآت والمرافق العامة، وتسهيل عمليات الإجلاء.
- دعم مسارات الملف اليمني: جدد "إعلان جدة" التأكيد على دعم كل ما يضمن أمن واستقرار الجمهورية اليمنية، ويحقق تطلعات الشعب اليمني، ودعم الجهود الأممية والإقليمية الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية استناداً إلى المرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني اليمني وقرار مجلس الأمن رقم 2216، ودعم مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، لإحلال الأمن والاستقرار والسلام في اليمن بما يكفل إنهاء الأزمة اليمنية [10]. وهو ما يؤسس لـ "المرجعية العربية" الداعمة للأطراف المنخرطة بـ "المسألة اليمنية"، أخذاً بالاعتبار الأجندة الجنوبية بمسارات الحل المُقترحة إقليمياً وأممياً.
تأسيساً على ما سبق، تأتي الدورة الـ32 للقمة العربية، لتُعيد ترسيم مشهد العلاقات العربية – العربية على نحو يتسم بمزيد من الإدراك والنضج السياسي والإصلاحي، بما يؤسس لأهمية تضافر العمل العربي المشترك، وفك الارتباط بالقوى الخارجية، والتوافق حول "منهاجية العمل" في القضايا التقليدية كالصراعات المسلحة بالدول المأزومة عربياً مثل اليمن والعراق وليبيا والسودان ولبنان وسوريا، وبحث أطر التعاون المشترك لمجابهة التهديدات غير التقليدية وفي مقدمتها أزمة سلاسل الإمداد، الأمن الغذائي، الشح المائي، التغيرات المناخية، الأوبئة. وذلك في ظل توافق عربي حول إعادة ترميم "النظام الإقليمي العربي" بما يتسق مع التوجهات العالمية للتحلل من نمط الأحادية وإعادة صياغة نظام دولي متعدد الأقطاب.
قبل 8 أيام